26/05/2021

التجديد القديم واخوه العصراني

 

وصلتني من احد الأصدقاء الأعزاء رسالة طويلة ، أرادها ردا على مقال الأسبوع الماضي. وخلاصة الحجج التي ساقها الصديق ، هي ان الدعوة لتجديد الدين ليست جديدة. وقد كتب عنها عشرات الكتب والرسائل. اما الكتابات الجديدة ، فلا تخلو من شائبة الانبهار بالفكر والمدنية الغربية ، فلا يؤمن الخطر من جانبها.

والحق ان ما قاله الصديق لايبعد عن الواقع. ويظهر ان اقدم ما وصلنا من كتابات الاسلاف في هذا الموضوع ، هو رسالة "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة" لجلال الدين السيوطي (1445-1505م) وقد حققها وطبعها المرحوم عبد الحميد شانوحة (1947-2020) وله عليها تعليقات لا تقل قيمة عن متن الرسالة ان لم تزد. واقتصرت الرسالة على مراجعة الروايات المختلفة لحديث النبي (ص) الذي فحواه ان الله يبعث للأمة على رأس كل قرن من يجدد لها دينها ، والنصوص التي جرت مجراه ، ثم الاقوال المختلفة في تعيين من ينطبق عليه وصف "المجدد" في كل قرن من القرون السابقة.

السير سيد احمد خان 1817م-1898م

واطلعت أيضا على كتاب طريف في هذا الباب ، هو "مفهوم تجديد الدين" لبسطامي محمد سعيد ، الذي خصص مايزيد عن ثلثي صفحاته لنقد "المفهوم العصراني للتجديد" أي النقاشات الحديثة في الفكر الديني ، الصادرة من خارج المدارس التقليدية ، او التي من داخلها لكنها تأخذ منحى نقديا لمناهجها وثقافتها. وقد سمى تحت هذا الوصف جملة مفكرين ، أولهم سيد أحمد خان ، المفكر الهندي ، ثم محمد اقبال ، الفيلسوف والشاعر الباكستاني ، ثم الشيخ محمد عبده وعلي عبد الرازق ومحمد اسد وعبد الله العلايلي وآخرون.

أقول ان هذا الكتاب طريف ، لأنه اتخذ معيارا وحيدا تقريبا في نقده لما اسماه بالمفهوم العصراني ، هذا المعيار هو خروج الفقيه أو المفكر عن القواعد الموروثة في علوم الدين. بعبارة أخرى ، فهو يعتبر تجديدهم باطلا ، لأنهم أرادوا الانعتاق من التفسيرات القديمة والأفكار القديمة ، أي انهم سعوا للتجديد الفعلي. هذا الكتاب اقرب الى مرافعة ضد الحداثة ، مما هو حول التجديد.

والمشهور بين الدعاة وعامة الناس ، ان جوهر التجديد هو الرجوع لما يسمونه الاصول الصافية ، اي القرآن الكريم والسنة النبوية. وهم يرون ان المشكل هو "علم الدين" اي الشروح والتفاسير والاجتهادات ، التي اعطيناها مرتبة تماثل الدين. فالتجديد عندهم هو ترك تلك الاراء والعودة للأصل.

لكن هذا يقودنا الى مشكل آخر: هل سيكون لكل العلماء المعاصرين حق متساو في العودة للنص والاجتهاد فيه ، ام ان هذا الحق محصور في اشخاص بعينهم او مدرسة بعينها؟.

اذا فتح الباب للجميع (وهو الاكثر معقولية) فكل ما ينتجه المفكرون والعلماء سواء في القيمة ، من أخذ بهذا الاتجاه ومن أخذ بنقيضه ، من اعتمد مناهج البحث القديمة او أخذ بتلك التي تطورت في اوربا. واذا قلنا بان الباب مقصور على العلماء الراسخين في علم الشريعة ، بمعنى ان تفكيرهم الديني بني وتطور في اطار علم الشريعة الموروث ، فسوف يكون العلم الذي يحملونه ، هو العلم الذي نتوقع منهم ان يتخلوا عنه! ، فهل هذا ممكن واقعيا؟.

اردت القول ان مفهوم التجديد هذا ، غير مفيد ولايثمر عن تجديد حقيقي. التجديد بمعنى المزامنة والمعاصرة ، مشروط باجراء مطالعة نقدية في الاصول نفسها ، لاستكشاف الفاصل بين الافق التاريخي للنص ورسالته الداخلية. ولعلنا نعود لهذه الفكرة في قادم الأيام.

الشرق الأوسط الأربعاء - 14 شوال 1442 هـ - 26 مايو 2021 مـ رقم العدد [15520]

https://aawsat.com/node/2992456/

مقالات ذات علاقة

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب "الحداثة كحاجة دينية"

الحداثة تجديد الحياة

الحداثة كحاجة دينية

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

قراءة أهـل الشك

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

23/05/2021

ايلاف .. قصة رؤيا صادقة



أبدأ بتوجيه التحية الى الصديق العزيز الأستاذ عثمان العمير ، والى جميع الزملاء العاملين في صحيفة ايلاف ،  في عيدها العشرين. انظر اليوم اليها كتحد استطاع صانعوه ان يثبتوا انهم يسايرون الزمن ، واتذكر الشهور الأولى من صدورها ، حين كتب اكثر من شخص ، ان الصحافة الالكترونية لن تستطيع ابدا ، ان تأخذ مكان الصحافة الورقية التقليدية. وجرد بعضهم قائمة أسباب ، من بينها ان "الناس تحب رائحة الورق"! ، أو ان "القراءة ارتبطت بالورق ، ولن يترك القراء الورق حتى يتركوا القراءة"!. ومثله القول بان الصحيفة اليومية اعظم من فرقة عسكرية ، وهذا لن يعوض بصحافة الانترنت .. الخ.

عثمان العمير

أتذكر هذه الآراء ، بينما تمر في ذاكرتي أسماء الصحف الكبرى التي توقفت اصداراتها الورقية ، بدء من كريستيان ساينس مونيتور الى الاندبندنت ، والطبعة الدولية من وول ستريت جورنال ، إضافة الى صحف عربية شهيرة مثل السفير والانوار البيروتيتين ، والشرق والحياة السعوديتين ، والنهار الجزائرية.. الخ.

لدي اعتقاد عميق بأن الصحافة الورقية شمس غاربة ، ليس فقط بسبب التكاليف ، وليس فقط لأن أدوات الانترنت باتت أقدر على ايصال الخبر في ساعته. بل لأن العالم يمر بتحول جذري لم يسبق له مثيل في تاريخه ، وهو يتضمن تغييرا في بعض المفاهيم التي تلعب دور أداة الفهم او مفتاح الفكرة ، والتي نستعملها في فهم ذواتنا والعالم المحيط بنا. احد تجسيدات هذا التحول هو تحول الفعل الثقافي الى تفاعل ثقافي ، ودخول المتلقي كشريك في صنع الفكرة او تطويرها ، ومنه أيضا تحول الاطار الموضوعي للفكرة (ربما نسميه الافق التاريخي ) من المحلي المتصل ماديا بالفرد ، الى اطار عالمي او معولم. كلا العنصرين يجعل الصحيفة الورقية (وكافة وسائل التواصل التي يقتصر دورها على نقل الفكرة في اتجاه واحد) غير فعالة ، لانها غير قادرة على تلبية تطلعات انسان هذا العصر ، الذي يتحول سريعا في نفس السياق.

كان كارل ماركس يعتقد ان الأدوات الناقلة للثقافة ، بل كل أداة جديدة يستعملها البشر ، تلعب دورا في تحديد طبيعة الثقافة وموضوعاتها وأولوياتها. وأظن ان البروفسور مانويل كاستلز هو أفضل من شرح دور الشبكة الدولية للمعلومات ، اي الانترنت ، في تشكيل ثقافة العالم الجديدة وتحديد طبيعتها واولوياتها وأدواتها ، على نحو مختلف تماما عما عرفناه حتى اواخر القرن العشرين.

مبروك اذن لصحيفة ايلاف التي وفقت في التقاط الخيط الابيض ، روح العالم الجديد ، وركبت أمواج المغامرة التي ارتاب الكثيرون في عواقبها ، وبرهنت على ان الفكرة الذكية تصنع الفرق.

ايلاف  23  مايو 2021 

https://elaph.com/Web/News/2021/05/1329056.html?

  

19/05/2021

أزمان طيبة وأخرى .....!


"حقبة الخلف الصالح" هو عنوان مقال الزميل حسين شبكشي ، في هذه الصحيفة يوم الاحد الماضي. لا بد ان بعض القراء قد تبسم وهو ينظر في هذا العنوان الغريب. وقد ذكرني بتقليد سائر بين دارسي العلوم الشرعية ، فحواه انهم يطلقون وصف "بقية السلف" اذا أرادوا المبالغة في مدح عالم كبير ، ولا سيما عند وفاته. فكأن الأصل ان هذا العظيم قرين للماضين ، فنلحقه بهم وليس بأقرانه الأحياء.

ويعتقد الزميل شبكشي ان التقدير الوافر للاسلاف ، مقابل قلة الاكتراث بالمعاصرين (الخلف) مرجعه الحديث المنسوب للنبي "خير القرون قرني" الذي فسر في ان عموم المعاصرين له عليه السلام والجيل الذي يليهم ، خير من عامة من يأتي تاليا.

ويجري نفس المجرى – في ظني - الروايات المتعلقة بخروج المهدي في آخر الزمان ، إذا "امتلأت الأرض ظلما وجورا". فهذه وذاك يتحدثان عن سير تراجعي للتاريخ: كلما تأخر الزمن زاد فساده ، وكان أهله أقل خيرية ممن سبقهم .

لا استطيع تكذيب تلك الروايات ، مع اني لاحظت ان علماء الحديث قد صرفوا جل اهتمامهم الى سنده ، اما دراسة  المتن فاقتصرت على التحقق من اتحاد او اختلاف الالفاظ ، في الروايات المتعددة للحديث الواحد ، ونادرا ما اهمتموا بمعقولية المتن ومطابقته للواقع الذي نعرفه ، او حتى مطابقته لروح الرسالة المحمدية وما نفهمه من آيات الكتاب المبين. وقد أشار الى طرف من هذه العلامة ابن خلدون ، في نقده لمناهج بحث الرواية التاريخية ، في "المقدمة".

لست إذن في صدد التعرض لصحة هذه الاحاديث وغيرها. لكن يهمني الإشارة الى ان مفادها مخالف لما نعرفه من الواقع وأوامر القرآن الصريحة ، وحكم العقل. والمفاد المقصود هو فرضية ان التاريخ البشري يتراجع ، وان التالي اقل خيرية من السابق.

اما مخالفتها لأوامر القرآن فيظهر في مفاد الأمر بالجهاد والدعوة للفضائل. فلو لم يكن متوقعا ان يفضى هذا الامر الى تغيير الحال الى ما هو أحسن ، لكان الأمر به عبثا ، لا سيما اذا كان تنفيذ الامر مستوجبا لتضحيات جسيمة ، فكيف يكلفنا الله بشيء مع علمه بان الأمور لن تتعدل ، لانها تسير -وفقا لحتمية تاريخية - في الاتجاه المعاكس؟.

وأما مخالفتها لحكم العقل فيظهر في الربط بين العمل والناتج. يأمرنا العقل بفعل معين ، بناء على تقدير منطقي سابق ، فحواه أن سوء الحال وحسنه ثمرة لفعل البشر وتصرفهم. القول بان الآتي سيكون حتما أسوأ من الماضي ، معناه ان كل سعي للخير سينتهي الى عكسه ، أي ان العمل للخير وعدم العمل سواء في النتيجة.

وأما مخالفتها للواقع ، فظاهر في المقارنة بين واقع البشرية في الماضي والحاضر. فعدد المسلمين تضاعف الف مرة ، وانتشارهم في العالم كذلك ، وتقلص الظلم في العالم ، وبات القرآن ميسرا لكل البشر بمختلف لغاتهم ، وتعاظمت العلوم والمعارف ، وارتفعت قيمة الانسان ، وزاد الاهتمام بالعمران وحماية الطبيعة والحيوان. وهذه كلها من مقاصد الشريعة التي لا خلاف فيها. أي ان العالم سائر في تطبيق ما أراد النبي تبليغه ، ولو تحت مسميات أخرى. فهل زمننا هذا اقل قيمة من أزمان الامويين او العباسيين او المماليك او السلاجقة او امراء الطوائف على سبيل المثال؟.

لقد اثار الزميل شبكشي مسألة في غاية الأهمية ، وهي تثير سلسلة من الأسئلة ، يتلخص احدها في مسألة التفاضل بين الأزمنة ، وفق المتعارف في التراث. وارى اننا بحاجة للتأمل فيها من دون انبهار ولا توجس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 7 شوال 1442 هـ - 19 مايو 2021 مـ رقم العدد [15513]

https://aawsat.com/home/article/2980471/

مقالات ذات علاقة 

12/05/2021

من الراي الواحد الى التعددية الدينية

 

حديث صاحب السمو ولي العهد في منتصف رمضان ، حول الاعتدال والاجتهاد المستمر والمتجدد ، لفت أنظار المهتمين ، حتى أن بعضهم عده "غير مسبوق".

نعلم ان هذه الأقوال او نظائرها ، قد تكررت على ألسنة كبار المسؤولين في السنوات الماضية. لكن الصراحة تقتضي القول بانها اعتبرت يومذاك نوعا من الديباجات الرسمية ، التي تقال في سياق اعتذاري او دفاعي ، ردا على النقد الذي وجه للايديولوجيا الرسمية في الاعلام الخارجي. كان الكلام المتعارف فيما سبق ، يصر على ان المنهج الديني الرسمي ، مثال على الوسطية والاعتدال ، وكان الجميع يرى في الواقع شيئا آخر.

هذا احد الأسباب المهمة التي جعلت حديث ولي العهد ، ملفتا جدا للمهتمين بالمسار الثقافي/الديني ، فقد رأوه مختلفا عما قيل في الماضي. فهو لم يأت في سياق تبريري ولا دفاعي ، ولم يكن معنيا بالرد على نقد خارجي ، بل كان ببساطة يتحدث عن نهج جديد يراه بديلا اصلح لحاضر البلد ومستقبلها.

اننا نفهم هذا الحديث في اطار سياق عام ، هو مجموع السياسات التي تبنتها الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة. وهو سياق يؤكد ان ولي العهد يطرح "خطابا جديدا" وليس مجرد نسخة جديدة من الديباجة القديمة. 

ولهذه المناسبة ، يهمني الإشارة الى ان نجاح "الخطاب الجديد" رهن بترسيخ النسق الذي يخدمه. النسق المنسجم مع مباديء الحداثة وحاجات الدولة الحديثة.

وأذكر في هذا الصدد عنصرين ، لهما صلة قوية بمفهومي الاعتدال والعقلانية اللذين طرحهما الأمير محمد ، وهما مبدأ التنوع الثقافي والديني ، ومحورية العلم الحديث في التوجيه العام.

فقد أشار ولي العهد الى انه لم يعد مناسبا ان يتكل المجتمع والدولة على آراء لشخص واحد في كل قضية. لو اردنا ترجمة هذا الكلام ، فان مقصوده ليس التوسع من مذهب واحد الى أربعة او خمسة أو اكثر او اقل ، بل الانفتاح على الرأي العلمي بكل أشكاله ومصادره.

سوف نواجه هنا إشكالية معروفة ، خلاصتها ان الفقهاء التقليديين قد تعارفوا على تقديم النص على أي دليل علمي حديث (انظر مثلا قضية رصد الهلال) وتقديمه على أي مصلحة عقلائية ظاهرة ، اذا كان مفاد هذه او ذاك مخالفا لما يفهمونه من النص.

وقد ابتكروا نظرية تقول بان النقل مقدم على العقل مطلقا. وهي تتداول فيما بينهم ، كما لو كانت آية من كتاب الله او بديهية من البديهيات ، مع انها مجرد رأي اجتهادي ، قاله أحدهم ورضي به الباقون.

ان الايات الدالة على مصدرية النقل ، لا تشكل ردا على هذا ، لأنهم في الحقيقة لا يستدلون بالآية او الحديث ، بل بفهمهم لمضمونه ومراده. ومع علمنا بان فهم الشخص لأي نص ، يتأثر بالضرورة ، بخلفيته وافقه التاريخي ، فان هذا الفهم لا يمكن اعتباره ذات المعنى المنطوي في النص ، بل أحد المعاني المحتملة. ولهذا لا مبرر لتقديم الاجتهاد التقليدي على غيره ، ولا مبرر لرفض الدليل العلمي بحجة ان النص اعلى منه.

زبدة القول ان ترسيخ التنوع وتجديد الفكر الديني ، رهن بالتعامل مع الدليل العلمي كفهم معتبر للشرع ، مماثل لسائر الافهام ، إضافة الى اشتراط احتواء الراي الفقهي على مصلحة عقلائية راجحة وصريحة ، قبل تطبيقها على المستوى العام ، وأخيرا إلغاء الرقابة على مصادر الثقافة الدينية ، من مختلف الأديان والمذاهب والاتجاهات ، بما فيها المصادر الناقدة للمدرسة التقليدية.

الشرق الأوسط الأربعاء - 30 شهر رمضان 1442 هـ - 12 مايو 2021 مـ رقم العدد [15506]

https://aawsat.com/node/2968146/

مقالات ذات علاقة

تأملات في حدود الديني والعرفي

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

العلم في قبضة الايديولوجيا: نقد فكرة التاصيل

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

عن الدين والخرافة والخوف من مجادلة المسلمات

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فقه جــديد لعصر جـديد

الفكــرة وزمن الفكـرة

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

05/05/2021

الحرية بوصفها مشكلة

 

زميل عزيز لفت نظري الى ان السبب الرئيسي لقلق الناس من الحرية ، يكمن في ارتباطها بالتغيير. حين تقول لشخص: أنت حر ، فكانك تقول له: تستطيع الانعتاق من حالك الراهن ، من التزاماتك التي تربطك الى وضع سابق.

لايوجد سبب لتطلع الانسان الى الحرية ، سوى شعوره بالحاجة لتغيير الوضع الذي هو فيه ، والذي يراه قيدا عليه ، قيدا ماديا او ذهنيا او روحيا. ولا يوجد سبب كي يدعوك أحد الى تقبل الحرية ، سوى شعوره بأنك في حاجة الى تغيير وضع يراه مقيدا لك.

ان تاريخ النقاش في مفهوم الحرية ، يتوازى مع محاولات الانسان لتغيير ذاته ، وتغيير المكان الذي يحتله في الكون. قد يكون من ضروب المبالغة لو قلت ان التفكير في الحرية ، هو الذي فتح أبواب العلم ، وهو الذي أوجد حاجة الى القانون. أقول ان هذا قد يكون ضربا من المبالغة ، ولهذا لا اريد الإصرار عليه (ربما اعود اليه في مقال لاحق). لكن ما يمكن قوله – دون خشية المبالغة – هو ان كثيرا مما تعلمه الانسان ، جاء في سياق تطور فهمه للابعاد العديدة ، التي ينطوي عليها مفهوم الحرية ومشكلاتها.

كان الرق خلفية للنقاشات الأولى في الموضوع. بعض الناس رأوا ان استعباد البشر نقض للفضيلة ، وبعضهم اعتبروه امرا طبيعيا ، لا يعارض مقتضيات العدالة. في القرن التاسع عشر ساد انطباع عام بان الرق أمر بغيض ، حتى لو جرى تبريره بالحاجات الاقتصادية للمجتمع. ولهذا انتقل النقاش الى عوائق الحرية ، والعوامل التي تؤدي الى تقليصها او توسيعها. وظهرت عشرات من الأبحاث حول معنى ان يكون الانسان حرا ، وما يترتب على الحرية من ثمرات واضرار.

في منتصف القرن العشرين ، اشتبك النقاش في الحرية ، مع نقاش مواز في المساواة والعدالة. وبرزت نظريات تدعو لتكليف المجتمع والدولة ، مسؤولية تحويل الحرية من تطلع مثالي الى واقع يومي. ومن هذه الزاوية ، باتت الحرية جزء من مفهوم العدالة الاجتماعية. بل ان تنسيج الحرية في المنظور الفلسفي للعدالة الاجتماعية ، كان الرد الرئيس للنهج الليبرالي على نظيره الماركسي ، الذي أنكر إمكانية الحرية ، قبل تحقيق مستوى معيشي معقول.

ولعل بعض القراء يذكر الجدل الذي يثيره في العادة شعار "الحرية اغلى من رغيف العيش" الذي كان يطرح لتبرير حروب التحرر الوطني في بعض الأحيان ، وصراعات التحرر الاجتماعي ، أحيانا اخرى. مع انه في حقيقة الأمر ، لم يتحول الى معيار قطعي. فقد بقيت الحرية متأخرة عن رغيف العيش ، من حيث القيمة المطلقة.

لكن تجربة التمدن الغربي برهنت بما يقطع الشك ، على ان الانسان الحر اقدر على تدبير لقمة العيش لنفسه ولغيره ، بخلاف الانسان المقيد (ماديا او ذهنيا او روحيا) الذي لا يستطيع مغادرة مكانه ، ولا التفكير في بدائل عن الوضع الذي هو فيه.

منذ زمن سحيق ساد منظور يرى ان التقدم ، أي حل مشكلات الانسان ومشكلات العالم ، يكمن في الاستثمار الأكفأ لموارد الطبيعة. أرى اليوم منظورا مختلفا يتبلور بالتدريج ، فحواه أن تلك الحلول موجودة في ذهن الانسان ، وان ما يحتاجه الانسان هو "التحرر" من قيود الافهام المسبقة ، التي تعيق رؤية تلك الحلول. هذا يعادل تحول التركيز من العتاد (الهاردوير) كمحور للعمل الى الطريقة (السوفتوير) وهو تحول سيعرفه اكثر الناس.

الشرق الاوسط الأربعاء - 23 شهر رمضان 1442 هـ - 05 مايو 2021 مـ رقم العدد [15499]

https://aawsat.com/node/2955381/

 

مقالات ذات صلة

ان تكون عبدا لغيرك

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية ، دراسة في المفهوم والاشكاليات -دراسة موسعة 

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بين مفهومين

الحرية عند أهل الفقه

 الحرية والنظام العام

الحرية والانفلات

الحرية وحدودها القانونية

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

الخبز الحافي والحرية المستحيلة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

العلاقة الجدلية بين الحرية ورضا العامة

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

ملاحظات على حديث قصير – غريب

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

في تمجيد الحرية

يحبون الحرية ويخشونها

 

المحايد في رمضان مع سعدون محسن ضمد الضيف : د. توفيق السيف كاتب وباحث سعودي

حديث الى القناة الاخبارية العراقية 5 مايو 2021
حول الوطن والهوية والطائفية 

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...