‏إظهار الرسائل ذات التسميات جدة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات جدة. إظهار كافة الرسائل

14/08/2019

كي لايكون النص ضدا للعقل



افكر احيانا ان الجدل المعاصر حول القيمة النسبية لكل من العقل والنص في تكوين الفكر الديني ، يرجع جزئيا على الاقل ، الى مشكلة أخرى يشار اليها ولا يصرح بها ، اعني بها الحاجة للفصل بين الافكار والاشخاص ، وتوليف منظومة فكرية وقانونية واخلاقية تعتمد على استدلال معياري ، وليس على النسبة الى اشخاص بعينهم.

الدافع لاثارة المسألة هو ان الاستدلال بآراء علماء الدين المتقدمين والمتأخرين ، تحول الى تمهيد ضمني لمنع مجادلة آرائهم أو نقد منهجهم في الاستدلال. ويبدو ان مقاومة النقد قد جرى تمديده الى كل شخص او فكرة او موقف له علاقة بالدين ، ولو على سبيل الظن والاحتمال ، بل حتى لو كان من العادات أو عرضيات الشريعة ومتغيراتها.

واحدث الشواهد ما حدث في عيد الاضحى ، فقد تحدث احد الخطباء بمدينة جدة /السعودية عن عمل النساء واعتبره نوعا من السقوط. وزارة الشؤون الاسلامية تبرأت من الخطيب وخطبته. لكن عشرات الناس نصبوا انفسهم مدافعين عنه وعما قال ، لأنهم رأوا فيه دفاعا عن سنة جارية ، يسندها اجماع العلماء في العصور الماضية.

والحق ان الجدل حول عمل النساء لا موضوع له أصلا. لأن العمل بذاته من الفضائل التي حث عليها الشارع المقدس. ولم يرد تمييز بين العاملين على اساس جنسي ، عدا ما نقل عن فقهاء من آراء يرجح انها متأثرة بالظرف الاجتماعي الذي كانوا يعيشونه ، أي انها آراء في قضايا وليست حقائق شرعية قائمة بذاتها.


بيان ذلك ان الاحكام الشرعية نوعان: أحكام عامة تتناول فعلا او حالة غير مقيدين بظرف بعينه ، وتسمى هذه بالقضايا الحقيقية ، كشرب الخمر او اكل الخنزير مثلا ، فهذه حرام بذاتها في اي ظرف.
اما النوع الثاني ويعرف بالقضايا الخارجية ، فيضم الاحكام المشروطة بظرف خاص. وهي تتغير بحسب الظرف الزماني والمكاني. ومنها مثلا غالبية الاحكام المتعلقة بالمال والتجارة ، والعقوبات التعزيرية ، وأمثالها من الاحكام التي تستهدف مصالح عامة ، تتغير تبعا لتغير الظروف الاقتصادية و السياسية.  
ان ما نقله خطيب يوم العيد من نصوص وآراء فقهية ، لا يخرج اي منها عن دائرة النوع الثاني ، اي الاحكام والاراء التي قيلت في ظرف محدد ، تحت تأثير عوامل خاصة ، فلا يصح تمديدها الى ما يجاوز هذا الاطار.
بالنسبة لمن ألف التراث الفقهي فان "اسماء" الفقهاء الذين تبنوا فكرة ما ، تعتبر إمارة على  سلامة الفكرة ، ولو كانت – بمقاييس هذا الزمان – غير معقولة ، مثل ذلك الواعظ الذي زعم ان الارض تقف على قرن ثور ، لأن قولا كهذا روي عن علي بن أبي طالب. ومثله الذي اعتبر خروج المرأة للعمل سببا للزلازل والخسوف والكسوف ، لأن فقيها معروفا نسب هذا الرأي الى رواية عن النبي (ص).
زبدة القول اننا بحاجة الى فك هذا الترابط غير الضروري ، بين الرأي العلمي في الدين وبين قائله ، سواء كان نصا او حكما في مسألة. اما الغرض من هذه الدعوة فهو التوصل الى تقييم لمضمون الآراء ، بناء على معايير علمية يقبلها عامة العقلاء ، وليس بناء على اسم القائل. ان الاصرار على ان صحة الراي مبنية على نسبته الى فلان او علان ، يضعنا في حرج حين يتعلق الأمر باراء غير معقولة ، او جارحة لمشاعر العقلاء ، كما حصل في خطبة العيد المذكورة.

08/02/2010

مجتمع محافظ وليس رجعيا


في هذه الأيام شهدنا عددا من القضايا التي تعتبر علامات فارقة في مسار العمل الإداري العام. من كارثة السيل في جدة إلى حكم المحكمة العليا بإبطال الطلاق المبني على عدم تكافؤ النسب، كان للرأي العام دور فعال في إظهار أهمية المسألة والضغط على الإدارة لاتخاذ موقف يستجيب لتطلعات الجمهور.

يوم أمس كان صديق أجنبي يقول لي إن الجمهور السعودي محافظ، وهو يعني أن هذا الجمهور سلبي لا يصدر رد فعل حتى لو استطاع. وبناء على هذا التقييم يعتقد هذا الصديق أن مساهمة المجتمع السعودي في تحديث وتطوير نفسه وبلاده محدودة أو معدومة. كنت قد سمعت هذا الرأي تكرارا من متحدثين أجانب وهو أيضا متداول في صحافتهم.


المجتمع السعودي محافظ بالتأكيد وهذا الوصف يشمل حتى من يوصفون هنا بالليبراليين أو العلمانيين. لكن محافظة السعوديين لا تختلف عن محافظة نظرائهم الأجانب. هناك محافظون في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان وجميع دول العالم الأخرى، وربما يشكلون نسبة غالبة في مجتمعاتهم. وفي تركيا مثلا وصف رئيسها عبد الله غل حزب العدالة 
والتنمية الذي ينتمي إليه بأنه حزب محافظ، كما أن الحزب الحاكم في ماليزيا يوصف هو الآخر بأنه محافظ، رغم أن كلا من الحزبين يعتبر ــ بالمقاييس الشرقية ــ ديمقراطيا ليبراليا، وهما يتبنيان بالفعل أجندات ليبرالية. حزب العدالة التركي هو بالتأكيد أكثر ليبرالية من الجمهوريين الأتاتوركيين، وهو أكثر ليبرالية من القوميين ذوي الميول العسكرية.

بعبارة أخرى فإن اعتبار وصف «المحافظ» قرينا للسلبية والرجعية ينطوي على تكلف غير مقبول. نحن محافظون ولسنا رجعيين. نحن نحترم التقاليد القديمة لكننا لا نقبل بها قيدا أبديا على حياتنا. نحن نحترم تاريخنا لكننا لا نريد أن يكون التاريخ سجنا لعقولنا ومعارفنا. ربما جرت عادتنا لزمن طويل ــ نسبيا ــ على تناسي الأخطاء والسكوت عما يجري أمام أعيننا حتى لو كان مؤذيا، وهذي بالتأكيد مظاهر لسلوك سلبي لا أبالي. لكن هذا السلوك ليس عميقا في ثقافتنا، أو ــ على أقل التقادير ــ ليس هو جوهر ثقافتنا ومسارها الوحيد

أيامنا هذه تشهد تمظهرات لسلوك جمعي يتجه خصوصا نحو نقد وتصحيح العمل في المجال العام والتعامل بين الإدارة الرسمية والمجتمع. الجدل الشعبي الذي رافق كارثة جدة هو مثال على قابلية المجتمع للتفاعل مع قضاياه العامة ودفع الإدارة باتجاه التصحيح، ومثله الجدل الذي دار بعد صدور الحكم بالطلاق القسري في القضية المعروفة بعدم تكافؤ النسب. لو كان المجتمع السعودي سلبيا أو رجعيا لسكت عن هذه القضايا وتركها تمر مثل عشرات غيرها

هذا يقودنا إلى جوهر المسألة التي نحن بصددها، أي دور المجتمع فيمكن للمجتمع أن يلعب دورا فعالا في هذا الصدد، وإذا فعل فهو يقدم خدمة جليلة ويوفر أعباء سياسية ومالية كبيرة جدا. لكنه دور مشروط بعاملين آخرين: الإعلام الفعال والتنظيم المؤسسي. في كلتا القضيتين لعبت الصحافة المحلية دورا محوريا في نقل مجريات القضية من الدوائر المغلقة إلى الرأي العام، ولو لم تقم الصحافة بهذا الدور لما علم الناس بما جرى. المطلوب إذن صحافة أكثر حساسية وأكثر ذكاء. أما العامل الثاني 
ــ وهو للأسف مفقود حتى الآن ــ فهو جمعيات المجتمع المدني المتخصصة، سواء تلك التي تركز على حماية المستهلك أو تلك التي تعمل لتصحيح الأنظمة والممارسات الإدارية، فضلا عن الجمعيات العلمية والحرفية التي مهمتها تطوير حقول عمل محددة في المجال الحكومي أو الاجتماعي

لهذه المناسبة فإني أناشد الجهات المختصة التعجيل في إصدار نظام الجمعيات التطوعية الذي سبق أن نوقش باستفاضة في مجلس الشورى. هذا النظام يوفر إطارا قانونيا للعمل الشعبي الموازي والداعم للمؤسسات الرسمية. أعتقد أن التعجيل في إصداره سوف يكشف سريعا عن صورة جديدة للمجتمع السعودي، المجتمع النشط والحريص على تطوير نفسه وبلاده.


عكاظ 8 فبراير 2010

04/01/2010

نقاشات ما بعد الكارثة


بعد مرور خمسة اسابيع على كارثة السيل التي شهدتها مدينة جدة غرب السعودية ، لا تزال انعكاسات الكارثة مورد نقاش رئيسي في الصحافة وبين المواطنين . والحق ان هذه الكارثة غير المسبوقة تستحق ما هو اكثر ، فقد كشفت عن علل في حياتنا العامة ، بعضها معروف لكافة الناس وبعضها مجهول عند اكثر الناس.
واظن ان مرجع هذه العلل هو النمو غير المتوازن الذي يركز على التحديث المادي ولا ينظر الى التنمية كعملية متكاملة ومتعددة الابعاد ، تبدا برفع المستوى المعيشي ، لكنها تتضمن ايضا تطوير القانون ومنظومات القيم ومعايير العمل والمؤسسات الادارية كي تستوعب التغيير الذي ينتج بالضرورة عن تغير مصادر المعيشة واساليب الحياة ونوعية التوقعات. واظن ان هذا النقص لا يقتصر على المملكة فهو مشهود بدرجات متفاوتة في جميع دول الخليج . في المنطقة بمجملها ثمة تركيز على التنمية المادية التي تتجسد في الابنية والمنشآت ، لكن ثمة اغفال واضح للعلاقة بين المخلوقات الجديدة وبين البشر الذين يستعملونها .
ركزت الصحافة السعودية على الوضع القانوني لما اطلقت عليه "العشوائيات". والمقصود بها الاحياء التي بنيت على خلاف المعايير القانونية او الهندسية او البيئية. وقيل خلال الايام الفائتة ان معظم الاضرار نال الاحياء الواقعة في مجاري السيول، وكان المفترض ان لا يسمح في الاصل بالبناء في هذه المواقع. وجادل زميلنا الاستاذ انس زاهد بان هذه ليست عشوائيات . العشوائي في رايه هو ما يقام خارج اطار القانون ، اما الانشاءات التي تقام بتراخيص رسمية فلا تصنف كعشوائية حتى لو كانت مخالفة للمعايير الفنية المفترضة. هذا على اي حال يستدعي تعريفا دقيقا لما سوف نعتبره في المستقبل عشوائيا او غير عشوائي . لكنه ايضا يستدعي اعادة النظر في المعايير القانونية التي تنظم اصدار وثائق الملكية ومن بعدها تراخيص البناء.
تحدث الامير خالد الفيصل ايضا عن اراضي الدولة التي جرى الاستيلاء عليها وبيعها. وافترض انه يشير الى تلك المساحات الكبيرة التي حصل اصحابها على وثائق ملكية من المحاكم رغم الشكوك التي تدور حول شرعية حيازتها . هذا النوع من الوقائع كثير جدا وتعرفه جميع مدن المملكة. في المنطقة الشرقية مثلا ثمة امر ملكي بمنع الحيازة الشخصية للاراضي المجاورة للبحر ، وثمة امر ملكي اخر بمنع الدفن في السواحل المصنفة كمحميات طبيعية ضرورية للنظام البيئي .
 لكن الناس جميعا وبينهم مسؤولي البلديات وخفر السواحل يرون التراكتورات تعمل ليل نهار لتحويل غابات القرم التي تزين الشواطيء الى مخططات سكنية تباع لاحقا باعلى الاثمان . خليج تاروت على سبيل المثال هو واحد من ابرز المعالم الجغرافية لساحلنا الشرقي ، جزء من المشهد البصري الجميل للخليج ، هو موطن التوالد الرئيس للاسماك ، كما انه اكبر موقع طبيعي لغابات القرم ، وهي اشجار كثيفة ، دائمة الخضرة تنبت على سواحل البحر وتشكل ملجأ طبيعيا للكائنات البحرية . هذا الخليج الجميل تقلص فعليا وسوف يختفي تماما خلال بضع سنوات رغم الامر الملكي بحمايته.
لا يوجد مبرر وراء هذا العمل سوى الجوع للمال . ولا ندري اذا كان التاجر الذي يقف وراء هذا العمل محتاجا بالفعل الى الاموال الاضافية التي ستاتي من وراء تدمير البيئة الطبيعية ام لا . لكن المؤكد انه قد نجح مثل كثيرين غيره في العثور على ثغرة قانونية سمحت له بتحويل مصلحة عامة الى مصلحة شخصية .
قد نسمي هذا استيلاء على الاملاك العامة او نسميه حيازة قانونية او اي اسم اخر، لكن خارج الجدل القانوني ثمة حقيقة واحدة وهي ان الاف الناس الذين اعتادوا كسب عيشهم هنا سوف يخسرون مصدر رزقهم ، وان ملايين الناس الاخرين الذين اعتادوا على الاستمتاع بجمال الشجر والبحر سوف يحرمون من احدى المتع القليلة في حياتهم. كل ذلك من اجل اضافة اصفار اخرى على الرصيد المالي لشخص واحد او بضعة اشخاص .
ترى هل نعتبر هذا التصرف استيلاء على الاملاك العامة ؟ ام نعتبره تدميرا للنظام البيئي ؟ وبعبارة اخرى : هل ثمة طريقة لتصنيفه ضمن الممنوعات في القانون؟.
لا شك اننا بحاجة الى توسيع تصورنا لمفهوم العمران وعلاقة الاقتصاد بالبيئة وعلاقة الجغرافيا بالبشر وانعكاس النشاط الاقتصادي والتغيرات الجغرافية على الاخلاق والسلامة النفسية. العمران ليس مجرد شوارع وكتل اسمنتية بل هو في الاساس وضعية انسانية تدعم السلوك المدني وتعزز الاخلاقيات العامة.
 لكي يتحول هذا المفهوم الى واقع فانه يجب ان ينعكس بشكل واضح في القانون الذي ينظم الملكية والبناء والانشاء ويحدد ما يجب ان يبقى ملكية عامة وما يجوز تحويله الى ملكيات شخصية. كما نحتاج الى وعي اجتماعي عميق بما هو مصلحة عامة مشتركة يحميها كل فرد باعتباره شريكا فيها. وعي المجتمع بكونه المالك الحقيقي للاملاك العامة او ما نسميه املاك الدولة ، ودوره النشط في حمايتها هو الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون ظهور كوارث اخرى مثل تلك التي شهدناها في جدة . ما نسميه مؤسسات المجتمع المدني ليس منتديات لقضاء وقت الفراغ بل ادوات حقيقية وفعالة لاشراك المجتمع في صيانة المصالح العامة وسد الطريق امام الجشع المدمر للعمران والبيئة .
4-يناير 2010

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...