تشهد الساحة الثقافية
السعودية نقاشات جادة حول التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي . وهو موضوع يتضمن
بالضرورة التنوع المذهبي والاشكاليات الخاصة بهذه المسالة في المجتمع السعودي .
حتى سنوات قليلة كانت السعودية تقدم نفسها كمجتمع احادي الهوية على كل المستويات .
والحقيقة ان كثيرا من السعوديين لم يدركوا حقيقة التنوع الذي يزخر به مجتمعهم .
وكان ثمة من يعتقد ان الحديث عن اطياف عديدة يجرح مفهوم الوحدة الوطنية او الصفاء
الديني . لكن منذ مؤتمر الحوار الوطني الذي رعاه الملك عبد الله في 2003 ، فقد
تزايد الميل الى الاقرار بالتعددية الثقافية وما يترتب عليها سياسيا . على الرغم
من ذلك فقد ظلت الصحافة متحفظة على الكلام عن العلاقة بين المجموعات المذهبية التي
يضمها المجتمع السعودي . وهو تحفظ يستند الى توجيهات رسمية او توجهات في داخل
الدور الصحفية نفسها . المناقشة التي تدور هذه الايام عن العلاقة بين الشيعة
والسنة تعتبر حدثا فريدا ، وتشكل بداية طيبة لعرض قضايا البلاد حتى الحساسة منها
للنقاش العام.
طبقا
لراي الزميل الاستاذ خالد المشوح (الوطن السعودية 1 مايو) فان التقارب السني –
الشيعي وهم لا ينبغي الركض وراءه . ثمة في المذهبين قضايا يستحيل التخلي عنها ،
وهي بذاتها مانع للتقارب . والدليل على ذلك هو السجل التاريخي المليء بالالام .
البديل اذن هو التعايش كما يرى الزميل المشوح .
لن اجادل في مقولة الوهم
والاستحالة . ولن اجادل في محتويات التاريخ ولا محتويات المذاهب . ثمة دائما فرص
لاستدلالات عديدة على هذا الراي وعلى الراي الاخر . كما ان الغرض من هذا النقاش
ليس اثبات صحة راي او خطأ الاخر ، بل هو محاولة لاستكشاف طريق نسير فيه .
دعنا ابتداء نقرر فرضيتين
تمثلان بوابة النقاش: اولاهما : اننا نناقش المسالة في الاطار الوطني السعودي وليس
في الاطار الدولي . نحن نسعى لطي صفحة الجدل المذهبي والتاكيد على الهوية الوطنية
الجامعة لكل اطياف المجتمع السعودي واصنافه وانتماءاته ، وصولا الى تعزيز الوحدة
الوطنية والسلام الاهلي وعلاقة الود والاخوة حتى لو بقينا مختلفين في افكارنا او
معتقداتنا . ليس مهمتنا اطفاء حرائق العالم ولا نستطيع ذلك . ما يهمنا في الاول
والاخير هو حماية بلدنا وتحصينه ورفعته وكرامة اهله .
الفرضية الثانية : كل مذهب
يحوى في داخله عوامل تدعو للتقارب واخرى للتباعد ، وثمة اشخاص في كل طائفة يسعون
وراء التقارب او يسعون وراء الفرقة . ولكل دوافع اما ثقافية او عقيدية او مصلحية .
التركيز على عناصر الفرقة او عناصر التقارب يتاثر بالظروف السياسية التي تتغير بين
حين واخر وبين مكان وآخر . ولعل ما جرى في العراق هو اكبر دليل على تعدد العناصر
واختلاف الاستعمالات . حين يسود الاتجاه الى التقارب يتزايد استعمال عناصره وحين
تثور الازمة تتركز الانظار على عناصر الفرقة.
اذا افترضنا ان التقارب
مشروط بالعناصر العقيدية او الثقافة في داخل المذهب ، فينبغي الرجوع الى القادة
الدينيين للمذهب ، الذين يعول على قراءتهم للتراث المكتوب ورايهم في تطبيقه. واود
احالة الاستاذ خالد على مقالة الشيخ سليمان المنيع ( الوطن 29-4) التي تقرر بوضوح
امكانية التقارب . وثمة كثير من التعبيرات المماثلة في كلا الجانبين . وهناك
بالطبع من يطبخ على نار الفرقة والفتنة . لكن المهم هو بيان الامكانية النظرية
للتقارب ، اي عدم استحالتها على المستوى الفكري .
اما على المستوى العملي ،
فقد نتحدث عن تقارب او نتحدث عن تعايش . كلا الامرين له نفس المؤدى ، على الاقل
بالنسبة لما نسعى اليه ، وهو كما قلت سابقا تعزيز الوحدة الوطنية والسلام
الاجتماعي. نستطيع المقارنة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين مثلا ، او بينهم
وبين الهندوس او غيرهم من اتباع الديانات. لدينا في المملكة ما يقرب من مليون وافد
مسيحي او هندوسي ، ويعرف القراء جميعا انه لا توجد فتنة او صراع بينهم وبين السكان
المسلمين . ويعرفون ايضا ان الفوارق بين المسلمين وبينهم اكثر عمقا واوسع مساحة .
لكننا نتعايش معهم على ارضية القيم الانسانية الجامعة والمصالح المشتركة .
ما نبغيه من التقارب او
التعايش السني الشيعي ليس اكثر من هذا : البناء على القيم الانسانية والمصالح
المشتركة في العلاقة بين المواطنين ، من اجل حياة كريمة وسلام شامل يسود وطنا
يحتضن الجميع. هذا هو مفهوم التعدد في اطار الوحدة ، او مفهوم الاندماج الوطني
الذي توصل اليه كل عقلاء العالم شرقا وغربا كطريق لتحسين الكفاءة السياسية
والادارية وتعزيز التنمية الشاملة في البلدان التي تنطوي على تعدد قومي او مذهبي
او اثني .
الاندماج الوطني يحتاج
الى ارادة عامة او اجماع وطني ، يقوده المثقفون او يقوده السياسيون . ويحتاج الى
اطار قانوني ومؤسسي يقوم على ارضية شراكة الجميع في خير الوطن وفي المسؤولية عنه.
واعتقد ان الغالبية العظمى من السعوديين (تلك التي لا تظهر عادة وراء الاسماء
المستعارة في مواقع الانترنت) تميل الى هذا التوجه وترغب فيه . ولعل الامر يستدعي
من اصحاب الاقلام مثل كاتب هذه السطور ومثل الزميل خالد بذل جهد اكبر لكشف هذه
الارادة وتفصيحها ومساندة السعي الخير على المستوى الاجتماعي والسياسي لنشر قيم
التسامح وتعزيز وحدة الوطن وسلامه.