‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولاية الدولة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ولاية الدولة. إظهار كافة الرسائل

20/01/2016

واتس اب (2/2) عتبة البيت

التمييز بين المجالين العام والخاص شرط لعدالة القانون. القانون الذي يسمح بخرق العالم الشخصي لا يعتبر عادلا ، لأنه النطاق الأخير الذي يسمح للانسان بأن يبلور ذاته المستقلة||

 
ربما ترغب ايضا في قراءة واتس اب -1 أغراض القانون 
 

لا أظن ان الرجال الذين بنوا البيوت القديمة في بلادنا قد انتبهوا الى الأهمية الفلسفية لعتبة الباب. ربما كان همهم منصبا على الحاجة الى حاجز يمنع مياه الأمطار مثلا من التسرب الى داخل البيت. لكننا نستعمل العتبة كمؤشر على الحد الفاصل بين مجال سلطة القانون والعالم الشخصي الذي لا يخضع للقانون.
حين تكون في بيتك فان السلطة الوحيدة التي تخضع لها هي سلطة الضمير. ليس هناك من دولة ولا قانون غير الضمير او "النفس اللوامة" حسب التعبير القرآني. هذا عالمك الخاص. انت فيه السيد والرعية معا. لخص جون لوك الموضوعات الداخلة في الحريم الشخصي بثلاثة هي حق الحياة وحرية العقيدة والراي وحق التملك. حماية القانون لهذه الحريات يساوي ضمنيا حماية ذات الانسان ، لا سيما اذا اخذنا برأي ستيوارت ميل الذي رأى ان الغاية الوحيدة للحرية هي حماية الذات.
اما المجال العام فهو عنوان للنطاق المشترك بين الجميع. وهو نطاق خلقه القانون من أجل تنظيم المصالح المشتركة بين الناس. هذا امر معروف ايضا عند الفقهاء. فهم يميزون بين فعل المنكر والتجاهر به. حين تكسر صوم رمضان داخل بيتك فلن يعاقبك القانون. لكن لو فعلته في الشارع فأنت تحت ولاية القانون الذي يمنع التجاهر بالمنكرات.
يمثل التمييز بين المجالين العام والخاص شرطا لعدالة القانون. القانون الذي يسمح بخرق العالم الشخصي لا يعتبر عادلا ، لأنه النطاق الأخير الذي يسمح للانسان بأن يبلور ذاته المستقلة ، المنكمشة او المتجاوزة للحدود ، دون ان يؤذي أحدا. فيرى نفسه كما هي ، دونما حجب او اعتبارات. التحرر من رقابة الآخرين هو الذي يمنح الانسان شعوره بالأمان المطلق ، الذي اعتبره نيكولا مكيافيلي غاية نهائية للحرية.
لهذا السبب فان قوانين العالم جميعا تنص على حرمة المراسلات الخاصة والاتصالات الهاتفية وتمنع مراقبتها. ومثلها احاديث الناس في منازلهم. كما تمنع اتخاذها أدلة في المحاكم ، طالما لم تكن جزء من فعل صنفه القانون كجرم أو عدوان.
  اسوق هذه المجادلة ردا على القائلين بجواز مراقبة المراسلات الخاصة ، سيما على برنامج التواصل الاجتماعي المعروف بالواتس اب ، وهي أقوال جادلناها في مقال الاسبوع الماضي من زاوية مختلفة. المراسلات على هذا البرنامج ، حتى الجماعية منها ، ليست ضمن المجال العام ، فهي خاصة بأصحابها ولا يشترك فيها غيرهم. مجموعات الواتس اب لا تشبه الصحف الالكترونية ولا مواقع التواصل الاجتماعي المفتوحة لكل الناس. انها اشبه بالمجالس العائلية او شلل الاصدقاء. ولو جاز مراقبتها ، لجاز مراقبة كل جلسة او لقاء عائلي او اجتماعي. ولا أظن عاقلا سيقبل بهذا.
القانون العادل هو الذي يصون الافعال الجارية في المجال الخاص ، ويمنع خرقها ومراقبتها ، وليس العكس. كلنا يريد الأمن وليس الخوف. الفارق بين الامن والخوف هو بالضبط الفارق بين ان تفعل شيئا لأنك حر يحميك القانون ، وبين ان تمتنع عن الفعل لا عن قناعة ، بل خوفا من الرقيب. زبدة القول ان تمديد سلطة القانون الى المجال الخاص ، ومن ضمنه المراسلات الشخصية ، يقود بالضرورة الى تعميم الخوف وخرق الحقوق الفردية ، وهذا نقيض لواحد من اهم اغراض القانون ، اعني ترسيخ العدل واشاعة الاطمئنان وتوفير الظروف الضرورية للسلام النفسي.
الشرق الاوسط 20 يناير 2016

13/01/2016

واتس اب (1/2) أغراض القانون


|| غرض القانون هو تمكين عامة الجمهور من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون، وليس محاصرة الأقلية الفاسدة، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها||


ربما ترغب ايضا في قراءة واتس اب – 1 عتبة البيت


نشرت صحيفة مكة (6 يناير 2016) حديثا للمحامي عمر الجهني ، فصل فيه الحمولة القانونية لما يتداوله الناس على اجهزة الهواتف الذكية ، سيما عبر برنامج التواصل الشهير "واتس اب". وقد انشغل الناس كثيرا بالعقوبات التي ذكرها المحامي. وهي في المجمل غير واقعية ولا معقولة. تلك العقوبات ليست موضوع هذه المقالة. بل الارضية التي يبنى عليها القانون: هل هي ردع الفاسدين عن العدوان ام صون حرية الصالحين.

أما الداعي لهذا الحديث فهو قلقي من انزلاق – غير مقصود في الغالب – من التنظيم الى التضييق. دعنا اذن نبدأ من أول المسألة اي سبق الحرية للقانون وكونها أصلا سابقا عليه في القيمة والترتيب. وزبدة القول هنا ان المشرعين وواضعي القانون ينقسمون الى صنفين بحسب الخلفية الذهنية التي يبنون عليها رؤيتهم للحياة والناس. الصنف الأول يرى البشر خيرين بفطرتهم وطبعهم الأولي. فالاغلبية الساحقة من الناس يريدون العيش بسلام. وثمة أقلية صغيرة انحرفت عن هذا الطريق بالفكر او السلوك . اما الصنف الثاني فيؤمن ان البشر في طبعهم الأولي أميل للشر والعدوان. ولو تركوا دون رقيب او رادع ، لأحيوا  اسطورة "حرب الجميع على الجميع" التي جادل دونها الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز.
واجه الصنف الأول إشكالية تعارض المصالح بين اعضاء المجتمع ، الذين يتمتعون جميعا بنفس القدر من الحرية ، فركز على تنظيم الطرق التي يسلكونها ، كي يحصلوا على قدر متساو من الحقوق. وهذا هو مفهوم القانون عند من يؤمن بخيرية البشر. اي ان غرض القانون هنا هو تنظيم المجال العام على نحو يوصل جميع الناس الى حقوقهم ، ويصون حرياتهم ، ويمنع بغي بعضهم على بعض.
واجه الصنف الثاني نفس الاشكالية ، فركز على الثغرات التي تسمح للأقلية الفاسدة بالعبث والعدوان على الناس. ولهذا وضع القانون على شكل جدار ضخم فيه بعض الأبواب. اي ان الغرض الأول للقانون هنا ، ليس تمكين عامة الناس من التوصل الى حقوقهم ، بل منع الفاسدين من الفساد.
يتلخص خطاب الصنف الاول في العبارة التالية: من أراد الوصول الى حقه فالقانون هو أسهل الطرق. الجميع احرار في إطار القانون. بينما يتلخص خطاب الصنف الثاني في العبارة التالية: "امشي جنب الحيط" كما يقول اشقاؤنا المصريون. فالقانون بالمرصاد لمن يجرؤ على تجاوز الطريق المرسوم.
بعض الناس لا يرى فرقا جوهريا بين الخطاب الأول والثاني. أما فلاسفة القانون والسياسة ، فوجدوا في الأول أرضية فلسفية للتنظيم السياسي العادل ، كما وجدوا الثاني ارضية لمعظم الانظمة السياسية المستبدة.
بالعودة الى قصة عقوبات الواتس اب التي يتداولها الناس ، يحسن القول ان الاكثرية الساحقة من المواطنين الذين يستعملون هذا النظام لا يخطر في بالهم ، بل ولا يتخيلون مجرد تخيل ، ان يستعملوه ضد مصالح البلد او لخرق قانونها او تهديد أمنها. رغم ان هناك بالتأكيد بضع عشرات من الناس يفعلون هذا. فهل يصح وضع قانون يحجب حق الاكثرية الساحقة في التواصل ، لا لسبب غير سد الطريق امام أقلية صغيرة ، أي معاقبة الاكثرية بجرم الأقلية؟.
ان الجواب على هذا السؤال يكمن في التوصيف السابق. فهل الغاية من القوانين التي نضعها هو تمكين العامة ، أي الاكثرية الساحقة ، من التمتع بحياتها وتحقيق حاجاتها في إطار القانون ، أم غاية القوانين محصورة في محاصرة الأقلية الفاسدة ، ولو أدى الى محاصرة الأكثرية الصالحة معها؟.
ولنا عودة الى الموضوع من زاوية اخرى.
الشرق الاوسط 13 يناير 2016

http://aawsat.com/node/542821



اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...