‏إظهار الرسائل ذات التسميات اتفاق بين السلفيين - حزب الله. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات اتفاق بين السلفيين - حزب الله. إظهار كافة الرسائل

28/08/2008

دين يصنع الجماعة ودين تصنعه الجماعة


تجميد اتفاق التفاهم بين حزب الله والجمعيات السلفية في شمال لبنان ينطوي على مدلولات تستحق التأمل . سوف اركز هنا على زاوية محددة تدرس عادة في اطار علم اجتماع الدين. يدرس هذا الحقل كيفية تاثير الدين في افعال الافراد وحياتهم الاجتماعية ، وصولا الى تاثير العوامل الدينية في تنظيم المجتمع وحركته. وهو ينظر الى الطرفين :
حسن الشهال (الجمعيات السلفية) -  إبراهيم أمين السيد (حزب الله)

 الدين والجماعة كعاملين متفاعلين ، كل منهما يعيد صياغة الاخر على ضوء التاثيرات التي يتلقاها من العوامل الاخرى خارج اطار كل منهما . وكمثال على ذلك فان دين الجماعة (او مذهبها) يسهم في تمايز هويتها عن الجماعات الاخرى كما يسهم في ترتيب همومها واولوياتها على نحو مختلف عن غيرها. وفي المقابل فان اسلوب حياة الجماعة ، مصادر عيشها ، تراثها الثقافي ، وتجربتها التاريخية والحياتية ، ذات تاثير عميق على فهمها للقيم الدينية . 

ولهذا السبب نجد مجتمعات تتبنى نفس الدين (او المذهب) لكنها تتفاوت في فهمها للقيم الخاصة بذلك الدين او المذهب ، وتتفاوت في ترتيب نقاط التركيز والاولويات ونطاق المباحات والمحرمات او المكروهات.  من هذه الزاوية يختلف السلفيون اللبنانيون عن نظرائهم السعوديين في تحديد نطاقات الالتزام والامتناع . ترى ذلك واضحا في احكام الستر والنظر وعلاقة الرجال بالنساء ، وفي العلاقة مع غير السلفيين وغير المسلمين بشكل عام. 

ويختلف الشيعة البحرانيون والسعوديون عن نظرائهم اللبنانيين والايرانيين والعراقيين في تلك الموارد وفي العلاقة مع الدولة ، كما في الاطار القيمي لطرق ومصادر المعيشة ونواظمها. العامل الذي صنع الفرق هو فهم كل من هذه المجتمعات لمقتضيات واولويات دينه (او مذهبه) وكيفية انطباقها على وقائع الحياة اليومية ، وهو فهم متاثر كما اسلفنا بعوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية تولدت في مجملها خارج اطار الدين والجماعة.

موضع اهتمامنا هنا هو الشق الثاني ، اي كيف تعيد الجماعة صياغة دينها على ضوء ضرورات ومتغيرات الحياة اليومية . وسوف اركز خصوصا على تصور الجماعة للمصلحة (التي تسند دائما الى مبررات دينية). في تبريره لتجميد اتفاق التفاهم مع حزب الله قال الشيخ حسن الشهال رئيس "جمعية العدل والاحسان" السلفية انه مهتم بتهدئة  "الساحة السلفية" من الخلافات التي اثارها الاتفاق. وفسر ذلك بان الاتفاق كان يستهدف في الاساس اتقاء التناحر والنزاعات ، وتحصين الساحة اللبنانية ، وان التوقيع جاء: "إيمانا منا بالمنهج الإسلامي السلفي الصحيح" . لكنه ادى من جهة ثانية الى اختلاف داخل الطائفة السنية ، وان بعضهم اعتبره تجاوزا لدار الفتوى التي ينظر اليها كراس للهرم الديني السني ولتيار المستقبل وزعيمه سعد الحريري الذي يمثل الطائفة سياسيا ، كما عارضه بعض الزعماء السلفيين . ولهذا فان سلم الاولويات سوف يتغير وينتقل من تحصين الساحة اللبنانية الى تحصين الساحة السنية ولا سيما السلفية.
استقبلت الساحة اللبنانية اتفاق التفاهيم السلفي – الشيعي كخروج معلن من بيت الطاعة الذي تمثله الزعامة التقليدية المتمثلة في دار الفتوى وتيار المستقبل. ونظر اليه كثيرون كتمهيد لدخول التيار السلفي في الانتخابات النيابية القادمة منافسا لتلك الزعامة. وايا كانت نية اطراف الاتفاق ، فان النتيجة النهائية هي تحول التيار السلفي من جماعة دينية خارج السياسة الى جماعة سياسية تهتم باستثمار مخزون العواطف الدينية لصالحها بعدما كان احتياطيا مفتوحا لتيارات اخرى ، من تيار الحريري الى العائلات التقليدية مرورا بالاحزاب المختلفة النشطة على الساحة اللبنانية. بعبارة اخرى نحن نتحدث عن محاولة مقصودة لتحويل العلاقة الدينية من عامل محايد مفتوح للجميع الى فاعل محدد الاتجاه يخدم الجماعة السياسية ومشروعها الخاص. 
جاء الاتفاق كما قال الشهال تعبيرا عن المنهج الاسلامي السلفي الصحيح ، ولا بد ان تجميده يعبر عن ذات المنهج ، فاصحاب المنهج لا يرون انفسهم مخطئين او خارجين عليه . تكشف هذه المفارقة عن تحول مثير في فهم وتطبيق المنهج ، جرى خلال 48 ساعة فقط. فهل كانت الجمعيات الموقعة على الاتفاق جاهلة واكتشفت خطأها بعد ساعات من التوقيع ؟. ام انها اعادت تحديد المصالح والاولويات على عكس ما كانت قد توصلت اليه سابقا؟. هل كان الاتفاق عملا صالحا وتراجعت عنه ، ام كان فسادا اقدمت عليه ثم تابت الى الله منه ؟.
الواضح ان الحساب هنا ليس بمثل هذا التحديد . فقد وضع الاتفاق وتقرر التراجع عنه على ضوء حسابات عقلية للمصالح الخاصة بالجماعة . ما كان يحرك الجماعة في اول الامر هو مصلحتها الخاصة ، وما حركها في نهاية المطاف هو مصلحتها الخاصة ايضا . لكنها ادخلت القيمة الدينية كعامل تبرير وتسويغ لتلك المصلحة في الحالين. نحن اذن لا نتكلم عن دين يحدد ما هو صالح وما هو فاسد ، بل ارادة بشرية تقرر ما هو ديني ، اي صالح ، وماهو غير ديني ، اي فاسد. بعبارة اخرى فان الدين هنا صنيعة الجماعة وانعكاس لمصالحها ، وليس العكس.
يرفض التيار الاسلامي بجميع فصائله تقريبا العلمانية ويعتبرها خروجا عن الدين. لكن في التحليل العلمي يعتبر السلوك السابق علمانيا . لو قربنا المسألة بجعل العلمانية مساوية لعرف الجماعة ، اي اتخاذ القيم التي يصنعها البشر – وليس الوحي - معيارا للصلاح والفساد في فهم الدين او في تطبيقه ، فان ما حصل ينطبق عليه وصف العلمانية لان راي البشر ومعاييرهم قد طبقت في واحد من الحالين على الاقل ، اي في توقيع الاتفاق او في تجميده. هذه العملية التي يمارسها عامة الناس ، فضلا عن الجماعات السياسية كل يوم تقريبا ، تنطوي على اعادة صياغة للقيمة الدينية كي تطابق العرف مثلما يفصل الخياط الثوب كي ياتي على قياس لابسه . القيمة الدينية هنا مثل الثوب واللابس هو العرف او مصلحة الجماعة.
زبدة القول ان المثال السابق يكشف عن طبيعة التفاعل القائم بين الدين والجماعة ، وكيف ان الجماعة تعيد يوميا صياغة دينها وتؤثر فيه مثلما يؤثر الدين في الجماعة ويسهم في تحديد هويتها وسلوكها.

21/08/2008

شيعة وسلفيون على طاولة واحدة

 الاتفاق الذي اعلن هذا الاسبوع بين حزب الله وعدد من الجمعيات السلفية في لبنان (18 اغسطس 2008) يمثل اختراقا للاستقطاب الطائفي المتصاعد منذ العام 2003 . من نافل القول ان تفاهما كهذا لن يلغي الاستقطاب المذكور ، لكنه سيؤدي بالتاكيد الى تخفيف التوتر القائم فعليا بين شيعة لبنان وسنته . ويمكن مقارنة اتفاق التفاهم هذا باتفاق مماثل عقده حزب الله مع التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشال عون في فبراير 2006 ، ويقال انه ساهم في احتواء نزاع محتمل بين الشيعة والموارنة.  وبالنظرالى قرب الانتخابات النيابية المتوقعة في اوائل العام الاتي ، فان تفاهم حزب الله مع الجمعيات السلفية سيكون له انعكاس واسع على توازن القوى ضمن الطائفة السنية اللبنانية ولا سيما في الشمال.
ممثلو الجمعيات السلفية وحزب الله اثناء توقيع الاتفاق
في انتخابات 2005 نجح تيار المستقبل الذي يقوده سعد الحريري في ازاحة جميع الزعماء التقليديين للطائفة السنية في الشمال كما في بيروت والجنوب ، وفرض نفسه ممثلا وحيدا للطائفة في الدولة اللبنانية . ولا يزال التيار قويا في بيروت كما ظهر لي خلال رحلة الى لبنان الشهر الماضي ، الا ان الوضع في الاطراف يبدو مختلفا . في طرابلس مثلا ، اثمرت النزاعات الطائفية بين السنة والعلويين عن صعود كبيرة لشعبية التيار السلفي المتشدد على حساب تيار المستقبل ، حيث يشعر الناس هناك بان الحريري عاجز عن حمايتهم كما انه عاجز عن الدخول في مفاوضات مع منافسيه طلبا لوقف الاقتتال .
واذا كانت الجمعيات السلفية تسعى من وراء اتفاقها مع حزب الله الى تامين طريقها في الانتخابات النيابية القادمة ، فقد يمكن القول ان الطريق باتت ممهدة لانتخابات مختلفة عما عهده لبنان منذ نهاية الحرب الاهلية حتى الان. يستطيع تحالف يضم حزب الله وتيار الجنرال عون والجمعيات السلفية ان يهيمن على المشهد الانتخابي في البقاع والشمال ، وقد يأتي بوجوه جديدة وغير مألوفة في المشهد السياسي اللبناني. خلال السنوات الثلاث الماضية اظهر التيار والحزب قدرة فائقة على تعبئة الشارع ، وفي الانتخابات الفرعية التي عقدت بعد مقتل بيار ، نجل الرئيس السابق امين الجميل ، نجح انصار عون في انتزاع المقعد النيابي الذي بقي منذ قيام الجمهورية اللبنانية في يد ال الجميل . وهو يمثل دائرة بكفيا مسقط راس العائلة ونقطة انطلاق نشاطها السياسي
صحيح ان الاشهر الستة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات هي وقت طويل نسبيا . ويمكن ان تشهد خلط اوراق غير متوقع ، كما لا ينبغي اغفال دور القوى الخارجية التي تنشط عادة قبيل المواسم الانتخابية في توليد تحالفات واصطفافات وتمويلها ودعمها سياسيا واعلاميا . وهناك بين القوى السياسية  ، داخل لبنان وخارجه ، من لا يروقه تحالف السلفيين مع حزب الله ، لاسباب طائفية وسياسية . ولهذا لا ينبغي الظن بان ما جرى هذا الاسبوع هو اعادة صياغة للمشهد السياسي . لكن على اي حال فان ذلك التفاهم يمثل سابقة تستحق التوقف في العلاقة بين القوى اللبنانية خصوصا ، وفي العلاقة بين الشيعة والسلفيين عموما.
خارج لبنان ، ستكون دول مجلس التعاون الخليجي اكثر المجتمعات اهتماما بالاتفاق الشيعي – السلفي. ومنذ اللحظات الاولى التي اعلن فيها نبأ الاتفاق ، تحول الى واحد من اكثر نقاط الجدل في منتديات الانترنت التي يرتادها الخليجيون.  يمثل النزاع بين الشيعة والسلفيين ابرز محاور الجدل السياسي في مجتمعات الخليج . وقد بذل مصلحون من الطرفين محاولات كثيرة الا ان الفتور في احسن الاحوال والارتياب في معظم الاحوال لا زال سيد الموقف بينهما . ويمكن القول دون تحفظ ان عجز الشيعة والسلفيين عن التوصل الى تفاهمات مؤثرة ، هو احد المبررات الرئيسية لتاخر الاصلاح السياسي في المنطقة ككل. من المتوقع ان يثير اتفاق التفاهم بين حزب الله والجمعيات السلفية ارتياحا بين دعاة الاصلاح السياسي في الخليج ، وبين المعتدلين في التيار الديني الشيعي والسني على السواء. لكن المؤكد ان بعض السلفيين على وجه الخصوص سينظر اليه بعين الارتياب ،  وسوف يميل الى التبريرات التي ساقها داعي الاسلام الشهال ، الزعيم السلفي الذي رفض الاتفاق .
 لكن لو ركزنا على المحصلة العامة فان تفاهما على اي مستوى بين فريق شيعي واخر سلفي سوف يترك انعكاسات ايجابية جدا على النقاشات الدائرة في مجتمعات الخليج حول التنمية السياسية ودور المجتمع الاهلي في دعم الاصلاح . وقد لاحظنا طوال السنوات السابقة ان الاصلاحيين من الطرفين كانوا مضطرين الى التباطؤ احيانا وكتمان محاولاتهم للتفاهم احيانا اخرى بسبب ما يخشونه من ضغط الفريق الاكثر تشددا ، والاقدر في الوقت ذاته على تهييج الشارع بشعارات تعبوية . وبسبب هذا التخوف ، كان الصوت الاعلى دائما هو صوت دعاة الفرقة والتنازع ، سواء اولئك الذين ينطلقون من منطلقات مذهبية ضيقة او تجار الصراعات الذين يسعون لكسب النفوذ من خلال الظهور بمظهر المقاتل الصلب الذي لا يساوم ولا يناقش.
يجب الانتظار لبعض الوقت كي نرى قابلية اتفاق التفاهم للصمود والتفعيل ، لكن مجرد انعقاده هو دليل على قابلية المجتمع الاهلي لحل مشكلاته . وهو لا شك سيعزز دعوى القائلين بامكانية التقارب مهما تباعدت الافكار والمعتقدات.
21 اغسطس 2008

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...