‏إظهار الرسائل ذات التسميات ذهنية الزبون. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ذهنية الزبون. إظهار كافة الرسائل

04/04/2018

المكنسة وما بعدها.. هل جربت صنع المكنسة؟

|| لم نفكر سابقا في المكنسة. مازلنا نشتريها من الخارج. لم نفكر ايضا في الفكرة الكامنة وراء السيارة والهاتف والحاسب ، ولذا سنواصل التعامل معها كمستهلكين ومع صانعيها كزبائن دائمين||

 كتب مالك بن نبي يوما: نشأت وأنا أرى جدتي وأمي تكنسان الأرض وتشكيان من ألم الظهر بسبب الانحناء. لم تفكر احداهن في اضافة عصا الى تلك المكنسة الصغيرة. ثم جاء الفرنسيون بالمكنسة الطويلة ، فارتاحت أمي حين باتت قادرة على كنس بيتها وهي مستقيمة. (وجهة العالم الاسلامي 1/141)

قد تبدو المكنسة شيئا تافها أو هامشيا. لكن موضع اهتمامنا ليس المكنسة بذاتها. بل محتوى العلاقة بين هذا الشيء البسيط وبين صاحبه. هذا ينطبق أيضا على السيارة والمصباح الكهربائي وموقد الغاز وجهاز التبريد والدراجة ، وكل شيء في  حياتنا. نستعرض هذه الاشياء ثم نسائل انفسنا: لماذا لم نستطع الاسهام في حركة الصناعة والتقنية التي يعج بها العالم الحديث ، حتى على مستوى اضافة عصا الى المكنسة ، فضلا عما فوقها. 

المرحوم مالك بن نبي
 ركز مالك بن نبي جل اهتمامه على ما يسميه بعالم الافكار ، اي الذهنية التي توجه رؤيتنا لأنفسنا ولما حولنا من بشر وأشياء. وهو يعتقد ان تقدم المجتمعات وتأخرها ناتج مباشر لتلك الذهنية. امهاتنا اللاتي كابدن الآلام مع المكانس القديمة ، لم تنظر احداهن في الفكرة الكامنة خلف هذا الشيء. 

المكنسة تشكيل مادي ، لكنها قبل ذلك ، فكرة. من ينظر اليها على هذا النحو ، ربما يتقدم خطوة في اتجاه تفكيك الفكرة ، ثم اعادة تركيبها على نحو أرقى من صورتها الأولى. اما الذي ينشغل بالشيء ذاته ، باستهلاكه واستعماله ، فسيبقى مجرد زبون في السوق. لم نفكر سابقا في المكنسة ، لذلك مازلنا نشتريها جاهزة من الخارج. لم نفكر ايضا في الفكرة الكامنة وراء السيارة والهاتف والحاسب ، ولذا سنواصل التعامل معها كمستهلكين ومع صانعيها كزبائن دائمين. 

لعل بيننا شبان نابهون التفتوا الى هذه المسألة. ولعل بعضهم أراد العبور من "الشيء" الذي يستعمله الى "الفكرة" التي وراءه. ربما كانوا قادرين على ذلك. من المؤكد ان بعضهم ذكي بما يكفي لابداع شيء جديد. لكنه على الاغلب لن يأتي بجديد. لأن محيطه الاجتماعي سيقنعه بأن الامر لا يستحق. لو كان الجو مشجعا لكنا نصنع اليوم كثيرا مما نحتاج ، تماما مثلما فعل الاخرون الذين سبقونا في هذا المضمار.

ثمة أوهام شائعة بيننا ، نتداولها كمسلمات. وهي مسؤولة الى حد ما ، عن كبح محاولات المبدعين وتثبيطهم ، اوهام من قبيل اننا عاجزون عن الابداع لأن تعليمنا ضعيف قياسا لما يملكه الغرب. وأوهام من نوع أننا لا نملك المال الكافي ، وكل شيء يحتاج الى مال. وأوهام مثل أن الغرب لن يسمح لنا بالاستغناء عنه.

ذهنية الكسل والاستحالة التي تحول هذه الاوهام الى مسلمات ، هي السر الذي جعلنا لا نستثمر التعليم ، رغم مرور قرن على بدايته ، وحصول مئات الالاف على تعليم جامعي ، وانفتاح المجتمع على كل جديد في العلم والتقنية.
الابداع العلمي والصناعة رهن بتوفر ذهنية مختلفة ، ذهنية معاندة للمألوف وجريئة على اختراق جدار المسلمات والاوهام التي تبرر التأخر بقلة العلم او المال او هيمنة الاجانب.

لقد قيل الكثير عن التعليم وتطويره. والذي أرى ان التطوير الذي نحتاجه ، هو ذلك الذي يسهم في تكوين ذهنية ناقدة متمردة ، قادرة على التشكيك في المسلمات. قيل الكثير أيضا عن تطوير الاعلام والمنابر. والحق ان التطوير الذي نحتاجه اليوم ، هو ذلك الذي يسهم في اقناع اجيالنا الجديدة بان جوهر الفضيلة يكمن في المغامرة وكشف الغيب واقتحام المجهول.
الشرق الاوسط - الأربعاء - 18 رجب 1439 هـ - 04 أبريل 2018 مـ رقم العدد [14372]

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...