اريد في هذه السطور اقتراح
استراتيجية عمل لإنقاذ افغانستان من السيطرة الأحادية لحركة "طالبان" ،
في حال مالت الحركة للاستئثار بالسلطة ، أو عاملت المواطنين بتعسف ، على نحو ما فعلت
في تجربتها السابقة. يتسع المقام لعرض المفهوم فقط ، ومن يتابع التحولات السياسية
لن يصعب عليه استنباط التفاصيل. جوهر هذه الاستراتيجية هو احتواء الحركة وتوجيه
مسارها السياسي وصولا الى تأهيلها ، بدل قمعها او اطلاق يديها. الغرض النهائي هو
تلافي قيام بؤرة لتصدير العنف الذي يتلبس برداء الدين الحنيف ، كما جرى قبل 20
عاما.خريطة افغانستان: الملاذ الآمن المقترح هو المثلث الواقع شمال غرب البلاد
اما الأغراض التكتيكية فهي ثلاثة:
اولها الحيلولة دون استئثار طالبان بالسلطة. نظرا لأنه سيؤدي الى فراغ سياسي وأمني
في شمال وغرب البلاد ، يسمح بقيام تمردات مسلحة او انتشار الفوضى ، ومن ثم تفاقم
الاتجاهات المتطرفة في "طالبان" وغيرها.
أما الغرض الثاني فهو تعزيز الاتجاه
التصالحي وسط الحاضن الشعبي للحركة ، من خلال الاستمرار في توفير مصادر العيش
الطبيعي ، والحيلولة دون تدهور حاد لمستوى المعيشة. هذا سيعزز – طبيعيا - الميل للمسالمة
بين اعضاء الحركة نفسها ، وهو امر مطلوب لذاته ، خاصة بعدما انفردت بالسلطة.
الغرض الثالث هو توسيع فاعلية
المجتمع ، من خلال المحافظة على مسار التحول نحو الحداثة ، الذي بدأ مع سقوط
حكومة طالبان الاولى نهاية 2001. المجتمع الافغاني اليوم اكثر ميلا
للحداثة من أي وقت. انظر للصور التي يبثها
التلفزيون ، سترى ان معظم الناس يحملون اجهزة اتصالات ذكية ، بمن فيهم مقاتلو طالبان
نفسها. هذه الوسيلة التي تصل الانسان بالعالم ، هي اقوى تحد لأي حكومة قمعية او
تقليدية. يجب المحافظة على شبكات الاتصال والانترنت ، مهما كانت الكلفة ، فهذا جزء
مهم من الجهد الضروري لاتقاء موجة ارهابية محتملة. الهاتف والانترنت مثال ، ومقصودنا
عموما هو الاستمرار في تعزيز الحراك
الحداثي واضعاف هيمنة التقاليد ، في التعليم والتفكير وانماط العيش والاقتصاد
وغيرها.
جوهر الاستراتيجية المقترحة هو إنشاء
"ملاذ آمن" أي منطقة حكم ذاتي ، تديره حكومة مستقلة مؤقتا عن الإدارة
المركزية في العاصمة. وتضم المحافظات الواقعة من باميان حتى هرات في الغرب ومزار
شريف في الشمال ، أي نحو 15 من اصل 34 محافظة.
على المستوى الإنساني ، يمكن لهذه المنطقة
الواسعة نسبيا ، ان توفر ملاذا للهاربين من سيطرة "طالبان". وعلى
المستوى السياسي والاستراتيجي ، ستشكل عامل ضغط شديد على قيادة الحركة ، للقبول
بنظام سياسي ديمقراطي او توافقي ، ومنع استبداد أي طرف بمصادر القوة او اقصاء
الآخرين.
مبدئيا يمكن تأليف الحكومة من
الائتلاف الذي كان يدير البلاد سابقا برئاسة الرئيس الأسبق حامد كرزاي. ويجب ان يعترف
العالم بهذه الحكومة ، وان يتعامل معها كممثل رسمي للبلاد (منفردة او كشريك في
السيادة) رجوعا الى الدستور الافغاني الذي يعتبر الانتخابات العامة ، طريقا وحيدا
لنيل الشرعية السياسية وتقلد المناصب العامة.
الفرضية العامة التي تقوم عليها الاستراتيجية
المقترحة ، هي ان طالبان اليوم غير التي عرفناها قبل 20 عاما ، وانها راغبة في
ممارسة السلطة لأغراض دنيوية ، أي ان تفكيرها يتأثر بعامل المصلحة العقلانية ، إضافة
للأيديولوجيا. كما ان جسمها البشري لم يعد مقتصرا على طلبة
العلوم الشرعية في باكستان او قندهار. انها اليوم اقرب الى ميليشيا
عادية تستهدف نيل السلطة ، ويعمل أعضاؤها مقابل اجر مادي وليس طلبا للاخرة.
المجتمع الافغاني تغير هو الاخر ،
ولم يعد جاهلا بحال العالم ، مغيبا عن الشأن العام ، ولا خاضعا للاعراف القبلية.
هذه الأرضية تعطينا فكرة عن: كيف تفكر طالبان
وكيف يفكر الأفغان.
لا يتسع المجال لشرح أوسع. لكن لا بد
من الإشارة الى ان فكرة الملاذ الآمن قد لا تقي من حرب أهلية. وهذا يستدعي التفكير
في العديد من الخيارات الموازية. لكن المؤكد ان وجودها يقلل من الكلفة الإنسانية
لتلك الحرب ان وقعت.
الشرق الاوسط الأربعاء -
17 محرم 1443 هـ - 25 أغسطس 2021 مـ رقم العدد [15611]
https://aawsat.com/node/3150261/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق