‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنف السياسي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنف السياسي. إظهار كافة الرسائل

20/07/2016

مقترحات لدراسة العنف السياسي

دراسة العنف كظاهرة اجتماعية برنامج بحث مفتوح ، نحتاج الى مواصلة العمل فيه ، كي نزداد خبرة بطبيعته ، وكي نستطيع تشخيص العوامل الثابتة والمتغيرة التي تحركه او تحدد اتجاهاته او حجمه.

هناك بالتأكيد بواعث ايديولوجية (دينية خصوصا) وراء بعض اشكال العنف. لكن هذا عامل واحد فحسب. ولا يصح اعتباره علة تامة كما يقول اهل المنطق. الارهاب – كما عرضنا في مقال الاسبوع الماضي – ظاهرة مركبة ، تتشكل بتأثير عوامل عديدة ، وتتطور في مسارات مختلفة ، ثم تنتهي الى تجسيد واحد ، نراه في شكل اغتيالات او تفجيرات او عمليات حربية ، تبلغ ذروتها في احتلال مدن بأكملها ، كما جرى في سوريا والعراق وليبيا.

دراسة الظاهرة تستلزم من حيث المبدأ التخلي عن أي حكم مسبق او رغبة في التبرئة او التجريم. نحن بصدد مشكلة مزمنة تواجه جميع البلدان ، وتخلف خسائر كارثية في الانفس والعمران. ولهذا ينبغي التركيز على تحليل الظاهرة طمعا في تفكيكها ومعالجتها ، وليس البحث عن شماعة نعلق عليها عباءة الجرم. لست متأكدا من امكانية اجتثاث العنف في أي مجتمع. لكننا نستطيع الخلاص من ظاهرة الارهاب السياسي التي يمكن ان تنبعث بين حين وآخر ، بالترافق مع ما يحدث من انكسارات او توترات داخل المجتمع او في محيطه.

الخطوة الاولى لدراسة الظاهرة الاجتماعية هي وصفها السطحي وتحديد علاقتها بالعوامل المحركة: هل هي منظومة افعال مستقلة ام هي انعكاس لأزمات اخرى نشطة في المحيط الاجتماعي ، ازمات اقتصادية او اجتماعية او سياسية او غيرها. هذا تمهيد ضروري لتمييز العنف السياسي في البلدان المستقرة عن نظيرتها المحتلة او تلك التي تشهد حروبا اهلية أو انقسامات حادة. 

كما ان فرضية كون العنف منبعثا عن أزمات بعينها (كصراع الاجيال او تأزم الهوية مثلا) سيوجهنا الى تفكيك البواعث والاسباب في المقام الأول ، وربما نفكر في ممارسي العنف كضحايا يجب دعمهم ماديا ونفسيا للتحرر من تأثير تلك البواعث ، بدل التشدد في معاقبتهم.

وفي هذا السياق أيضا ينبغي التمييز بين العنف المنظم ونظيره العشوائي او الفردي. في الحالة الأولى نركز على "المنظمة" بينما نركز في الحالة الثانية على البيئة الاجتماعية الحاضنة.

الخطوة التالية هي وضع كافة العوامل المحتملة في مستوى واحد من حيث القيمة. هذا يشمل بطبيعة الحال العامل الايديولوجي البحت ، ازمات المعيشة ، العوامل المرتبطة باضطراب الشخصية ، الجمود الثقافي وعجز المجتمع عن استيعاب الاجيال الجديدة المختلفة ثقافيا وروحيا ، تأزم الهوية الجمعية ، الجمود السياسي وضيق المجال العام ، واخيرا دور المنظمات التي تتبنى العنف ومقدار ظهورها العلني على وجه الخصوص في النشاطات الاجتماعية الاعتيادية.

من المهم في المرحلة التالية عزل المؤثرات الخاملة. فبعض العوامل السابقة قد تكون فعالة جدا في مجتمعات بعينها ، بينما تكون ضئيلة التأثير في مجتمعات أخرى. في خط مواز ينبغي التحقق من موقع كل عامل ضمن السياق الزمني لتطور الظاهرة ككل ، او تبلور "ارادة الفعل الارهابي" عند الافراد والمجموعات الصغيرة.

فيما يخص النقطة الاخيرة ، نعلم ان بعض الارهابيين اختاروا منذ اللحظة الاولى الانضمام لجماعة ارهابية عن وعي مسبق بطبيعتها واغراضها ودورهم فيها. بينما "انزلق" اخرون دون وعي ، ثم تورطوا. في الحالة الثانية نجد ان العامل الايديولوجي (الدين مثلا) يلعب دورا متأخرا ، وقد ينحصر في تبرير العنف وليس في خلق ارادته.

الشرق الاوسط 20 يوليو 2016 http://aawsat.com/node/693641

13/07/2016

الارهاب كظاهرة مركبة



ليس ضروريا ان نتفق جميعا على اولويات التصدي لموجة الارهاب التي ضربت بلادنا وغيرها. لكن من المهم ان نفهم جميعا الطبيعة المركبة لهذه الظاهرة.  واقع الامر انه لا توجد ظاهرة اجتماعية بسيطة ، بمعنى انها ترجع الى سبب واحد وتتطور وفق نسق واحد من بدايتها الى نهايتها.

يهمني التشديد على الطبيعة المركبة للظواهر الاجتماعية ، طمعا في لفت النظر الى الاضرار المحتملة للتفسيرات التي تكرر التاكيد على عامل وحيد. فهذه في ظني رؤية انطباعية متعجلة ، رغم انها باتت نسقا عاما في صحافتنا ، سيما في الايام القليلة التي تتلو هجمات الارهابيين ، كما حصل بعد التفجيرات الاجرامية قبيل عيد الفطر ، في المدينة المنورة والقطيف وجدة

اني اكتب هذه السطور وفي ذهني ما يمكن وصفه بقوائم المتهمين التي اصبحت معتادة في الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي . من تابع الصحافة المحلية بعد تلك التفجيرات ، فلا بد انه لاحظ الالحاح على دور "المحرضين" عند البعض واتهام المناهج المدرسية عند فريق ثان ، والحاح فريق ثالث على تاثير الدول الاجنبية أو المؤامرة الدولية ، أو دعوى ان انتشار الفساد في المجتمع وشيوع الميول التغريبية هو العامل المحرك للارهابيين ، وان الحل عند هؤلاء يكمن في كبح ما يعتبرونه هيمنة ليبرالية على الصحافة ووسائل الاعلام الخ.. وقد تكرر مثل هذا في كل المناسبات المماثلة خلال العام المنصرم.

وقد لفت نظري هذا الاسبوع مقال تحليلي للدكتور علي الحكمي وهو استاذ جامعي في علم النفس. فقد اختار قائمة احتمالات محددة ، تفسر جاذبية المنظمات الارهابية لجيل الشباب على وجه الخصوص. وتبنى مقاربة سيكولوجية مختصرة لكنها متينة التأسيس. وقرأت في الأسابيع الماضية معالجات مماثلة في جودتها ، اهتم بعضها بمراجعة العوامل الدينية والمذهبية ، وراجع بعضها العوامل الاقتصادية والاجتماعية في المستوى الضيق (العائلة والمحيط القريب) ، واهتمت ثالثة بتاثير تأزم الهوية الفردية والجمعية.

مثل هذه المقاربات مهمة جدا في توضيح الوجوه المختلفة لظاهرة العنف ، اي كونها تشكلت في البداية بتأثير عوامل متعددة ، ثم تطورت وتحولت بالتدريج ، ودخلت في تشكيلها النهائي عوامل مستجدة ، لم تكن مؤثرة في تشكيلها الأولي.

نحن نرى في العادة عملية القتل او التفجير ، أي النتاج الاخير للظاهرة.  وهي لا تدلنا بالضرورة على محركاتها وموقعها الدقيق في السياق الزمني/الاجتماعي لتشكل وتطور الظاهرة نفسها. هذا يشبه الى حد بعيد ان ترى الثمرة الناضجة على الشجرة ، وتنسى المسار الطويل الذي قطعته الشجرة حتى اصبحت ثمارها ناضجة.

ان التشابه الظاهري بين تمظهرات الارهاب لا يعني بالضرورة انها جميعا ترجع الى ذات العوامل ، او انها تعبير عن حلقة زمنية او ظرفية واحدة في السياق الزمني العام للظاهرة ككل. بعبارة اخرى ، فان الارهابي (أ) الذي شارك زميله الارهابي (ب) في نفس العملية ، لايشكلان نسخة مكررة. لعل كلا منهما بدأ في نقطة مختلفة ، أو انضم الى دائرة الارهاب بتاثير عوامل متباينة. ان وحدة الفعل النهائي لا تعني ابدا وحدة المقدمات او وحدة المسار.

تعدد العوامل التي تسهم في تشكيل ظاهرة الارهاب ، يستوجب بالضرورة تعدد المقاربات والحقول العلمية التي تدرس على ارضيتها ، اي تعدد التفسيرات وطرق العلاج. هذا يدعونا الى تشجيع الباحثين من تخصصات مختلفة للمساهمة في تحليل هذه الظاهرة وتفسير تطوراتها ، وعدم الركون للتفسيرات الانطباعية المتعجلة أو الأحادية.

الشرق الاوسط 13 يوليو 2016   http://aawsat.com/node/688136

مقالات ذات علاقة

ابعد من تماثيل بوذا

اتجاهات في تحليل التطرف

احتواء الخطاب المتطرف

الارهاب كظاهرة مركبة

بحثا عن عصا موسى

تفكيك التطرف لتفكيك الإرهاب-1

تفكيك التطرف لتفكيك الارهاب-2

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)

عودة للعلاقة بين الخطاب الديني وتوليد العنف

غلو .. ام بحث عن هوية

فلان المتشدد

القانون للصالحين من عباد الله

مجادلة اخرى حول الميول العنفية

مساهمة التعليم العام في تفكيك الميول العنفية

مقترحات لدراسة العنف السياسي

واتس اب (1/2) أغراض القانون

واتس اب (2/2) عتبة البيت

19/08/2015

عودة للعلاقة بين الخطاب الديني وتوليد العنف



 كثير من الاصدقاء ازعجه مقال الاسبوع الماضي لانه – بحسب تقديرهم – برأ الخطاب الديني من توليد العنف السياسي او تبريره. والحق اني أرى مبالغة غير محمودة في اعتبار هذا الخطاب ، مولدا وحيدا او رئيسيا للتطرف والعنف. ذلك اني اميز بين توليد الفعل وبين تبريره. كما اني غير مقتنع بأن عامة الناس يعملون بتدبير مسبق على تشكيل ثقافتهم ، اي الخلفية الذهنية التي تتحكم في الاعم الاغلب من افعال الفرد وردود فعله. أقنعني البحث والتأمل في أحوال الناس بأن ذهنيتهم تتغير غالبا بعدما يتغير موقفهم من تحولات الحياة الواقعية ، او حينما يتغير موقعهم في النظام الاجتماعي.
المرحوم د. راشد المبارك
بعبارة اخرى فان دور اللغة الدينية يقتصر غالبا على توصيف او توجيه موقف اتخذه سلفا فرد او جماعة. هذا الموقف قد لايكون منشؤه دينيا ، بمعنى ان موضوعه ليس من داخل الدين ، او بمعنى انه ليس مستمدا من قيم دينية. بل استخدم الدين كعباءة لموقف شخصي او اجتماعي او سياسي او ايديولوجي.
 لا نستطيع بطبيعة الحال الحكم على من فعل هذا بانه كان حسن النية او سيء النية. بل اظن ان استخدام اللغة الدينية او التبرير الديني منشؤه في الغالب سهولة تقديمه الى عامة الناس ، او ربما غياب الفاصل بين الذات الفردية او الجمعية وبين الذات الدينية ، او اختلاط الهوية الاجتماعية بالهوية الدينية ، على نحو يلغي المسافة بين ما هو ديني وما هو شخصي. وهذه ظاهرة ملحوظة في الحياة العامة ،  سيما في المجتمعات المحافظة. ومن ابرز تمثيلاتها التي نراها كل يوم تقريبا ، ردود فعل الاشخاص على انتقاد مجتمع او جماعة دينية. حين تقول ان مجتمعا ما مثلا احتقر انسانا او انتهك حقوق الانسان ، سوف تسمع على الفور جوابا فحواه ان الاسلام ضمن حقوق الانسان او انه سبق الغرب في اقرار حقوق الانسان. المعنى الضمني لهذا الجواب هو ان المجيب افترض ان نقد المجتمع (الذات الجمعية) يعادل نقد الدين ، وان اقحام الدين في الجواب سوف يحوله من رأي شخصي الى موقف جمعي. هذا النوع من رد الفعل ليس موقفا دينيا بل اجتماعي او سياسي يستخدم لغة الدين.
الصراع ضد الحداثة هو احد نماذج استعمال اللغة الدينية في صراعات اجتماعية/سياسية. خلال سبعينات القرن العشرين عملت شخصيات وجماعات اسلامية على خلط الموقف السياسي من الدول الغربية ، بالموقف من منتجات الحضارة الغربية والفكر الانساني بشكل عام ، في سياق عمل مخطط او عفوي لبث الهمة في نفوس المسلمين. وكان السياق العام لهذا العمل هو اقناعهم بانهم يتعرضون لعدوان غاشم ، وانهم قادرون على هزيمته اذا نهضوا. هذا نوع من التعبئة الروحية استهدف الترويج لتيارات محددة ، ويبدو انه قد حقق نجاحا باهرا في الاقطار التي تفتقر للتعدد الثقافي او الحياة السياسية المفتوحة. لكننا نعلم ان هزيمة الغرب تتجاوز قدرة الداعين  اليها. فكانت نتيجة التعبئة هي تحويل الشعور بالظلم والرغبة في مقاومة العدوان ، الى ارتياب وكراهية للغرب وكل ما يرمز اليه.
يعتقد المرحوم د. راشد المبارك ان الموقف من الغرب هو احد مولدات التشدد ومن ثم الكراهية (راجع المبارك: فلسفة الكراهية). ويعتقد داريوش شايغان ان العجز عن الانتقال من الارتياب في الغرب الى استخدامه او منافسته ومن ثم تجاوزه ، كان من اسباب التأزم الداخلي في المجتمعات الاسلامية. وهو تأزم ادى الى تطبيع التصارع الداخلي الذي يشكل بيئة طبيعية للتشدد والعنف (د. شايغان: النفس المبتورة).
لازلنا اذن نتحدث عن مواقف تصاغ بلغة دينية. أوليس هذا تأكيد لمسؤولية  التيار الديني والثقافة الدينية عن توليد العنف او تبريره؟.
في رايي لا. علينا ان نفصل بين المواقف المؤسسة على ارضية القيم الدينية ، وبين استخدام اللغة الدينية كوعاء لعرض المواقف والاراء التي تمثل مصالح اجتماعية او سياسية. اعلم ان مثل هذا التمييز عسير. لكنه ضروري كي نرى الاشياء كما هي في الواقع ، بدل ان نستكين للتفسيرات المجردة ولو كانت مريحة.


الشرق الاوسط 19-8-2015
http://aawsat.com/node/432766

12/08/2015

التعليم الديني كمولد للعنف


منذ العام 1995 كانت ظاهرة الارهاب موضوعا ثابتا في الصحافة السعودية. وهو انشغال يتضاعف حين تقع اعمال ارهابية كالذي حدث في عسير الاسبوع الماضي. خلال العشرين عاما الماضية كتبت الاف المقالات واقترحت عشرات المعالجات. لكنك لو نظرت الى صحافة الاسبوع الماضي مثلا فسوف ترى نفس الافكار والمقترحات التي قيلت طوال السنوات الماضية. هذه المقالة تستهدف مساءلة التفسيرات الرائجة ، والمعالجات التي اقترحت على اساسها.
معظم هذه الكتابات يشير الى التشدد الديني كسبب وحيد لظاهرة العنف. وثمة تمايز في تحديد المسؤولية. فهناك من ينسب المشكلة الى الحضور المتضخم للدين في الحياة اليومية ، من المدرسة الى الاعلام فضلا عن النشاطات الرسمية والاهلية الاخرى. وهناك من يقصر المسؤولية على الجانب السلبي من ذلك الحضور ، اي ما يعتبره مزاحما او ناقضا لوجوه الحياة الاعتيادية الاخرى ، مثل الفن والترفيه والثقافة. وبينهم من يقصر المشكل على أحادية الحضور الديني ، اي انحصار الدعوة والتوجيه والثقافة في منهج واحد ومذهب واحد.
فحوى هذا التفسير ان التشدد نتاج للتثقيف الرائج في المحيط الاجتماعي. ومن هنا فالعلاج المقترح يركز على التعددية الدينية والثقافية ، الانفتاح الاجتماعي ، وتقليل الحضور الديني في الحياة اليومية. فهم يدعون مثلا الى تشجع الفنون واصلاح مناهج التعليم العام ، بما فيها تقليل ساعات التعليم الديني ، واستبدالها ببرامج اكثر علاقة بالحياة العصرية.
التيار الديني متفق في المجمل على معارضة التفسير السابق. وهو ايضا شديد الارتياب في علاجاته. لكنه ليس متفقا بنفس القدر على تفسير واحد. التيار العام التقليدي يرى في ظاهرة الارهاب انبعاثا مستجدا لفرق بائدة. ويشير خصوصا الى "الخوارج" الذين عرفتهم عصور الاسلام الاولى. بعبارة اخرى فهو يعتبر الظاهرة انحرافا عقيديا او فقهيا. وتبعا لهذا يقترح دواء من نفس الجنس ، يركز على النصيحة والمجادلة المستندة الى التعاليم الدينية ، بهدف اقناع الارهابيين بالعودة الى الطريق المستقيم. ويبدو ان الاتجاه الرسمي يميل الى هذا التفسير والعلاج. وفي السنوات الماضية كان الاسم الرسمي لجماعات الارهاب هو "الفئة الضالة". والصلة بين الاسم والتفسير واضحة.
في التيار الديني ايضا ثمة من يتهم جماعات دينية- سياسية محددة بالمسؤولية عن انبعاث ظاهرة التشدد. ويذكر عادة اسم الاخوان المسلمين ، باعتبارهم وراء ضخ المضمون السياسي في الثقافة الدينية المحلية. لكن فريقا آخر ، وبينهم كثير من المتأثرين بالاخوان ، يرى في تشدد الشباب وانزلاقهم الى العنف رد فعل على تفشي مظاهر الحداثة في المجتمع. بعبارة اخرى فهو يميل الى التفسير السيوسيولوجي الكلاسيكي للظاهرة المعروفة بصدمة الحداثة. ويقترح تبعا لذلك علاجا انسحابيا ، يتمثل في كبت تمظهرات الحداثة في المجتمع ، ولا سيما في الاعلام والسلوكيات الشخصية.
في العقد الماضي كان ثمة تيار يشدد على دور العوامل الخارجية في بروز ظاهرة الارهاب. فهو لا يرى في المجتمع المحلي قابلية لاستنبات توجهات متطرفة او عنيفة ، وان ما حدث هو ثمرة لنشاط خارجي يستهدف تصدير العنف الى المملكة على وجه التحديد. هذا التفسير لم يعد رائجا في هذه الايام ، لكنك ثمة من لازال يؤمن به ويضرب الادلة عليه.
واضح ان جميع هذه المقاربات تنظر للتشدد كمشكلة ذهنية/ثقافية ، وانها نتاج لعمل تربوي - تثقيفي في المحيط الاجتماعي او حوله. ضمنيا تنظر هذه المقاربات الى الظاهرة باعتبارها مشكلة افراد انفلتوا من النسق العام ، وليست ظاهرة عامة ، ولهذا فليس فيها قابلية لاحتواء جماعات على نحو يتجاوز الفروق الفردية داخلها.
غرضي من هذه الكتابة هو الاشارة الى ان الاعم الاغلب من النقاشات المتعلقة بالارهاب في المملكة لا يهتم بالعوامل غير الذهنية/الثقافية ، او انه لم يحاول مقاربة العوامل السابقة لتشكل الذهنية ، اي العوامل الاجتماعية ، الاقتصادية ، والسياسية التي تسهم في تشكل رؤية الانسان لذاته وللمحيط.
اهمال هذه العوامل ادى في تقديري الى قصور في فهم المشكلة. اني اظن ان تاثير العوامل التي اشرت اليها اكثر عمقا وثباتا ، وان العامل الذي جرى التركيز عليه ، اي التثقيف الديني ، له دور تسويغي وليس تأسيسيا في الغالب. اعتقد ايضا ان معالجة العامل الديني جزء اساسي من معالجة الظاهرة ، لكن وفق مسارات مختلفة عن تلك التي طرحت حتى الآن. ولعلنا نعود الى الموضوع في وقت آخر.
 الشرق الاوسط لأربعاء - 26 شوال 1436 هـ - 12 أغسطس 2015 مـ رقم العدد [13406]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...