‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطبقة الوسطى. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الطبقة الوسطى. إظهار كافة الرسائل

20/06/2024

الثقافة كصنعة حكومية

الحكومات هي الجهة الاقدر على تغيير ثقافة المجتمع. هناك بطبيعة الحال جهات اخرى قادرة على احداث تغيير بقدر ما (من سينما هوليوود حتى متاجر علي بابا). لكن لا احد يباري الحكومة في قدرتها على انجاز هذه المهمة. وأذكر لهذه المناسبة رؤية المفكر الامريكي بنديكت اندرسون ، التي أقامت أساسا متينا لدراسة مفهوم الهوية الوطنية والدولة القومية. رأى اندرسون ان تكوين هوية الامة او الجماعة الوطنية ، يبدأ باستعراض انتقائي للتجربة التاريخية ، وتحديد الفقرات التي ستشكل "التاريخ الرسمي للبلد" والذي سيكون – في نهاية المطاف – المرجع الرئيس للهوية الوطنية.

لو نظرنا الى واقع الحياة ، فسوف نرى ان غالبية الناس ، يعرفون انفسهم من خلال الأوصاف التي اخبرهم بها أشخاص آخرون. خذ مثلا معرفتك بآبائك وأجدادك ، كيف توصلت اليها.. اليس بالمعلومات التي سمعتها من أبيك او جيرانك. حسنا ، ماذا لو كانت هذه المعلومات مضخمة او مبتسرة او نصف حقيقية ، او هي معلومات مختلطة بالأماني والعواطف ، فهل ستعرف ذلك التاريخ على حقيقته؟.

إذا كنت تدعي لنفسك هوية عائلية او قبلية او تجربة تاريخية من أي نوع ، فاعلم انها ليست سوى روايات الآخرين ، التي قد تكون دقيقة محققة ، وقد تكون مجرد "سوالف" ، هذا ما أسماه اندرسون "جماعة متخيلة" اي هوية متخيلة. وهو وصف ينطبق على كل الجماعات والطوائف والامم ، بلا استثناء ، حسب اعتقادي.

تحدث أندرسون ايضا عن دور الطباعة ، اي الكتب والصحافة المطبوعة ، التي انتجت ما يمكن وصفة بثقافة معيارية مشتركة ، كما ساهمت في توحيد لغة الخطاب ، اي ما يقال وما لا يقال في المجال العام. وهذا هو الاساس الأولي لما نسميه "العرف العام". لا ننسى أيضا دور التعليم الرسمي والمنابر العامة الاجتماعية ، التي ساهمت بشكل فعال في رسم صورة موحدة عن الذات الجمعية ، مستندة الى تاريخ انتقائي او فهم محدد لما جرى في ذلك التاريخ.

لا شك اذن في قدرة الحكومة على صياغة الثقافة العامة وتوجيهها ، لأنها تملك كافة الأدوات اللازمة لهذه المهمة. وقد أشرت سابقا الى ان كافة الحكومات قد استثمرت هذه الامكانية ولم تفرط فيها.

لكن السؤال الذي ربما يراود بعض الناس: إلى اي حد ينبغي للحكومة ان تستثمر هذه القدرة... هل يصح للدولة ان تتحول الى صانع لثقافة المجتمع ، ام تكتفي بارساء الارضية اللازمة للمصلحة العامة او النظام العام؟.

توصلت في دراسات سابقة إلى ان الطبقة الوسطى في المجتمعات التقليدية ، ترغب اجمالا بتبني الحكومة لدور صانع الثقافة العامة ، بل وما هو أبعد من ذلك. اما في المجتمعات الصناعية ، فان الطبقة الوسطى تميل بقوة الى تقليص دور الحكومة في هذا المجال ، واقتصاره على دعم الهيئات الاهلية النشطة في المجال الثقافي. يرجع هذا التمايز الى الدور التحديثي للدولة ، وفق رؤية ماكس فيبر ، ابرز آباء علم الاجتماع الحديث. ففي المجتمع التقليدي تلعب الادارة الحكومية دورا محوريا في عقلنة العرف العام وغربلة التقاليد ، وصولا الى جعل الحياة العامة مرنة ومستجيبة لتيارات التحديث. وهذا هو بالضبط الدور الذي تريده الطبقة الوسطى. اما في المجتمعات الصناعية فان مهمة التحديث منجزة فعليا ، وان الخيارات الثقافية تصنف ضمن المجال الشخصي ، حيث تتجلى الحرية الفردية في أوسع نطاقاتها ، الحرية التي لا يريد الانسان الحديث ان تتقلص او تمسي عرضة للاختراق ، من أي طرف كان.

أميل للاعتقاد بأنه خير للدولة ان تقتصر على التخطيط لأهداف العمل الثقافي الوطني ودعمه ، من دون التدخل في تفاصيله. ربما يقول بعضنا ان المجتمع لن يفعل شيئا ما لم تبادر الحكومة اليه. وهذا امر محتمل جدا. لكني أظنه نتيجة لنوع من التوافق السلبي على هذه المعادلة ، اي ان الحكومة تملك كل شيء فعليها ان تفعل كل شيء. ولو بدأنا في تغيير هذه المعادلة ، فربما يتغير الحال ، ولو بعد حين.

الشرق الاوسط الخميس - 14 ذو الحِجّة 1445 هـ - 20 يونيو 2024 م https://aawsat.com/node/5032468

 مقالات ذات صلة

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

أمين معلوف... الهويات القاتلة

بين هويتين

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حزب الطائفة وحزب القبيلة

حول أزمة الهوية

حول الانقسام الاجتماعي

حول المضمون القومي للصحوة الدينية

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

مسيرة الهويات القاتلة

الهوية المتأزمة

 

19/03/2013

استمعوا لصوت التغيير

اظن ان المملكة قد اصبحت في السنوات الثلاث الاخيرة واحدة من اكثر بلدان عرضة للتغيير الثقافي والاجتماعي. ثلاثة عوامل تقود هذا التحول: اولها هو ارتفاع نسبة الشباب (اكثر من نصف السعوديين دون 30 عاما). وثانيها التوسع الهائل لوسائل الاتصال ومصادر المعلومات. وثالثها التوسع المنتظم للطبقة الوسطى التي ينتمي اليها الان معظم السعوديين.
اود اولا تلافي الخلط الشائع بين تعريف ذوي الدخل المتوسط وتعريف الطبقة الوسطى. فالاول مضمونه اقتصادي بحت ، يتعلق بمستوى المعيشة. اما "الطبقة الوسطى" فهو وصف سوسيولوجي لتلك الشريحة التي تجاوزت حد الكفاف ، واصبح بوسع المنتمي اليها تخصيص بعض وقته لنشاطات لا تتعلق مباشرة بتدبير المعيشة ، مثل النشاطات الثقافية والترفيهية والمشاركات الاجتماعية الخ.
تلك العوامل الثلاثة تقود – كما راى علماء الاجتماع - الى تسريع الحراك الاجتماعي وزيادة نطاق التبادلات الثقافية ، اي خلق خيارات وتطلعات ومطالب ومصالح جديدة.
 طبقا لراي المفكر المعروف د. حازم الببلاوي ، فان الميل للتمرد والمنازعة سمة راسخة في مجتمع الشباب، لانهم اوسع خيالا واكثر اقداما وانجذابا للتطلعات المستقبلية . اما الطبقة الوسطى فالقلق هو ابرز سماتها. الطبقات الدنيا مشغولة بهموم المعيشة وضرورات البقاء ، والطبقة العليا مستريحة الى انجازاتها ومكاسبها. اما الطبقة الوسطى فتتحرك همومها بين الاثنين. القلق من مصير الادنى والتطلع لمكاسب الاعلى يجعلها في حال تدافع دائم ، يعزز حركيتها ورغبتها في ابتكار الافكار الجديدة والخيارات غير المألوفة.
اما التوسع في مصادر المعلومات والاتصال ، سيما الانترنت ، فهو يقود الى تغيير مصادر وانماط المعرفة، وتبلور وعي جديد بالذات والعالم. طبقا للارقام المتوفرة فان عدد مستخدمي الانترنت في المملكة قد تجاوز 15 مليونا نهاية العام الماضي. هذا يعني ان الاغلبية الساحقة من الشبان السعوديين يستعملون الانترنت. ما عاد هؤلاء الشبان يتلقون معارفهم ومواقفهم من معلم المدرسة او شيخ المسجد. وما عادت علاقاتهم محصورة في الجيران وزملاء الدراسة. فتح الانترنت عالما واسعا امامهم ، يكشف لهم كل يوم عن عوالم جديدة ، يمثل كل منها تحديا للاعراف والتقاليد والثقافة الاجتماعية السائدة.
قد نخدع انفسنا بمثل القول ان مجتمعنا لا زال – كما عهدناه قبل عقدين - معتزا بموروثاته ، متمسكا باعرافه وتقاليده. هذا وهم يشبه توهم ان الشاب الذي تعلم في الجامعة، سيبقى مثل زميله الذي بقي في مزرعة ابيه وسط الريف.
العالم يتغير من حولنا ، ومجتمعنا يتغير  بسرعة وعمق في داخله. النخبة والدولة بحاجة للاصغاء الى اصوات التغيير ، بحاجة لادارك عمق التحولات الثقافية والاجتماعية الجارية فعليا ، اتجاهاتها ومخرجاتها. فلا عذر لمن ادعى اليوم انه فوجيء . ليس في الامر اي مفاجأة. استمعوا لاصوات الناس المختلفة وغير المألوفة ، وستدركون حقيقة ما يدور وما ستاتي به الايام.
الاقتصادية الثلاثاء 07 جمادى الأول 1434 هـ. الموافق 19 مارس 2013 العدد 7099
http://www.aleqt.com/2013/03/19/article_740526.html

مقالات ذات علاقة

·         تجارة الخوف
·         تجريم الكراهية
·         طريق التقاليد
·         فلان المتشدد



14/02/2011

الفقر والإحباط والغضب

 مقتل الشاب خالد سعيد على يد ضباط الشرطة كان الشرارة التي أطلقت الغضب في مصر، مثلما أطلق مقتل الشاب محمد بوعزيزي شرارة التغيير في تونس. تلك الحادثة كانت صدمة لعشرات من الشباب الذين أنشأوا صفحة على الفيس بوك تحت اسم «كلنا خالد سعيد»، كما نشروا العديد من الأفلام القصيرة عن مقتله وتشييعه وردود الفعل على هذه الحادثة. شاهد الفيلم الرئيسي على اليوتيوب أكثر من مئتي ألف، وانضم إلى مناصري الحملة على الفيس بوك نحو خمسين ألفا.

كان الاحتجاج على الفقر وضيق العيش أبرز المبررات المطروحة لتظاهرات مصر وتونس وبقية البلدان العربية التي شهدت أحداثا مماثلة خلال الأسابيع الماضية.

لكنا نعلم أيضا أن معظم الذين شاركوا في هذه الأحداث لم يكونوا أفقر أهل البلاد. في مصر على الأقل، تركزت الاحتجاجات في المدن الكبرى مثل القاهرة والإسكندرية والمحلة وبور سعيد والسويس. ولم نسمع كثيرا عن تظاهرات ذات شأن في الريف المصري. ومعظم أهل تلك المدن من الطبقة الوسطى. نعلم أيضا أن الشباب هم الذين حملوا راية الاحتجاجات وبادروا بها، وأنهم تواصلوا مع بعضهم من خلال الإنترنت. بطبيعة الحال فإن امتلاك جهاز كمبيوتر والدخول على الإنترنت هو من سمات الحياة المدنية وخصوصا طبقتها الوسطى. زبدة القول إن الأكثر فقرا لم يبادروا بالتظاهر، والذين قادوا المسيرة، بل والكثير ممن شارك فيها لاحقا، كان غنيا أو متوسط الحال.

بعض الناس يرى في الأمر نوعا من التناقض، وبعضهم يتجاوز المسألة للتأكيد على حاجة العالم العربي للتعجيل في معالجة الفقر والبطالة ومشكلات المعيشة الأخرى، وهو يرى في ذلك وقاية لازمة من احتمالات الانهيار السياسي الذي نرى اليوم بعض تجلياته. لكن هذا ليس حلا في نظري.

يكشف تاريخ الحركات الشعبية في العديد من دول العالم أن الطبقة الوسطى كانت على الدوام بؤرة التوتر وصانعة التغيير. تتسم الطبقة الوسطى بالقلق وعدم الاستقرار، ليس لأسباب اقتصادية دائما، بل لأسباب سياسية وثقافية في معظم الأحيان. الطبقة الوسطى هي الظرف الاجتماعي الذي تجري في وسطه التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولا سيما تدهور القيم والأعراف والتقاليد القديمة.

 يتحدث أهل الطبقة الوسطى عن الفقر في إطار المقارنة بالأكثر ثراء وليس بالأكثر فقرا، ويتحدثون عن البطالة وهم ينظرون إلى مستوى الوظيفة وعائدها، وليس مجرد لقمة العيش. الطبقة الوسطى هي مكان التطلع والطموح والبحث عن الذات، ولهذه الأسباب فهي أيضا موقع الصدمات والإحباطات. على الجانب الثاني فإن الطبقة الوسطى تملك وسائل فهم الذات والتعبير عنها، وتملك أدوات التواصل الجمعي التي تحول الهموم الشخصية إلى قضايا عامة..

لهذه الأسباب، يقول الباحثون في التنمية إن حل المشكلات الاقتصادية قد يؤجل انفجار الغضب أو ربما ينقل نقاط تركيزه، لكنه لا ينهي التوتر ولا يطفئ مصادره. أحد الحلول التي جربت في أكثر من بلد هو فتح الأبواب للتعبير الحر عن الرأي الفردي والجمعي، وتمكين الناس من البحث عن حلولهم الخاصة لمشكلاتهم. الحوار العلني والصريح بين الجمهور ولا سيما الجيل الجديد وبين رجال الدولة هو بالتأكيد وسيلة لفتح الأبواب وتجديد الأمل في نفوس الناس، وهو قد يكشف بعض مسارات الحل. يجب أن يشارك الناس في صناعة الحلول كي ترضى أنفسهم. فرض الحلول ــ حتى الجيدة منها ــ قد يشعر الناس بالمزيد من الاغتراب والإحباط.

« صحيفة عكاظ » - 14 / 2 / 2011م    https://www.okaz.com.sa/article/637605

مقالات ذات علاقة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...