أعلم ان غالبية معارضي الاصلاح
الديني قلقون من حقيقة ان الاصلاح المنشود ، ينطوي – صراحة او ضمنيا – على انفتاح
غير محدود على ثقافة الغرب ونظامه المعرفي والقيمي. وان هذا الانفتاح ، سيقود في
نهاية المطاف الى تهميش بعض القيم والرؤى وقواعد العمل ، التي اعتبرناها – لزمن
طويل – بين المسلمات التي لا تناقش.
هذا النقاش ليس جديدا. فهو يرجع الى
قرن من الزمن أو يزيد. وأميل الى الظن بان النقاشات القديمة والجديدة في الموضوع ،
قد مرت سريعا على عنصر جوهري ، لو نوقش بانفتاح وتفصيل ، فلربما ساعد على حل
الاشكال.
ذلك العنصر هو موقع المادة
المستوردة في نظامنا المعرفي والقيمي. وبالتالي تأثيرها المزاحم لبقية المعايير التي
ينطوي عليها ذلك النظام. لتوضيح الفكرة دعنا نضرب مثلا بمبدأ حقوق الانسان الذي استوردناه
من الاطار المعرفي الغربي. ينطوي هذه المبدأ على جملة من القيم الاساسية ، التي
تتعارض حديا مع مسلماتنا ونظام حياتنا. من ذلك مثلا حرية الاعتقاد والتعبير ، وحق
الانتقال والعمل والسكن واختيار نمط المعيشة. فهذه من اساسيات مبدأ حقوق الانسان
الغربي. لكنها جميعا تنطوي على تعارض مع أعراف وقيم مستقرة في نظامنا الثقافي او
الاجتماعي او الديني. ومن المؤكد ان استيعابها في هذا النظام ، سيؤدي الى تهميش
العديد من القيم والاعراف التي نعتبرها تمثيلات للحق او ضرورات للعيش ، او نصنفها
كمسلمات لا نعرف فحواها، لكننا نقبلها تعبدا.
من يعارضون الانفتاح محقون تماما في
القول بان هذا التزاحم ، سينتهي الى غلبة القيم الوافدة وهزيمة نظيرتها الموروثة. نعلم
هذا. ونعلم ان جميع التجاذبات المماثلة بين الموروث والوافد ، ستنتهي عاجلا او
آجلا بانهيار الأول ، لسبب يعرفه كل الناس ، وهو ان أي قيمة غير مؤسسة على ارضية
عقلانية ، او لا تحقق مصلحة يمكن تحديدها وحسابها ، فانها ستخلي مكانها لنظيرتها
من الجبهة الأخرى.
نستطيع القول اذن ان جوهر المشكل في
جبهتنا ، يكمن في عقلانية القيم والاعراف والرؤى والمناهج التي نتبناها كمسلمات ، او
نعتبرها دلالات او معايير للحقيقة.
هذا يعيدنا الى فاتحة المقالة ، اي
علاقة الاصلاح الديني بالموقف من الغرب. وزبدة القول في هذا المجال ان الفكرة
الجوهرية في دعوة الاصلاح الديني ، هي إعادة بناء القيم الدينية والاعراف الاجتماعية
على ارضية عقلانية. ومن ثم اعتبار المصالح الناتجة عن تطبيق مؤديات تلك القيم
واحكامها ، معيارا لقبولها او طرحها. حين تتزاحم الرؤية الغربية لحرية التعبير
مثلا ، مع نظيرتها في الفهم الفقهي او
العرف الاجتماعي ، فان معيار التفاضل بينهما هو الناتج الفعلي ، وليس الجدل
المنطقي او التاريخي حول هذه او تلك.
تتعارض هذه الرؤية مع المنهج الذي
يدعو للاخذ بظاهر النص او قول الفقيه "تعبدا". كما تتعارض مع القول
بوجود علل خفية لا يدركها العقل. تجادل هذه الرؤية بان كل حكم وضع لحكمة ، أو لتحقيق
مصلحة قابلة للادراك ، ولهذا اصبحت فرضا يحاسب الناس عليه.
هذا هو الخط الاول في دعوة الاصلاح
الديني ، وهو وسيلتنا للخلاص من قلق التفاوت بين ما لدينا ، وما يعرضه تطور
العلم والعالم علينا.
نحن نقول بالفم الملآن ان دين
الاسلام قام على ارضية عقلانية ، وان أحكامه محكمة منطقيا ومصلحيا. دعونا اذن نجرب
سلامة هذه الدعوى في الواقع ، دعونا نطرحها في مقابل نظائرها المنتجة على ارضيات
معرفية او ايديولوجيا مخالفة.
الشرق الاوسط 5 ابريل 2017
http://aawsat.com/node/894556