‏إظهار الرسائل ذات التسميات الغزو الثقافي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الغزو الثقافي. إظهار كافة الرسائل

05/04/2017

أول الاصلاح عقلنة القيم


أعلم ان غالبية معارضي الاصلاح الديني قلقون من حقيقة ان الاصلاح المنشود ، ينطوي – صراحة او ضمنيا – على انفتاح غير محدود على ثقافة الغرب ونظامه المعرفي والقيمي. وان هذا الانفتاح ، سيقود في نهاية المطاف الى تهميش بعض القيم والرؤى وقواعد العمل ، التي اعتبرناها – لزمن طويل – بين المسلمات التي لا تناقش.
هذا النقاش ليس جديدا. فهو يرجع الى قرن من الزمن أو يزيد. وأميل الى الظن بان النقاشات القديمة والجديدة في الموضوع ، قد مرت سريعا على عنصر جوهري ، لو نوقش بانفتاح وتفصيل ، فلربما ساعد على حل الاشكال.
ذلك العنصر هو موقع المادة المستوردة في نظامنا المعرفي والقيمي. وبالتالي تأثيرها المزاحم لبقية المعايير التي ينطوي عليها ذلك النظام. لتوضيح الفكرة دعنا نضرب مثلا بمبدأ حقوق الانسان الذي استوردناه من الاطار المعرفي الغربي. ينطوي هذه المبدأ على جملة من القيم الاساسية ، التي تتعارض حديا مع مسلماتنا ونظام حياتنا. من ذلك مثلا حرية الاعتقاد والتعبير ، وحق الانتقال والعمل والسكن واختيار نمط المعيشة. فهذه من اساسيات مبدأ حقوق الانسان الغربي. لكنها جميعا تنطوي على تعارض مع أعراف وقيم مستقرة في نظامنا الثقافي او الاجتماعي او الديني. ومن المؤكد ان استيعابها في هذا النظام ، سيؤدي الى تهميش العديد من القيم والاعراف التي نعتبرها تمثيلات للحق او ضرورات للعيش ، او نصنفها كمسلمات لا نعرف فحواها،  لكننا نقبلها تعبدا.
من يعارضون الانفتاح محقون تماما في القول بان هذا التزاحم ، سينتهي الى غلبة القيم الوافدة وهزيمة نظيرتها الموروثة. نعلم هذا. ونعلم ان جميع التجاذبات المماثلة بين الموروث والوافد ، ستنتهي عاجلا او آجلا بانهيار الأول ، لسبب يعرفه كل الناس ، وهو ان أي قيمة غير مؤسسة على ارضية عقلانية ، او لا تحقق مصلحة يمكن تحديدها وحسابها ، فانها ستخلي مكانها لنظيرتها من الجبهة الأخرى.
نستطيع القول اذن ان جوهر المشكل في جبهتنا ، يكمن في عقلانية القيم والاعراف والرؤى والمناهج التي نتبناها كمسلمات ، او نعتبرها دلالات او معايير للحقيقة.
هذا يعيدنا الى فاتحة المقالة ، اي علاقة الاصلاح الديني بالموقف من الغرب. وزبدة القول في هذا المجال ان الفكرة الجوهرية في دعوة الاصلاح الديني ، هي إعادة بناء القيم الدينية والاعراف الاجتماعية على ارضية عقلانية. ومن ثم اعتبار المصالح الناتجة عن تطبيق مؤديات تلك القيم واحكامها ، معيارا لقبولها او طرحها. حين تتزاحم الرؤية الغربية لحرية التعبير مثلا ، مع نظيرتها في  الفهم الفقهي او العرف الاجتماعي ، فان معيار التفاضل بينهما هو الناتج الفعلي ، وليس الجدل المنطقي او التاريخي حول هذه او تلك.
تتعارض هذه الرؤية مع المنهج الذي يدعو للاخذ بظاهر النص او قول الفقيه "تعبدا". كما تتعارض مع القول بوجود علل خفية لا يدركها العقل. تجادل هذه الرؤية بان كل حكم وضع لحكمة ، أو لتحقيق مصلحة قابلة للادراك ، ولهذا اصبحت فرضا يحاسب الناس عليه.
هذا هو الخط الاول في دعوة الاصلاح الديني ، وهو وسيلتنا للخلاص من قلق التفاوت بين ما لدينا ، وما يعرضه تطور العلم  والعالم علينا.
نحن نقول بالفم الملآن ان دين الاسلام قام على ارضية عقلانية ، وان أحكامه محكمة منطقيا ومصلحيا. دعونا اذن نجرب سلامة هذه الدعوى في الواقع ، دعونا نطرحها في مقابل نظائرها المنتجة على ارضيات معرفية او ايديولوجيا مخالفة.
الشرق الاوسط 5 ابريل 2017
http://aawsat.com/node/894556

10/04/1999

الحل الحاسم للمسألة التلفزيونية



وجدت عددا من كتاب الصحافة المحلية ـ ومنهم كتاب في عكاظ ـ مهتما الاسبوع الماضي بالغزو الثقافي الذي يأتينا عبر برامج التلفزيون ، والالحاد والفساد الذي تمطره القنوات الفضائية ، ببرامجها التي تسيل ـ عادة ـ الكثير من الحبر والدهشة ، ويقول السادة الكتاب اننا نواجه فتنة عظيمة ، بل بلاء مبرما ، ولعل بعضهم وجد مناسبة بين ما يقال عن العولمة التي وصفها استاذنا السريحي بالامركة ، وبين مضمون البرامج التي تعرضها قنوات التلفزيون العربية والاجنبية ، التي سهل التقاطها مع انتشار وسائل الاستقبال المتقدمة.
وظننت لبعض الوقت ان هذه التحذيرات تمثل أساسا قويا للبحث في الطرق العلمية المناسبة لدفع البلاء ، فقلت في نفسي ان الحل الافضل هو إصدار أمر يمنع استقبال برامج التلفزيون ، او ربما التشويش عليها كي تصبح عسيرة الفهم ، او ربما منع استيراد اجهزة التلفزيون كليا كي نغلق باب الفتنة ، تأسيسا على القاعدة التي يجسدها المثل الشعبي السائر (الباب الذي ياتي بالريح .. أسدّه وأستريح) ، وهي قاعدة يأخذ بها عقلاء قومنا ، ولا يستنكرها أحد .

ولا يظنن أحد ان هذا الاقتراحات بدع من جيبي ، فقد سبق لكثير من الناس ان قالها ، وقام بعض أخوتنا في بلادهم بالغاء التلفزيون كليا ومصادرة ما يملكه الناس من أجهزة ، بعد ان منعوا استيراد جديدها بطبيعة الحال ، لكني بعد ان فكرت في هذا الحلول ، وجدت تطبيقها عسيرا بعض الشيء ، فلو أمر أحدهم بمنع مشاهدة التلفزيون ، فربما التزم رب العائلة وعقلاؤها بالامر ، لكن من يلزم الاطفال والجهال ، فلعلهم ينتظرون فرصة خروج العاقل للدراسة او العمل فيطالعون ما يبغون سرا ، فقلت لنفسي ان التشويش هو الحل الاحسن ، وهو حل مجرب في بعض الاحيان ، لكن المشكلة ان هناك من يرغب في مطالعة التلفزيون ولا يخشى عليه ، وهو يستطيع ـ عادة ـ تبرير استمتاعه بهذه الفرصة .

ثم ان كتاب الصحف سوف يعارضون التشويش ، لانه يحرمهم فرصة الاستمتاع بالمشاهدة ثم الكتابة عن سيئاتها ، أي الجمع بين المرغوبين ، وهكذا تفوت الفرصة أيضا على الصحيفة لنشر موضوع جذاب ، فقلت لنفسي ان التشويش ليس حلا طيبا ، فلا يوجد اذن حل افضل من الحل الجذري أي الغاء التلفزيون ، ومصادرة اجهزته ومنع استيراده ، بعد استثناء الموثوقين ، فهو يغلق الباب كليا فيسد ذريعة للفساد ، لكني وجدت ـ بعد التفكير العميق طبعا ـ  ان هذا أسوأ الحلول ، لأنه يحرم المساكين الذين يتحملون مشقة استيراد الاجهزة و بيعها ، من ثمرات كدهم ، ويحرم البائعين من فرصة للربح ، ولهذا فهو قد يفتح ابوابا أخرى للفساد .

وقد حيرني التلفزيون ، وحيرني البحث عن وسيلة لاستئصال شروره ، حتى لقد فكرت مرة في ان الحل الامثل هو اقناع شركة الكهرباء بقطع التيار حين يبث برنامج فاسد ، لكني تذكرت ان شركة الكهرباء تعاني خسائر منذ تأسيسها ، فهل نزيد خسائرها بقطع التيار ؟ .

وأخيرا توصلت إلى الحل الامثل ، الا وهو اقناع شركات التلفزيون بكتابة سطر تحذير ، من هذا النوع الذي تضعه مصانع السجائر على علبها ، يقول مثلا (برامج الفضائيات مضرة بالصحة .. ننصحك بعدم مشاهدتها) ولدي الان حجة قوية على جدوى هذا النوع من الحلول ، لأن الذين توصلوا إلى هذا الحل في المسألة الدخانية ، فكروا كثيرا ، ربما أكثر مما فكرت ، فاهتدوا أخيرا إلى هذا الحل السطري (نسبة إلى سطر التحذير) فيستطيع الانسان ان يطالع البرنامج الممتع ، ويقرأ سطر التحذير في الوقت نفسه ، مثلما يدخن ويقرأ السطر الدخاني في ذات الوقت ، وهكذا ينحل الاشكال العويص.

فلما وصلت إلى هذا الحل الحاسم ، قلت في نفسي ان هذا برهان واضح على مغالاة الكتاب الذين يتحدثون في المشاكل ، فما دام الحل الحاسم لمشكلة الفضائيات قد توفر بهذه السهولة ، فلماذا لا نفكر في حل مشاكلنا الكبرى بنفس الطريقة ؟.

لكني تذكرت لاحقا ان المشكلات هي عمل يدفعون عليه مالا ، ويحصل الانسان من ورائه على التقدير ، فاذا حللنا جميع المشاكل فماذا نعمل ، وكيف نعرض انفسنا ، فقررت السكوت عن هذا الامر ، لكي يكون في وسعنا الحديث عن المشاكل ، من العولمة إلى الغزو الثقافي إلى تحليل العقل العربي ، الخ .. خاصة وان إكثار الحديث عن المشكلات يغني ـ حسب القاعدة الجارية ـ عن حلها ، ويغني عن كشف حجمها وحقيقتها ، ويريح الناس من حمل عبء المسؤولية عنها ، فما دام الانسان يتحدث عن وجودها ، فهو يبريء نفسه منها ومن التحقيق العميق في تفاصيلها ، ومن علاجها ، وهذه أيضا قاعدة جارية ، ونحن ممن يحب القواعد ولزوم القواعد .
ارسل في 10 ابريل 1999

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...