‏إظهار الرسائل ذات التسميات Whataboutism. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات Whataboutism. إظهار كافة الرسائل

30/10/2019

مجادلة اخرى حول الميول العنفية

||يميل معظمنا للاعتقاد بان الانسان أميل للفساد لولا الروادع القانونية. وأرى في هذا الاعتقاد جذرا لنزعة التشدد تجاه الغير||
ما كتبته وكتبه زملاء آخرون حول الميل للعنف في الشخصية العربية ، لا يستهدف إدانة الثقافة العربية ، بل تحليل ظاهرة ، من دون ادعاء انه منزه عن الخطأ. يهمني تأكيد هذه النقطة ، لأن بعض القراء الأعزاء بذل جهدا مضنيا في بيان ان البشر كلهم ميالون للعنف ، وان الأوروبيين فاقوا العرب في هذا ، وان عنف العربي كان في الغالب رد فعل على عدوان اعدائه.. الخ.
 واريد استثمار المناسبة للفت الانظار الى ما أظنه مشكلة عامة في التداول الثقافي ، تتجلى في الانزلاق السريع من المناقشة النقدية (وهي الطريق الطبيعي لتطور الثقافة) الى التبجيل او الاعتذار والتبرير. ولا ينفرد المجتمع العربي بهذا النهج ، فهو معروف في كل مكان تقريبا ، وقد أطلق عليه في الولايات المتحدة ، في وقت سابق ، اسم "الماذا-عنية Whataboutism". ويراد به التنديد بالناقدين الذين يغفلون سياق الموضوع ، ويركزون على مجادلة شخص الكاتب ، او اثارة نقاط غير ذات صلة. وأحتمل ان التسمية تستبطن نوعا من السخرية. وقد استعملت ايضا في سياق الانكار على السياسيين والكتاب الذين يخدمون اجندات سياسية. ولعل الرئيس الامريكي ترامب هو أحدث من قيل انه “Whataboutist” أي انه يتبنى نهج "الماذا-عنية" كما يظهر في نقاشاته وخطبه ، سيما حين يدافع عن نفسه او سياساته. وبعض الموارد المتصلة بهذا مذكور في موقع ويكيبديا المعروف.
زبدة القول انه ليس من الفطنة تحوير النقاش ، باثارة نقاط غير ذات صلة بجوهر الموضوع ، فهذا النهج قد يشير الى ان صاحبه لم يستوعب الفكرة ، او أنه – لو اسأنا الظن – يحاول تشتيتها باثارة قضايا غير ذات صلة ، لأنه عاجز عن النقاش الحسن.
بعد هذا الاستطراد اعود الى مسألتنا الاولى ، اعني الغرض الذي لأجله نتحدث عن علاقة العنف بالثقافة او رسوخه في التراث العربي. ان الغرض من هذا هو توجيه المربين ، سواء كانوا آباء او معلمين او غيرهم ، الى الجذور الثقافية لنزعة العنف والتشدد. وبعض هذه الجذور خفية لا يراها غير قليل من أهل النظر. ومن ذلك مثلا الرؤية القائلة بان الشر هو الطبع الأولي في البشر ، وأن الخير لا يأتي الا بالتعليم والارشاد ومعه السيطرة والردع. وقد كتبت عن هذا الأمر مرارا ، وأشرت الى انك لو سألت الناس عن الغاية من وضع القوانين واقامة الحكومات مثلا ، لأجابك معظمهم بان الغاية هي ردع الأشرار. ولعل القليل منهم يستذكر ان غرض القانون والحكومة هو إعانة ذوي الحقوق في نيل مستحقاتهم ، ونيل الحقوق ليس بالضرورة من موارد النزاع ، بل قد يأتي في سياق التوزيع العادل للموارد المتوافرة في المجال العام (مثل توزيع الاراضي للسكن والاستثمار). او تنظيم صرف الثروة المشتركة في الخدمات المفيدة للجميع.
اقول ان غالبية الناس يتخيلون ان الردع هو علة قيام الحكومة والقانون. لأنهم في الاساس يعتقدون ان البشر أميل للفساد لولا وجود الرادع. وهذا راي ارسطو الذي تبعه غالب الفقهاء والمتكلمين المسلمين منذ اقدم العصور وحتى الان. ولذا فهو الاتجاه الغالب على الثقافة المتداولة في الاطار العربي والاسلامي.
في رايي ان هذا الاعتقاد (الذي اجزم بانه خاطيء) هو احد الجذور المولدة لنزعة التشدد تجاه الغير ، والتي تستدرج – بطبيعة الحال – ميلا للطرق العنيفة في التعامل مع الآخرين. ولعلنا نعود للموضوع في وقت آخر.
الشرق الاوسط الأربعاء - 2 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 30 أكتوبر 2019 مـ رقم العدد [14946]

مقالات ذات علاقة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...