‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنصرية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات العنصرية. إظهار كافة الرسائل

13/12/2017

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا (الجذور)


فوجيء اليكس هيلي بالترحيب الهائل الذي حظيت به روايته "الجذور" حين نشرها في 1976. تصويره المفجع للمآسي والآلام التي عاشها السود في الولايات المتحدة ، تنطوي على اتهام مباشر ومحدد ، فحواه انه يتوجب على المجتمع والدولة الامريكية ، اتخاذ المزيد من الاجراءات الضرورية للخلاص من ارث التاريخ المعيب. 
تاثر هيلي بموقف مالكوم اكس ، داعية الحقوق المدنية الشهير ، وفحواه اننا نحتاج لمعرفة تاريخنا كي نتصالح مع الحاضر. خيالات الماضي وأحزانه وما ورثناه من اسباب للريبة والقلق ، لا تعيننا على صنع حاضر يليق بنا ولا مستقبل يعكس قدراتنا. علينا ان نعرف ذلك التاريخ المؤلم ، ثم نتجاوزه.
"الجذور" ليست دراما خيالية ، فهي مبنية على تاريخ حقيقي ، جمع هيلي شتاته ، وقدمه من خلال ما يشبه سيره شخصية لكونتا كينتي ، الشاب الذي خطفه تجار العبيد من قرية على ساحل افريقيا الغربي عام 1776، وبيع الى مزارع امريكي في ميريلاند  ، ثم بيعت ابنته ، وكان اليكس هيلي واحدا من احفادها.
بيع من الرواية نحو 6 ملايين نسخة ، وترجمت الى 35 لغة رئيسية. كما حولت الى مسلسل تلفزيوني شاهده الملايين حول العالم. في تلك السنوات ، تساءل كثير من النقاد: ما الذي يجعل الناس مغرمين بالعودة الى التاريخ؟. هل لأننا نستمتع بالشعور بان البشرية قد نجحت في تجاوز ظلمات الماضي ، أم اننا نحاول التعرف على ذواتنا العميقة من خلال البحث عن تحولاتها القديمة.
هذا السؤال يتمتع بأهمية اكثر في المجتمع العربي ، لأننا بساطة لانتعامل مع التاريخ كتجربة ثقافية. ان تاريخنا جزء من حياتنا اليومية. فهو يسهم بنصيب وافر في تشكيل رؤيتنا لأنفسنا وللعالم الذي نعيش فيه. وكان صديق لي يقول ان علاقتنا بالتاريخ اكثر من معرفة: "نحن نحمل اجساد اسلافنا على اكتافنا. نعيش معها ونستمع اليها ، وقد نتحدث اليها أحيانا".
 اظن ان الشوق للتاريخ يتأثر بواحد من أربعة دوافع. بعض الناس يذهبون للتاريخ مثلما يزورون المتاحف ، غرضهم المعرفة او الاستمتاع بتجربة حياتية مختلفة عما اعتادوه. وثمة من يزور التاريخ سعيا للخلاص من مشكلات راهنة ، لكن جذورها ممتدة للماضي. من ذلك مثلا مطالبة الأرمن للحكومة التركية بالاعتذار عما قيل انه إبادة جماعية نفذها العثمانيون في 1915 ، ومطالبة الجزائر ودول افريقية للحكومة الفرنسية بالاعتذار عما جرى من فضائع خلال الحقبة الاستعمارية. يريد هؤلاء الخلاص من ذكريات التاريخ البغيض ، من خلال اعتذار يشكل نوعا من المصالحة الاخلاقية بين الظالم والمظلوم.
ثمة من يذهب للتاريخ محاولا "اعادة تصنيع" هوية قابلة للاستعمال في الصراعات السياسية الراهنة. ولهذا المنحى علاقة جوهرية بمفهوم الامة والهوية الجامعة ، وفق المجادلة العميقة التي قدمها بنديكت اندرسون في كتابه المرجعي "مجتمعات متخيلة". اخيرا فهناك من يذهب للتاريخ هاربا من الاقرار بعجزه عن مواجهة تحديات الحاضر ، أو لأنه غارق في ثقافة الماضي بقدر يجعله منقطعا تماما عن الحاضر. ولذا فان مجاورة الاموات تشكل انسه الوحيد ، يعيش تاريخهم ويتحدث بلغتهم ويستعيد قصصهم ويلبس أزياءهم.
لا بد ان بعضنا قد تعرف على واحد من هذه الدوافع الاربعة في نفسه او في الاشخاص الذين يعرفهم. على اي حال فان سؤال العلاقة بين الماضي والحاضر في جوهره ، سؤال ترتيب للمكانة: من يحكم من ، هل نتحكم في تعاملنا مع تاريخنا ام نحن خاضعون لهذا التاريخ.
الشرق الاوسط  25 شهر ربيع الأول 1439 هـ - 13 ديسمبر 2017 مـ

06/12/1998

قاعدة شيلني واشيلك

نعرف جميعا اننا نرث عن أسلافنا ، صفاتنا الجسمية ، لون بشرتنا وشكل وجوهنا وبقية الصفات البيولوجية ، حتى الامراض. لكن فكرة الوراثة كانت - حتى اواخر القرن الثامن عشر - أوسع من هذا بكثير. فقد اعتادت النخبة المتعلمة على تقبل الفكرة القائلة بان الانسان يرث عن أبويه حتى الصفات السلوكية والذهنية ، بما فيها قابلية الاستقامة والانحراف عن الطريق السوي. بل أن بعض العلماء بذل جهدا كبيرا لاثبات امكانية تمييز الشخص المستقيم أو المنحرف ، من تفاصيل وجهه وشكل جمجمته ، وان هذه الصفات تنتقل الى الأبناء من الآباء ، وبقيت فكرة تأثير الأصل سائدة في الابحاث المتعلقة بالمجتمع والانسان ، حتى منتصف القرن العشرين.

البروفسور كارل يونغ

في العام 1939 سئل كارل يونغ ، عالم النفس السويسري ، عن رأيه في ردة فعل الشبية الالمانية على صعود هتلر السياسي ، فقال ان هتلر هو ( مكبر الصوت الذي يجسم الهمسات الخفية للروح الالمانية). 

ومما يذكر هنا ان بعض المتعلمين ، وبينهم دعاة ورجال علم بارزون ، قد ابتلع الطعم ، فبالغوا في التدليل على هذا المنحى ، بالروايات التي تدعو الانسان إلى تحري الأصول الطيبة عند الزواج والجيرة ، أو تلك التي تمتدح أقواما بعينهم ، فصرفوها إلى ذلك المفهوم ، رغم ان الدعوة الاسلامية قد قامت على اعتبار الانسانية جامعا مشتركا ، يفرض التسوية بين كل انسان والآخر بما هو انسان ، وأحالت التفاضل على الفضائل الأخلاقية والعقلية ، التي يجتهد الفرد في اكتسابها والتحلي بها ، فتتحدد قيمته تبعا لها.

أما في العصور الاسلامية المتقدمة ، فقد اهتم عدد من العلماء بالعلاقة بين البيئة الطبيعية والنشاط الذهني ، وكان القاضي صاعد الاندلسي (1029-1070) من أوائل الذين طرحوا هذه الفكرة ، حين قرر ان الامم المؤهلة لاكتساب العلم ، هي التي تعيش في المناطق المعتدلة الهواء ، بينما انسان المناطق  الحارة  انفعالي غير متزن ، وانسان المناطق الباردة خامل ، وذهب إلى هذا المذهب - مع تبني استنتاج معاكس- المفكر الفرنسي  مونتسيكيو ( 1689-1755) الذي قرر ان السخونة تأتي بالاستبداد ، بينما البرودة تجعل العقل مسيطرا على الحواس .

 لكن هذا النوع من التصنيف لم يجد رواجا في المجتمع العربي ، لتزاحمه مع مفهوم آخر يقوم على نسبة الأفراد إلى بيئاتهم الاجتماعية ، أي النظر إلى الفرد من خلال انتمائه الاجتماعي ، وليس من خلال صفاته البيولوجية ، أو صورة أسلافه ، أو بيئته الطبيعية ، فضلا عن تزاحمه مع الصورة الدينية للفرد ، التي سبق الاشارة اليها ، ونعلم ان الدين الاسلامي هو المكون الرئيس لثقافة العرب ، منذ البعثة النبوية .

مع مرور الزمن وتطور علم الانسان ، أهملت نظريات الوراثة والتأثر بالبيئة الطبيعية ، لصالح تعظيم قيمة الفرد ، فيما يمكن اعتباره اكتشافا متأخرا للمفهوم الاسلامي ، الذي بدأ بالنظر إلى الفرد الواحد كمخاطب للشريعة ، ومسؤول عما كسب في دنياه ، حيث يتساوى في هذا الاعتبار والقيمة مع كل فرد آخر ، بغض النظر عن أصله ونسبه وبيئته .

لقد احتاج الانسان في الغرب إلى قرون طويلة من الكفاح ، حتى يسترد اعتباره الذاتي ، فيتحول من محمول على غيره إلى حامل لذاته ، قادر على تقرير قيمته الخاصة ، بناء على اجتهاده وانجازه ، مما حمل العالم البريطاني ادوار كار ، على القول بان (تاريخ البشرية هو بوجه من الوجوه ، تاربخ صراع الفرد من أجل استعادة قيمته) .

لكن على خلاف هذا فان المجتمع العربي ، وكثيرا من المجتمعات النامية الأخرى ، ما تزال تقاوم فكرة استقلال الفرد بقيمته ، الفرد في عالمنا ما يزال مجهولا كذات مستقلة قائمة بمفردها ودون نسبة إلى الغير ، الفرد في العالم النامي معروف بقبيلته أو طائفته أو بلده ،  أي بانتمائه الاجتماعي ، ولهذا فانك تواجه كثيرا من الحالات ، التي يعرف فيها زيد باعتباره من أهل البلد الفلاني أو القبيلة أو الطائفة الفلانية ، ويتقرر مكانه أو الموقف منه بناء على هذا الاعتبار .

وفي سنوات ماضية كتب دارسون عرب ، ان التحضر والنشاط الاقتصادي وانتشار التعليم ، سوف يقضي على هذا النوع من التصنيف ، الذي ينطوي على (احتقار غير مقصود) للانسان الفرد ، لكن ظهر لاحقا ان هذا التوقع كان متفائلا جدا ، رغم انه لا يخلو من صحة ، فلنقل على سبيل التحفظ ، ان عددا من الأفراد استطاعوا ان يفرضوا اعتبارهم الخاص ، وان يجعلوه مقدما على نسبهم أو انتمائهم ، وثمة عدد ملحوظ من الشخصيات البارزة اليوم في مجتمعنا ، ترجع إلى اصل متواضع ، لكن على الوجه الثاني ، فان الأفراد الذين لم يستطيعوا ابراز قدرات استثنائية ، ما زالوا يواجهون ذات المشكلة ، ومنهم من يعوّل كثيرا على استثمار انتمائه الاجتماعي للحصول على ما يريد ، بل وفي بعض الأحيان للاسـتـئـثار بالفوائد على حساب الغير ، فالانتماء يلعب هنا دور المرجح ، مقابل الكفاءة والصفات الفاضلة الأخرى .

وتجد أحيانا ان معظم الموظفين في إدارة من الادارات ، ينتهي اسمهم بلقب واحد ، يعكس الانتماء إلى قبيلة محددة أو منطقة محددة ، وليس ثمة تفسير لهذا الوضع ، سوى ان الانتماء الاجتماعي لعب الدور الرئيس ، بل ربما الوحيد في فوز هؤلاء بالوظيفة ، ضمن قانون (شيلني واشيلك) وهو قانون غير مكتوب ، لكنه قوي جدا وفعال على المستوى العملي . وهذا من أسباب التشاؤم الذي عبر عنه د. خلدون النقيب ، الذي توصل إلى ان انتشار التعليم في الأقطار العربية ، لم يؤد إلى تجسير الفجوة بين الكيانات الاجتماعية ، بل ربما ساعد على ابرازها وتسليط الضوء على خواصها ، التي هي نقاط افتراق لكل منها عن الغير .

مقالات ذات صلة

افكار للاستعمال الخارجي فقط

برنارد وليامز : الفيلسوف المجهول

بقية من ظلال الماضين

عودة لمبدأ المساواة

فكرة المساواة: برنارد وليامز

المساواة بين الخلق ... المساواة في ماذا ؟ : رؤية امارتيا سن

المساواة والعدالة : ديفيد ميلر

المساواة: اشكالات المفهوم واحتمالاته ايزايا برلين

 


في 6-12-1998

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...