بداية
هذا الاسبوع اعلن مجلس الشورى عن ادراج "حماية الوحدة الوطنية" ضمن مشروعات
القوانين التي سيناقشها الاعضاء في الدورة الحالية. هذا خبر مفرح ، بعد رفض المجلس
محاولتين سابقتين من هذا النوع في سنوات سابقة. وارجو ان يتعامل المجلس الموقر
بأقصى قدر من الاهتمام مع هذا الموضوع الخطير ، سيما بعد الحوادث المريعة التي
شهدتها البلاد في الاسبوعين الماضيين.
افترض
ان بعض الناس سيشعرون بالقلق حين يبدأ النقاش الجدي حول مشروع القانون. ذلك انه سيحوي
بالضرورة بنودا تؤكد على اولوية الهوية الوطنية ، وعلى تجريم إثارة الكراهية ، بناء
على مبررات دينية او قبلية او عرقية. نعلم ان فكرة "الوطن" كمبدأ تأسيسي
للعلاقة بين المواطنين ، وبينهم وبين
الدولة ، ليست حتى الان من القضايا الناجزة في ثقافتنا العامة. ثمة بين اهل الرأي
، ولا سيما في التيار الديني ، من يقول صراحة ان الولاء الوطني بدعة ، وان الولاء
يجب ان يكون خالصا للدين ، دون مزاحمة من اي هوية أخرى. هذا الرأي ينصرف طبيعيا
الى التمييز بين الناس على اساس الدين والمذهب. وقد يحتمل في بعض الاحيان تمييز
اعلى اساس عرقي او قبلي ، بالرجوع الى بعض ما ورد في تراث قدامى الفقهاء ، كما في
قصة اشتراط "تكافؤ النسب" المعروفة. كما ان التأزمات السياسية في الشرق
الاوسط تبعث من جديد نزاعات مذهبية وطائفية ، يجدها البعض وسيلة مناسبة لتصفية
حسابات قديمة او تحقيق مكاسب. هناك ايضا من يخشى من تحول النظام (القانون) المنتظر
الى مبرر لتحجيم حرية التعبير.
هذه
كلها مبررات للقلق قابلة للتفهم ويجب ان تعالج في اطار القانون نفسه.
لكي
يكون نظام "صيانة الوحدة الوطنية" كاملا وفعالا ، ينبغي ان نفكر فيه ضمن
منظور أوسع من التحديد والتحجيم والتجريم. نعلم ان للقانون وظيفتان: وظيفة مقيدة
للحرية ، وفيها يقرر واجبات على المواطنين وينص على انواع من المخالفات والعقوبات
المقابلة لها. اما الوظيفة الثانية فهي ارشادية تضع اطارا للسياسات والاعمال التي
يتوجب على الدولة القيام بها لتحقيق اغراض القانون.
تميل
المجتمعات التقليدية للتركيز على النوع الاول من تلك الوظائف ، لان ثقافتها تهتم
بالتكاليف في المقام الاول. سيما التكاليف المفروضة على عامة الناس. واحتمل ان
معظم الناس سيتعامل مع هذا الجزء ويهمل الجزء الاخر الارشادي. واني اخشى ان يؤثر
هذا الميل على اعضاء مجلس الشورى في نقاشاتهم ايضا. سيما مع ما يشهده المجال العام
من تصاعد لنبرة الحزم والحسم والضرب بيد من حديد ، وأمثال هذه المفاهيم.
القانون
ضرورة. لكن صيانة الوحدة الوطنية لا تتحقق بمحض اصدار القانون. نحن بحاجة الى
استراتيجية متعددة الابعاد ، طويلة الامد ، تعالج خطوط الانكسار في الهوية الوطنية
والسلم الاهلي. وقد سبق ان اقترحت استراتيجية ذات ثلاثة مسارات: سياسي يركز على
اقرار مستوى من التعدد والتنوع الظاهر في الحياة العامة ، وثقافي يعالج الموروث
الثقافي المعاكس لمبدأ المواطنة ، واقتصادي يركز على توسيع الخيارات المتاحة للناس
، من اجل تعزيز الأمل في المستقبل.
سوف
اتعرض لهذه المسارات في مقالات لاحقة. لكن يهمني في الوقت الحاضر التشديد على
الحاجة الى قانون موسع يضع اطارا للاستراتيجية المنشودة. الجانب الارشادي يوفر
اساسا مناسبا للمواطنين القادرين على المساهمة في التحول المنشود الى دولة
المواطنة المتساوية التعددية ، كما يقرر الزامات على اجهزة الدولة ، كي لا تساهم –
دون قصد - في نقض الوحدة الوطنية او اضعافها ، بسبب غفلة الاداريين او ربما
انحيازهم ، او بسبب انعكاس التوترات الداخلية والخارجية على نفوسهم.
الوحدة
الوطنية هي راس المال الحقيقي للبلد ، وهي الضمان الاهم لمستقبل ابنائه. ولهذا
فنحن بحاجة الى التعامل معها باقصى قدر من الجدية والحيادية. كما اننا بحاجة الى
تفكير واسع لا يتوقف عند حدود التجريم والعقاب.
الشرق
الاوسط 22 شعبان 1436
هـ - 10 يونيو 2015 مـ رقم العدد [13343]
http://bit.ly/1BCL80G