‏إظهار الرسائل ذات التسميات روسو. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات روسو. إظهار كافة الرسائل

29/11/2017

الحرية بين مفهومين


يقال انه لا يمكن لباحث في الفيزياء ان يغفل البرت اينشتاين او اسحاق نيوتن. هذا صحيح تماما ، لأن أعمال الرجلين ليست مجرد إضافة الى حقل الفيزياء ، بل فاتحة لعصر علمي مختلف عما سبقه. الحقيقة ان لكل حقل علمي أشخاص يشكلون ما يمكن اعتباره نقطة انعطاف في مسيرة العلم.
اظن ان الفيلسوف البريطاني ، الروسي المولد ، ايزايا برلين ، هو واحد من اولئك الاعلام الذين كانت اعمالهم نقطة انعطاف في الفكر السياسي. واشير خصوصا الى مقالته المسماة "مفهومان للحرية" التي قدمها كمحاضرة في العام 1958 وتحولت لاحقا الى مرجع كلاسيكي ، لا يمكن اغفاله في أي بحث حول الحرية.
اشتهر برلين بقدرة هائلة على الربط بين المفاهيم والحوادث والتعبيرات الرمزية والعبور بين الثقافات. وكانت هذه بالتأكيد ثمرة لثقافته الواسعة التي جمعت الادب الى الفلسفة والسياسة. ولعل اطلاعه المتنوع هو الذي قاده للاهتمام بتعريف وتحديد المفاهيم. والحق ان هذا من أبرز ما برع فيه ، رغم انه قدم ايضا مساهمات جليلة في نقد الفكر السياسي وتاريخ المعرفة.
افتتح برلين مقالته عن الحرية بالاشارة الى غزارة البحث في موضوعها ، الأمر الذي جعلها عصية على التعريف. ثمة 200 تعريف على الاقل لمفهوم الحرية ومعناها. حين يكون امامك هذا القدر من التعريفات ، فان الموضوع يزداد غموضا بقدر ما تذهب في تفاصيله. العدد الضخم من التعريفات يعني ببساطة ان الذي امامنا ليس موضوعا واحدا ، وان اتحد في الاسم. حين تتحدث عن الحرية فلن يعرف الناس اي موضع تتحدث عنه ، ما عدا الاسم.
من هنا فقد تمحورت المقالة حول وضع تصنيف للتعريفات السابقة ، وهو تصنيف تحول لاحقا الى تعريف معياري ، اخذ به الاكثرية الساحقة من الباحثين في هذا الحقل ، وشكل بداية لما يمكن اعتباره فهما موحدا لموضوع النقاش. اقترح ايسايا برلين تصنيف الحرية الى نوعين ، سلبية وايجابية. الحرية في المعنى السلبي تعادل عدم تدخل الاخرين اعتباطيا في حياتك ، ويعبر عنها بـ "الحرية من..". أما الحرية في المعنى الايجابي فتعادل قدرتك على فعل شيء يتطلب بشكل مباشر او غير مباشر موافقة الاخرين ، ويعبر عنها بـ "الحرية في..".
يقال عادة ان مفردات الحرية المندرجة في الصنف الاول تندرج ضمن الحقوق الطبيعية التي لا يمكن حجبها بالقانون ، مثل حرية التفكير والتعبير والاعتقاد والعمل والسكن والانتقال. ويصر الفلاسفة على ان عدالة القانون رهن باحترامه لهذه الحريات وصونه لها ، لأنها جزء من انسانية الانسان. انها بعبارة اخرى حاكمة على القانون ومعيار لعدالته. اما الحريات المندرجة في الصنف الثاني ، فأكثرها من نوع الحقوق التي يخلقها القانون او ان وجودها مشروط بالقانون ، مثل حرية الوصول الى المعلومات والوظائف العامة والمنافسة في الحقل السياسي وأمثالها. وقد يطلق عليها – في الجملة – اسم الحريات المدنية.
من المفهوم بطبيعة الحال ان الحرية – في كلا الصنفين – ستكون واقعية وممكنة فقط في مجتمع مدني ، اي مجتمع يحكمه القانون. القانون هو الذي يصون الحريات الطبيعية ، وهو الذي يحدد طرق التوصل الى الحريات المدنية. يمكن للناس – حسبما رأى جان جاك روسو – ان يكونوا احرارا في الغابة أيضا ، لكن حريتهم هنا ستكون مكلفة جدا ، مكلفة جدا الى الحد الذي يختارون معه المشي باقدامهم الى سجن القانون. الحرية لا تكون واقعية الا في ظل القانون ، رغم انه ينطوي دائما على قيود من هذا النوع او ذاك.
الشرق الاوسط 11 شهر ربيع الأول 1439 هـ - 29 نوفمبر 2017 مـ
http://aawsat.com/node/1097661

08/05/2012

في تفسير التنازع بين الدعاة والمصلحين


خلال العقدين الماضيين ، تحولت شريحة كبيرة من العاملين في الحقل الديني ، الى العمل السياسي الصريح او الضمني ، بعدما "اكتشفت" ان الدعوة الى مكارم الاخلاق ، وتعليم الناس عقائدهم وعباداتهم ، تنطوي – ضمنيا – على بعد سياسي.

تبعا لذلك ، برز في المجتمع المحلي ما يمكن وصفه بحالة استقطاب polarization  متعددة  المحاور، تبرز فيها جماعات دينية تقليدية واخرى اصلاحية ، وجماعات ليبرالية ، فضلا عن مجموعات شبابية غير مؤدلجة. بعض هذه الاقطاب يتبنى مباشرة او مداورة اجندات سياسية ، وبعضها يصر على ترك السياسة للسياسيين والتفرغ للعمل الديني البحت.

كل عمل يستهدف التاثير على المجتمع ، فهو ينطوي – بالضرورة – على مضمون سياسي. لانه يستهدف ، او يؤدي الى اقامة دائرة نفوذ ، يكون الداعية قطبا فيها او موجها لحركتها. وهذا يقود الى مزاحمة – عفوية او مقصودة – لدوائر النفوذ الاخرى ، المماثلة او المختلفة. نعرف ان المجتمع لا يتالف من افراد هائمين في فراغ ، بل من دوائر ينتمي اليها الناس لانهم يرون فيها تعبيرا عن مصالحهم او تطلعاتهم او اطمئنان نفوسهم. العلاقة بين هذه الدوائر تتحدد – في الغالب – على ضوء توازنات القوى او التوافقات والتعارضات في المصالح. اما الافكار فهي تلعب دور التبرير لانظمة العلاقات هذه.

جرت عادة اصحاب النفوذ والساعين اليه ، على ابراز المبررات التي تؤكد على صحة دعواهم ، مع السكوت عن جوهر ما يسعون اليه ، اي الرسالة النهائية التي يريدون اقناع الناس بها او استثمار نواتجها. سبب هذا الغموض المرحلي ، هو ان الناس يكرهون مصارحة انفسهم بفكرة التسليم لنفوذ شخص او اشخاص محددين ، مهما علا شأنهم. لكن اولئك الناس لا يمانعون من قبول المبررات التي تؤدي – بالضرورة – الى التسليم لهذا الشخص. حين يطلق الناس على شخص لقبا ذا قيمة ، وحين يمتدحون علمه او خدماته ، او يتحدثون عن قبول الاخرين له ، فهم – في حقيقة الامر - يسعون لارضاء انفسهم بفكرة التسليم له والخضوع لنفوذه.

قديما قال الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو "الاقوى ليس قويا تماما حتى يقنع الناس بان سلطته عليهم حق وان طاعتهم له واجب". وهذا جوهر مفهوم الشرعية السياسية ، او شرعية السلطة والقيادة. واليوم يسعى جميع النافذين والساعين للنفوذ وراء هذا المثال: اقناع الناس بان ما يامرونهم به هو الحق ، وان ما يطلبونه منهم واجب عليهم. هذا واحد من ابرز وجوه السياسة. والذين يمارسونه هم في واقع الامر فاعلون سياسيون ، سواء كانوا واعين بهذه الحقيقة او غافلين عنها.

ظهور دائرة نفوذ جديدة ، او تمدد دائرة نفوذ قائمة ، يؤدي – شئنا ام ابينا - الى شعور الاخرين بالمزاحمة وربما التهديد. هذا يفسر عجز الدعاة والمثقفين والعاملين في المجال الخيري عن توحيد جهودهم. تسمعهم يتحدثون عن قيمة الوحدة وأمر الله بها. لكنهم مع ذلك ليسوا مستعدين ابدا للمبادرة بالاتحاد غير المشروط مع الاخرين. المسالة – في الجوهر – لا تتعلق بالعمل نفسه ، وضرورة توحيده او ابقائه منقسما ، قدر ما تتعلق بكيانات ودوائر نفوذ ، يعتقد اصحابها بالحاجة الى ابقائها قائمة وفعالة ، ايا كانت المبررات اللازمة.

هذا اذن تطور طبيعي يمكن ان يحدث في اي مجتمع : ظهور دائرة مصالح جديدة ، يستثير رد فعل معاكس من جانب الدوائر القائمة ، ويؤدي – تاليا – الى اعادة تحديد من يصنفون كاصدقاء واعداء ومنافسين ، اي كفرصة محتملة او تهديد محتمل.

الاقتصادية 8 مايو 2012  http://www.aleqt.com/2012/05/08/article_654656.html

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...