‏إظهار الرسائل ذات التسميات شق حجاب الغيب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات شق حجاب الغيب. إظهار كافة الرسائل

19/09/2024

الانشغال بالعلم والانشغال بالجن

 وفقا لرؤية د. خالد الرديعان ، فان العقل المسلم في هذا العصر ، مهموم بعالم الغيب بدل العالم المشهود. والدكتور الرديعان عالم اجتماع وأستاذ جامعي بارز.

ينصرف هذا الرأي الى صورتين: الاولى: تجنب العقل للتفكير في الدين ، لأنه أمر الله الذي لا يمكن للعقل الانساني ان يدرك أسراره. والثانية: هي الاعتقاد بأن الغيب يساوي الجهل ، بمعنى ان مشيئة الله اقتضت بقاء الانسان جاهلا بجانب من الكون والحياة ، رغم تكليفه بقبول ما يقال عن ذلك المجهول.

والذي أرى ان هذا الفهم ، على كلا الوجهين ، يقود لاقصاء العقل وجعل الدين قرينا للجهل والسذاجة ، حتى وان تمظهر في ثياب القوة والعلو ، وحتى لو تصنع التواضع واللين.

فيما يخص الصورة الأولى ، فانه لا يمكن للدين ان يبقى خارج نطاق التفكير ، لسببين واضحين ، أولهما ان القرآن الكريم صرح تكرارا بأن خطابه موجه لأولي الالباب ، لقوم يتفكرون ، لقوم يعقلون ، الخ. فلا يمكن ان يوجه الخطاب للعقلاء والمتفكرين ، ثم يدعوهم لاقصاء عقولهم عن الموضوع. اما السبب الثاني فان الايمان لا يصح الا مع الاختيار ، إذ "لا اكراه في الدين". فكيف يختار الانسان ان لم يكن ثمة بدائل يفكر فيها ، وينظر في الاصلح من بينها. هذا تفكير في اساس الدين وجوهره وقضاياه الكبرى ، وليس في حواشيه.

وفيما يخص الصورة الثانية ، فان الربط بين الغيب والجهل ، أدى لفتح الباب امام الخرافة والاسطورة ، وسمح بالخلط بين الدين والفولكلور ، على نحو يعرف الجميع انه أثمر عن تشويه صورة الدين البسيطة النقية.

سوف اضرب مثالا على هذا بمفهوم "الرزق" الذي ورد في القرآن كفضل من الله ورحمة ، وانه سبحانه "يرزق من يشاء بغير حساب". نعلم ان الله يدعو الناس للسعي في طلب الرزق ، لكن جرى التشديد على ان السعي غير متصل بالنتيجة ، بمعنى انك قد تسعى ولا تكسب شيئا وان غيرك قد يأتيه الرزق وهو نائم. هذا التصوير الذي يحكي حالات استثنائية ، عرض للناس كما لو انه القاعدة في الرزق ، وان الله يفعل ما يشاء دونما سنة أو نظام أو مبرر يمكن للعقل ادراكه واستيعابه. مثل هذا التصوير الخاطيء فتح الباب امام السحرة والدجالين ومدعي الاتصال بالجن والقوى الخفية ، الذين يدعون القدرة على تغيير مقادير الناس والتحكم في حياتهم وارزاقهم. بل ان بعضهم فتح متاجر علنية ، واطلق على نفسه لقب "شيخ" للتأكيد على الجانب الديني في الموضوع.

في اعتقادي ان الايمان بالغيب لا يعني – اطلاقا – القبول بالجهل. الايمان بالغيب يعني ان تتيقن في اعماق نفسك بأن وراء العالم المشهود عوالم أخرى ، لم تتعرف عليها ، لأنك لا تملك الوسيلة اللازمة لادراكها. هذا هو بالتحديد ما آمن به المخترعون والمكتشفون الذين سعوا وراء المجهولات ، بعدما اقتنعوا في اعماقهم ، بأن وراء حجاب المشهود ثمة شيء ، لم يدركوا حقيقته ولا حجمه ، لكنهم واثقون من وجوده وامكانية بلوغه بطريقة ما. تخيل ماذا سيحصل لو أن توماس اديسون توقف عن محاولاته لاثبات امكانية توليد الضوء ، بعد فشل تجاربه الأولى والثانية والثالثة ، فهل ياترى كنا سننعم بالكهرباء؟. تخيل ان ويليس كارير لم يكترث حين شطح بخياله بعيدا ، فتراءى له جهاز يبرد الهواء ، تخيل انه قال لنفسه: هذه خيالات غير مفيدة ، وانه لو كان ممكنا لفعله الناس من قبلي. لو قال كارير هذا لنفسه ، هل كنا نجلس الان في غرفنا المكيفة؟.

كل كشف جديد ، وكل اختراق مدهش ، بدأ بالايمان بالغيب ، اي بوجود عوالم وفرص وراء جدران الواقع الذي يحيط بنا. ثم بالسعي في شق حجاب الغيب (بالعلم او بغيره) حتى يدرك تلك العوالم. العقل ضروري للدين إذا كانت الدنيا ضرورية. هذا هو جوهر الموضوع.

الخميس - 16 ربيع الأول 1446 هـ - 19 سبتمبر 2024 م

https://aawsat.com/node/5062445

مقالات ذات صلة

24/10/2018

كيف نتقدم.. سؤال المليون

من اسرار التخلف ، قطيعتنا الذهنية مع الطبيعة ، غفلتنا عن استثمار الموارد العظيمة التي تزخر بها ارضنا وسماؤنا وبحرنا وانفسنا. وبالمثل فإن أحد أسرار التقدم ، هو العودة لفهمها والتفاعل معها على نحو بناء.

ظهرت الطبعة الاولى من كتاب الامير شكيب ارسلان "لماذا تاخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم" في 1940. ورأيت له طبعة جديدة صدرت في 2008. بين هذين العامين ، طبع ما لا يقل عن عشرين مرة ، الامر الذي يجعله واحدا من اكثر الكتب العربية شهرة. وهو لايزال موضع اهتمام بين الباحثين وعامة القراء على السواء. 
(1869-1946)  شكيب ارسلان
 لم يقدم ارسلان تحليلا عميقا عن أسباب تخلف المسلمين. كما لم يفسر لقرائه اسرار تقدم الغربيين. أن إجاباته لا تختلف في الحقيقة عن التصورات الانطباعية التي يتداولها عامة الدعاة والمتعلمين ، والتي تنسب التخلف في الغالب إلى قصور أخلاقي ، تعاضد مع شيوع اللاعقلانية ، في المجتمع المسلم. وهي بالتأكيد عوامل صحيحة ، لكنها لا تقدم تفسيرا علميا ، يمكن الاتكاء عليه فيما لو أردنا الانتقال إلى المرحلة التالية ، اي سؤال: ما العمل.
أن السر وراء الشهرة التي حظي بها كتاب المرحوم ارسلان ، تكمن في السؤال الذي اختاره عنوانا لكتابه. فهو أشبه بما يسمى عند التراثيين "حديث النفس" ، اي ذلك الهم الذي شغل أذهان المسلمين جميعا ، في مرحلة من مراحل حياتهم.
لا ادري إن كان المسلمون فردا فردا قد انشغلوا حقا بالتفكير في هذا السؤال. لكني واثق أن الغالبية العظمى من متعلميهم ، قد سمع به أو توقف عنده ، في وقت ما. ونعلم طبعا أن بعضهم قد جادلوا حوله أو حاولوا الاجابة عليه.
 نعلم أيضا أن السؤال مازال مشرعا. لأننا لم نتوصل الى جواب شاف. والحق أن هذا سؤال المليون كما يقال. لأن جوابه في غاية التعقيد. انه أوسع من مجرد تحليل علمي. وهو ليس مجرد نظرية في ادارة الموارد ، مثل نظريات التنمية الاقتصادية والسياسية مثلا. بل فكرة نهضة ، تستلزم – إضافة إلى نظرية التقدم المتعددة الابعاد – ظرفا نفسيا عاما ، يسمح بانعتاق الجمهور من هموم الحاضر وأزماته والانخراط في مغامرة النهضة. الظرف النفسي يتمثل فيما يمكن وصفه بروحية النهضة ، التي نعرف انها كانت وراء نهضة بريطانيا في العصر الفيكتوري (١٨٣٧-١٩٠١) وألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الأولى ، ثم الصين بعد ١٩٨٠.
ذكرت هذه الاقطار بالخصوص ، للتأكيد على أن النهضة ليست رهنا باتفاق المسلمين. وانه لا يمكن لأي عدو إعاقة النهضة اذا تحلى اصحابها بالإرادة والإصرار ، والاستعداد للتضحية في سبيل مستقبلهم. الأقطار التي ذكرتها نهضت بمفردها وسط محيط سياسي غير مساعد.
تحتاج النهضة في مراحلها الأولى ، إلى تكلف وجهد نفسي ومادي باهظ. أما التالية فتاتي سلسة وسريعة ، مثل كرة ثلج تتدحرج من أعلى الجبل.
منطلق النهضة هو تصور المستقبل والايمان به. ولا يمكن للمستقبل الا أن يكون مختلفا ، بل ونقيضا للحاضر ، فضلا عن الماضي. ثم إن التضحيات المطلوبة ليست مادية حصرا. أشدها صعوبة هي التضحية بما اعتبرناه مسلما وبديهيا في رؤيتنا للطبيعة والعالم المحيط بنا.
أحد عوامل التخلف هو قطيعتنا الذهنية مع الطبيعة. وبسببها غفلنا عن استثمار الموارد العظيمة التي تزخر بها ارضنا وسماؤنا وبحرنا وانفسنا. وبالمثل فإن أحد أسرار التقدم ، يكمن في العودة لفهمها والتفاعل معها على نحو بناء.
اني واثق ان جميعنا يتطلع الى مستقبل مختلف تماما عن حاضرنا. لكن السؤال الذي يجب ان نواجه به انفسنا دائما ، هو : ما هي الفكرة التي يمكن لها ان تكون بمثابة صاعق التفجير للطاقات والعزائم والارادة العامة الضرورية لاطلاق النهضة؟.
الشرق الاوسط الأربعاء - 14 صفر 1440 هـ - 24 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14575]
https://aawsat.com/node/1436101

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...