||التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه برنامج بحث مفتوح يساير الحياة وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ||
في الثالث من هذا الشهر كتب السيد
عبد الرحمن ال شيبان ، على حسابه في تويتر: "صلينا اليوم صلاة الجمعة في مصلى
المصحة هنا في التشيك. ما استغربه هو الإمام الذي قدم الى هنا للعلاج. فقد كان
يدعو بهلاك واذلال غير المسلمين ، وهو ونحن وجميع من في المصلى ، قدمنا لبلادهم من
اجل العلاج ".
هذا مثال من عشرات الامثلة
التي تتكرر يوميا ، ويدور جميعها حول محور واحد ، خلاصته اتهام الخطاب الاسلامي
المعاصر بالغربة عن واقع الحياة وضروراتها. نعلم طبعا ان خطيب الجمعة لم يأت بشيء
من جيبه ، فقد نقل بدقة وأمانة ما وجده ، وما يجده كل باحث ، في تراثنا القديم.
لو اردنا وصف هذه المفارقة
بعبارة صريحة ، فسوف نقول ان بعض ما في تراثنا الديني ، متعارض مع عرف العقلاء في
هذا الزمان. الاحساس بهذا التعارض هو السر وراء الدعوات المتكررة للاعتدال
والملاينة والتسامح وعدم الغلو ، وهو سر الدعوات الكثيرة للتخلي عن القناعات التي
تنطوي على عناصر خرافية أو اسطورية.
ان شريحة واسعة جدا من المسلمين
المعاصرين ، يجدون بعض ما ينسب الى الاسلام ، غير معقول ، وغير متناسب مع ضرورات
العصر. الشعور بهذه المفارقة ليس قصرا على من يوصفون بالليبراليين ، وليس ثمرة انبهار
بالغرب او تأثر بنمط معيشته ، فهي تتكرر أيضا على لسان العديد من علماء الدين
والمفكرين وبعض الدعاة.
الذين يدعون لتجديد الفقه
ينتمي غالبهم الى شريحة الناشطين في المجال الديني. والدافع الوحيد لدعوتهم ، هو
شعورهم بالتفارق المتزايد بين ما يعتقدونه من وعود الاسلام ، وبين عناصر الخطاب
المستند الى الموروث الثقافي ، من قبيل ما ذكرناه في مفتتح المقالة.
ثمة من يتساءل: هل افلح دعاة
التجديد هؤلاء ، هل قدموا مشروعا يعين على ردم الهوة بين تعاليم الدين وبين حاجات
الحياة في هذا الزمان؟.
سوف اجمل الجواب على هذا في نقطتين. اولاهما ان
التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه اقرب الى برنامج بحث مفتوح يساير الحياة
وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ، لا نستطيع تحديد
نهايته. لان نهايته هي نهاية الحياة التي لا تتوقف عن التحول.
اما النقطة الثانية فان مفهوم
التجديد يحتمل معاني شتى. بعض الناس يصرف هذا المفهوم الى استنباط احكام جديدة.
وبعضهم يصرفه الى تيسير بعض ما يرونه عسيرا من الاحكام. وغيرهم يقصره على استعمال
التقنيات الحديثة ، تقنيات اللغة او ادوات التواصل او الثقافة ، دون نظر جوهري في
مضمون الخطاب.
والذي أرى ان تجديد الفقه والخطاب
الديني بشكل عام ، لا يكون مؤثرا ما لم ينطلق من مراجعة لارضيته الفلسفية ،
ولاسيما اعادة الاعتبار لدور العقل كمصدر للتشريع مواز للنص. ان الميل الغالب لعقلاء
العالم إلى أمر ، يجعله حقيقة أو شبه حقيقة في وقته. مع علمنا بأنه محتمل التغيير
بعد زمن. اعتقادنا بقدرة الشريعة على مواكبة التحولات التاريخية ، معناه على وجه
التحديد ، هو تقبل وجود معيار خارجي ، تقاس عليه صلاحية احكام الشريعة ، وقابليتها
للاستمرار او ضرورة تغييرها. هذا المعيار الخارجي ليس سوى عرف العقلاء ، الذي قد
نسميه ضرورات الحياة او المصلحة ، او غير ذلك من الاسماء التي ترجع في نهاية
المطاف الى تقدير عقلاء العصر لما يناسب وما لا يناسب.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27
ذو القعدة 1439 هـ - 08 أغسطس 2018 مـ رقم العدد
[14498]