‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه التقليدي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الفقه التقليدي. إظهار كافة الرسائل

08/08/2018

في مستشفى الكفار

||التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه برنامج بحث مفتوح يساير الحياة وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ||
في الثالث من هذا الشهر كتب السيد عبد الرحمن ال شيبان ، على حسابه في تويتر: "صلينا اليوم صلاة الجمعة في مصلى المصحة هنا في التشيك. ما استغربه هو الإمام الذي قدم الى هنا للعلاج. فقد كان يدعو بهلاك واذلال غير المسلمين ، وهو ونحن وجميع من في المصلى ، قدمنا لبلادهم من اجل العلاج ".
هذا مثال من عشرات الامثلة التي تتكرر يوميا ، ويدور جميعها حول محور واحد ، خلاصته اتهام الخطاب الاسلامي المعاصر بالغربة عن واقع الحياة وضروراتها. نعلم طبعا ان خطيب الجمعة لم يأت بشيء من جيبه ، فقد نقل بدقة وأمانة ما وجده ، وما يجده كل باحث ، في تراثنا القديم.
لو اردنا وصف هذه المفارقة بعبارة صريحة ، فسوف نقول ان بعض ما في تراثنا الديني ، متعارض مع عرف العقلاء في هذا الزمان. الاحساس بهذا التعارض هو السر وراء الدعوات المتكررة للاعتدال والملاينة والتسامح وعدم الغلو ، وهو سر الدعوات الكثيرة للتخلي عن القناعات التي تنطوي على عناصر خرافية أو اسطورية. 
ان شريحة واسعة جدا من المسلمين المعاصرين ، يجدون بعض ما ينسب الى الاسلام ، غير معقول ، وغير متناسب مع ضرورات العصر. الشعور بهذه المفارقة ليس قصرا على من يوصفون بالليبراليين ، وليس ثمرة انبهار بالغرب او تأثر بنمط معيشته ، فهي تتكرر أيضا على لسان العديد من علماء الدين والمفكرين وبعض الدعاة.
الذين يدعون لتجديد الفقه ينتمي غالبهم الى شريحة الناشطين في المجال الديني. والدافع الوحيد لدعوتهم ، هو شعورهم بالتفارق المتزايد بين ما يعتقدونه من وعود الاسلام ، وبين عناصر الخطاب المستند الى الموروث الثقافي ، من قبيل ما ذكرناه في مفتتح المقالة.
ثمة من يتساءل: هل افلح دعاة التجديد هؤلاء ، هل قدموا مشروعا يعين على ردم الهوة بين تعاليم الدين وبين حاجات الحياة في هذا الزمان؟.
 سوف اجمل الجواب على هذا في نقطتين. اولاهما ان التجديد ليس مشروعا محددا ببداية ونهاية. انه اقرب الى برنامج بحث مفتوح يساير الحياة وتحولاتها ويواكب تطوراتها. كل عمل يخدم التجديد هو خطوة في طريق ، لا نستطيع تحديد نهايته. لان نهايته هي نهاية الحياة التي لا تتوقف عن التحول.
اما النقطة الثانية فان مفهوم التجديد يحتمل معاني شتى. بعض الناس يصرف هذا المفهوم الى استنباط احكام جديدة. وبعضهم يصرفه الى تيسير بعض ما يرونه عسيرا من الاحكام. وغيرهم يقصره على استعمال التقنيات الحديثة ، تقنيات اللغة او ادوات التواصل او الثقافة ، دون نظر جوهري في مضمون الخطاب.
والذي أرى ان تجديد الفقه والخطاب الديني بشكل عام ، لا يكون مؤثرا ما لم ينطلق من مراجعة لارضيته الفلسفية ، ولاسيما اعادة الاعتبار لدور العقل كمصدر للتشريع مواز للنص. ان الميل الغالب لعقلاء العالم إلى أمر ، يجعله حقيقة أو شبه حقيقة في وقته. مع علمنا بأنه محتمل التغيير بعد زمن. اعتقادنا بقدرة الشريعة على مواكبة التحولات التاريخية ، معناه على وجه التحديد ، هو تقبل وجود معيار خارجي ، تقاس عليه صلاحية احكام الشريعة ، وقابليتها للاستمرار او ضرورة تغييرها. هذا المعيار الخارجي ليس سوى عرف العقلاء ، الذي قد نسميه ضرورات الحياة او المصلحة ، او غير ذلك من الاسماء التي ترجع في نهاية المطاف الى تقدير عقلاء العصر لما يناسب وما لا يناسب.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27 ذو القعدة 1439 هـ - 08 أغسطس 2018 مـ رقم العدد [14498]

11/07/2018

شرع العقلاء


يفخر المسلمون عادة بأن دينهم اختص العلم بمرتبة عالية ، كما احترم العقل ومجد "اولي الالباب" وخصهم دون بقية الخلق بجانب من الخطاب القرآني.

 لكن لو أردنا الغوص في معنى هذا الكلام ، أي مكانة العلم والعقل في حياة المسلم وفي التشريع الديني ، فربما نجد ان ما نفخر به لفظيا ، نتحاشاه او حتى ننكره ونرفضه على مستوى العمل.
اذا كنا نقبل بمكانة سامية للعقل وما ينتجه من علم ، فالمفترض ان يظهر برهانه في نقاط الاشتباك وموارد التنازع ، وليس في تدبيج الكلام. ونقطة الاشتباك الأولى هي تحديد مكانة العقل مقارنة ببقية مصادر التشريع ، ثم الموازنة بين دور العقل ودور المصادر الاخرى في وضع او اختيار الاحكام.
ويذكر ان فقهاء المسلمين متفقون على مصدرين للتشريع هما القرآن والسنة. لكنهم اختلفوا في العقل والاجماع. والميل الغالب يتأرجح بين انكار كون العقل مصدرا للتشريع ، وبين اعتباره ملحقا بهما ، وان دوره هو الكشف عن الحكم الذي يفترض ان يحويه النص ، وليس اصدار الحكم بشكل مستقل عن النص.
الفرق بين الاثنين يتضح في الأمثلة التالية: يأمرنا النص باقامة حد القتل ، ويخبرنا العقل بناء على معطيات علمية بحتة ، بان هذا الحكم لا يؤدي غرضه الرئيس اي استئصال الجريمة ، او ان تطبيقه يسيء لصورة الاسلام او مجتمع المسلمين.  مثال ثان: يخبرنا النص بالصوم اذا شهد شهود بانهم رأو هلال رمضان ، ويخبرنا العلم ان الرؤية مستحيلة في ذلك اليوم. مثال ثالث: يخبرنا النص بان الفائدة على القروض حرام مطلقا ، ويخبرنا العقل بان الاقراض والاقتراض ، سبيل لازم للنمو الاقتصادي وتحسين معيشة الناس.
الغالبية العظمى ممن واجهوا هذا التعارض ، قرروا تقديم ما فهموه من النص على حكم العقل المستقل. ولهم في ذلك حجج معتبرة ، كالقول بان الخطأ محتمل من العقل وغير محتمل من النص ، فلا يقدم المحتمل على المؤكد. وان الشارع امرنا بالرجوع الى أمره ، اي النص. وان الانسان يريد ابراء ذمته أمام الله ، واتباع كلام الشارع محقق لبراءة الذمة.
هذه الحجج التي يبدو ظاهرها معقولا ، تضعنا – في بعض الاحيان على الاقل - امام مفارقات غير معقولة. من بينها مثلا تعارض الحكم الشرعي مع الواقع ، ومن بينها انفصال الحكم عن علته او حكمته ، او المصلحة المنظورة فيه. في المثال الثالث نعرف ان علة تحريم الفائدة على القرض هي منع الاستغلال. ونعرف ايضا ان الاستغلال غير مؤكد في كثير من القروض المعاصرة. كما نعرف ان اقتصاد المجتمعات ومعايش الناس لا تقوم الا بالقرض والاقتراض. هذا امر واقع يعيشه جميع الناس.. فما الذي نختار؟.
وفي المثال الثاني: نحن نأتمن الحسابات الفلكية على حياتنا ، حين نسافر بالطائرة او السفينة ، ونعتمدها في مختلف جوانب حياتنا. اي انها ليست مجرد احتمال نظري. فما العمل حين يقول لنا النص: اتركوا هذا الدليل الذي يعتبره كافة العقلاء حقيقة موضوعية ، واعتمدوا مفاد النص المعارض؟.
هذه الأمثلة والعشرات من أمثالها تستدعي مراجعة معمقة لفلسفة التشريع ، ولا سيما مكانة العقل ودوره في إنشاء الاحكام الشرعية. صحيح اننا نطيع أمر الله كي نبريء ذمتنا. لكن الأصح هو ان غرض الدين هو مساعدة المؤمنين به كي يحيوا حياة طيبة. وهذه ليست ممكنة مالم يكن الحكم الشرعي متصلا بالواقع ومنبعثا من حقائقه ومتفاعلا معها.
الشرق الاوسط الأربعاء - 27 شوال 1439 هـ - 11 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14470]
http://aawsat.com/node/1327286

مقالات ذات علاقة


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...