يعتقد الكاتب والسياسي المغربي د. حسن اوريد ان الحضارة الليبرالية
بلغت نهاية
الطريق ، ولم يعد لديها طاقة للاستمرار. كنت قد سمعت سابقا عن كتاب الدكتور أوريد
"أفول الغرب" ، ثم التقيته خلال "منتدى أبو ظبي للسلم" الذي انعقد
الأسبوع الماضي. لفت انتباهي دعوته لعقد اجتماعي عالمي بديل ، كي نتلافى الانزلاق
الى ما أسماه "عالم هوبز" او "حرب الجميع على الجميع" حسب
توصيف المفكر الإنجليزي توماس هوبز (1588-1679م) للمرحلة التي عاشتها البشرية ، قبل تبلور مبدأ العقد
الاجتماعي وظهور الدولة.د. حسن اوريد
اثار كتاب اوريد المذكور ، كثيرا من الجدل ، يوم نشر في 2018. وقيل يومها ان
كاتبه قد انزلق فعلا في هاوية العداء الأيديولوجي للغرب ، واعتبره بعض الناقدين ردا
(في العموم) على مقولة الانتصار النهائي لليبرالية ونهاية الأيديولوجيا ، وفق
تصوير المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما ، في كتابه الجدلي "نهاية
التاريخ". الواقع ان اوريد لا يخفي معارضته لهذه الرؤية ، بل انه اسمى الفصل
الثاني من الكتاب "نهاية نهاية التاريخ" في إشارة لما يعتقد انه أفول
متوقع للحضارة الليبرالية.
لم يركز اوريد نقده على الجزء الجوهري من رؤية فوكوياما ، أي نهاية الحتميات
الرؤيوية المنبثقة من قناعات أيديولوجية مسبقة التصميم. بدلا من ذلك اهتم بالتطبيقات
الاقتصادية لليبرالية ، ولا سيما الملكية الفردية المفرطة ، الهيمنة المطلقة للسوق ، وتحول
مستلزمات التبادل الاقتصادي الى مصدر للقيم ، او معيار لقبول القيم الناظمة لحياة
المجتمعات والافراد.
في محاضرته بمنتدى ابوظبي للسلم ، قدم الدكتور
اوريد مطالعة عميقة في الأزمات التي يعيشها عالم اليوم. خلال السنوات الأخيرة ، بدا
واضحا ان النظام الدولي والاعراف المنظمة للتبادلات الاقتصادية ، مليئة بالثغرات ، على نحو ينذر بكوارث مؤلمة
، نظير ماعرفناه خلال جائحة كورونا. لم تنته هذه الجائحة حتى تعرفنا على أزمات
الغذاء والطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية – الأوكرانية. وأخيرا كارثة السيل
التي ضربت باكستان ، وأدت الى تهجير مليون عائلة ، تضررت منازلهم او جرفت مزارعهم
، فما عاد لديهم مأوى ولا مصدر عيش. الواقع ان مشكلة الهجرة والنزوح تحولت الى هم
مقيم في العديد من مناطق العالم ، وسببها دائما النزاعات الاهلية او الكوارث
الطبيعية.
تنسب الكوارث الطبيعية الى الاستهلاك الجشع لموارد البيئة الكونية. وهذا
بدوره ناشيء – وفقا لتقدير الدكتور اوريد – عن هيمنة الفكرة القائلة بامتلاك
الانسان للطبيعة. أما الحروب فهي تستمد وقودها من تسليع الحياة الإنسانية ، الأمر
الذي جعل قيمة الانسان أدنى من الموارد التي يقاتل من اجل الاستئثار بها ، او
يقاتل دفاعا عنها.
ربما لم يقل احد صراحة ، انه سيخوض الحرب من اجل السيطرة على مصادر البترول
او الغاز او المياه او التكنولوجيا. لكن تجربة البشر تخبرنا ، ان هذه العوامل كانت
محركا دائما للنزاعات السياسية ، التي تقود للحرب. ان الخلاف الراهن بين الصين
والولايات المتحدة مثال على نوعية الصراعات الجديدة التي يحركها - في المقام الاول
- الفارق التقني ، اي شعور النخبة الامريكية بأن هيمنة الصين على تقنيات الجيل
الخامس من نظم الاتصالات ، ربما تمنحها نفوذا بالغا على مسارات التبادل العالمي.
تنتمي الفكرة التي يطرحها د. اوريد الى منظومة من القيم تتبني فكرة الشراكة
الكونية والمسؤولية الجمعية عن مصير الكوكب. وهي فكرة جديرة حقا بالاهتمام. من هذه
الزاوية كانت محاضرته مثيرة جدا للاهتمام. لكني – من زاوية أخرى – لم اقتنع بان
الليبرالية قد استنفذت اغراضها او خسرت
زخمها. فهي – حسب تقديري – لازالت الحل الأقل كلفة لمشكلات العلاقة بين البشر ،
رغم انها – بطبيعة الحال – لا تخلو من عيوب ، وبينها ما ذكره الأستاذ اوريد.
الشرق الأوسط
الأربعاء - 22 شهر ربيع الثاني 1444 هـ - 16 نوفمبر 2022 مـ رقم العدد [16059]
https://aawsat.com/home/article/3989526