‏إظهار الرسائل ذات التسميات عثمان العمير. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عثمان العمير. إظهار كافة الرسائل

28/06/2023

الغائب الكبير في السودان وروسيا


اكتب هذه السطور استدراكا على فكرة لصديقي الأستاذ عثمان العمير ، فكرة هي اشبه بالنبوءة عند بعض الناس ، وهي ترتيب منطقي للحوادث عند آخرين. في اوائل مايو المنصرم كتب العمير معلقا على تصريحات قائد ميليشيا فاغنر ، يفغيني بريغوجين ، الذي انتقد فيها وزارة الدفاع الروسية. وتساءل: هل يفضي هذا الى مشهد شبيه بما جرى في السودان ، أي تمرد الميليشيا على حكومة موسكو؟. وهو ما جرى فعلا في الاسبوع الماضي ، وفاجأ الجميع.

المحللون الذين تابعوا الحدثين الروسي والسوداني ، ركزوا على ثنائية القوة العسكرية. فهم يعتقدون ان وجود قوى مسلحة خارج اطار الجيش ، سيفضي – طال الزمن ام قصر – الى صراع بين القوتين. هذا تحليل يسنده تنظير علمي متين ، فضلا عن التجارب الواقعية المتكررة.

لكني أود النظر في زاوية أخرى ، هي حاجة كل بلد لما يسمى في الفلسفة السياسية "المجال العام" الذي يسهم في تحييد القوى المسلحة ومنعها من القفز على السلطة ، او الانخراط في الصراعات السياسية الاهلية.

لا بد من القول ابتداء ان نقاشا كهذا ، يفترض توفر سياق اجتماعي وثقافة سياسية ونظام علاقات ، لا تتوفر عادة في المجتمعات التقليدية. ولهذا فقد يكون النقاش غير ذي صلة بالأوضاع التي نناقشها. لكنني مع ذلك ارى ان طرح الموضوع سيستثير السؤال البديهي: لماذا نجح الآخرون في الوصول الى هذه النقطة ، ولماذا اخفقنا في ذلك؟. ان تفكيرنا في هذا السؤال سيحملنا خطوة الى الأمام. وهذا بذاته جزء من عملية التطور التي نتمناها في مجتمعاتنا.

المجال العام هو الفضاء الذي يتيح للناس مواجهة بعضهم ، ليتشاركوا في الرأي او يختلفوا من دون جبر ولا خديعة. ان السمة الاولى التي تسمح بقيام هذا الفضاء المشترك وانسياب التعاملات فيه ، هو عدم انفراد اي جهة أهلية بقوة فائقة او سلطة مادية او معنوية ، تمكنها من اقصاء الاطراف التي تتبنى رأيا او مصلحة مخالفة للبقية.

وفقا لرأي الفيلسوف المعاصر يورغن هابرماس ، فان المجال العام هو الرحم الطبيعي لما نسميه اليوم "الرأي العام" الذي ينمو ويتبلور في سياق التبادل المتواصل للأفكار والآراء بين المواطنين ، حول القضايا العامة ، بما فيها تلك القضايا الخاصة التي يرى بعضهم ان لها بعدا عاما ، او انها تؤثر على المصالح المشتركة. لا يستطيع المواطنون جميعا ممارسة السلطة ، وليس من الحكمة ان يفعلوا. لكن من المهم ان يشاركوا بالراي في القضايا التي تؤثر عليهم ، او التي يكون أشخاصهم او مصالحهم جزء من موضوعها.

دعنا نتخيل ان هذا المجال كان موجودا في روسيا ، فهل كان بوسع الرئيس بوتين ان يشن الحرب على اوكرانيا ، دون ان تسمع مليون صوت محتج؟. او لنذهب الى الجنوب ، الى الخرطوم التي انتفضت فمهدت الطريق للاطاحة بالرئيس السابق عمر البشير ، اما كانت تستطيع فعل الشيء نفسه مع الذين امسكوا بالزمام بعده ، ولو حصل هذا فهل كانت البلاد تنزلق الى الحرب الأهلية التي نقترب منها اليوم؟. بل لو ذهبنا مسافة ابعد زمنيا: هل كان صدام حسين سيغزو ايران ثم الكويت ، لو كان المجتمع قادرا على الاعتراض العلني على قرار كارثي كهذا؟.

هذه الأمثلة كلها تشير الى مواقف ضرورية من حروب كارثية. لكني اريد الاشارة ايضا الى ان كل مجتمع يحوي العديد من اصحاب الافكار والكفاءات والاشخاص الذين لديهم رؤية مستقبلية ، يمكن ان يكون احدها او بعضها مفتاح الباب نحو التحولات التاريخية الكبرى في مجال العلم او الاقتصاد او غيره.

لا يمكن لهذه الرؤى العظيمة ان تظهر أو تتبلور ، ما لم يكن ثمة فضاء آمن وسليم ، يمنح الاحترام اللازم والقيمة المناسبة لكل رأي او فكرة ، سواء كانت عظيمة حقا او كانت بسيطة.  

الشرق الاوسط الأربعاء - 10 ذو الحِجّة 1444 هـ - 28 يونيو 2023م  https://aawsat.com/node/4405426

مقالات ذات صلة

اربع سنوات ونصف على اقرار نظام الجمعيات الاهلية

ترمب على خطى يلتسن

الجمعيات الاهلية : الترخيص في غياب القانون

حان الوقت كي يقيم المثقفون نواديهم المستقلة

سوريا قد تكون بوابة الحرب الباردة

عرب اوكرانيا وعرب روسيا

في الطريق الى المجتمع المدني

كي تستمر المنتديات الأهلية رافدا للحياة الثقافية

مجتمع الاحرار

المجتمع المدني كاداة لضمان الاستقرار

من المبادرات الثقافية الى الحياة الثقافية

من المجتمع الطفل الى المجتمع المدني: تأملات في معاني اليوم الوطني

23/05/2021

ايلاف .. قصة رؤيا صادقة



أبدأ بتوجيه التحية الى الصديق العزيز الأستاذ عثمان العمير ، والى جميع الزملاء العاملين في صحيفة ايلاف ،  في عيدها العشرين. انظر اليوم اليها كتحد استطاع صانعوه ان يثبتوا انهم يسايرون الزمن ، واتذكر الشهور الأولى من صدورها ، حين كتب اكثر من شخص ، ان الصحافة الالكترونية لن تستطيع ابدا ، ان تأخذ مكان الصحافة الورقية التقليدية. وجرد بعضهم قائمة أسباب ، من بينها ان "الناس تحب رائحة الورق"! ، أو ان "القراءة ارتبطت بالورق ، ولن يترك القراء الورق حتى يتركوا القراءة"!. ومثله القول بان الصحيفة اليومية اعظم من فرقة عسكرية ، وهذا لن يعوض بصحافة الانترنت .. الخ.

عثمان العمير

أتذكر هذه الآراء ، بينما تمر في ذاكرتي أسماء الصحف الكبرى التي توقفت اصداراتها الورقية ، بدء من كريستيان ساينس مونيتور الى الاندبندنت ، والطبعة الدولية من وول ستريت جورنال ، إضافة الى صحف عربية شهيرة مثل السفير والانوار البيروتيتين ، والشرق والحياة السعوديتين ، والنهار الجزائرية.. الخ.

لدي اعتقاد عميق بأن الصحافة الورقية شمس غاربة ، ليس فقط بسبب التكاليف ، وليس فقط لأن أدوات الانترنت باتت أقدر على ايصال الخبر في ساعته. بل لأن العالم يمر بتحول جذري لم يسبق له مثيل في تاريخه ، وهو يتضمن تغييرا في بعض المفاهيم التي تلعب دور أداة الفهم او مفتاح الفكرة ، والتي نستعملها في فهم ذواتنا والعالم المحيط بنا. احد تجسيدات هذا التحول هو تحول الفعل الثقافي الى تفاعل ثقافي ، ودخول المتلقي كشريك في صنع الفكرة او تطويرها ، ومنه أيضا تحول الاطار الموضوعي للفكرة (ربما نسميه الافق التاريخي ) من المحلي المتصل ماديا بالفرد ، الى اطار عالمي او معولم. كلا العنصرين يجعل الصحيفة الورقية (وكافة وسائل التواصل التي يقتصر دورها على نقل الفكرة في اتجاه واحد) غير فعالة ، لانها غير قادرة على تلبية تطلعات انسان هذا العصر ، الذي يتحول سريعا في نفس السياق.

كان كارل ماركس يعتقد ان الأدوات الناقلة للثقافة ، بل كل أداة جديدة يستعملها البشر ، تلعب دورا في تحديد طبيعة الثقافة وموضوعاتها وأولوياتها. وأظن ان البروفسور مانويل كاستلز هو أفضل من شرح دور الشبكة الدولية للمعلومات ، اي الانترنت ، في تشكيل ثقافة العالم الجديدة وتحديد طبيعتها واولوياتها وأدواتها ، على نحو مختلف تماما عما عرفناه حتى اواخر القرن العشرين.

مبروك اذن لصحيفة ايلاف التي وفقت في التقاط الخيط الابيض ، روح العالم الجديد ، وركبت أمواج المغامرة التي ارتاب الكثيرون في عواقبها ، وبرهنت على ان الفكرة الذكية تصنع الفرق.

ايلاف  23  مايو 2021 

https://elaph.com/Web/News/2021/05/1329056.html?

  

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...