أبدأ
بتوجيه التحية الى الصديق العزيز الأستاذ عثمان العمير ، والى جميع الزملاء العاملين
في صحيفة ايلاف ، في عيدها العشرين. انظر
اليوم اليها كتحد استطاع صانعوه ان يثبتوا انهم يسايرون الزمن ، واتذكر الشهور
الأولى من صدورها ، حين كتب اكثر من شخص ، ان الصحافة الالكترونية لن تستطيع ابدا
، ان تأخذ مكان الصحافة الورقية التقليدية. وجرد بعضهم قائمة أسباب ، من بينها ان "الناس
تحب رائحة الورق"! ، أو ان "القراءة ارتبطت بالورق ، ولن يترك القراء
الورق حتى يتركوا القراءة"!. ومثله القول بان الصحيفة اليومية اعظم من فرقة
عسكرية ، وهذا لن يعوض بصحافة الانترنت .. الخ.عثمان العمير
أتذكر
هذه الآراء ، بينما تمر في ذاكرتي أسماء الصحف الكبرى التي توقفت اصداراتها
الورقية ، بدء من كريستيان ساينس مونيتور الى الاندبندنت ، والطبعة الدولية من وول
ستريت جورنال ، إضافة الى صحف عربية شهيرة مثل السفير والانوار البيروتيتين ،
والشرق والحياة السعوديتين ، والنهار الجزائرية.. الخ.
لدي
اعتقاد عميق بأن الصحافة الورقية شمس غاربة ، ليس فقط بسبب التكاليف ، وليس فقط
لأن أدوات الانترنت باتت أقدر على ايصال الخبر في ساعته. بل لأن العالم يمر بتحول
جذري لم يسبق له مثيل في تاريخه ، وهو يتضمن تغييرا في بعض المفاهيم التي تلعب دور
أداة الفهم او مفتاح الفكرة ، والتي نستعملها في فهم ذواتنا والعالم المحيط بنا.
احد تجسيدات هذا التحول هو تحول الفعل الثقافي الى تفاعل ثقافي ، ودخول المتلقي
كشريك في صنع الفكرة او تطويرها ، ومنه أيضا تحول الاطار الموضوعي للفكرة (ربما
نسميه الافق التاريخي ) من المحلي المتصل ماديا بالفرد ، الى اطار عالمي او معولم.
كلا العنصرين يجعل الصحيفة الورقية (وكافة وسائل التواصل التي يقتصر دورها على نقل
الفكرة في اتجاه واحد) غير فعالة ، لانها غير قادرة على تلبية تطلعات انسان هذا
العصر ، الذي يتحول سريعا في نفس السياق.
كان
كارل ماركس يعتقد ان الأدوات الناقلة للثقافة ، بل كل أداة جديدة يستعملها البشر ،
تلعب دورا في تحديد طبيعة الثقافة وموضوعاتها وأولوياتها. وأظن ان البروفسور مانويل كاستلز هو أفضل من شرح دور
الشبكة الدولية للمعلومات ، اي الانترنت ، في تشكيل ثقافة العالم الجديدة وتحديد
طبيعتها واولوياتها وأدواتها ، على نحو مختلف تماما عما عرفناه حتى اواخر القرن
العشرين.
مبروك
اذن لصحيفة ايلاف التي وفقت في التقاط الخيط الابيض ، روح العالم الجديد ، وركبت
أمواج المغامرة التي ارتاب الكثيرون في عواقبها ، وبرهنت على ان الفكرة الذكية
تصنع الفرق.
ايلاف 23 مايو 2021
https://elaph.com/Web/News/2021/05/1329056.html?
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق