‏إظهار الرسائل ذات التسميات مهسا اميني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مهسا اميني. إظهار كافة الرسائل

28/12/2022

هل انتهى نموذج الحكم الديني؟

ليس من السهل الادعاء بان فكرة ما قد خرجت من التاريخ. هذه دعوى عريضة ، سيما اذا تناولت فكرة عظيمة التأثير ، مثل نموذج الحكم الديني المعاصر.

قد تكون الدعوى صحيحة أو خاطئة. لكنها – على أي حال – احتمال ممكن. دعنا ننظر في نموذج قريب جدا منها ، وهو "الخلافة الإسلامية" التي سادت نحو 13 قرنا من تاريخ الإسلام (من السنة العاشرة للهجرة = 632م حتى 1342 = 1924م). لقد حظي نموذج "الخلافة" بقدر وافر من التنظير والتبجيل ، كما حظيت بعمق عاطفي جعلها محط آمال النخبة والعامة معا. لكنا نعلم ان تطبيق الفكرة في اطار الدولة العثمانية ، قد قضى على القليل من المبررات التي احتفظت بها من تاريخها القديم. ومع سقوط الدولة العثمانية في 1924 ، لم تعد احتمالا جديا او جديرا بالعناء عند احد من المسلمين. الاستثناء الوحيد هو "حزب التحرير" الذي بقي مخلصا لفكرة الخلافة حتى اليوم. لكن سيرة الحزب ذاته دليل على القول السابق ، فقد اخفق تماما في اقناع الجمهور كما اخفق في الحصول على مكان في الحياة السياسية ، منذ تأسيسه وحتى يومنا هذا. اما تجربة داعش ، فلا تعد امتدادا او تمثيلا لنظرية الخلافة الإسلامية التي نتحدث عنها ، فمضمونها اقرب الى نموذج الميليشيا الفاشية الحديثة.

ايرانيات يخلعن الحجاب رفضا لسياسات التدين القسري - اكتوبر 2022

الخلافة التي اعتبرها معظم المسلمين نموذجا للسياسة الفاضلة ، لم تعد منذ مطلع القرن العشرين ، احتمالا جديا او مرغوبا. ولهذا لا تجد بين جمهور المسلمين ، فضلا عن المفكرين والعاملين في الحقل السياسي ، من يسعى اليها. واذا تحدثوا عنها ، تحدثوا عن ماض جميل ، لا عن مشروع ممكن. هذا يعني ببساطة ان الخلافة قد خرجت من التاريخ وباتت جزء من المكتبة. وقد اعتاد العرب على التعبير عن الشيء الذي خرج من التاريخ ، بالقول انه امسى في "خبر كان". ولا شك ان فكرة الخلافة قد امست كذلك.

بعد هذه المقدمة الطويلة ، سوف اضع مؤشرين لتبرير ما ادعيته في مطلع المقالة: أولهما الصدام الواسع النطاق بين الجيل الجديد من الإيرانيين وبين حكومتهم ، حول مسألة الحجاب خصوصا. هذا الصدام المستمر منذ سبتمبر ، جعل سياسات التدين القسري موضوعا للتحدي بين الدولة التي تمتلك أدوات العنف ، وجيل الشباب الذي يملك المستقبل. اما المؤشر الثاني فهو قرار حكومة طالبان بإلغاء التعليم الثانوي والجامعي للبنات.

اني واثق بنسبة عالية جدا ، ان كلا الحكومتين ، سوف تتراجعان وتخضعان لمطالب الجمهور. واذا حصل هذا ، ولو ناقصا ، فسوف يسقط عنصر محوري في الخطاب الديني الرسمي ، وهو الحق المفترض للدولة الدينية في فرض نموذج موحد لسلوك الافراد ، أي نمط اللباس والعمل والاداب العامة.

الذي يحمل الحكومتين على التراجع ، هو التفكك الحاصل فعلا في الدوائر الاجتماعية التي تساند النخبة السياسية لاسباب دينية بحتة ، من دون ان تكون شريكة في القرار (يدخل في هذا الصنف المدارس الدينية ومعظم العلماء التقليديين). هذه النخبة مهمة جدا لانها واسعة النفوذ ، وهي تمثل ملجأ روحيا لعامة الناس في أوقات الأزمة ، لانها لاتتحمل وزر السياسات الحكومية الخشنة.

ان العنصر المميز لنموذج الحكم الديني المعاصر ، هو قدرته على صنع مجال عام غير متاثر (ظاهريا على الأقل) بنمط الحياة الغربي. وهذا يبرز بأجلى صوره في المظهر الخارجي للرجال والنساء (الحجاب في المقام الأول). واذا وقف الجمهور في مواجهة الدولة ، فلن يمكنها المحافظة على هذا المظهر ، الا باستعمال العنف الصريح ، وعندها لن يكون الدين أداة لتعزيز الشرعية السياسية ، كما جرى حتى الآن. سيكون العنف العاري او الاغراء هو الإداة الوحيدة الممكنة للحفاظ على النظام العام ، وعندئذ فان "الخطاب السياسي الديني" سينتهي ، وتحل محله "الخطابة الدينية" ، أي الكلام الذي يفهم الناس جميعا انه "عدة شغل" تحمله حكومة عادية لا تكترث بحدود الدين حتى لو تمسكت بلغته.

 

الأربعاء - 4 جمادى الآخرة 1444 هـ - 28 ديسمبر 2022 مـ رقم العدد [16101]

https://aawsat.com/home/article/4067006/

مقالات ذات صلة

الاساس النظري لدور الامة في الدولة
الايديولوجيا السياسية للتيار المحافظ في ايران
تطور فكرة الدولة في المجال الديني الشيعي
تنبيه الامة وتنزيه الملة : رسالة فقهية في الحكم الدستوري (كتاب)
توفيق السيف... جدلية العلاقة بين الواقع المتغير والعقل الفلسفي
حدود الديمقراطية الدينية : عرض كتاب
حول الحاجة الى فقه سياسي جديد
دور الخميني في تعديل نظرية السلطة عند الشيعة
الديمقراطية في بلد مسلم (كتاب)
سجالات الدين والتغيير في المجتمع السعودي (كتاب)
السلطة باعتبارها وكالة عن المجتمع
من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي
الشرعية السياسية في حكومة دينية حديثة
قراءة في كتاب "حدود الديمقراطية الدينية"
مفهوم الحق ومصادره
مكانة العامة في التفكير السياسي الديني: نقد الرؤية الفقهية التقليدية للسلطة والاجتماع السياسي
نظرية السلطة في الفقه الشيعي: ما بعد ولاية الفقيه (كتاب)
هل الديموقراطية فعلاً بضاعتنا التي رُدَّت إلينا؟
 هل تتلاءم الثقافة الإسلامية مع الديموقراطية؟

05/10/2022

الحرية والشر


معظم الذين يرفضون الحرية ، يبالغون في تضخيم الاستثناءات ، حتى تنكمش القاعدة او تتلاشى. وعلى العكس من ذلك ، يركز دعاة الحرية والمؤمنون بها على حقيقة كونها الأصل والقاعدة ، وأن أي تقييد ينبغي ان يتفرع من الأصل ويأتي كاستثناء من القاعدة ، فلا يتضخم الى القدر الذي يجعل القاعدة معدومة الأثر ، او يجعل الأصل أضعف أثرا من الفرع.

لا بد – على أي حال - من التأكيد على أن منكري الحرية ، مثل دعاتها ، ينطلقون من موقف فكري او اجتماعي سابق على طرح الفكرة للنقاش. ولهم بالتأكيد مبررات ترضيهم ، وان لم يقبلها الفريق المقابل.

مهسا اميني (2000-2022)

وقد أشرت في مقال سابق الى أن الشرائح المحافظة في مختلف المجتمعات ، تنظر للحرية كحاجة ثانوية للمجتمع الإنساني ، لا انها ضرورية للتقدم كما يدعي الليبراليون. ونعلم مثلا ان الماركسية الكلاسيكية اعتبرت الحرية لعبة بورجوازية ، وأن حاجة المجتمع الحقيقية ، هي ضمان القواعد المادية الأساسية للعيش الكريم ، حتى تحقيق المساواة بين الناس. أما المجتمعات المتدينة (على اختلاف الأديان والمذاهب) فتعتبر الحرية أداة سخرها أنصار الشيطان للتغرير بالأجيال الجديدة ، كي يتمردوا على النظام الاجتماعي الفاضل. واحدث الأمثلة على هذا ، الحادث الذي انتهى بمقتل الشابة مهسا أميني على يد "دوريات الاخلاق" في العاصمة الإيرانية طهران. وقد برر ما جرى بعد ذلك بأنه مؤامرة اجنبية ، بينما كان المؤمل أن تعتذر الحكومة عن هذا الخطأ الكارثي.

كتبت سابقا انك لن تجد بين السياسيين والمثقفين او الزعماء الدينيين من يعلن صراحة انه ضد الحرية. لكن الذي يحصل عادة ، هو التركيز على الاستثناءات والحواشي واكثار الكلام فيها ، حتى تتضاءل القاعدة الاصلية وتضيع في الزحمة. حين تتحدث عن الحرية او فوائدها ، ستأتيك عشرات الردود ، من كل طرف ، حتى ليخيل اليك انها دفاع منسق. الواقع انها ليست منسقة ، لكن المجتمعات المحافظة جاهزة دائما للتعبير عن رفضها للتغيير وكافة مداخله ومؤدياته ، بل كل ما يرتبط به من قيم وأفكار. ستجد مثلا:

أ‌-        ردود تقول ان الحرية طيبة ، لكنها مستحيلة. لا توجد حرية في العالم الواقعي. الرسالة الداخلية لهذا الموقف هي: الكلام عن الحرية عبث لا طائل تحته.

ب‌-  ردود تقول ان الحرية طيبة ، لكن تطبيقها مشروط ومحدد بالحدود التي يضعها المجتمع او الدين. فحوى هذا الموقف اننا لا نريد حرية تأتي بفكرة مختلفة او تدعو لعلاقات اجتماعية جديدة.

ت‌-  ردود تركز على مخاطر الحرية المطلقة ، فلو ترك الناس من دون ضابط لارتكبوا كبائر الآثام. فحوى هذا الموقف ان الانسان بطبعه فاسد ، وأن ما يمنعه عن الفساد هو خشية العقاب ، وان الحرية تحرره من هذا الخوف.

ث‌-  ردود تركز على تجارب البلدان التي قبلت بالحرية. لا سيما السلوكيات التي يعتبرها عامة الناس نموذجا لسقوط الأخلاق ، مثل اللباس غير المحتشم ، والعلاقات غير المتناسبة مع التقاليد التي نعرفها ، وتمرد الأبناء على الآباء.. الخ. فحوى هذا الموقف ان الانسان سيخسر ابناءه لو قبل بمبدأ الحرية.

كل من هذه المواقف تقول ببساطة: نحن نريد الحرية ، لكن الحرية لا تريدنا ، فهي لا تأتي دون ان ترافقها الشرور. الأفضل إذن التخلي عن هذه المغامرة المجهولة العواقب. هذا يوضح المخادعة التي يقوم بها العقل التقليدي ، حين يدفع الاستثناء كي يزيح القاعدة ، ويستولي الشرح على المتن ، "الاستحواذ على النص الأصلي المشع ، بعد تغطيته بنصوص الهامش المعتمة" حسب تعبير اخي د. معجب الزهراني

الشرق الأوسط - الأربعاء - 10 شهر ربيع الأول 1444 هـ - 05 أكتوبر 2022 مـ رقم العدد [16017]

https://aawsat.com/node/3912301

 

مقالات ذات صلة

 ان تكون عبدا لغيرك

تحكيم القانون وليس التعويل على الاخلاق

جدل الدولة المدنية ، ام جدل الحرية

حدود الحرية .. حدود القانون

الحريات العامة كوسيلة لتفكيك ايديولوجيا الارهاب

الحرية ، دراسة في المفهوم والاشكاليات -دراسة موسعة 

الحرية التي يحميها القانون والحرية التي يحددها القانون

الحرية المنضبطة والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...

الحرية بوصفها مشكلة

الحرية بين مفهومين

الحرية عند أهل الفقه

الحرية والانفلات

 الحرية والنظام العام

الحرية وحدودها القانونية

حقوق الانسان : قراءة معاصرة لتراث قديم

الخبز الحافي والحرية المستحيلة

دعاة الحرية وأعداء الحرية

السعادة الجبرية: البس ثوبنا أو انتظر رصاصنا

العلاقة الجدلية بين الحرية ورضا العامة

عن الحرية والاغـتراب

عن الليبرالية وتوق الانسان للتحرر: اجابات

في تمجيد الحرية

كيف يضمن القانون حرية المواطن ؟

مجتمع الاحرار

مجتمع الأحرار.. ومفهوم الحرية

مجتمع الخاطئين

مجتمع العبيد

معنى ان تكون حرا ، اراء قديمة وجديدة

ملاحظات على حديث قصير – غريب

من يتحدث حول الحرية.. وماذا يقول ؟

يحبون الحرية ويخشونها

 

 

 

 

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...