مدونة توفيق السيف . . Tawfiq Alsaif Blog فكر سياسي . . دين . . تجديد . . . . . . . . . راسلني: talsaif@yahoo.com
29/04/2020
في الاعجاز والاختبار والعذاب الالهي
01/11/2017
حين تكره الدنيا: طريق البشر من الخرافة الى العلم
|| تاريخ التقدم الانساني هو مسار الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.||
اراد القاضي البريطاني دينيس لويد (1915-1992) تقديم شرح موجز لتطور القانون. لكن كتابه القيم "فكرة القانون" قدم ما هو أكثر من ذلك. فقد فسر بذكاء العامل المشترك في كل تقرير تاريخي عن المعرفة والانسان ، اعني به: تراجع الاسطورة وتقدم العلم.
في كل خطوة على طريق التاريخ الطويل ، يظهر واضحا ان تحرر الانسان ارتبط بازدهار الاتجاهات العقلية. يتسع دور العقل فيتطور العلم ، فيزداد فهم البشر للطبيعة ، فترتفع قدرتهم على استثمارها ، فيتقدمون ماديا ، فتبرز انعكاسات التقدم المادي على علاقة الناس ببعضهم ، فيعودون الى ذات المعايير العقلية ليضعوا قواعد اكثر تقدما للعلاقة فيما بينهم. وهكذا يتطور المجتمع ماديا واخلاقيا ، ويتسع فهم الانسان لنفسه وعالمه الكبير.
ولفت انتباهي في دراسة لويد اشارته الى دور الرسالات السماوية في اغناء هذا
المفهوم ، واسهامها – من خلاله - في تفكيك الاساطير الخاصة بالكون وعلاقة الانسان
بالطبيعة.
المسألة على النحو التالي: في قديم الزمان ظن البشر ان الاعاصير والعواصف
والسيول وبقية الظواهر الطبيعية المخيفة ، علامات على غضب الآلهة التي تتحكم فيها.
اذا غضب اله النار حرك البراكين الخامدة ، واذا نازعه اله المطر حرك السيول
الجارفة. لم يجد البشر الضعفاء حيلة للنجاة من غضب الالهة المزعومة ، سوى منحها
القرابين والاعطيات. ويحكي القرآن الكريم قصة النبي يونس ، الذي القى به ركاب
السفينة قربانا لإله البحر الغاضب ، كي لا يغرق سفينتهم.
زبدة القول ان القلق على الوجود شكل المؤثر الابرز في حياة الانسان القديم.
ونعلم ان الانسان القلق على وجوده لا يفكر في شيء سوى النجاة بنفسه.
ركزت رسالات السماء على ان الكون يعمل وفق نظام دقيق ، منطقي وقابل للادراك
، كما ركزت على وحدانية الله ، خالق الكون الرحيم الذي لا يعبث ولا ينتقم من خلقه.
مع هذا الفهم الجديد اضافة الى مجموعة الشرائع والقيم الاخلاقية ، تخلص الانسان من
قلق الفناء والخوف من طغيان الطبيعة وآلهتها المزعومة ، وبدأيفكر في السيطرة عليها
واستثمارها. ومن هذه النقطة بالتحديد تحرك قطار العلم والتقدم في مختلف الاتجاهات.
تاريخ التقدم الانساني إذن هو تاريخ الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات
الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة
الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.
لا يخلو العالم من بواعث القلق ، ولن يستريح الانسان من التوتر. لكن الفارق
بعيد وجذري بين قلق سببه العجز ازاء الطبيعة القاهرة ، وقلق منشؤه تمرد الانسان
على واقعه ، وسعيه للتحكم في حياته وعالمه. القلق الاول يحيل الانسان الى الهروب
نحو الوراء ، اي الخرافة وتغييب العقل ، بينما يحيله القلق الثاني للهروب نحو
الامام ، اي الهجوم على المشكلة والبحث في عقله وعالمه عن حلها.
مثل بقية الاديان السماوية ، اراد الاسلام تفكيك الخرافة وعقلنة الفهم
البشري للعالم ، وأكد على استثمار الطبيعة. لكن – لسبب ما – فان المسلمين قرروا في
ازمان الانحطاط ، ان الطبيعة والدنيا كلها لا تستحق العناء. قرر جمهورهم ان الحياة
الدنيا ظرف مؤقت ومهلة قصيرة في انتظار الحياة الاخرة. لم يعد المسلم قلقا من بؤس
الحياة وتخلفها ، وهو لا يرى نفسه شريكا في بناء حضارة العالم. فكل همه هو النجاة
من النار في الحياة التالية.
ترى.. هل يمكن للاسلام ان يسهم في تقدم الدنيا ، واتباعه منصرفون عنها ، مشغولون
بما بعدها؟.
18/05/1999
سر الاســرار
11/05/1999
كشف الأســـرار
يقول زميلي ان الصحف ترغب في نشر التحقيقات عن الظواهر الغريبة ، لأن هذا النوع من المواد يستقطب قراء كثيرين ، وقبل القراء يأتي المعلنون ، فالصحيفة تهتم بالقاريء لأنه طريق إلى المعلن ، وليس ، على اغلب الظن ، من أجل توسيع نطاق الثقافة أو تعميمها ، لكني لاحظت ان شبكات التلفزيون قد لحقت هذه الايام بالصحافة: تلفزيون عجمان مثلا بث ندوة مطولة حول الطب الروحاني (الاسبوع الاول من مايو 99) (ولا اريد استعمال الاسم المتداول الذي يعرفه الجميع (العلاج بالقرآن ) وقبله بثت قناة الجزيرة برنامجا ، مهدت له باعلانات مفصلة طيلة اسبوعين ، حول عالم الجن والعفاريت ، وقد فهمنا السر في الاهتمام بالبرنامجين ، من كثرة الاعلانات التي تخللت عرضهما ، رغم ان تقديرهما العلمي لا يرتفع عن الصفر ، حتى لو استعملت اقوى الرافعات
.في ذينك البرنامجين وفي الكثير مما تنشره الصحافة تسمع سؤالا مكررا ، يستتبع جوابا لا يقل عنه سذاجة ..-
سؤال : ما رأيك في الجن أو وجود الجن ؟
-
الجواب: الجن مذكور في القرآن .
-
سؤال : هل السحر حقيقي؟
-
الجواب : السحر مذكور في القرآن .
وواضح ان غرض الاشارة إلى القرآن هنا هو تسويق
مجموع الفكرة ، الصحيح منه والخرافي .
ولأن الموضوع حقل الغام ، لا يأمن الكاتب من
غضب من تخشى غضبته ، لو قال فيه بخلاف المقرر ، فسوف اتجاوز الحديث عن ذات الموضوع
ورايي في قيمة الآراء التي يطرحها هواة هذه النوع من الاحاديث ، إلى مسألة أخرى
بعيدة قليلا عن الموضوع وبعيدة أيضا عن حقول الالغام .
يهتم الناس عادة بالأمور التي لها تأثير خاص
على حياتهم اليومية ، لكنهم يهتمون أيضا بالأمور الغامضة والغريبة ، لا لأنها ذات
تأثير عليهم ، بل لنوع من الفضول وحب الاستطلاع ، يولد رغبة جامحة لكشف الاسرار ،
بغض النظر عن فائدة هذا الكشف .
وتتبع وسائل الاعلام أساليب معروفة في تجارة
الاستعراض ، غرضها استقطاب اهتمام المتلقي ، ومن بينها ابراز مظاهر الغموض ،
بالتوازي مع وعد بمساعدة المتلقي على كشف السر .
وإذا
كانت اهتمامات العرب قد تركزت حتى الان على السحر والجن والعين والعلاج الروحاني ،
فثمة في الغرب من وسع اهتمامه إلى ما هو أبعد ، وتنشط في بريطانيا والولايات
المتحدة جمعيات للقادمين من الفضاء الخارجي ، يقول أعضاؤها انهم ينتمون إلى أقوام
تسكن كواكب خارج مجموعتنا الشمسية ، أو انهم التقوا بمخلوقات فضائية جاءت في سفن
فضاء أو صحون طائرة .
وثمة
جمعيات تعتني بالظواهر الغريبة التي يصعب تفسيرها ، ويبدو ان كثيرا من الناس هناك
قد اقتنعوا بوجود عوالم تطل علينا ، دون ان نعرف عنها شيئا ، وينقل د. عبد المحسن
صالح في كتابه (الانسان الحائر بين العلم والخرافة) الذي صدر ضمن سلسلة عالم
المعرفة ، ان كاتبا اميركيا هو تشارلز بيرلتز باع من كتابه المسمى (مثلث برمودا)
خمسة ملايين نسخة ، مما شجعه على إصدار كتاب مماثل بعد أقل من سنتين ، عنوانه (من
دون أثر) ولا شك ان رقم الخمسة ملايين كبير بكل المقاييس ، رغم ان مادة الكتاب
ليست سوى صياغات روائية ، فيها الكثير من الخيال وفن التشويق ، عن حوادث جرت فعلا
وأمكن تفسيرها بالطرق العلمية المعروفة ، لكن الكاتب أضفى عليها كثيرا من الاثارة
، بادعاء انها بقيت دون تفسير ، أو انها تضمنت أو ترافقت مع ظواهر موازية من النوع
الخارق أو المستحيل التفسير ، مثل حديثه عن سفينتين غرقتا في مثلث برمودا الشهير
ولم يعثر لهما على أثر ، بينما تقول سجلات شركة التامين ان كلا السفينتين غرقتا في
مكان يبعد مئات الاميال ، وان اسباب غرقهما معروفة تماما .
وعلى النسق ذاته اشتهر في البرازيل والفلبين
وبعض الاقطار الاسلامية اطباء روحانيون، يدعون القدرة على شفاء البدن من الامراض
بدء من قشرة الرأس وانتهاء بالسرطان ، ويدعي بعضهم القدرة على شفاء الام الروح ،
بدء من الاكتئاب وانتهاء بانفصام الشخصية، أو ما يسميه البعض تلبس الجن .
ونستطيع ان نفهم السر في الاهتمام الشديد لدى
الانسان بهذه الامور إذا كان مكتفيا ومرتاحا ، فالاكتفاء يولد شعورا بالفراغ
الداخلي ، ورغبة في السيطرة ، ويولد الشعور بالفراغ رغبة في الانشغال بشيء جديد
غير مألوف ، اما حب السيطرة فيولد حاجة إلى معاندة ما يبدو مستحيلا ، ومن بينها
كشف الاسرار والغوامض ، سيما وان هذا النوع من الكشوف ، لا يستدعي بذل جهد ولا مصارعة
عقبات .
لكني تساءلت دائما عن علة اندفاع الناس الذين
تطحنهم دواليب الحياة بلا رحمة ، إلى بذل المال والجهد والوقت بحثا وراء الجن
والعفاريت والسحر والفناجين والفال وما إلى ذلك ، ولاحظت ان هذه الامور اكثر
انتشارا في الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، فهل لهذا دلالة خاصة ، هل هو تعبير عن
اليأس من الحلول المادية والعقلانية؟.
ثم تساءلت عن السبب الذي يجعل لهذه الاشياء
ظهورا متزايدا في اوقات معينة ، ثم غيابها عن واجهة الاحداث في أوقات أخرى ، فهل
لها علاقة بظروف اقتصادية أو اجتماعية محددة؟ .
عكاظ 11مايو 99
05/05/1999
الجـن سيــد العالم
|| معظم الذين يتحدثون عن الجن يبدأون باعلان جهلهم بالموضوع ثم
يتحولون للحديث عن تفاصيله ، كما لو كانوا محيطين به||
سألت معلمي يوما عن الجن ، أين يوجدون وكيف
يعيشون ، فأجابني بسؤال معاكس : وهل هناك ما يمنع وجودهم ؟ فأعدت عليه السؤال :
وهل هناك ما يوجب وجودهم ؟ الاصل في كل
شيء العدم ، والوجود يحتاج إلى دليل على حدوثه .
قال لي : ان تعبير (الوجود) الذي نستعمله
للدلالة على ما يقابل العدم ، ربما يعجز عن حمل مفهوم الوجود بكل معانيه ومضامينه
، فنحن نفسر العدم بما يعادل اللاشيء في المعنيين المادي والمجرد ، لكننا غالبا ما
نطلق تعبير الوجود على الأشياء القابلة للتحديد ،
أي المشهودة ، أما الغائبة وغير المحددة ، فربما نظنها قابلة لأن توجد ،
ولا نعتبرها موجودة بالفعل ، رغم انها موجودة كذات خاصة ، خارج إطار وعينا وحدود
إدراكنا .
قلت له : فهل تعتبر الجن من هذه الموجودات
خارج إطار وعينا ؟ .
قال لي : ان القول بوجودها ربما يستدعي سؤالا
عن طبيعة هذا الوجود ، فما دام الانسان قادرا على ادراك وجود شيء ، فلا بد ان يمتد
الادراك إلى معرفة طبيعته ، هذه المعرفة توجد علاقة من نوع ما بينه وبين الانسان ،
فاذا وجدت العلاقة ، كانت داعيا لإقامة نظام يحكمها .
علاقة الانسان مع الكون محددة ومضبوطة بنظام
شرعه الخالق ، وفصله الانبياء والعلماء ، فهو عبد لخالق الكون ، سيد لبعض ما في
الكون ، ومساو للبعض الآخر ، وبحسب ما وصل الينا وما توصلنا اليه من أحكام في
علاقة الانسان بعناصر الكون ، فانه لا توجد أحكام خاصة بالعلاقة مع كائنات مما
نتحدث عنه الآن مثل الجن .
قلت لمعلمي : فهل تريد الوصول إلى ان عدم
تنظيم احكام العلاقة بهم دليل على عدم وجودهم ؟ .
قال لي : لا يستطيع العاقل الجزم بعدم وجودهم
، فقد سلف القول ان تعبير الوجود قد يعجز عن حمل الفكرة بتمامها ، ربما نستطيع
الجزم بعدم ايجادهم ، لا عدم وجودهم ، حدود معرفتنا الحاضرة لا تتجاوز الكون
المادي ، وما نعرفه عن الكون الآخر فوق المادي ، لا يتجاوز المعرفة النقلية ، نحن
نعرفه لأننا قبلنا بما سمعناه ، لا لأننا أدركناه بالوسائل العقلية أو التجريبية ،
لكن هذا يختلف عن مسألة الجن في ان طبيعته معروفة إلى حد ما ، والعلاقة معه مضبوطة
ومحددة .
قلت لمعلمي : الحديث الدائر عن الجن في في
مجتمعات العالم ، ومن بينها مجتمعات المسلمين ، ليس كلاما عن اكتشاف ما خارج
الحدود المادية لكوننا ، بل عن تداخل للجن في حياة هذا الكوكب ، يتحدثون أحيانا عن
سيدة ما عشقها جني وأجبرها على الزواج منه ، أو رجل تلبسه جني فأصبح عبدا له يتصرف
كآلة مبرمجة ، أو بيت (مسكون) يشعر أهله بحياة أخرى تدور فيه غير حياتهم ، فهذه
وأمثالها تعبيرات عن وجود ضمن عالمنا ، وجود متداخل مع وجودنا بل هو جزء منه ،
ولهذا فان الناس يتساءلون عن طبيعة هذا الوجود ، ولأنهم لا يعثرون على جواب ، فهم يسكتون عن التفصيل ، ويحيلون
الأمر إلى من لا يمكن مطالبته بالتفصيل أو الدليل ، فيقولون مثلا ان (الجن مذكور
في القرآن) وهو مذكور حقا .
قال معلمي : نحن لا نعلم إذا كان الجن المذكور
في القرآن هو الجن الذي يتحدثون عنه الآن ، تعبير (الجن) الذي نستعمله غير محدد المعنى ، وأطلق العرب
التعبير على ما هو قوي وخفي ، ولو سألت عنه
لأخبروك بانه وصف لكائنات هائلة القوة غير مادية وغير قابلة للتحديد ، وهذا يساوي
عدم المعرفة ، فالأوصاف المذكورة تصورية لا تطبيقية ، القرآن استعمل تعبيرات
متداولة لتقريب المعاني ، دون ان تكون مقصودة بذاتها ، مثل تقريب وصف الجنة إلى ما
يعادل البستان الوارف ، المليء بالفاكهة وأنهار الخمر والعسل ، رغم ان الجنة توصف
في الاثر بما ( لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) .
هذا أولا ، أما الثاني فهو ان الحوادث التي
تذكر عادة ، تأتي في سياق التقرير المسبق للوصف والاستنتاج ، بمعنى ان الناس الذين
تقع لهم هذه الحوادث أو يسمعون بها ، لا
يضعون جميع الاحتمالات الممكنة ، وأحدها ان لا يكون الأمر متعلقا بالجن على
الاطلاق ، بل يسارعون إلى اعلان عجزهم عن معرفة ما يرون أو يسمعون ، فيحيلون الامر
إلى دائرة (القوى الخفية) التي يسمونها الجن ، لكنهم بعد هذه الاحالة يعودون إلى
ادعاء العلم ، فيقررون ان الاحتمال الوحيد
هو تدخل الجن ، وطالما كان الامر كذلك فمن الممكن التعامل معه ، وهذا الانتقال
السريع من النقيض أي الجهل بالشيء ، إلى
نقيضه أي ادعاء العلم به ، هو أحد الآفات
المعروفة في ثقافتنا ، وهي تظهر هنا وفي أماكن كثيرة أخرى .
اخلاقيات السياسة
أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...