‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخرافة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الخرافة. إظهار كافة الرسائل

29/04/2020

في الاعجاز والاختبار والعذاب الالهي


||هذا الكون يتحرك في نظام ثابت ، هو "سنة الله". وهو مفهوم للبشر، ولذلك يستعملونه ويسخرون أدواته لتحسين معيشتهم||

لو لم يكن هذا الشيخ مشهورا ومسموع الكلمة ، لما انتشر حديثه عبر العالم ، وما شاهده عشرات الألوف. ولولا ان الكلام الذي قاله يحاكي قناعات عميقة في نفوس مستمعيه ، لما قوبل بالاستحسان والتأييد. خلاصة كلام الشيخ ان وباء كورونا اختبار رباني للبشر جميعا ، غرضه اظهار قدرة الباري سبحانه وتذكير البشر الآثمين بجبروته كي يتعظوا. 

قال الشيخ أيضا انه مندهش غاية الدهشة ، لأن مخلوقا في غاية الضعف والتفاهة ، صغيرا لا يرى بالعين المجردة ، عطل حياة العالم من اقصاه الى أدناه: أوقف السيارات والقطارات والطائرات ، وعطل المصانع والشركات والجامعات والحكومات ، وضرب الجيوش والاجهزة الأمنية من داخلها ، بل لم ينج منه حتى رؤساء الدول وعائلاتهم.
لا حاجة لذكر اسم القائل ، فقد تكرر على السن العديد من الدعاة المحترمين ، الذين ظنوا ان كلاما كهذا ، سوف يذكر  مستمعيهم بما يتوجب عليهم من طاعة الله والتوجه اليه ، وقد يردعهم عن المعاصي ان كانوا من أهل العصيان.
والحق ان طريقة الوعظ هذه خطأ في ذاتها. فهي لا تقنع الا من كان مقتنعا سلفا ، اي من لا يحتاج للموعظة. كونها خطأ تظهر في وجهين: الاول ان جبروت الله وقدرته ، لا تتجلى في أمور يستطيع البشر التنبؤ بها ودفعها ، او اتقاءها وتقليل آثارها ، وهذا لاينطبق على كورونا ولا الاوبئة المماثلة. اما الوجه الثاني فهو ان الأصل في دعوة الناس الى الله ، هو البشرى وإثارة الأمل بالنجاح الدنيوي وليس التنفير.
الوجه الأول يوضحه القرآن في آيات عديدة كقوله سبحانه "لاعاصم اليوم من أمر الله-هود 43" ، بينما نعلم ان العواصم من الاوبئة كثيرة ، وابسطها التباعد الاجتماعي. اما الاوبئة التي ضربت العالم فيما مضى ، فقد طور العلماء امصالا تقي منها ، فما عادت قابلة للتكرار على نطاقات واسعة ، مثل الملاريا والكوليرا والسل والطاعون والتراخوما والايبولا والسارس وأمثالها. وحتى كورونا المستجد الذي ادهش فضيلة الشيخ ، فان العلماء واثقون بامكانية التوصل الى مصل له بحلول نهاية العام الجاري. ثم ان ظهور الفايروس كان مفاجئا ، أما طبيعته فليست مجهولة تماما. كما ان انتقاله للبلدان الأخرى لم يكن مفاجئا ، ولا التحكم فيه والتقليل من آثاره مستحيلا.
بعبارة اخرى فان المسار الذي رأيناه وتابعناه بشكل يومي ، لم يوح أبدا بعجز البشر عن كبح هذا الوباء ،  ولم يقل احد ان العالم اقترب من نهايته ، او ان عواقب الكارثة ستكون بلا حدود. ومن هنا فان هذا الوباء لم يكن بالصورة التي نتخيلها عن جبروت الله وقوته ، التي لا ترد ولا تقف عند حد.
القول بان الله يعاقب البشر من خلال التدخل المباشر في النظام الكوني ، لا يخلو من مضمون خرافي. هذا الكون يدور ويتحرك وفق نظام ثابت ، أسماه القرآن "سنة الله" و "آيات الله" و "فطرة الله". ولو تأملت في هذا النظام لوجدته كله ، قواعده وتفصيلاته ، تسير وفق منطق دقيق ، منطق يفهمه البشر ويستوعبون تفصيلاته ، ولذلك يستعملونه ويسخرون أدواته لتحسين معيشتهم ، وهذا بالتحديد مراد الخالق سبحانه.
ادعو المشايخ الكرام والدعاة الافاضل الى القراءة العقلانية والانسانية للدين ، القراءة التي تنظر للعالم باعتباره مختبرا للعقل والفكر والرحمة ، لا ساحة للعذاب وانتقام القوي من عباده الضعفاء.
الشرق الاوسط الأربعاء - 6 شهر رمضان 1441 هـ - 29 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15128]


مقالات ذات علاقة

01/11/2017

حين تكره الدنيا: طريق البشر من الخرافة الى العلم


|| تاريخ التقدم الانساني هو مسار الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.||

اراد القاضي البريطاني دينيس لويد (1915-1992) تقديم شرح موجز لتطور القانون. لكن كتابه القيم "فكرة القانون" قدم ما هو أكثر من ذلك. فقد فسر بذكاء العامل المشترك في كل تقرير تاريخي عن المعرفة والانسان ، اعني به: تراجع الاسطورة وتقدم العلم.

في كل خطوة على طريق التاريخ الطويل ، يظهر واضحا ان تحرر الانسان ارتبط بازدهار الاتجاهات العقلية. يتسع دور العقل فيتطور العلم ، فيزداد فهم البشر للطبيعة ، فترتفع قدرتهم على استثمارها ، فيتقدمون ماديا ، فتبرز انعكاسات التقدم المادي على علاقة الناس ببعضهم ، فيعودون الى ذات المعايير العقلية ليضعوا قواعد اكثر تقدما للعلاقة فيما بينهم. وهكذا يتطور المجتمع ماديا واخلاقيا ، ويتسع فهم الانسان لنفسه وعالمه الكبير.

ولفت انتباهي في دراسة لويد اشارته الى دور الرسالات السماوية في اغناء هذا المفهوم ، واسهامها – من خلاله - في تفكيك الاساطير الخاصة بالكون وعلاقة الانسان بالطبيعة.

المسألة على النحو التالي: في قديم الزمان ظن البشر ان الاعاصير والعواصف والسيول وبقية الظواهر الطبيعية المخيفة ، علامات على غضب الآلهة التي تتحكم فيها. اذا غضب اله النار حرك البراكين الخامدة ، واذا نازعه اله المطر حرك السيول الجارفة. لم يجد البشر الضعفاء حيلة للنجاة من غضب الالهة المزعومة ، سوى منحها القرابين والاعطيات. ويحكي القرآن الكريم قصة النبي يونس ، الذي القى به ركاب السفينة قربانا لإله البحر الغاضب ، كي لا يغرق سفينتهم.

زبدة القول ان القلق على الوجود شكل المؤثر الابرز في حياة الانسان القديم. ونعلم ان الانسان القلق على وجوده لا يفكر في شيء سوى النجاة بنفسه.

ركزت رسالات السماء على ان الكون يعمل وفق نظام دقيق ، منطقي وقابل للادراك ، كما ركزت على وحدانية الله ، خالق الكون الرحيم الذي لا يعبث ولا ينتقم من خلقه. مع هذا الفهم الجديد اضافة الى مجموعة الشرائع والقيم الاخلاقية ، تخلص الانسان من قلق الفناء والخوف من طغيان الطبيعة وآلهتها المزعومة ، وبدأيفكر في السيطرة عليها واستثمارها. ومن هذه النقطة بالتحديد تحرك قطار العلم والتقدم في مختلف الاتجاهات.

تاريخ التقدم الانساني إذن هو تاريخ الخلاص من الخرافة ، ونفي الحتميات الموهومة والمسلمات الجامدة ، وتكريس حاكمية العقل وفوقية العلم ، انه قصة الانتقال من رهبة الطبيعة الى استثمارها والتحكم فيها.

لا يخلو العالم من بواعث القلق ، ولن يستريح الانسان من التوتر. لكن الفارق بعيد وجذري بين قلق سببه العجز ازاء الطبيعة القاهرة ، وقلق منشؤه تمرد الانسان على واقعه ، وسعيه للتحكم في حياته وعالمه. القلق الاول يحيل الانسان الى الهروب نحو الوراء ، اي الخرافة وتغييب العقل ، بينما يحيله القلق الثاني للهروب نحو الامام ، اي الهجوم على المشكلة والبحث في عقله وعالمه عن حلها.

مثل بقية الاديان السماوية ، اراد الاسلام تفكيك الخرافة وعقلنة الفهم البشري للعالم ، وأكد على استثمار الطبيعة. لكن – لسبب ما – فان المسلمين قرروا في ازمان الانحطاط ، ان الطبيعة والدنيا كلها لا تستحق العناء. قرر جمهورهم ان الحياة الدنيا ظرف مؤقت ومهلة قصيرة في انتظار الحياة الاخرة. لم يعد المسلم قلقا من بؤس الحياة وتخلفها ، وهو لا يرى نفسه شريكا في بناء حضارة العالم. فكل همه هو النجاة من النار في الحياة التالية.

ترى.. هل يمكن للاسلام ان يسهم في تقدم الدنيا ، واتباعه منصرفون عنها ، مشغولون بما بعدها؟.

 الشرق الاوسط الأربعاء - 12 صفر 1439 هـ - 01 نوفمبر 2017 مـ رقم العدد [14218]

http://aawsat.com/node/1069596

18/05/1999

سر الاســرار



يقول المؤرخون ان الانسان القديم كان أسيرا للطبيعة ، ويحدثنا القرآن عن حالات أصبح فيها الانسان عبدا لهذه الطبيعة ، وهو ما ثبت لاحقا مع تقدم الكشوف الأثرية ، وتحول دراسة الاثار إلى علم قائم بذاته ، وفي قصة النبي إبراهيم عليه السلام ، ايحاء واضح بأن انسان العصور السابقة ، كان مجذوبا إلى القوى الهائلة التي يتوهم الحاجة اليها ، استجلابا للخير أو اتقاء للشر ، وفي قصة النبي يونس عليه السلام إشارات إلى طقوس التضحية بأحد ركاب السفينة ، إرضاء لما يظنونه إله البحر الغاضب ، وفي قصة موسى عليه السلام ، إشارة إلى علاقة العبادة والعبودية بحاجة البشر إلى الماء والخصب والنماء ، يقول القرآن حكاية عن فرعون (اليس لي ملك مصر وهذه الانهار) .
ومنذ ان وجد الانسان على هذه الارض ، وحتى فترات متأخرة ، كان نهبا لعاملي جذب متعاكسين في الاتجاه ، عامل يدفعه لتسخير الطبيعة والسيطرة عليها ، من أجل الارتقاء بحياته ، وعامل يدفعه إلى الخضوع لقوى غير مرئية ومتوهمة ، باعتباره جزء من كون خاضع لتلك القوى ، فهو مجبور لها ، مضطر إلى مسايرتها وارضائها ، وقد ابتكر  الانسان فكرة اظهار الاحترام وتقديم القرابين ، وهي طريقة تجاري ما يتبع في ارضاء اقوياء البشر ، فهؤلاء أيضا يريدون الاحترام والقرابين ، لكي يرضوا على ضعفاء الناس فيكفوا الأذى عنهم .

ومع مرور الزمن وتشكل المجتمعات الحضرية أو شبه الحضرية ، دخل مفهوم العبادة وممارسة الطقوس الخاصة ، التي تستهدف ارضاء القوى الخفية (التي اصبحت في وقت لاحق تعتبر آلهة) كجزء من تشكيلة النظام الاجتماعي وجرى تنظيرها وتنسيجها في شبكة العلاقات الداخلية للمجتمع ومكونات هويته .

في المقابل تجلى العامل الاول في اجتهاد الانسان لتنظيم حياته والارتقاء بها ، وحظي بعض المجتمعات بنصيب وافر من التقدم المادي ، تدل عليه الكشوف الاثرية لشبكات الري المنظمة وهندسة البناء ، التي تستجيب لحاجات البيئة دون ان تضحي بالمتانة والجمال ، فضلا عن الطرق المدهشة لخزن الغذاء ، واستخراج الدواء من أعشاب الارض القليلة القيمة .
لكن رغم تقدم هذه المجتمعات ، فان انسانها بقي أسيرا لوهم القوى الخفية ، باختياره وقبوله في غالب الاحيان ، ولمسايرة النظام الاجتماعي في أحيان أخرى ، وفي حالات معينة كان هذا الاسر قسريا تحميه الانظمة السائدة والسلطان ، وقام فراعنة مصر ـ مثلا ـ بتطوير مفهوم العبودية ، بتحديده وصرفه إلى انفسهم ، فأصبح الانسان مضطرا إلى عبودية الآلهة المجهولة ، والتعبير عنها بالخضوع للفرعون المعلوم ، وهكذا تحول السلطان المادي البشري إلى تجسد للآلهة الخفية المتوهمة .

ومع ان الانسان قد ضرب أشواطا بعيدا في التقدم وتحرر العقل ، إلا ان أقواما كثيرة لا زالت تتعامل مع مفاهيم من هذه النوع باعتبارها مقبولة وطبيعية ، بل محبذة ، في اليابان مثلا كان الامبراطور يعتبر ابنا للاله الشمس ، وبقي هذا الاعتبار سائدا حتى نهاية الحرب الكونية الثانية ، وكان محرما على أي مواطن لمس الامبراطور باعتباره الها أو ابنا للاله ، وثمة أقوام لا زالت تنظر إلى الفيل والبقر والبركان وحتى الرموز الجنسية باعتبارها آلهة أو متعلقات للآلهة ، وهذا يشير إلى ان المسألة لا ترتبط بتقويم عقلي أو تحديد حسابي للفوائد والخسائر ، قدر ما ترتبط بحاجة هذه المجتمعات إلى رموز أو عناوين للحاجات ، بكلمة أخرى فان البقرة التي يعبدها الهندوس ، أو الفيل الذي يقدسه بعض البوذيين ، ليس عالما مفهوميا مستقلا ، بل هو عنوان أو رمز لعالم مفهومي آخر ، يتضمن معادلة للحاجات التي تولدها البيئة ، والحلول التي يقترحها المجتمع لسد تلك الحاجات ، ربما تكون هذه الحلول فعالة دائما ، وربما تكون فعالة في بعض الأحيان فحسب ، لكن وجودها يعالج القلق الانساني تجاه العجز عن الاستجابة الصحيحة لتحديات البيئة والزامات الحياة .

لو سالت اليوم هندوسيا عن فائدة البقرة له ، أو خطرها عليه  بشكل خاص ، ولو سالت يابانيا عن فائدة الشمس أو خطرها عليه ، فلعله لا يجد جوابا مقنعا ، لكن المسألة ليست محصورة في العلاقة الفردية ، والبقرة أو الشمس ليسا عالما مستقلا ، فاذا جردتهما عما يرمزان اليه ، فلن تكون الشمس سوى قطعة ملتهبة تنشر الضوء والدفء ، وهذا ما يمكن الحصول عليه من النار ، أو من مصابيح الزيت على سبيل المثال . البقرة والفيل والشمس ، هي رموز لعالم آخر ، غير العالم المادي .

البقرة والفيل والشمس من حيث هي كيانات مادية مستقلة ، تقابل حاجات الانسان المادية المستقلة ،  أي حاجته للدفء والركوب والطعام ، لكن من حيث هي رموز لعالم خفي ، فهي تقابل حاجات الانسان غير المادية وغير المحددة ، من قبيل الشعور بالضعف والضآلة  في عالم هائل العظمة والقوة ، والشعور بالعجز عن مسايرة هذا العالم وحل المشكلات الفردية ، والخوف من انعكاسات هذا العجز على سيرورة الحياة الخاصة ، انه قلق الوجود الذي رافق الانسان منذ أقدم الازمنة ، ولا زال ملتصقا به وان تحولت مصادره وأشكاله وسبل التعبير عنه ، نحن اليوم نتكلم عن السحر والجن واستحضار الارواح والمخلوقات الفضائية ، وهي كلها تعبيرات عن ذلك العالم نفسه ، ومحاولات للتوصل إلى حلول من خلال رموزه الخاصة ، بعيدا عن الحدود الصعبة لعناصر الحياة المادية .

11/05/1999

كشف الأســـرار


يقول زميلي ان الصحف ترغب في نشر التحقيقات عن الظواهر الغريبة ، لأن هذا النوع من المواد يستقطب قراء كثيرين ، وقبل القراء يأتي المعلنون ، فالصحيفة تهتم بالقاريء لأنه طريق إلى المعلن ، وليس ، على اغلب الظن ، من أجل توسيع نطاق الثقافة أو تعميمها ، لكني لاحظت ان شبكات التلفزيون قد لحقت هذه الايام بالصحافة: تلفزيون عجمان مثلا بث ندوة مطولة حول الطب الروحاني (الاسبوع الاول من مايو 99) (ولا اريد استعمال الاسم المتداول الذي يعرفه الجميع (العلاج بالقرآن ) وقبله بثت قناة الجزيرة برنامجا ، مهدت له باعلانات مفصلة طيلة اسبوعين ، حول عالم الجن والعفاريت ، وقد فهمنا السر في الاهتمام بالبرنامجين ، من كثرة الاعلانات التي تخللت عرضهما ، رغم ان تقديرهما العلمي لا يرتفع عن الصفر ، حتى لو استعملت اقوى الرافعات 

.في ذينك البرنامجين وفي الكثير مما تنشره الصحافة تسمع سؤالا مكررا ، يستتبع جوابا لا يقل عنه سذاجة ..

-             سؤال : ما رأيك في الجن أو وجود الجن ؟

-           الجواب: الجن مذكور في القرآن .

-           سؤال : هل السحر حقيقي؟

-           الجواب : السحر مذكور في القرآن .

وواضح ان غرض الاشارة إلى القرآن هنا هو تسويق مجموع الفكرة ، الصحيح منه والخرافي .

ولأن الموضوع حقل الغام ، لا يأمن الكاتب من غضب من تخشى غضبته ، لو قال فيه بخلاف المقرر ، فسوف اتجاوز الحديث عن ذات الموضوع ورايي في قيمة الآراء التي يطرحها هواة هذه النوع من الاحاديث ، إلى مسألة أخرى بعيدة قليلا عن الموضوع وبعيدة أيضا عن حقول الالغام .

يهتم الناس عادة بالأمور التي لها تأثير خاص على حياتهم اليومية ، لكنهم يهتمون أيضا بالأمور الغامضة والغريبة ، لا لأنها ذات تأثير عليهم ، بل لنوع من الفضول وحب الاستطلاع ، يولد رغبة جامحة لكشف الاسرار ، بغض النظر عن فائدة هذا الكشف .

وتتبع وسائل الاعلام أساليب معروفة في تجارة الاستعراض ، غرضها استقطاب اهتمام المتلقي ، ومن بينها ابراز مظاهر الغموض ، بالتوازي مع وعد بمساعدة المتلقي على كشف السر .

 وإذا كانت اهتمامات العرب قد تركزت حتى الان على السحر والجن والعين والعلاج الروحاني ، فثمة في الغرب من وسع اهتمامه إلى ما هو أبعد ، وتنشط في بريطانيا والولايات المتحدة جمعيات للقادمين من الفضاء الخارجي ، يقول أعضاؤها انهم ينتمون إلى أقوام تسكن كواكب خارج مجموعتنا الشمسية ، أو انهم التقوا بمخلوقات فضائية جاءت في سفن فضاء أو صحون طائرة .

 وثمة جمعيات تعتني بالظواهر الغريبة التي يصعب تفسيرها ، ويبدو ان كثيرا من الناس هناك قد اقتنعوا بوجود عوالم تطل علينا ، دون ان نعرف عنها شيئا ، وينقل د. عبد المحسن صالح في كتابه (الانسان الحائر بين العلم والخرافة) الذي صدر ضمن سلسلة عالم المعرفة ، ان كاتبا اميركيا هو تشارلز بيرلتز باع من كتابه المسمى (مثلث برمودا) خمسة ملايين نسخة ، مما شجعه على إصدار كتاب مماثل بعد أقل من سنتين ، عنوانه (من دون أثر) ولا شك ان رقم الخمسة ملايين كبير بكل المقاييس ، رغم ان مادة الكتاب ليست سوى صياغات روائية ، فيها الكثير من الخيال وفن التشويق ، عن حوادث جرت فعلا وأمكن تفسيرها بالطرق العلمية المعروفة ، لكن الكاتب أضفى عليها كثيرا من الاثارة ، بادعاء انها بقيت دون تفسير ، أو انها تضمنت أو ترافقت مع ظواهر موازية من النوع الخارق أو المستحيل التفسير ، مثل حديثه عن سفينتين غرقتا في مثلث برمودا الشهير ولم يعثر لهما على أثر ، بينما تقول سجلات شركة التامين ان كلا السفينتين غرقتا في مكان يبعد مئات الاميال ، وان اسباب غرقهما معروفة تماما .

وعلى النسق ذاته اشتهر في البرازيل والفلبين وبعض الاقطار الاسلامية اطباء روحانيون، يدعون القدرة على شفاء البدن من الامراض بدء من قشرة الرأس وانتهاء بالسرطان ، ويدعي بعضهم القدرة على شفاء الام الروح ، بدء من الاكتئاب وانتهاء بانفصام الشخصية، أو ما يسميه البعض تلبس الجن .

ونستطيع ان نفهم السر في الاهتمام الشديد لدى الانسان بهذه الامور إذا كان مكتفيا ومرتاحا ، فالاكتفاء يولد شعورا بالفراغ الداخلي ، ورغبة في السيطرة ، ويولد الشعور بالفراغ رغبة في الانشغال بشيء جديد غير مألوف ، اما حب السيطرة فيولد حاجة إلى معاندة ما يبدو مستحيلا ، ومن بينها كشف الاسرار والغوامض ، سيما وان هذا النوع من الكشوف ، لا يستدعي بذل جهد ولا مصارعة عقبات .

لكني تساءلت دائما عن علة اندفاع الناس الذين تطحنهم دواليب الحياة بلا رحمة ، إلى بذل المال والجهد والوقت بحثا وراء الجن والعفاريت والسحر والفناجين والفال وما إلى ذلك ، ولاحظت ان هذه الامور اكثر انتشارا في الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، فهل لهذا دلالة خاصة ، هل هو تعبير عن اليأس من الحلول المادية والعقلانية؟.

ثم تساءلت عن السبب الذي يجعل لهذه الاشياء ظهورا متزايدا في اوقات معينة ، ثم غيابها عن واجهة الاحداث في أوقات أخرى ، فهل لها علاقة بظروف اقتصادية أو اجتماعية محددة؟ .

عكاظ 11مايو 99



05/05/1999

الجـن سيــد العالم

|| معظم الذين يتحدثون عن الجن يبدأون باعلان جهلهم بالموضوع ثم يتحولون للحديث عن تفاصيله ، كما لو كانوا محيطين به||

سألت معلمي يوما عن الجن ، أين يوجدون وكيف يعيشون ، فأجابني بسؤال معاكس : وهل هناك ما يمنع وجودهم ؟ فأعدت عليه السؤال : وهل هناك ما يوجب وجودهم ؟  الاصل في كل شيء العدم ، والوجود يحتاج إلى دليل على حدوثه .

قال لي : ان تعبير (الوجود) الذي نستعمله للدلالة على ما يقابل العدم ، ربما يعجز عن حمل مفهوم الوجود بكل معانيه ومضامينه ، فنحن نفسر العدم بما يعادل اللاشيء في المعنيين المادي والمجرد ، لكننا غالبا ما نطلق تعبير الوجود على الأشياء القابلة للتحديد ،  أي المشهودة ، أما الغائبة وغير المحددة ، فربما نظنها قابلة لأن توجد ، ولا نعتبرها موجودة بالفعل ، رغم انها موجودة كذات خاصة ، خارج إطار وعينا وحدود إدراكنا .

نتيجة بحث الصور عن الجن

قلت له : فهل تعتبر الجن من هذه الموجودات خارج إطار وعينا ؟ .

قال لي : ان القول بوجودها ربما يستدعي سؤالا عن طبيعة هذا الوجود ، فما دام الانسان قادرا على ادراك وجود شيء ، فلا بد ان يمتد الادراك إلى معرفة طبيعته ، هذه المعرفة توجد علاقة من نوع ما بينه وبين الانسان ، فاذا وجدت العلاقة ، كانت داعيا لإقامة نظام يحكمها .

علاقة الانسان مع الكون محددة ومضبوطة بنظام شرعه الخالق ، وفصله الانبياء والعلماء ، فهو عبد لخالق الكون ، سيد لبعض ما في الكون ، ومساو للبعض الآخر ، وبحسب ما وصل الينا وما توصلنا اليه من أحكام في علاقة الانسان بعناصر الكون ، فانه لا توجد أحكام خاصة بالعلاقة مع كائنات مما نتحدث عنه الآن مثل الجن .

قلت لمعلمي : فهل تريد الوصول إلى ان عدم تنظيم احكام العلاقة بهم دليل على عدم وجودهم ؟ .

قال لي : لا يستطيع العاقل الجزم بعدم وجودهم ، فقد سلف القول ان تعبير الوجود قد يعجز عن حمل الفكرة بتمامها ، ربما نستطيع الجزم بعدم ايجادهم ، لا عدم وجودهم ، حدود معرفتنا الحاضرة لا تتجاوز الكون المادي ، وما نعرفه عن الكون الآخر فوق المادي ، لا يتجاوز المعرفة النقلية ، نحن نعرفه لأننا قبلنا بما سمعناه ، لا لأننا أدركناه بالوسائل العقلية أو التجريبية ، لكن هذا يختلف عن مسألة الجن في ان طبيعته معروفة إلى حد ما ، والعلاقة معه مضبوطة ومحددة .

قلت لمعلمي : الحديث الدائر عن الجن في في مجتمعات العالم ، ومن بينها مجتمعات المسلمين ، ليس كلاما عن اكتشاف ما خارج الحدود المادية لكوننا ، بل عن تداخل للجن في حياة هذا الكوكب ، يتحدثون أحيانا عن سيدة ما عشقها جني وأجبرها على الزواج منه ، أو رجل تلبسه جني فأصبح عبدا له يتصرف كآلة مبرمجة ، أو بيت (مسكون) يشعر أهله بحياة أخرى تدور فيه غير حياتهم ، فهذه وأمثالها تعبيرات عن وجود ضمن عالمنا ، وجود متداخل مع وجودنا بل هو جزء منه ، ولهذا فان الناس يتساءلون عن طبيعة هذا الوجود ، ولأنهم لا  يعثرون على جواب ، فهم يسكتون عن التفصيل ، ويحيلون الأمر إلى من لا يمكن مطالبته بالتفصيل أو الدليل ، فيقولون مثلا ان (الجن مذكور في القرآن) وهو مذكور حقا .

قال معلمي : نحن لا نعلم إذا كان الجن المذكور في القرآن هو الجن الذي يتحدثون عنه الآن ، تعبير (الجن)  الذي نستعمله غير محدد المعنى ، وأطلق العرب التعبير على ما هو قوي وخفي ،  ولو سألت عنه لأخبروك بانه وصف لكائنات هائلة القوة غير مادية وغير قابلة للتحديد ، وهذا يساوي عدم المعرفة ، فالأوصاف المذكورة تصورية لا تطبيقية ، القرآن استعمل تعبيرات متداولة لتقريب المعاني ، دون ان تكون مقصودة بذاتها ، مثل تقريب وصف الجنة إلى ما يعادل البستان الوارف ، المليء بالفاكهة وأنهار الخمر والعسل ، رغم ان الجنة توصف في الاثر بما ( لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) .

هذا أولا ، أما الثاني فهو ان الحوادث التي تذكر عادة ، تأتي في سياق التقرير المسبق للوصف والاستنتاج ، بمعنى ان الناس الذين تقع لهم هذه الحوادث أو  يسمعون بها ، لا يضعون جميع الاحتمالات الممكنة ، وأحدها ان لا يكون الأمر متعلقا بالجن على الاطلاق ، بل يسارعون إلى اعلان عجزهم عن معرفة ما يرون أو يسمعون ، فيحيلون الامر إلى دائرة (القوى الخفية) التي يسمونها الجن ، لكنهم بعد هذه الاحالة يعودون إلى ادعاء العلم ،  فيقررون ان الاحتمال الوحيد هو تدخل الجن ، وطالما كان الامر كذلك فمن الممكن التعامل معه ، وهذا الانتقال السريع من النقيض  أي الجهل بالشيء ، إلى نقيضه  أي ادعاء العلم به ، هو أحد الآفات المعروفة في ثقافتنا ، وهي تظهر هنا وفي أماكن كثيرة أخرى .

 

عكاظ 5 مايو 1999

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...