||ادعو لبحث معمق لتحديد مايتوجب توفيره – في
ظروف الازمة - من مصادر محلية، سيما ما يؤثر مباشرة في حياة الناس بقطع النظر عن الحسابات
التجارية البسيطة||.
في
كل حادثة دروس وعبر ، تستحق ان يتوقف الناس عندها كي يعمقوا خبراتهم الحياتية. ان
جانبا عظيما من تقدم البشرية ، يرجع الى المشكلات التي واجهتها المجتمعات ، فطورت حلولا
لها وأساليب للتخفيف من آثارها ، وقواعد للوقاية من تكرارها. لو لم نواجه الأمراض ،
لما تطور علم الطب ، ولا تطورت المختبرات التي انتجت الأدوية والأمصال.
وباء
الكورونا المستجد الذي يجتاح العالم اليوم ، مثال على تلك الحوادث التي كشفت عن نقاط
قوة جديرة بالتقدير ، الى جانب نقاط ضعف جديرة
بالمعالجة. ثمة الكثير مما يستحق الذكر في هذا المجال. لكني أود التركيز
على نقطة محددة ، لفتت انتباهي بصورة خاصة ، لانها تكررت في اكثر من دولة خلال
تجربة الكورونا الاليمة .
لقد اظهر الوباء ان فكرة كون "العالم قرية" لم تعد
تعبيرا مجازيا عن سهولة التواصل وسرعته. تحول العالم في القرن الجديد الى شبكة
هائلة من الوحدات المتفاعلة ، التي نسميها مجتمعات او دول. هذه الوحدات ، مستقلة
عن بعضها من الناحية القانونية ، لكنها متصلة على المستوى الاقتصادي والمعرفي ، اتصالا
يجعل الحياة في كل منها ، مشروطة – الى حد ما – بانفتاحها وتواصلها مع الوحدات
الاخرى.
لاحظنا
ان تفاقم وباء الكورونا في الصين ، ادى الى اضعاف
التبادل التجاري والسياحة والنقل على امتداد الكرة الارضية. وتبعا لذلك انخفض
الطلب على البترول واسعاره ، وتهاوى العديد من البورصات في شرق الأرض وغربها. وقد
حدث هذا حتى قبل ان ينتقل الوباء الى دول أخرى ، فينشغل العالم بمكافحته ، من اجل
البقاء على قيد الحياة.
هذا
الامر طيب بطبيعة الحال ، لولا ان الوباء كشف عن عنصر نقيض ، اعني به شعور جميع
الدول بالحاجة الى العزلة ، وقيامها فعليا باغلاق حدودها الخارجية ، ثم قيام بعضها
باغلاق المدن المصابة. نعلم ان اغلاق الحدود الدولية وكذلك اغلاق المدن ، يتسبب في
اضعاف سلاسل
الامداد والتموين ، ويقلص الاستفادة المتبادلة من فائض الامكانات المتوفرة على
امتداد العالم. ولعل ابرز الامثلة على هذا هو اعلان العديد من دول العالم حظر تصدير المواد الطبية اللازمة
للتعامل مع الوباء ، خشية التأثير على المخزون الوطني.
ندعو
الله ان لا يبتلي العالم بجائحة مثل كورونا في المستقبل. لكن الوباء القائم اثبت
بالتجربة ان الاعتماد المتبادل مفيد وضروري ، شرط ان لا نغفل الاستثناءات. كل دولة
– ونحن بالتاكيد من بينها – بحاجة الى منظومة امداد محلية مستقلة مئة بالمئة ،
خاصة بالمواد الضرورية للحفاظ على حياة السكان. يرد في ذهني الان أمثلة محددة على هذا النوع من
المواد ، من بينها ادوات التعقيم ولوازم النظافة والوقاية الاولية. لكني ادعو لبحث
تخصصي ، يستهدف تحديد الحاجات الحرجة والضرورية ، التي لا يصح الاعتماد في توفيرها
على مصادر ، لا يمكن التنبؤ بحساباتها في الظروف الحرجة ، كالتي يمر بها العالم
هذه الايام. اظن ان من واجب كل دولة ان تسعى لتوفير هذه المصادر المحلية ، آخذة
بعين الاعتبار حياة الناس ، بغض النظر عن الحسابات التجارية البسيطة.
لا
يصح السماح بان تكون حياة ملايين المواطنين ، عرضة لتقلبات السوق او لسياسات
وحاجات دول اخرى. وهذا يتطلب بالتحديد ان يعمل كل بلد على تحديد الحاجات الحرجة ، والعمل
على توفيرها من مصادر محلية مئة بالمئة.
الشرق الاوسط الأربعاء
- 24 رجب 1441 هـ - 18 مارس 2020 مـ رقم العدد [15086]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق