سررت جدا لأن غالبية المجتمع السعودي تدعم الدعوة لإصدار قانون يحمي الوحدة الوطنية ويكافح العوامل التي تؤدي إلى إضعافها، لا سيما إثارة الحزازات المذهبية والعنصرية والقبلية والمتاجرة بالكراهية والنزاعات الاجتماعية.
مجتمعنا بحمد الله متفق على أن وحدته وسلامه الاجتماعي ليسا موضوعا
للمساومات السياسية أو الخلاف، وأن هذا يجب أن يكون موضوعا لنظام قانوني يضمن حرية
التعبير، لكنه – في الوقت نفسه – يحدد المسؤولية القانونية عن أي انحراف أو إفراط
في ممارسة الحرية. أعلم أن بعض الناس قلق من تحول قانون كهذا إلى مبرر لتحجيم هامش
الحرية المتاح، أو شكهم في قدرة المجتمع والنظام القضائي على التعامل مع مفاهيم
حديثة مثل الحقوق الشخصية والمدنية.
أتفهم هذا القلق، لكني أيضا أشعر بالدهشة حين أسمع من يدعو للمدنية ويخشى
القانون في الوقت ذاته. لا توجد مدنية من دون قانون، ولا يوجد سلم اجتماعي من دون
قانون. كتب جان جاك روسو، المفكر المعروف، فيما يشبه السخرية "يوم اختار
الإنسان المجتمع المدني فقد سار بمحض إرادته إلى سجن القانون"، لكن روسو يؤكد
أيضا أن الحرية خارج المجتمع المدني ليست حقيقية لأنها غير مصونة ولا مضمونة. أما
في المجتمع المدني فإن الحقوق التي يقرها لك القانون تقيم التزاما على المجتمع كله
بصيانتها وتمكينك منها.
قد لا يكون القانون عادلا، لكنه بالتأكيد خير من اللاقانون. قد يكون تطبيق
القانون سيئا، لكنه بالتأكيد خير من انعدامه. قد يتخذ بعض الأقوياء من القانون
مطية لأغراضهم فيقمعون هذا أو ذاك تحت اسمه. لكن هذا ليس وضعا أبديا. حين لا يكون
القانون حاكما فسيكون الحكم لنزوات الأشخاص وأهوائهم. فهل يريد عاقل أن تسير حياته
وفق هوى شخص آخر؟. حين يوجد القانون سيرتقي وعي الناس بحقوقهم وحدودهم، وسيعملون
على إصلاح التطبيقات الخاطئة. يتغير الأشخاص وتتغير مناصبهم وسلطاتهم، لكن القانون
يترسخ وتقوم على أرضيته تقاليد سياسية وأعراف جديدة تحمي المسار التصاعدي للمجتمع والنظام
السياسي. لم يحصل في أي تجربة سياسية معاصرة، أن تسبب القانون في تعطيل التطور
السياسي. بل على العكس، نعرف من تجارب عديدة أن القوانين الناقصة وغير العادلة،
شكلت أساسا ودافعا للتصحيح وظهور قوانين أرقى وأكثر عدالة.
الذين يخشون مما يسمونه "مكارثية جديدة" يعلمون أن المكارثية
القديمة تلاشت سريعا وتحولت إلى عار على صاحبها، لا لسبب سوى رسوخ القانون، وإصرار
المجتمع على تطبيقه، ثم تصحيحه وتطويره.
يجب علينا جميعا أن نطالب بالقانون أولا، ثم سيادة القانون وعدالة القانون،
هذا هو الطريق الوحيد لقيام حياة مدنية سليمة، وهذا هو الطريق الوحيد لوقف
المتاجرين بمشاعرنا وعواطفنا وخلافاتنا، لا سيما بعدما رأينا بأعيننا العواقب
الدامية لهذه التجارة المريعة.
الاقتصادية 18-11-2014
http://www.aleqt.com/2014/11/18/article_907011.html