‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الله بن بخيت. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عبد الله بن بخيت. إظهار كافة الرسائل

31/08/2022

جدل الهوية الفردية وتأزماتها

لاحظت في هذه الأيام انبعاثا مستجدا للنقاش حول الهوية. وقد وصلتني أسئلة من أصدقاء ، أثار اهتمامهم ما كتبه الروائي المعروف عبد الله بن بخيت ، حول الفردانية والاستقلال والهوية الفردية ، وقابليتها للتمييز عن الهويات الأخرى ذات البعد الجمعي.

عبد الله بن بخيت
وقد لقي مقال الأستاذ بخيت المنشور بجريدة "عكاظ" يوم الاحد الماضي ، اهتماما استثنائيا بين القراء ، واحسب انه طرق بشدة على وتر حساس ، في نقاشات يريد الخليجيون ، ان يجدوا لها نهاية مريحة. لكن غالبيتهم يواجهون خيارات صعبة ، نظرا لارتباط المسألة بما يعتبر تحولا في مفهوم التدين او حدوده. ليس سرا ان هذا الجانب هو الجزء الأكثر إثارة ، في جدل الهوية في مجتمعات الشرق الأوسط. ان محرك هذا الجدل ، هو ميل قطاع معتبر من الجيل الجديد ، لتعريف انفسهم كأفراد مستقلين ، يختارون شروط تدينهم ومقدار تأثيره على حياتهم اليومية.

هذه الرغبة تبدو بسيطة واعتيادية في أيامنا هذه ، ولا سيما بالنسبة للطبقة الوسطى التي تلقت تعليما حديثا. لكنها مع ذلك تثير قلقا كبيرا ، وربما أثارت نزاعات عائلية واجتماعية. السبب معروف لدى معظم الناس ، وخلاصته ان المنطقة شهدت طيلة العقود الخمسة الماضية ، تشديدا على أولوية الهوية الدينية ، وكونها مزاحمة للهويات الموازية ، الفردية والجمعية. وقد تعمق هذا الاتجاه في السنوات الأخيرة من القرن الماضي ، واستخدمت فيه الموارد العامة ، فتحول الى نوع من القسر الثقافي والاجتماعي ، الذي لا يترك مجالا لأي تعبيرات موازية او بديلة.

وفي هذا السياق ، بات كل مواطن مطالبا بأن يحدد موقفه الثقافي/الديني وموقعه الاجتماعي ، مع التيار الديني القوي النفوذ او ضده. والضد يشمل بطبيعة الحال اتباع الأديان الاخرى ، والمنتمين لتيارات ثقافية او اجتماعية صنفت معادية ، مثل انصار الحداثة في الادب والحركة النسوية ، فضلا عن اتباع المذاهب الإسلامية التي صنفت كمبتدعة.

مسألة حقوق النساء هي المثال الأكثر بروزا في الصراع حول الهوية الفردية. فخلال الفترة المذكورة أعلاه ، جرى تحديد اطار ضيق نسبيا لحياة النساء ، يتضمن اعتبارهن مواطنات من الدرجة الثانية ، وإقناع المجتمع كله بان المشاركة الاقتصادية والاجتماعية للمرأة ، تعني انخراطها في مؤامرة عالمية يتزعمها مركز الأبحاث الأمريكي "راند" ، وهدفها القضاء على دين الله.

فيما يخص التمايز الاجتماعي ، يقول بن بخيت انه عايش كثيرا من زملاء العمل الشيعة ، لكنه نادرا ما تنبه للفارق المذهبي. أما في الفترة المشار اليها أعلاه (والتي يطلق عليها اجمالا اسم الصحوة) فقد بدأ يتحسس ويتعرف على نقاط الفرق ، في الكلام العابر وفي الأسماء والملابس والاهتمامات ، بدأ يشعر انه واياهم لا يشكلون مجتمعا واحدا ، كما تخيل في الماضي. يرجع السبب الى كثافة التوجيه الديني ، الذي يؤكد على الفوارق والحدود ويحذر من التماهي والاندماج.

خلال السنوات الأخيرة ، باتت الدعوة لانهاء تلك الحقبة وما جاء في سياقها ، فكرة ثابتة في أعمال المثقفين والكتاب الخليجيين. كما ان تسارع التحول الى الحداثة في السنوات الأخيرة ، وعودة نحو ربع مليون مبتعث للجامعات الأجنبية ، ساهم في تعميق هذا الاتجاه.

لكنه – كأي تحول اجتماعي – يلقى مقاومة من جانب شريحة مستفيدة من الحال السابق ، وأخرى قلقة من ان يؤدي هذا التحول ، الى الاضرار بالصبغة المحافظة للمجتمع.

يبدو لي ان الانتقال الى الحداثة غدا قدرا لا مفر منه ، وان التحول الاجتماعي يتسع ويتعمق يوما بعد يوم. لكن – كما اسلفت – سيكون ثمة كبوات واثمان ، وهذي من طبائع الأمور.

الشرق الأوسط الأربعاء - 4 صفر 1444 هـ - 31 أغسطس 2022 مـ رقم العدد [15982]

https://aawsat.com/node/3846461

 مقالات ذات علاقة 

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

الخروج من قفص التاريخ

سجناء التاريخ

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الدين والهوية ، خيار التواصل والافتراق

اشكالية الهوية والتضاد الداخلي

الاقليات والهوية : كيف تتحول عوامل التنوع الى خطوط انقسام في المجتمع الوطني

تأملات في حدود الفردانية

تكون الهوية الفردية

حول الانقسام الاجتماعي

الخيار الحرج بين الهوية والتقدم

عن الهوية والمجتمع

كيف تولد الجماعة

من القطيعة الى العيش المشترك

الهوية المتأزمة

18/07/2018

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي


الروائي المعروف عبد الله بن بخيت خصص مقاله هذا الاسبوع لنقد ما اعتبره افراطا في الاهتمام بالعلوم الطبيعية والتجريبية ، واغفالا للعلوم الانسانية. ويقول ان الحضارة الاوربية لم تبدأ بدراسة العلوم الطبيعية  "إنما قامت على التفكير العلمي والوعي والفكر... قامت على الرجال الذين ألفوا في التاريخ والفلسفة والعلوم الاجتماعية وفرضوا التنوير". ويستنتج ان تركيزنا الحالي على العلوم البحتة ، سيعين الشباب على ضمان وظائفهم ، لكنه لن يقودنا للتقدم (جريدة الرياض 16 يوليو).
عبد الله بن بخيت

الوضع الذي انتقده بن بخيت هو السائد في المشهد الاجتماعي. فالاتجاه العام بين الناس وفي الادارة الرسمية يربط التعليم بالوظيفة وليس بانتاج العلم او نشره. وفي العام الماضي ابتكر وزير التعليم برنامجا اسماه "بعثتك-وظيفتك" يربط بين التخصص الدراسي ومتطلبات الوظيفة المنتظر ان يشغلها الطالب بعد التخرج.
هذا يحملني على الظن بان دعوة بن بخيت لن تجد مستمعا. ليس فقط لأن دراسة العلوم الانسانية “ماتوكل عيش” كما يقول اشقاؤنا المصريون ، بل لأنها أيضا لا تؤدي – وفق فرضيته - الى النهضة ، ولا تسهم في ترسيخ الفكر العلمي.
شيوع الاهتمام بالتخصص في العلوم البحتة لا يؤدي - في اعتقادي – الى انتشار العلم او انتاجه ، فضلا عن النهوض الحضاري. كما ان التركيز على العلوم الانسانية لا يؤدي الى هذه النتيجة ، ولا الى انتشار الادب والعلوم الاجتماعية والنظرية. ولدينا تجربة متكررة على مدى زمني طويل ، تؤكد هذا الادعاء. لقد مضى على بداية التعليم الجامعي نحو 60 عاما ، تخرج خلالها عشرات الالاف من الطلبة في تخصصات علمية وانسانية وشرعية. كما تخرج من الجامعات الاجنبية خلال الفترة نفسها ، ما يزيد - وفق تقديرات منشورة - عن نصف مليون طالب. وطبقا لبيانات نشرتها مصلحة الاحصاءات العامة في نوفمبر 2016 ، فان عدد السعوديين الذين يحملون شهادات جامعية قد بلغ 2.8 مليون ، بينهم 44,792 يحملون شهادة الدكتوراه.
تخيل ان كل حامل دكتوراه قد نشر بحثا واحدا في السنة. تخيل ايضا ان حملة البكالوريوس الذين يزيد عددهم عن المليونين ، هم قراء هذه الابحاث. لو حدث هذا في الواقع لكان لدينا اليوم ما يصح وصفه بحياة علمية نشطة ، اي انتاج متزايد للعلم ونقاشات علمية واسعة وانتشار افقي وعمودي لمختلف العلوم.
لكننا نعلم ان هذا لم يحصل ابدا. فلماذا؟.
لقد كتب بعض الزملاء في اوقات سابقة عن ندرة مراكز البحث العلمي ، وندرة المجلات العلمية المتخصصة ، رغم وضوح الحاجة اليها والرغبة فيها.
السبب الاجمالي في اعتقادي هو ضعف الرغبة في التغيير ، بين النخبة وشريحة معتبرة من ابناء الطبقة الوسطى الذين تفترض الدراسات الاجتماعية انهم – في العادة – خزان التغيير. الرغبة في التغيير هي اول عوامل النهوض العلمي والثقافي. وهي ليست برنامجا او خطة عمل او قانون ، بل هي اقرب الى شعور عميق عند نسبة معتبرة من المواطنين فحواه التشكك في القيم السائدة والسلوكيات وانماط المعيشة والانشغالات العامة. يتأسس بناء عليه تطلع نحو واقع مختلف ، وايمان بالقدرة على بناء الواقع الجديد. نقطة الانطلاق هي الايمان بالذات ، اي باننا نستطيع ان نصنع اقدارنا ، ثم من الجرأة على نقد الماضي والتحرر من قيوده الثقافية.
روحيةالنهضة لا تتوقف على تخصص محدد ، بل على اقتناع القادرين على توجيه الجمهور بان هذا الجمهور واياهم يستطيع ان يغير التاريخ ، ثم تحديد معنى التغيير الذي نريده واتجاهاته.
الشرق الاوسط الأربعاء - 5 ذو القعدة 1439 هـ - 18 يوليو 2018 مـ رقم العدد [14477]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...