كان اعضاء الجمعية الوطنية لحقوق الانسان اكثر المتفائلين يوم عين رئيس الجمعية د. عبد الله العبيد وزيرا
للتربية في فبراير 2005 . منذ بدايات هذه الجمعية اكتشف الاعضاء انهم يواجهون
مشكلة حقيقية في عملهم تتلخص في غياب مفاهيم حقوق الانسان عن الثقافة المحلية ،
الامر الذي جعل خطابهم غريبا او مستغربا. فكروا في معالجة هذا النقص عبر النشاط
الاعلامي والتثقيفي المباشر . لكنهم ادركوا منذ البداية ان تنسيج هذه المفاهيم في
الثقافة العامة ينبغي ان يبدأ في المراحل العمرية المبكرة ، اي مرحلة التعليم قبل
الجامعي التي تتشكل خلالها شخصية المواطن وذهنيته . ولهذا تفاءلوا بتعيين رئيسهم
وزيرا للتربية.
د. عبد الله العبيد |
اليوم وبعد مضي اربع سنوات ،
يتساءل المهتمون بحقوق الانسان عن ما تحقق في هذا السبيل . في نهاية العام الماضي
اصدرت الوزارة وثيقة حقوق المعلم ، وتبعها في بداية العام "وثيقة حقوق الطالب
ومسؤولياته" . ونفترض ان وثيقة الحقوق هذه موجهة للطلاب والمعلمين وادارات
المدارس معا . لكني اظن ان هذه الوثيقة لا تزال تدور في مكاتب البيروقراطيين او
انها قد نامت فعلا في ادارجهم . كولي امر لاربعة طلاب يدرسون في مراحل مختلفة لم
اتلق اي اشعار من مدارسهم يفيد بتلقيها لهذه الوثيقة وما اذا كانت قد وضعت بالفعل
برنامج عمل لتطبيقها . كما انها لم تبلغ الطلاب بوجود مثل هذه الوثيقة او حقوقهم
المقررة فيها. بعض المدارس الخاصة بادرت بوضع وثيقتها الخاصة بحقوق الطالب قبل ذلك
التاريخ ، ويجدر القول ان الذي اطلعت عليه منها لا يصل – من حيث المفاهيم ومن حيث
الاجراءات العملية - الى المستوى اللائق بهذا العصر والتحديات والحاجات القائمة
فيه. لكنها على الاقل مبادرة تستحق التقدير. اما المدارس العامة وكثير من المدارس
الخاصة فالواضح انها لا تزال غائبة عن هذا الامر تماما.
يجدر بالوزارة ان تبادر الى
تحديد برنامج عمل لتحويل تلك الوثيقة من ورقة يتداولها البيروقراطيون الى واقع حي
يعرفه ويطبقه المعنيون به ، اي الطلاب . نحن بحاجة الى تكريس وقت مناسب للحديث عن
هذه الوثيقة لكافة الطلاب ، ولا سيما للحديث عن حقوقهم على مدرسيهم وابائهم
ومدارسهم ووطنهم . لقد اعتدنا الحديث عن "واجبات" الطالب وابدعنا في
اختراع الكلام والبلاغة في بيانها ، لكن الحديث عن "الحقوق" يحتاج الى طريقة
مختلفة وروحية مختلفة.
تلك مهمة تعالج اشكالا محددا
هو العلاقة بين الطالب والمدرسة . لكن تنسيج مفاهيم حقوق الانسان في الثقافة
العامة يحتاج الى طريقة اخرى ومنهج مختلف.
هذه العملية لا تبدأ بالكلام عن اهمية حقوق الانسان بل بتمهيد الارضية الفلسفية
والاخلاقية التي تقوم عليها . مثلما ندرس في الابتدائية جدول الضرب باعتباره ارضية
لفهم الرياضيات ، فاننا بحاجة للبحث عن شيء مماثل في ثقافة حقوق الانسان ، شيء
يسهل فهمه واستيعابه ويمثل في الوقت نفسه اساسا مكينا لبناء هذه الثقافة فوقه.
اقترح التركيز على
"قيمة التسامح" كموضوع محوري يجري التركيز عليه في المرحلة الحالية .
يمثل "التسامح" ارضية اخلاقية وفلسفية لشريحة واسعة من مباديء حقوق
الانسان ، وهو قيمة كونية ، تتفق عليها جميع الاديان بما فيها الدين الاسلامي ،
فضلا عن وثائق حقوق الانسان الدولية والاقليمية. وبالنسبة لبلادنا فانها تمثل حلا
لمشكلة يشعر بها الجميع ، الا وهي المشكلة التي يطلق عليها احيانا التشدد او الغلو
او التطرف الخ.
تنسيج قيمة التسامح في الثقافة العامة لا يبدأ بالحديث عن اهميته
بل بمعالجة السبب الذي غيبه عن الثقافة ، واعني به التجاهل او الاغفال . ونذكر جميعا
المثل العربي "المرء عدو ما جهل" . يبدأ التسامح بالتعرف على الاخرين
المختلفين ، وكلما تعرف الانسان على احد اصبح اكثر قدرة على تفهم خصوصياته وتقبلها
او اللين في التعامل معها . وبالعكس من ذلك فان الجهل بالغير يولد خوفا منه او
ريبة فيه .
يمكن لقيمة التسامح ان تكون
مضمونا منتشرا في الكثير من المناهج الدراسية من التاريخ الى الجغرافيا الى
التربية الوطنية الى الثقافة الاسلامية . ولهذا حديث اخر نعود اليه في الاسبوع
الاتي.
عكاظ 15 ديسمبر 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق