‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب البعث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات حزب البعث. إظهار كافة الرسائل

04/01/2017

في علاقة التعليم بالتوتر الاجتماعي


بداية العام الجديد تدعونا للتوقف قليلا لتقييم ما شهدناه في العام المنصرم. لارغبة في ادانة أحد ، بل محاولة لفهم أسباب الفوضى الضاربة في المجتمعات العربية. وسوف أخصص هذه المساحة لبيان الحاجة الى مراجعة الفلسفة العامة للتعليم ، سيما ذلك الذي يتكفل بتشكيل ذهنية الطالب وهويته ، اي مناهج العلوم الانسانية.
لا ينتقل الناس من حال الوئام الى الشقاق والتنازع ، لأن سحرا قد مسهم فغير طبائعهم وقلب اخلاقياتهم.  لا تنعدم الثقة بين الناس ، ولا تنبت العداوة في نفوسهم بين ليلة وضحاها. انما تتفتح بذورها وتمتد جذورها على مدى زمني طويل ، يدركه المتأمل البعيد النظر ، الذي يرى نهاية المسار فور ان يضع الناس أقدامهم على أوله. 
 لطالما أثار اعجابي المستوى الرفيع للمناهج الدراسية في العراق وسوريا. لكن هذين البلدين بالتحديد ، ابتليا في السنوات الماضية بصراع أهلي جسد الكراهية والتوحش على نحو نادر المثال. بطبيعة الحال ليس ثمة رابط بين جودة المناهج وتفاقم الكراهية. انما العيب في المنهج الموازي الذي يربط الوطنية بالعدوان ، ويقرن التفوق بالغلبة وهزيمة الاخر المختلف ، ويصور التنافس الطبيعي على مصالح الدنيا ، كحرب وجود بين أمتنا والأمم الأخرى.
مثل كل الاحزاب الشمولية ، سعى حزب البعث الذي هيمن على السلطة في البلدين الى اعادة كتابة التاريخ ، من خلال تصوير الصراعات التي مرت على المنطقة ، طوال القرون العشرة الماضية ، كمحاولات أجنبية للقضاء على الأمة العربية. الهزائم صورت كمؤامرات ، والانتصارات صورت كبراهين على تمايز الدم العربي عن غيره. وجرى تصوير العربي باعتباره شجاعا وصادقا وصاحب حق لا جدل فيه ، والاجنبي طامعا وجبانا ومحتالا. وجرى تصوير الدين باعتباره منتجا قوميا ، يؤكد تمايز العرب وكونهم شهودا على البشر كافة.
التضخيم المبالغ فيه للهوية القومية ، استلزم التضحية بثلاث هويات ، اولاها الهوية الدينية العامة التي تشكل رابطا بين الفرد وسائر الناس وقناة لتفريغ الاحتقانات وتسكين الجراح. والثانية الهوية الوطنية التي تجمع العربي الى مواطنيه غير العرب. واخيرا الهوية الفردية التي تشير لاستقلال الانسان وتمايزه ، وكونه متحكما في مصيره الخاص.
تتماثل الايديولوجيات السياسية الشمولية ، في انها جميعا تسعى لصياغة هوية المواطن ، على نحو يحوله من شخص طبيعي الى جندي ، في خدمة الاهداف الكبرى لتلك الايديولوجيا والنظام السياسي الذي تقيمه أو تدعو اليه. ولهذا السبب فهي تعمل على تغييب العاطفة ، وتحتقر المصالح الشخصية ، وتركز على مثال الانسان الذائب في الجماعة ، الانسان الذي ينسى مراداته الخاصة وحقوقه الفردية ، وبالطبع حقوق الاخرين الفردية أيضا.
لقد رأينا الان عواقب هذه التربية. وجدير بنا ان نعيد توجيه التعليم العام على نحو يسمح لشبابنا بتشكيل شخصياتهم وفق ثقافة سياسية تفاعلية ، يدرك صاحبها قيمة ذاته واستقلالها ، كما يدرك في الوقت نفسه قيمة القانون والنظام الاجتماعي الذي يعيش فيه. ثقافة تدفع الفرد لاصلاح حياته والاسهام في اصلاح بيئته عبر القانون ، وبالتعاون مع مواطنيه ، وليس بالخروج على النظام العام وقسر الاخرين على اتباع مراداته.
لايوجد كتاب عنوانه "كيف تتمرد على النظام الاجتماعي". لكن مضمون كتاب كهذا ، قد يكون موزعا في العديد من الكتب والمناهج والممارسات التعليمية ، فضلا عن التربية الاجتماعية. وهو يسهم في تشكيل شخصية انفعالية ، تميل الى الاتباع لا الابداع. شخصية جاهزة دائما للولاء وتحويل الولاء بحسب الانفعالات والميول الظرفية.  
الشرق الاوسط 4 يناير 2017

http://aawsat.com/node/822051

06/11/2004

الخروج من عصر المماليك

|| رغم اصوات القنابل التي تصم الآذان واخبار القتل اليومي ، بعض اخبار العراق تبعث الامل بانه يسعى لحلول طويلة الامد لمشكلاته المزمنة||


منذ قيام الدولة العراقية بعيد الحرب العالمية الاولى ، ابتلي هذا البلد بمشكلة التمرد المتكرر على السلطة المركزية . جوهر المشكلة يكمن في شعور بعض شرائح المجتمع العراقي بالغبن ازاء تمثيلها في السلطة الوطنية وما يترتب عليه بالضرورة من حرمان من التمتع بسهم منصف من ثروة البلد وحرمان من الفرص التي يفترض ان تتاح للجميع . في نهاية المطاف فان هذا المسار يؤدي الى قيام سلطة اقلية تقهر الاكثرية او سلطة اكثرية تقهر الاقليات.
دخول المجتمع المدني كلاعب مؤثر في الحياة السياسية هو الضمان الاقوى لمستقبل البلد
مشكلة النظام السياسي في بلد كالعراق انه ولد ناقصا مثل الاطفال الذين يولدون قبل الاوان ثم لا تتاح لهم الظروف المناسبة لتعويض ما فاتهم من نمو طبيعي . مسار النمو السياسي لاي نظام جديد يتكون من اربع مراحل : الاولى هي بناء الدولة وجوهرها قيام منظومة عليا تحتكر القرار والقوة. المرحلة الثانية هي بناء الامة وجوهرها توليد اجماع وطني بين مختلف شرائح المجتمع على المفاهيم الاساسية للنظام السياسي : اهدافه ، مصادر شرعيته ، وطرق حل الخلافات بصورة سلمية . المرحلة الثالثة : اشتراك جميع الشرائح الوطنية في صناعة السياسة. اما المرحلة الرابعة فجوهرها هو التوزيع العادل للمكاسب المادية والسياسية المتوفرة على كافة الشرائح .
اعتبر النظام السياسي في معظم الدول النامية ناقص النمو لانه توقف في كثير من الحالات عند اقامة السلطة القاهرة. وخلال الستينات الميلادية ساد اعتقاد بين نخب العالم الثالث بانها قادرة بمفردها على اعادة تصنيع مجتمعاتها . وفي العراق مثلا ، كان يقال ان (العراقي الجيد هو البعثي الجيد) . ومعناه ان من لم يكن بعثيا فان انتماءه الى العراق موضع شك. المشكلة في هذا المفهوم ان الانتماء لحزب البعث يتطلب بالضرورة تحولا ايديولوجيا قد لايطيقه معظم الناس.
نعرف اليوم ان الدولة ليست مسؤولة عن صناعة هوية المجتمع ، بل ولا يجوز لها ان تفرض على المجتمع هوية غير خياره الطبيعي . مسؤولية الدولة هي تمثيل هوية المجتمع العليا ، اي مجموع الهويات الصغرى القابلة للانضمام في اطار جامع يمثله مفهوم الوطن . ان اهمال هذا المفهوم قد ادى فعليا الى تكوين نخب سياسية منفصلة عن مجتمعاتها ، بل – في بعض الاحيان – معادية لمجتمعاتها. هذا التطور دعا المؤرخ الامريكي المعروف ريتشارد بوليت الى وصف هذه النخب بالمماليك الجدد ، مقارنة بمماليك القرن الثامن الهجري الذين اعتمدوا بصورة كلية على القوة العسكرية للحفاظ على سلطانهم .

 النخبة الحاكمة الجديدة في العراق ، يعيبها انها وصلت الى السلطة بدعم مباشر من قوة اجنبية . لكن ربما يشفع لها محاولتها الجادة – كما يظهر حتى الان – في وضع علاج طويل الامد لمشكلات هذا البلد . فهي تتجه الى المرحلة الثانية من بناء النظام السياسي التي ادى اهمالها طوال العقود الماضية الى تمزيق النسيج الوطني. الخطوة الاساسية التي نأمل ان ينجح فيها العراقيون هي توسيع النخبة الحاكمة كي تتمثل فيها كل الشرائح الاجتماعية ، الكبيرة منها والصغيرة . ثم اتفاق هذه النخبة على القواعد الكبرى للنظام السياسي الجديد ، ولا سيما ضمان تمثيل دائم ومنصف للجميع في الحياة السياسية ، واعتبار صناديق الانتخاب هي المرجع لحل الخلافات بين اهل السلطة.
الخطوة التي تثير الامل – رغم انها لم تحظ باهتمام يذكر من جانب وسائل الاعلام ، هي اتفاق النخبة على اقامة الانتخابات البرلمانية المقررة في موعدها المحدد في اول يناير القادم ، والدخول فيها بقائمة موحدة تمثل مختلف الاطياف السياسية العراقية . سيؤدي هذا على الاغلب الى معالجة قلق الضعفاء وتحجيم الرغبة في الاستفراد عند الاقوياء . في ظل اتفاق من هذا النوع سوف تتمكن الشرائح الضعيفة من ضمان موقع مناسب في النظام السياسي ، وسوف يجد الاقوياء – في الوقت نفسه – ان الطريق الاسهل للحصول على المكان المناسب هو الاتفاق مع الاخرين .

نوفمبر 2004

الانتقال الى الحداثة

بعد جدالات الاسبوعين الماضيين ، قد يسألني القاريء العزيز: لنفترض اننا اردنا التحرر من أسر التقاليد المعيقة للتقدم والتكيف مع روح العصر ومتط...