‏إظهار الرسائل ذات التسميات الغرب. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الغرب. إظهار كافة الرسائل

29/03/2017

اليوم التالي لزوال الغرب

في أيامنا هذه ، نادرا ما تخلو خطبة جمعة من التنديد بالغرب ، والدعاء عليه بالفناء والزوال والخسف وتشتيت الشمل. وتستعمل عادة أوصاف تشير اليه بالتحديد ، مثل اليهود والنصارى والصليبيين.. الخ. قد تكون هذه الدعوات كليشيهات محفوظة ، يكررها القائل دون انتباه لمعانيها النهائية. لكن تكرارها على مدى السنين حولها الى مسلمة راسخة ، لا تستدعي مراجعة ولا تثير نقاشا. وبالنظر للسياق الذي تقال فيه ، فهي تلبس لبوسا دينيا يحميها من المقارنة العلمية بالوقائع والارقام.
دعنا نفترض ان الله استجاب دعاء الداعين ، فخسف الارض بالغرب كله ، فمات أهله وزال من الوجود. فهل سيكون العالم في اليوم التالي لهذا الخسف افضل مما كان في اليوم الذي سبقه؟. هل ستكون البشرية ، المسلمون وغيرهم ، في حال أفضل مما مضى؟.
استطيع الزعم بان هذا لو حدث ، فان مستوى الحياة في العالم سيتراجع لما يشبه الحال بعيد الحرب العالمية الأولى. ليس فقط لأن الغرب هو الذي يقود تطور العالم ، بل لأنه ايضا يشكل سوقا لكل ما ينتجه العالم. اذا زال الغرب غدا فلن تجد دول آسيا الصناعية زبونا لمنتجاتها. وحينئذ سوف تتوقف عن شراء البترول الذي يشغل مصانعها. وحينها لن يستطيع الخليج مثلا توفير الوظائف لملايين العاملين القادمين من الدول الأخرى ، ولن تجد هذه الدول ثمن الغذاء والدواء الذي تحتاجه .. وهكذا.
نعلم جميعا ان حياة البشر أمست متشابكة ، بحيث بات مستحيلا على أي إقليم ان ينجو من تبعات الكوارث التي تحدث في الأقاليم الأخرى. وقد رأينا أمثلة بسيطة في الازمة المالية عام 2007 وفي الانخفاض الراهن في اسعار البترول ، فضلا عن الكساد العظيم في 1929 أو سنة البطاقة في الخليج عام 1943. وهي جميعا إنعكاسات لأزمات في الغرب.
واضح لكل متأمل في نهايات الاسئلة ، أن زوال الغرب ، مثل زوال الصين او اليابان او الهند مثلا ، لن يحل مشكلاتنا بل سيحول حياة العالم  كله الى مأساة.
واضح أيضا ان الرغبة في فناء الغرب وليد لرؤية هروبية ، تخشى مساءلة الذات عن أسباب تخلفها ، فتعوضها بمفاصلة وجودية فحواها ان العالم لا يتسع للجميع ، فاما بقاؤنا وفناؤهم او العكس. لا تستند هذه الرؤية الى اساس ديني او قيمي ، بل هي تفريع عن تضخم مفرط لهوية مأزومة.
لو نظرنا للبشر جميعا ، كشركاء حياة ومصير. ولو تأملنا في قوله تعالى "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" فلربما اعدنا النظر في معنى ان نكون مسلمين او متقين او عبادا لله. ولربما تحررنا من الضغط الذهني والروحي الشديد لثنائيات مثل مسلم/كافر ، التي تعني في الحقيقة نحن/هم. ولربما نظرنا للبشر جميعا كاخوة ، تتعدد مشاربهم فيختصمون مرة ويتفقون أخرى. لكنهم يبقون أخوة في الخلق ، عبادا لله ، وشركاء في بيت واحد ، ينتهون الى مصير واحد.
هذا يعني ببساطة ان نفهم ديننا ، لا كامتياز خاص لمن يسمون مسلمين. بل كرسالة للبشر جميعا ، يشارك  كل منهم بنصيب فيها ، ظاهر او خفي. من الزاوية المصلحية أيضا ، لا ينبغي ان نرغب في زوال أي أمة أو حضارة. لان اليوم التالي له سيكون كارثة علينا أيضا.
الشرق الاوسط 29 مارس 2017

17/10/1994

حول المضمون القومي للصحوة الدينية



يقول المفكر الهندي المعروف وحيد الدين خان ان الصحوة الدينية المعاصرة ، هي في عمقها صحوة قومية ، وهي اتت كرد فعل على الاضرار التي لحقت بالاقطار الاسلامية ، من جراء العلاقة غير المتوازنة بينها وبين الدول القوية في العالم ، منذ بداية الحقبة الاستعمارية .


 وحسب مارأى وحيد ـ وهو مفكر بارز في حقل الاسلاميات ـ فان الحركات التي ظهرت في العالم العربي ، انما هي رد فعل المجتمع على الاحتلال اليهودي لفلسطين ، كما ان الحركات التي قامت في شبه القارة الهندية ، تكونت كنتيجة لتبلور الشعور بعدم الامان ، في ظل النظام الاجتماعي الذي يفرض سيطرة الاكثرية الهندوسية ، على ازمة الامور في البلاد .

ويعتبر وحيد الدين خان ، واحدا من اكثر المفكرين الاسلاميين اثارة للجدل ، بافكاره الجريئة والفريدة  ، ولاسيما الافكار التي عرضها خلال السنوات العشر الاخيرة ، ولذلك فان قليلا من الناس ، لاسيما بين النشطين في العمل الاسلامي سيوافق على هذه الفكرة الاخيرة ، مع انها كأي فكرة اخرى جديدة تستحق العناية والنقاش .


الشريعة والحركة
ويبدو لي ان الاساس الذي ينطلق منه وحيد ، هو التمييز بين الاسلام كشريعة ، والحركة الدينية كمشروع اجتماعي ، وهو يقول بهذا الصدد ان المنطلق الوحيد الذي يسمح لنا  باعتبار الصحوة دينية على وجه الحقيقة ، هو منطلق الايمان بانها امتداد للعمل التنويري والتحضيري الذي قام به رسول الله (ص) اي الايمان بان مهمة حمل الرسالة وابلاغها قد انتقلت الينا ، حسب فهمه للاية المباركة (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) .
وعلى خلاف ذلك ، فان الصحوة التي يتمحور مشروعها في صناعة نظام سياسي بديل في دولة من الدول ، او مصارعة قوة من القوى الاجتماعية او السياسية المنافسة ، ان هذه انما تنطلق من نقطة رد الفعل التي اشرنا اليها في السطور السابقة .

والتمييز الذي يعرضه وحيد بين الشريعة والحركة ، تمييز مقبول عند الاكثرية الساحقة من النشطين في العمل الاسلامي ، حيث لايجادل احد في ان المشروع الذي تطرحه الحركة الاسلامية ، هو محض اجتهاد في فهم النص الشرعي وتطبيقاته ، وفي تحديد العلاقة بين مقاصد الشريعة ومكونات المشروع او خطابه الاجتماعي ، وليس هناك من يدعي ـ حسب علمنا على الاقل ـ بان المشروع الفكري او الاجتماعي الذي يدعو اليه ، هو عين مرادات الخالق سبحانه وتعالى ، او انه هو الصورة الوحيدة الصحيحة للدين ، فالكل يرى نفسه مجتهدا يحتمل عمله الاصابة كما يحتمل الخطأ ، بل ان معظم العلماء من شتى المدارس الاسلامية ، يميلون ـ اليوم ـ الى ماكان يطلق عليه منذ تاسيس علم اصول الفقه بالتخطئة ، وهو اعتبار النتائج التي يتوصل اليها المجتهدون (محتملة الصحة) ، رغم ثبوت حجيتها شرعا ، بخلاف الاتجاه الاخر الذي اطلق عليه التصويب ، اي اعتبار نتيجة الاجتهاد (ضرورية الصحة) في كل الاحوال ، بل سببا لايجاد الحكم الشرعي كما يشرح الامام الغزالي .

مصدر الحرج
على ان القبول بهذا التمييز لايعني القبول بالفكرة نفسها ، فمعظم الاسلاميين يجد حرجا في اعتبار حركته رد فعل للخسائر الناتجة عن العلاقات الحرجة مع الغرب ، او نتيجة لتفاقم التهديد الخارجي ، بل على العكس من ذلك ، فان معظم العاملين في الحقل الديني ، يؤمن بانه يتحرك لايمانه بوجوب السعي لانجاز الاهداف الدينية ، ضمن اطار بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر او ضمن اطار الجهاد في سبيل الله ، وكلاهما من الواجبات التي ينبغي للمؤمن ان يقيمها باعتبارها فعلا ابتدائيا مطلوبا من المسلم ، لاباعتبارها رد فعل سياسي الجوهر يتغطى بالشعار الديني ويتوجه نحو الخارج بالدرجة الاولى ، كما هو فحوى كلام الاستاذ وحيد .

من ناحية أخرى فان فكرة الجوهر القومي في الصحوة ، تثير حرجا مصدره صعوبة المواءمة بين الايمان الديني والانتماء القومي ، ولوازم كل من الخيارين ، ان الاسلام ـ كما هو متفق عليه ـ لايعتبر الانتماء  القومي مصدرا للالتزام او قاعدة للتقييم ، بخلاف الايمان الديني  ، ويزيد الامر حرجا ان العلاقة بين دعاة الفكرة القومية ودعاة الفكرة الدينية ، في معظم المجتمعات المسلمة ، لم تكن حتى الان قائمة على الود ، ولذلك فان اعتبار الصحوة الدينية قومية في العمق ، سيثير الحرج عند الذين يؤمنون بوقوف القومية والدين على طرفين مختلفين ، على الرغم من ان مناقشة الاشكال ، ربما ساعدت على فهم اعمق للعلاقة بين المضمون الديني في الاطار الاجتماعي للحركة ، وبين المقومات المادية والتاريخية لهذا الاطار.

علاقة متكلفة
والذي نعتقد ان التمييز الذي يعرضه وحيد الدين خان ، بين المظهر الديني والجوهر القومي للصحوة الاسلامية ، ينطوي على شيء من التكلف ،  في اصطناع العلاقة بين الطرفين ، وثمة صعوبة في العثور على براهين قوية ، لاثبات صحة تفريقه الحازم بين المضمون القومي والمضمون الديني ، ففي عديد من الدول الاسلامية كان الكفاح ضد الاستعمار ، ينطلق من منطلقات دينية ، وكانت المحافظة على الهوية القومية جزءا من هذا الكفاح ، لالخصوصية ذاتية في الهوية القومية ، ولكن لكونها احدى رموز وحدة المجتمع ، وهي في الوقت ذاته الوعاء المتفق عليه لثقافة المجتمع وذاكرته التاريخية ، بما فيها الثقافة التي توفر الدوافع نحو استمرار مقاومة المستعمر ، ففي شمال افريقيا على سبيل المثال ، كان السعي للحفاظ على اللغة العربية ومقاومة الفرنسة ، جزء لايتجزأ من الجهاد للاستقلال ، وكان ذلك ضروريا لابقاء الهوية الاسلامية ، وثقافتها المحفوظة في الوعاء اللغوي العربي فعالة ، في منع محاولات اختراق المجتمع وضرب التوجهات الاستقلالية داخله ، اما في شبه القارة الهندية ، فان الشعور القومي الذي اقام باكستان ، في اواخر النصف الاول من هذا القرن ، لم يكن سوى الاسلام بذاته ، فقد جرى اعتباره مجسدا لتمايز قومي ، بين الاقلية المسلمة والاكثرية الهندوسية في شبه القارة ، اي مبررا لقيام دولة قومية مستقلة .

ونستطيع القول ـ كخلاصة ـ ان الاسلام كما يفهمه معظم ابنائه ، ليس ايمانا مجردا عن اطاره الاجتماعي او التاريخي ، بل هو متجسد بصورة ما ، في تفاصيل حياة المجتمع المسلم ، يلعب دوره كناظم للحركة الاجتماعية حينا ، وكأطار لها حينا آخر ، وهو يوفر في كل الاحوال المادة الثقافية والروحية ، الضرورية لتعبئة امكانات المجتمع ، في سبيل حياة امثل واكثر انسجاما مع طموحاته .

نشر في (اليوم) 17/10/1994

ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...