اظن
أن رئيس الحكومة الإسرائيلية ارتكب خطأ العمر يوم قرر استعمال غزة ورقة في حملته
الانتخابية. منذ 2008 شن الطيران الإسرائيلي هجمات عديدة ولم يواجه سوى رد فعل
متواضع، لهذا فإن الرد العنيف للمقاومة الفلسطينية كان مفاجئا للإسرائيليين مثلما
فاجأ معظم المراقبين.
يعرف
الجميع أن خيارات الفلسطينيين محدودة، بسبب الحصار والانقسام، ولهذا تحول ما يسمى
بالتهدئة إلى عنوان لكل كلام ذي علاقة بقطاع غزة. ''التهدئة'' ليست اتفاق هدنة بين
طرفين، بل تعبير ملطف عن التزام أحادي الجانب بعدم استفزاز العدو. في ظل التهدئة
واصلت إسرائيل تتبع قادة المقاومة وقتلهم في فلسطين وخارجها. الأزمة الأخيرة مثلا
اندلعت بعد اغتيال قائد عسكري في ''حماس''. وكان الرد المتوقع بضعة صواريخ ثم مساع
حميدة تقوم بها القاهرة أو غيرها لإعادة ''حماس'' إلى موقف التهدئة.
لكن
شيئا قد فاتنا بالتأكيد مثلما فات الجميع، اندلاع الثورة في مصر وانفراط حبل الأمن
في شمال سيناء، أتاحا فرصة نادرة لتهريب كميات من القذائف الصاروخية ومكوناتها عبر
الصحراء إلى غزة. هذه القذائف هي التي صنعت الفارق بين رد فعل الفلسطينيين اليوم
وردودهم في السنوات الماضية.
لا
يتعلق الأمر بعدد الصواريخ أو قدراتها التدميرية، المسألة تتعلق أولا وأخيرا
بالروحية الجديدة التي أطلقتها تلك الصواريخ في الشارع الفلسطيني، وبالمعادلات
المختلفة التي ستقوم نتيجة لذلك.
حتى
وقت قريب كان الإحباط سمة مشتركة بين الشباب الفلسطيني، حديثهم عن خذلان العرب
وانحياز العالم وانقسام السياسيين وتدهور المعيشة، هو تعبير موارب عن الإحباط
والشعور بعدم الجدوى. مشروع الدولة الذي بشر به المرحوم عرفات انهار، ومفاوضات
السلام مجمدة، وفرص الضغط العسكري على إسرائيل غير جدية واهتمام العرب بقضيتهم وصل
إلى نهاياته، وسط معمعة الإحباطات هذه، ضاع ''العامل'' الفلسطيني، أو جرى تعطيله.
الـ
300 صاروخ التي أطلقتها غزة لا تقاس أهميتها بحجم الدمار الذي أحدثته، بل بحجم ما
أعادته من حماسة وثقة بالذات، من شأنها أن تعيد الحياة إلى ''العامل'' الفلسطيني.
عودة هذا العامل تجعلنا نتوقع ردودا أوضح وأكثر شدة على المغامرات الإسرائيلية.
صحيح أن ظرف الحصار يفرض حدودا ضيقة للفعل، لكن روحية المقاومة التي أيقظها أزيز
الصواريخ ستغير بعض المعادلات الرئيسة. آلاف الشباب سيعودون إلى التفكير في أنفسهم
كفاعلين في الصراع، لا كأرقام ضائعة على هامشه. سنرى حراكا دبلوماسيا عربيا ودوليا
أكثر حيوية وأكثر استعدادا للاستماع لمظلومية الشعب الفلسطيني وتطلعاته.
إسرائيل
من جانبها ستضطر إلى إعادة حساباتها عشرات المرات، قبل أن ترسل طائرة تغتال قائدا
أو تدمر مبنى. القوة الإسرائيلية ليست بسيطة، لكنها أيضا ليست عصية على الاختراق.
خيار الصفر يعني جاهزية الضعيف للموت دفاعا عن كرامته حين تنعدم الحلول الأخرى.
الجاهزية للفداء هي التي تفرض حدودا لقوة الأقوياء. هناك دائما حدود للقوة مهما
عظمت أو تغولت. يحسب الأقوياء حجم خسارتهم قبل الإقدام على مغامرة، أما من يعد نفسه
للفناء فلا مفهوم للخسارة في حسابه.
الاقتصادية
20 نوفمبر 2012
http://www.aleqt.com/2012/11/20/article_711021.html