‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثورة الصناعية. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثورة الصناعية. إظهار كافة الرسائل

10/05/2023

غدا نتحرر من الخوف

||الحل السليم للقلق من تأثيرات الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به||

القلق من تأثير الذكاء الصناعي لا يختلف كثيرا عن القلق من تأثير الانترنت. الأسباب التي تبرره ، تشابه ما  قيل في الماضي عن عواقب انتشار الانترنت. سوف اعرض لبعض هذه المبررات بعد قليل. لكن يهمني أولا تطمين المتوجسين بأن كثيرا من أسباب القلق القديم ، قد تم احتواؤها فعليا ولم تعد قائمة ، او - على الأقل - لم تعد قوية او جدية مثلما كانت يوم تعرفنا على الانترنت ، قبل عقدين من الزمن.

بيان ذلك: ان معظم القلق ناتج – في المقام الأول - عن غموض المستقبل وانعدام اليقين ، أي شعور الانسان بأنه لا يتحكم في أقداره. اعرف أشخاصا كانوا يعملون في مجال التصوير ، وفقدوا وظائفهم بعد انتشار التصوير الرقمي. واعرف ان اكبر شركتين في هذا القطاع ، قد اعلنتا افلاسهما: الألمانية آجفا (2005) والأمريكية كوداك (2012).

والعجيب في الأمر ان انهيار هذه الصناعة ليس سببه هجر الناس لهواية التصوير ، بل العكس تماما: لانها باتت هواية يمارسها كافة الناس ، كلما تحدثوا أو نظروا في الهواتف الذكية ، التي يحملونها في جيوبهم. لقد تسبب التصوير الرقمي وشبكات الانترنت في اطلاق تدفق هائل للصور ، فتحول عامة الناس الى منتجين ومستهلكين في آن واحد ، ولم يعد بوسع المحترفين السيطرة على المساحة التي تقوم فيها صناعة التصوير ، في أي بعد من ابعادها. الشبكات الغت الجغرافيا/المكان الذي يمكن التحكم فيه ، فتولد منطق جديد للتبادل ، مختلف تماما عن منطق المنتج/المستهلك في السوق القديم ، سوق ما قبل الانترنت.

هذا المصير نفسه واجه الشركات التي كانت تصنع أجهزة التسجيل والراديو والآلات الكاتبة والصحف الورقية ، والمئات من الصناعات والتجارات والوظائف الأخرى التي يصعب عدها وحصرها. وتحدثت قبل زمن مع خطيب ذي شعبية عريضة ، فوجدته ضجرا من تناقص ملموس في عدد الأشخاص الذين يحضرون خطبه. لان مستمعيه المعتادين يبحثون الآن عن مصادر للمعرفة تتجاوز المصادر التقليدية.

لا بد ان كثيرا منا قد سمع بواحد او اكثر من هذه الأشياء ، التي حدثت منذ عقد او عقدين. لكنك نادرا ما تسمع أمثالها في هذه الأيام.

- لماذا؟

لأن غالبية الناس ، بمن فيه القلقون ، تعلموا استخدام أجهزة الانترنت ، واكتشفوا المساحات الرحبة التي تقودهم اليها هذه الأجهزة الصغيرة ، أي الكمبيوتر والهاتف الذكي. ولعل بعضهم قد تأكد من ان مخاوفه لم تكن بلا أساس. لكن منطق الأمور يقول بان القلق من المجهول طبيعة في الانسان ، وان علاجه الوحيد هو تمزيق حجاب الجهل. حين يتعرف الانسان على شيء ، فسوف يسعى لاكتشاف مفاتيح التحكم فيه ، او على اقل التقادير سيتعرف على حدود تأثيره. وعندها سيتحول التعامل مع مصادر القلق الى جزء من الروتين اليومي المعتاد.

من هنا فاني أود التأكيد على ان الحل السليم لما يبدو من قلق إزاء الذكاء الصناعي ، هو نشر المعرفة به. بإمكاننا التعرف على الذكاء الصناعي ، مثلما تعرفنا سابقا على الكمبيوتر والانترنت ، ومن قبله على الراديو والتلفزيون والبث الفضائي. وقبل ذلك على وسائل الاتصال والمواصلات على اختلافها.  انظر كيف صار بوسع الانسان ان يركب حديدا يطير في الهواء ، دون ان يراوده أدنى قلق... اليس لأن هذه الوسيلة معروفة تماما ، له ولغيره ، وان المعرفة تولد الاطمئنان؟. السبيل الوحيد لتحييد القلق المتولد عن التقنيات الجديدة ، هو استثمارها واستعمالها ، وأول خطوة في هذا الطريق هو التعرف عليها.

اريد دعوة كل قاريء لتخصيص بعض وقته للتعرف على الذكاء الصناعي ، ثم استعماله ، فهذا هو السبيل الوحيد لتحييد اضراره ان كان ثمة ضرر.

الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شوّال 1444 هـ - 10 مايو 2023 م

https://aawsat.com/node/4319851

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تجربة تستحق التكرار

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التمكين من خلال التعليم

حول البيئة المحفزة للابتكار

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل تعرف "تصفير العداد"؟

13/11/2019

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة


مر الان نحو 130 عاما على وفاة كارل ماركس. ونعرف ان النموذج الايديولوجي الذي اقترحه كطريق للتطور الاجتماعي لم يحقق نجاحا. كما لم يصمد اساسه الفلسفي أمام النقد العلمي ، رغم أنه بقي نافذا في الاكاديميا الاوروبية حتى الربع الثالث من القرن العشرين. هذا لا يقلل من قيمة مقارباته الفلسفية ، التي لاشك انها أسهمت في تقدم العلم من جهة ، والحياة السياسية من جهة أخرى.

من بين افكار ماركس التي تلفت الانتباه ، رؤيته عن تأثير المكائن والالات على ذهنية الاشخاص الذين يتعاملون معها. فهو يرى ان عمال المصانع اكثر قابلية للتطور والمساهمة في تنمية المجتمع ، لأنهم – حسب اعتقاده – اكثر التصاقا بتيار التطور في العالم ، الذي يتجلى في الآلات الصناعية. وهو يقارن هؤلاء العمال بنظرائهم الفلاحين المنعزلين عن تيار الحياة الحديثة.

قفزت الى ذهني هذه الفكرة ، بينما كنت اقرأ مقالة للبروفسور كلاوس شواب ، رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي عن "الثورة الصناعية الرابعة" ، التي يقول ان تاثيرها لن يقتصر على تغيير نظام الحياة والعمل والعلاقات بين الاسواق ، فهي ستغير ايضا كيفية تفكيرنا في الاشياء وفي انفسنا وعالمنا. ان الطريقة التي يتبعها الانسان والادوات التي يستعملها كي يفكر في ذاته ومحيطه ، وعلاقته مع البشر الاخرين ، سوف تتنحى لصالح مفاهيم جديدة غير التي نعرفها اليوم.

يقرن شواب الثورة الصناعية الاولى باعتماد المكينة البخارية في مجال النقل والصناعة (ميكنة الانتاج). ويقرن الثانية بدخول الكهرباء التي ادت الى التحول نحو الانتاج الواسع النطاق. كما ترتبط الثالثة بدخول تكنولوجيا المعلومات في الحياة اليومية للبشر. أما الثورة الرابعة فأبرز ملامحها هو نفوذ التقنيات الرقمية ، الى أدق تفاصيل حياة البشر  ، على نحو يقلص المسافة بين المادي والرقمي والبيولوجي. بل ربما نشهد في العقد القادم اول نموذج (بروتوتايب) للتفاعل المستقل بين الالة والكائنات الحية. ثمة كلام يدور حاليا عن ابحاث غرضها تمكين الكمبيوتر من تلقي اوامر مباشرة من دماغ الانسان ، وهذا يشكل خطوة مهمة في الاتجاه المذكور.

رؤية شواب هذه تطابق – ضمنيا – رؤية ماركس ، في معنى ان "أداة" الفهم تسهم في تحديد نطاق التفكير واتجاهاته ، مثلما يسهم الميكروسكوب في تحديد طريقة البحث عن الفيروسات ، ويسهم بالتالي في تحديد نتائج البحث. فهم الاشياء في عصر انترنت الاشياء (القادم) سيعتمد على ادوات مختلفة كليا عن تلك التي اعتمدت في عصر المحرك البخاري. حين نحتاج للتفكير في اي مسألة ، في هذه الايام ، فاننا نقف على ساحل بحر من المعلومات والبيانات والصور ، التي لم يكن اي منها متوفرا لاسلافنا الماضين. وبعد عقد او اثنين ، سيحصل احفادنا على فرص اوسع كثرا مما نتخيله اليوم.

هذه البيانات ليست مجرد كميات اضافية ، قياسا بما توفر للاسلاف ، بل هي ايضا فلسفة مختلفة ، وطريقة تفكير وعلاقة بين الذات والغير ، متباينة. ان عالما باكمله قد زال مع ظهور مكائن الاحتراق الداخلي ، وزال عالم ثان مع ظهور الجيل الثاني من الهواتف الذكية. بمعنى ان بعض ما كان الانسان يفكر فيه قد زال ، او انتقل الى الهامش ، وظهرت نطاقات تفكير جديدة.  

الذهنية المتولدة عن التفكير في محيط محدود ، تختلف كثيرا عن تلك الذهنية التي تطورت في محيط مفتوح وسريع التفاعل مع العالم المحيط.


الشرق الاوسط الأربعاء - 16 شهر ربيع الأول 1441 هـ - 13 نوفمبر 2019 مـ رقم العدد [14960]

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...