‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاندماج الوطني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاندماج الوطني. إظهار كافة الرسائل

13/06/2024

الهندسة الثقافية: تمهيد موجز

"الهندسة الثقافية" ليست مفهوما معياريا في الدراسات الاجتماعية ، كما قد يبدو لأول وهلة. انه مفهوم حديث الظهور نوعا ما. ولذا فهو غير شائع بين الباحثين في هذا الحقل. لا بد من القول أيضا ان المصطلح ليس مجرد وصف لحالة او مسار عمل ، بل ينطوي على ايحاءات محددة ، هي – بوجه من الوجوه – حكم على غاياته. ولذا لا يمكن اعتباره محايدا او موضوعيا ، كما قد يود المغرمون بالتعريفات والتدقيق في المصطلحات. الذين يتحدثون عن الهندسة الثقافية ، يريدون القول – غالبا – ان هناك من يسعى للتحكم في عقول الناس ، باستعمال هذه الوسيلة.

ان أردنا شرح فكرة "الهندسة الثقافية" فهي تشير الى جهد مخطط ، هدفه تغيير الثقافة العامة لمجتمع ما ، او على الاقل احداث تغيير كبير فيها. ونعرف ان تغيير الثقافة يؤدي ، عادة ، الى تغيير هوية المجتمع او شخصيته او طريقته في التفكير او مواقفه تجاه الحوادث والتحولات.

كثيرا ما يخلط الكتاب بين "الهندسة الثقافية" وبين الدعاية التجارية او السياسية ، التي تؤدي – هي الاخرى – الى تغيير في سلوكيات المجتمع المستهدف. وأذكر في هذا الصدد ما نقله أحد الكتاب عن رئيس شركة البسكويت الوطنية الامريكية (نابيسكو) واظنها اضخم شركات الاغذية الخفيفة في العالم ، الذي قال ان الخطط الدعائية للشركة تستهدف صنع مفهوم عن الحياة الحديثة ، يحول منتجات نابيسكو الى رمز للرفاهية والسعادة: "نحن نصنع المفاهيم وليس فقط البسكويت".

أراد الكاتب من وراء هذا الاستشهاد ، التأكيد على ان الدعاية التجارية تعيد تشكيل الوعي الجمعي والثقافة العامة. لكن يبدو لي ان هذا النوع من الدعاية يبقى محدودا وسطحيا أيضا. فالذين يحبون البسكويت والذين يحبون المشروبات الغازية والذين يرتدون أزياء معينة ،  يشعرون بالسعادة ربما ، لكنهم سيتخلون عنها لو اضطروا للاختيار بينها وبين وجبة الغذاء مثلا. الدعاية تركز على توجيه الخيارات ، لكنها لا تذهب اعمق من هذا.

أما الهندسة الثقافية فهي تستهدف تغيير الثقافة العامة ، او ما نسميه العقل الجمعي ، من خلال احداث تغيير عميق في القيم الاساسية التي يقيم عليها الافراد مبادراتهم و مواقفهم العفوية تجاه الآخرين. هذا التغيير ينعكس على شكل انقلاب في خيارات الفرد ، التي سوف تتحدد – منذ الآن - على ضوء منظومة القيم الاساسية  الجديدة ، في تحديد ما يوضع للمقارنة والمعايير التي تحكم التفاضل بين الخيارات.

لا شك ان الحكومات هي الاقدر على هندسة الثقافة العامة واعادة تشكيلها. ذلك انها تمتلك بعض أهم القنوات المؤثرة في هذا العمل ، وهي السوق ، الاعلام ، والتعليم ، ودور العبادة. كما انها تملك المال والوقت. ويلعب الوقت دورا حاسما في الهندسة الثقافية. فتغيير العقول يتطلب وقتا طويلا جدا. واحتمل ان كافة الحكومات تقوم بهذا العمل ، في مرحلة من المراحل. بل حتى الحكومات الليبرالية في غرب اوربا تهتم بها ، وهي تضعها تحت عناوين مقبولة نظير "الاندماج الوطني" وتطوير الاعراف العامة مثلا. وقد جرى التركيز على هذه المسألة بعد تفاقم مشكلة الهجرة الى أوربا. ونعرف على سبيل المثال ان التعليم في المرحلة الابتدائية ، بات يركز بدرجة اكبر على ترسيخ النموذج الثقافي الوطني ، الذي يمتد من تأكيد مفهوم المواطنة والحقوق المدنية ، الى سيادة القانون واستناده للارادة العامة التي لا يمكن معارضتها ، مرورا بنمط التغذية والعمل .. الخ. ولعل القراء الاعزاء يذكرون قرار الحكومة الفرنسية بمنع الرموز الدينية في المدارس العامة ودوائر الدولة ، وهو جزء من التطبيق الفرنسي لمفهوم العلمانية الصلب ، الذي يشمل ابعاد المظهر الديني بشكل حازم عن مصادر قوة الدولة. لكنه يطرح هناك في إطار مفهوم الاندماج الاجتماعي وتوحيد العرف العام.

الخميس - 07 ذو الحِجّة 1445 هـ - 13 يونيو 2024 م

https://aawsat.com/node/5030385

مقالات ذات صلة

بين العقل الجمعي وسلوك القطيع

الحكم اعتمادا على العقول الناقصة

العرف العام وبناء العقلاء

عقل الاولين وعقل الاخرين

عقل العرب ، عقل العجم

العقل المؤقت

من العقل الجمعي الى الجهل الجمعي

هكذا خرج العقل من حياتنا 

10/10/2018

الدين والهوية ، خيار التواصل والافتراق




 اشرت في مقال الاسبوع الماضي الى ظاهرة واسعة الانتشار ، فحواها ان الناس أميل للانفتاح على المختلفين معهم ، بل  ومشاركتهم ، حين يتعلق الامر بمصالح دنيوية. بعكس العلاقات التي تنطوي على مضمون ديني. وشهدنا في حالات كثيرة ، تفككا للعلاقات الطيبة ، حين ذكر الدين أو المذهب. فتحول الصفاء الى ارتياب والمحبة الى خصام. وفي سنوات سابقة كنت ارى في الاماكن العامة لافتات صغيرة ، تطالب الحضور بتجنب النقاش في أمور الدين والسياسة. كما قرأت نصائح مماثلة في منشورات ارشادية ، تقدمها شركات اوربية لموظفيها العاملين في الشرق الاوسط. ولعل بعض القراء قد رأى هذا أيضا. 
من حيث المبدأ ، لا تنحصر التأزمات المرتبطة بالهوية في الدين أو السياسة. كل هوية متمايزة ، قابلة للتأزم في حالات معينة. بينما تبقى محايدة او عديمة التأثير في حالات أخرى. لا تتمظهر الهوية كعامل نشط ، الا في ظرف التواصل مع الآخرين. ومن هنا فان طبيعة هذا التواصل وهويات المشاركين فيه ، تعمل كمحدد وموجه لدور الهوية ، من حيث القوة او الضعف ، ومن حيث الاتجاه للتوافق او التناقض.
في المجتمع الامريكي مثلا ، تشكل الهوية العرقية عامل التأزم الرئيس. خطوط الانقسام الاجتماعي تدور حول لون البشرة (اسود ، أبيض ، ملون) وبقدر أقل حول الاصول القومية (نوردي ، هيسبانك ، صيني.. الخ). المثال الاخر من الحرب الاهلية في باكستان عام 1971 التي ادت لانفصال قسمها الشرقي وقيام جمهورية بنغلادش.  كانت الهوية القومية محور التأزم بين الطرفين. ولم تلعب الهوية الدينية دورا يذكر. ويقدم العراق المعاصر مثالا عن التأزم المتعدد الابعاد ، فالصراع في المنطقة الشمالية يدور حول الهوية ا لقومية. بينما صراعات الوسط والجنوب محورها الهوية المذهبية.
يقول الناس عادة ان السياسة هي محرك التأزمات جميعا. وهي تستثمر الهوية الدينية في مكان ، والهوية القومية في مكان آخر ، والاقليمية او القبلية او الجندرية في مكان ثالث.. وهكذا.
هذا وصف صحيح ، لكنه لا يصلح تفسيرا للمشكلة. لأن جوهر المشكلة يندرج في أحد سؤالين:
الأول: لماذا تكون بعض الهويات اكثر قابلية للتأزم من غيرها. بمعنى هل تنطوي بعض الهويات على عوامل تأزم ذاتي؟.
الثاني: ماهي الظروف التي تسمح بتحول التنوع في الهوية الى خطوط افتراق. وبالتالي يسهل استثمارها في توليد أو تأجيج التأزمات المرتبطة بعوامل أخرى ، مختلفة عنها؟.
اهمية النقاش في الموضوع ، ترجع الى موقع الدين في النظام الاجتماعي: متى يكون عامل تواصل بين خلق الله ، ومتى يكون مبررا للخصام. بديهي ان كل انسان يود ان يكون الدين محركا للتعارف والتفاهم بين خلق الله. لكن هذا يبقى مجرد أمل ، ما لم نفهم على نحو كامل وعميق ، الاسباب التي تحول دون قيام الدين بهذا الدور.
وهنا يهمني الاشارة الى ضرورة التمييز بين مقاربتين للمسألة: مقاربة تستهدف فهم العوامل التي تجعل الدين عامل جمع او عامل تفريق ، بغض النظر عن راينا في صحة هذا المسار او ذاك. ومقاربة تنطلق من حكم مسبق على النتائج بانها مرغوبة او مرفوضة.
انا ممن يرى امكانية تقديم قراءة للدين تدعم دور التجسير والتواصل. بل أرى ان التواصل جزء من جوهر الايمان. لكني اعلم أيضا ان بعض الناس ، يرى استحالة التدين الحق ، دون حدود واضحة تميزه عن مخالفيه.
الشرق الاوسط الأربعاء - 30 محرم 1440 هـ - 10 أكتوبر 2018 مـ رقم العدد [14561]
https://aawsat.com/node/1421411

11/12/2012

كي نتحاشى امارات الطوائف


صرفت بعض الوقت هذا الاسبوع في قراءة مجلة "البيان" التي يصدرها تيار حركي محلي. وسررت لان المجلة خصصت مساحة طيبة للكلام عن الوحدة الوطنية ومشكلة الاقليات. كما هو المتوقع، فقد عولجت هذه القضايا الكبرى من منظور ضيق الافق نوعا ما. لكني ما زلت مسرورا لاهتمامهم بالموضوع. سررت لاني ارى ان جانبا مهما من اسباب الازمة في مصر الشقيقة يكمن في اهمال الاسلاميين لمسألة "الاجماع الوطني". الاجماع في علم السياسة غير الاجماع المعروف في اصول الفقه. فهو يعالج مسألتين حيويتين:

 الاولى : اتفاق مجموع المواطنين، على فهم مشترك للعلاقة التي تجمعهم.
الثانية : توافق المجتمع السياسي على طريقة موثقة لحل الخلافات وتعارضات الافكار والمصالح فيما بينهم.
كتب الاخوان المسلمون وغيرهم عشرات الكتب حول فضائل الحكم الاسلامي. وهي جميعا تفترض حكاما مؤمنين طيبين وشعبا مسلما مطيعا، مع قليل من غير المسلمين. هذه الكتب غرضها الاشادة باخلاقيات الاسلام وليست البحث العلمي بالمعايير بالاكاديمية. ولهذا فهي نادرا ما تناولت الاشكالات النظرية والعملية في علاقة المجتمع والدولة ومصادر التفارق بينهما.

من قرأ تلك الادبيات فسينتابه – بالتاكيد- قلق من سيطرة الاخوان او نظرائهم على السلطة في حكومة شديدة المركزية مثل حكومة مصر. صحيح انهم يتحدثون اليوم عن مبدأ المواطنة، وصحيح انهم اختاروا مسيحيا ليكون نائبا لرئيس حزبهم. لكن هذا المبادرات المحدودة لا تكفي لاقناع المتشككين والقلقين.

قدرة الاخوان على تعبئة الشارع ، ثم انتصارهم الباهر في الانتخابات النيابية والرئاسية، اعطاهم حقا ثابتا في القانون. وكان عليهم الانتقال الى المرحلة التالية ، اي نزع رداء الحزب المنتصر والعمل كقائد لقطار يحمل الشعب كله ، انصارهم واعداءهم. الحزب المنتصر يبقى حزبا مهما كبر ، وهو ليس الشعب كله ولا نصفه ولا ربعه، فلا يصح له استثناء الاخرين ولا سيما المهزومين.
خطاب الاسلاميين يغفل بشكل واضح "المواطنة" كمبدأ جوهرى في الدولة الحديثة. وهو يتعامل مع المخالفين باعتبارهم "اقلية" لا تستحق الانتباه. يتحدثون عن الاقليات الدينية والمذهبية والقومية والتيارات الحديثة اليسارية والليبرالية وامثالها كنخب ثانوية او فلول او طابور خامس يخدم اجندات اجنبية، وغير ذلك من الاوصاف التي نسمعها هذه الايام.
هذا الفهم السقيم للمشهد السياسي يؤسس – بالضرورة – لحالة استقطاب سياسي واجتماعي بين الفريق السياسي الذي يرفع شعارات اسلامية وبين الفرقاء الاخرين. واسوأ ما في هذه الحالة هو تحول الاسلام كمنظومة قيم سامية الى موضوع للجدل والخلاف بين المسلمين انفسهم.

الاسلاميون ، هنا وفي كل مكان ، مطالبون بمراجعة الطروحات القديمة التي ما عادت نافعة، بل ربما كانت سدا يعيق تطور المجتمع والدولة. واظن ان تقديم تصور صحيح وعصري لمبدأ المواطنة ومبدأ الاجماع الوطني هو اهم ما نحتاجه اليوم. اخشى ان يؤدي التخشب والاصرار على القديم الى تحويل التيار الديني من داعية للدين الى مجرد مجموعة حزبية  مهمومة بالغلبة. ما لم تجر مراجعة معمقة ، سيما من جانب الحركيين، لمفهوم العلاقة بين شركاء الوطن ، فان وصول الاسلاميين الى السلطة لن يكون مقدمة لتطبيق الشريعة ، بل تمهيدا لتحويل الاستقطاب السياسي الى انقسام اجتماعي – سياسي يعيد من جديد امارات الطوائف.

الاقتصادية: الثلاثاء 27 محرم 1434 هـ. الموافق 11 ديسمبر 2012 العدد 7001

مقالات ذات علاقة


12/05/2009

الوحدة الوطنية والسلم الاهلي هو الغاية



تشهد الساحة الثقافية السعودية نقاشات جادة حول التعدد والتنوع الثقافي والاجتماعي . وهو موضوع يتضمن بالضرورة التنوع المذهبي والاشكاليات الخاصة بهذه المسالة في المجتمع السعودي . حتى سنوات قليلة كانت السعودية تقدم نفسها كمجتمع احادي الهوية على كل المستويات . والحقيقة ان كثيرا من السعوديين لم يدركوا حقيقة التنوع الذي يزخر به مجتمعهم . وكان ثمة من يعتقد ان الحديث عن اطياف عديدة يجرح مفهوم الوحدة الوطنية او الصفاء الديني . لكن منذ مؤتمر الحوار الوطني الذي رعاه الملك عبد الله في 2003 ، فقد تزايد الميل الى الاقرار بالتعددية الثقافية وما يترتب عليها سياسيا . على الرغم من ذلك فقد ظلت الصحافة متحفظة على الكلام عن العلاقة بين المجموعات المذهبية التي يضمها المجتمع السعودي . وهو تحفظ يستند الى توجيهات رسمية او توجهات في داخل الدور الصحفية نفسها . المناقشة التي تدور هذه الايام عن العلاقة بين الشيعة والسنة تعتبر حدثا فريدا ، وتشكل بداية طيبة لعرض قضايا البلاد حتى الحساسة منها للنقاش العام.
 طبقا لراي الزميل الاستاذ خالد المشوح (الوطن السعودية 1 مايو) فان التقارب السني – الشيعي وهم لا ينبغي الركض وراءه . ثمة في المذهبين قضايا يستحيل التخلي عنها ، وهي بذاتها مانع للتقارب . والدليل على ذلك هو السجل التاريخي المليء بالالام . البديل اذن هو التعايش كما يرى الزميل المشوح .
لن اجادل في مقولة الوهم والاستحالة . ولن اجادل في محتويات التاريخ ولا محتويات المذاهب . ثمة دائما فرص لاستدلالات عديدة على هذا الراي وعلى الراي الاخر . كما ان الغرض من هذا النقاش ليس اثبات صحة راي او خطأ الاخر ، بل هو محاولة لاستكشاف طريق نسير فيه .
دعنا ابتداء نقرر فرضيتين تمثلان بوابة النقاش: اولاهما : اننا نناقش المسالة في الاطار الوطني السعودي وليس في الاطار الدولي . نحن نسعى لطي صفحة الجدل المذهبي والتاكيد على الهوية الوطنية الجامعة لكل اطياف المجتمع السعودي واصنافه وانتماءاته ، وصولا الى تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاهلي وعلاقة الود والاخوة حتى لو بقينا مختلفين في افكارنا او معتقداتنا . ليس مهمتنا اطفاء حرائق العالم ولا نستطيع ذلك . ما يهمنا في الاول والاخير هو حماية بلدنا وتحصينه ورفعته وكرامة اهله .
الفرضية الثانية : كل مذهب يحوى في داخله عوامل تدعو للتقارب واخرى للتباعد ، وثمة اشخاص في كل طائفة يسعون وراء التقارب او يسعون وراء الفرقة . ولكل دوافع اما ثقافية او عقيدية او مصلحية . التركيز على عناصر الفرقة او عناصر التقارب يتاثر بالظروف السياسية التي تتغير بين حين واخر وبين مكان وآخر . ولعل ما جرى في العراق هو اكبر دليل على تعدد العناصر واختلاف الاستعمالات . حين يسود الاتجاه الى التقارب يتزايد استعمال عناصره وحين تثور الازمة تتركز الانظار على عناصر الفرقة.
اذا افترضنا ان التقارب مشروط بالعناصر العقيدية او الثقافة في داخل المذهب ، فينبغي الرجوع الى القادة الدينيين للمذهب ، الذين يعول على قراءتهم للتراث المكتوب ورايهم في تطبيقه. واود احالة الاستاذ خالد على مقالة الشيخ سليمان المنيع ( الوطن 29-4) التي تقرر بوضوح امكانية التقارب . وثمة كثير من التعبيرات المماثلة في كلا الجانبين . وهناك بالطبع من يطبخ على نار الفرقة والفتنة . لكن المهم هو بيان الامكانية النظرية للتقارب ، اي عدم استحالتها على المستوى الفكري .
اما على المستوى العملي ، فقد نتحدث عن تقارب او نتحدث عن تعايش . كلا الامرين له نفس المؤدى ، على الاقل بالنسبة لما نسعى اليه ، وهو كما قلت سابقا تعزيز الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي. نستطيع المقارنة بالعلاقة بين المسلمين والمسيحيين مثلا ، او بينهم وبين الهندوس او غيرهم من اتباع الديانات. لدينا في المملكة ما يقرب من مليون وافد مسيحي او هندوسي ، ويعرف القراء جميعا انه لا توجد فتنة او صراع بينهم وبين السكان المسلمين . ويعرفون ايضا ان الفوارق بين المسلمين وبينهم اكثر عمقا واوسع مساحة . لكننا نتعايش معهم على ارضية القيم الانسانية الجامعة والمصالح المشتركة .
ما نبغيه من التقارب او التعايش السني الشيعي ليس اكثر من هذا : البناء على القيم الانسانية والمصالح المشتركة في العلاقة بين المواطنين ، من اجل حياة كريمة وسلام شامل يسود وطنا يحتضن الجميع. هذا هو مفهوم التعدد في اطار الوحدة ، او مفهوم الاندماج الوطني الذي توصل اليه كل عقلاء العالم شرقا وغربا كطريق لتحسين الكفاءة السياسية والادارية وتعزيز التنمية الشاملة في البلدان التي تنطوي على تعدد قومي او مذهبي او اثني .
الاندماج الوطني يحتاج الى ارادة عامة او اجماع وطني ، يقوده المثقفون او يقوده السياسيون . ويحتاج الى اطار قانوني ومؤسسي يقوم على ارضية شراكة الجميع في خير الوطن وفي المسؤولية عنه. واعتقد ان الغالبية العظمى من السعوديين (تلك التي لا تظهر عادة وراء الاسماء المستعارة في مواقع الانترنت) تميل الى هذا التوجه وترغب فيه . ولعل الامر يستدعي من اصحاب الاقلام مثل كاتب هذه السطور ومثل الزميل خالد بذل جهد اكبر لكشف هذه الارادة وتفصيحها ومساندة السعي الخير على المستوى الاجتماعي والسياسي لنشر قيم التسامح وتعزيز وحدة الوطن وسلامه.

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...