معارضو التطور الديمقراطي في أي من مجتمعات العالم النامي يطرحون الكثير من الحجج، من ابرزها تمسك المجتمع بالمنظومات التقليدية كمرجع في تقرير خياراته. وفي مثل هذا الحال فان الديمقراطية لن تكون تعبيرا عن انتقال الى الحداثة بل اعادة انتاج للمرحلة التقليدية في المضمون ولو تغير الشكل والاطار الخارجي. ثمة حجة تشكك في تطابق الديمقراطية مع تعاليم الدين الحنيف، وثالثة تخشى من تنامي دور الطبقات الجديدة، ولا سيما الشباب والطبقة الوسطى، وما يتركه ذلك من تاثير على منظومات الضبط الاجتماعي. هذه الاحتجاجات قد تكون صحيحة وقد تكون مجرد اوهام، لكن ليس في الامكان اختبار مصداقيتها الا من خلال التجربة الفعلية.
لكي تكون الانتخابات البلدية خطوة صحيحة في الطريق الى ايجاد البيئة المساعدة للنمو السياسي والاجتماعي، فمن الضروري ان يكون التمهيد لها ثم اجراؤها مثالا على الروحية الجديدة التي نريد سيادتها بعد هذه الانتخابات. اذا جرت العملية على نحو روتيني يفتقر الى الحماسة, ويشارك فيها عدد قليل من الناس فإنها ستكون شهادة على فشل هذا المسار، في هذا الوقت على الاقل. والحقيقة ان ثمة دواعي جدية للقلق من هذا الاحتمال ففي وقت سابق شكا عدد من الكتّاب من ان الاقبال على التسجيل في قوائم الانتخاب كان ضعيفاً كما حدث في الرياض مثلا, وبرره أحدهم بأن المجتمع لا يريد المشاركة، وهذا اغرب دليل يمكن ان يسوقه كاتب. وفي ظني ان الادارات المسؤولة عن هذه العملية بحاجة الى التوقف جديا عند هذه الظاهرة. بالمقارنة بين المدن التي سجلت نسب اقبال اعلى وتلك التي تدنت فيها هذه النسب, كان الفارق ناتجا عن حجم الجهد الأهلي الذي بُذل للتعريف بأهمية الانتخابات لكي نعقد انتخابات تعزز شرعية النظام الاجتماعي وتمتص الاشكالات او تعالجها، فاننا بحاجة الى استنهاض كافة مكونات المجتمع من الشباب والشخصيات العامة والموجهين وذوي النفوذ، بل وحتى طلاب المدارس كي يتفهموا طبيعة هذا التحول ويشاركوا في توضيحه لبقية الناس. نحن بحاجة الى تشجيع الناس على النقاش الجماعي الحر, المنظم وغير المنظم, حول هذه الانتخابات. يجب ان نتعامل بمرونة مع من يُعارضها أو يُشكك في فوائدها لان النقاش الحر هو ما يجعل الانتخابات جدية ومهمة للجميع. ليس من الصحيح ان ندعو الناس الى المشاركة في انتخابات حرة ولا نُشجّع على عقد الاجتماعات التي تستهدف مناقشة هذه الانتخابات.
عكاظ 15-1-2005