‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسطورة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاسطورة. إظهار كافة الرسائل

29/04/2020

في الاعجاز والاختبار والعذاب الالهي


||هذا الكون يتحرك في نظام ثابت ، هو "سنة الله". وهو مفهوم للبشر، ولذلك يستعملونه ويسخرون أدواته لتحسين معيشتهم||

لو لم يكن هذا الشيخ مشهورا ومسموع الكلمة ، لما انتشر حديثه عبر العالم ، وما شاهده عشرات الألوف. ولولا ان الكلام الذي قاله يحاكي قناعات عميقة في نفوس مستمعيه ، لما قوبل بالاستحسان والتأييد. خلاصة كلام الشيخ ان وباء كورونا اختبار رباني للبشر جميعا ، غرضه اظهار قدرة الباري سبحانه وتذكير البشر الآثمين بجبروته كي يتعظوا. 

قال الشيخ أيضا انه مندهش غاية الدهشة ، لأن مخلوقا في غاية الضعف والتفاهة ، صغيرا لا يرى بالعين المجردة ، عطل حياة العالم من اقصاه الى أدناه: أوقف السيارات والقطارات والطائرات ، وعطل المصانع والشركات والجامعات والحكومات ، وضرب الجيوش والاجهزة الأمنية من داخلها ، بل لم ينج منه حتى رؤساء الدول وعائلاتهم.
لا حاجة لذكر اسم القائل ، فقد تكرر على السن العديد من الدعاة المحترمين ، الذين ظنوا ان كلاما كهذا ، سوف يذكر  مستمعيهم بما يتوجب عليهم من طاعة الله والتوجه اليه ، وقد يردعهم عن المعاصي ان كانوا من أهل العصيان.
والحق ان طريقة الوعظ هذه خطأ في ذاتها. فهي لا تقنع الا من كان مقتنعا سلفا ، اي من لا يحتاج للموعظة. كونها خطأ تظهر في وجهين: الاول ان جبروت الله وقدرته ، لا تتجلى في أمور يستطيع البشر التنبؤ بها ودفعها ، او اتقاءها وتقليل آثارها ، وهذا لاينطبق على كورونا ولا الاوبئة المماثلة. اما الوجه الثاني فهو ان الأصل في دعوة الناس الى الله ، هو البشرى وإثارة الأمل بالنجاح الدنيوي وليس التنفير.
الوجه الأول يوضحه القرآن في آيات عديدة كقوله سبحانه "لاعاصم اليوم من أمر الله-هود 43" ، بينما نعلم ان العواصم من الاوبئة كثيرة ، وابسطها التباعد الاجتماعي. اما الاوبئة التي ضربت العالم فيما مضى ، فقد طور العلماء امصالا تقي منها ، فما عادت قابلة للتكرار على نطاقات واسعة ، مثل الملاريا والكوليرا والسل والطاعون والتراخوما والايبولا والسارس وأمثالها. وحتى كورونا المستجد الذي ادهش فضيلة الشيخ ، فان العلماء واثقون بامكانية التوصل الى مصل له بحلول نهاية العام الجاري. ثم ان ظهور الفايروس كان مفاجئا ، أما طبيعته فليست مجهولة تماما. كما ان انتقاله للبلدان الأخرى لم يكن مفاجئا ، ولا التحكم فيه والتقليل من آثاره مستحيلا.
بعبارة اخرى فان المسار الذي رأيناه وتابعناه بشكل يومي ، لم يوح أبدا بعجز البشر عن كبح هذا الوباء ،  ولم يقل احد ان العالم اقترب من نهايته ، او ان عواقب الكارثة ستكون بلا حدود. ومن هنا فان هذا الوباء لم يكن بالصورة التي نتخيلها عن جبروت الله وقوته ، التي لا ترد ولا تقف عند حد.
القول بان الله يعاقب البشر من خلال التدخل المباشر في النظام الكوني ، لا يخلو من مضمون خرافي. هذا الكون يدور ويتحرك وفق نظام ثابت ، أسماه القرآن "سنة الله" و "آيات الله" و "فطرة الله". ولو تأملت في هذا النظام لوجدته كله ، قواعده وتفصيلاته ، تسير وفق منطق دقيق ، منطق يفهمه البشر ويستوعبون تفصيلاته ، ولذلك يستعملونه ويسخرون أدواته لتحسين معيشتهم ، وهذا بالتحديد مراد الخالق سبحانه.
ادعو المشايخ الكرام والدعاة الافاضل الى القراءة العقلانية والانسانية للدين ، القراءة التي تنظر للعالم باعتباره مختبرا للعقل والفكر والرحمة ، لا ساحة للعذاب وانتقام القوي من عباده الضعفاء.
الشرق الاوسط الأربعاء - 6 شهر رمضان 1441 هـ - 29 أبريل 2020 مـ رقم العدد [15128]


مقالات ذات علاقة

10/01/2018

صدمة التراث الاسطوري



في الموقف من الفلسفة ودخالتها في تشكيل المفاهيم الدينية ، انقسمت المدرسة الدينية الشيعية الى فريقين: فريق اعتبر الفلسفة تهويما في عوالم بعيدة عن الطبيعة المباشرة والبسيطة للنص ، وفريق اعتبر العقل شريكا للنص في ادراك الحقيقة المركبة والمعقدة للوجود.

ملاهادي السبزواري
لازال الجانب الاعظم من نقاشات الفلسفة الدينية التقليدية ، يدور في إطار الرؤى التي وضعها صدر الدين الشيرازي (1571- 1640م) ، ولا سيما في كتابه الشهير "الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة". يعرف الشيرازي ايضا بالملا صدرا وصدر المتألهين. وقد كرس كتابه لتجسير الفجوة بين مقولات الفلسفة اليونانية ، والمفاهيم التي تطورت في الاطار المعرفي الاسلامي ، خاصة تلك التي تبدو متعارضة مع التفسير المادي للعالم.

نشر علماء كثيرون شروحا على الكتاب ، ابرزها حاشية الملا هادي السبزوراي ، المتوفى في 1873م.  

في حديثه عن نعم الله على عباده ، ذكر الشيرازي خلق الحيوانات: "وبعضها للاكل.. وبعضها للركوب والزينة.... وبعضها للنكاح". ويستفاد من العبارة ان النساء نوع من الحيوان. واستدل عليها بالاية المباركة (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا). وعلق السبزواري على هذا بقوله "ادراجها في سلك الحيوانات ايماء لطيف إلى أن النساء ، لضعف عقولهن وجمودهن على ادراك الجزئيات ورغبتهن إلى زخارف الدنيا ، كدن ان يلتحقن بالحيوانات الصامتة حقا وصدقا. أغلبهن سيرتهن كالدواب. ولكن كساهن صورة الانسان ، لئلا يشمئز عن صحبتهن ويرغب في نكاحهن. ومن هنا غلب في شرعنا المطهر جانب الرجال وسلطهم عليهن في كثير من الاحكام". (الحكمة المتعالية للشيرازي ، ط3 دار احياء التراث العربي-بيروت، 3/136 -الهامش)

تذكرت هذا النص وأنا أقرأ مقالا للدكتور ابراهيم المطرودي (الرياض 3 ابريل 2013) نقل فيه نصا مماثلا للمفسر الشهير الفخر الرازي ، في تفسير الآية (خلق لكم من أنفسكم أزواجا) حيث اعتبرها دليلا على أن "النساء خلقن كخلق الدواب والنبات ... خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا، وتكليفهن لإتمام النعمة علينا، لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا... لأن المرأة ضعيفة الخلق، سخيفة، فشابهت الصبي". 

ويستدرك المطرودي بأن الرازي "يسحب ثقافته التي كوّنها عن المرأة بنفسه أو شاعت في زمانه، ويجعلها جزءاً من النص الديني، فتتحوّل بفعله الكتابي التفسيري من موقف شخصي أو ثقافي اجتماعي إلى معنى ديني، يجد سنده في النص الديني نفسه، ويصبح بعد ذلك جزءا منه".

مضت قرون منذ كتب الاعلام الثلاثة تلك الكتب ، وتوالى عليها علماء كثيرون بالقراءة والشرح والتدريس. لكن احدا من هؤلاء – فيما نعلم - لم يوجه نقدا لمثل المقولات المذكورة أعلاه. وهي للمناسبة متكررة بصيغ شتى عند فقهاء ومحدثين آخرين.

صحيح ان فقهاء اليوم ما عادوا يكتبون اشياء كهذه. وصحيح ايضا ان المئات ممن قرأوها طيلة القرون الماضية لم يتعرضوا لها بالنقد ، لم يقولوا انها بعيدة عن روح الدين ، غريبة على الذوق الانساني السليم.

اعلم ان بعض الناس سيشعر بالصدمة حين يقرأ تلك النصوص. وبعضهم سيقول ان "لكل فارس كبوة" ولا يؤاخذ عالم بهنة هنا او هناك. لكن ما يهمنا بيانه هو ان تلك الأقوال نتاج لثقافة سادت في زمن ، ثم جرى تثبيتها وتمريرها عبر الأزمان ، فباتت جزء من تكويننا الثقافي ورؤيتنا للعالم حولنا. ان رؤيتنا المشوشة للطبيعة الانسانية ، حقوق الانسان ، حرية الاعتقاد والتفكير ، المساواة ، ومواقفنا في حالات الخلاف والاختلاف ، متأثرة بعمق بذلك النوع من الموروث الثقافي الذي استوعب قدرا غير قليل من التصورات الاسطورية ، وأعاد انتاجها كجزء من الرؤية الدينية للعالم.


الشرق الاوسط الأربعاء - 22 شهر ربيع الثاني 1439 هـ - 10 يناير 2018 مـ رقم العدد [14288]


مقالات ذات علاقة




ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...