لو اردنا تلخيص تاريخ الانسان منذ
البداية وحتى اليوم في جملة واحدة ، لقلنا انه : كفاح من اجل التحرر والانعتاق.
التحرر من قيود الطبيعة والتحرر من قيود الخرافة والتحرر من قيود الغشم والتحكم .
جوهر انسانية الانسان هو ان يعيش حرا منطلقا قادرا على تجاوز حدود الجغرافيا وحدود
البيئة وحدود الذات. كمال الانسان يكمن في تحرره ، في انطلاق عقله ، ولهذا وضع
التحرر بين اهداف الرسالات السماوية "ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي
كانت عليهم".
- هل تحتاج الحرية الى
اثبات نظري؟.
ربما ، لكننا ندعو المرتابين في
ضرورتها الى تجربتها اذا لم يكونوا قد فعلوا، او الى التامل في معنى وقيمة الحرية
التي مارسوها . ازعم انه لا يوجد انسان الا وقد خاض تجربة التحرر ، وازعم انه لا
يوجد انسان الا وقد احب الحرية وكره القيود.
ربما يختلف الناس في مساحة الحرية
التي يشعرون بالحاجة اليها ، وربما يختلفون في تقديرهم لمساحة المسؤولية التي
تناظر مساحة الحرية ، وربما يختلفون في تقدير ضرورتها في وقت معين ، او في اهلية
الاخرين لتحمل ما يترتب عليها. لكن لا يوجد احد في شرق العالم او غربه ، في حاضر
الزمن او غابره ، يجرؤ على القول صراحة انه ضد الحرية أو ان العبودية خير منها.
هذه الخلافات لا تدور في حقيقتها حول
قيمة الحرية وضرورتها ، بل حول اولويتها على غيرها من الخيرات الاجتماعية. اشتهرت
الماركسية بتقديمها للعدالة الاجتماعية على الحرية ، وهي تبرر ذلك بان الحرية لا
معنى لها اذا كنت جائعا او فقيرا معدما. لا يستطيع الانسان التمتع بحريته طالما كان
مفتقرا الى ضرورات الحياة الاولية مثل الغذاء والدواء والمسكن.
واشتهر الناصريون بشعارهم
المعروف "لاصوت يعلو فوق صوت المعركة". كان تحرير الارض اولى عندهم من
تحرر الانسان. وفي وقتنا الحاضر تقف شريحة كبيرة من الاسلاميين التقليديين ضد دعاة
الحرية لانهم يرون فيها طريقا الى انفلات الزمام وتدهور المعايير والاعراف التي
يرونها ضرورية لصيانة اخلاقيات المجتمع والتزاماته الدينية.
هذه المبررات لا تقنع الليبراليين ،
لان القبول بها يعني في نهاية المطاف التضحية باغلى القيم الانسانية ، اي جوهر
انسانية الانسان. صحيح ان لقمة العيش اغلى من الحرية واولى ، لكن هذا
التفاضل ظرفي محدود بزمانه ومكانه واشخاصه ، ولا يصح تعميمه. الليبراليون
رفضوا الماركسية التي
تجعل الدولة متحكمة في الحرية ولقمة العيش معا. وهم يقولون للدولة : دعوا الناس
يصنعون حياتهم بعقولهم وايديهم. لا يحتاج الناس الى لقمة العيش التي تقدمها الدولة
، بل يحتاجون الى الحرية وحق الاختيار وسوف يدبرون خبزهم وما يزيد عن الخبز.
ورفض الليبراليون المقولة الناصرية ،
لان العبيد لا يحررون ارضا ولا يبنون وطنا ، بل ليس من المنطق ان تدعو لتحرير
الارض بينما تستعبد اهلها واصحابها. ورفض الليبراليون مقولات الاسلاميين
التقليديين ، لانها تنطلق من ارتياب في اهلية الانسان وقدرته على التحكم في افعاله
وتحمل مسؤولياته. هذا الارتياب يذكر بفلسفة الاثم الاصلي المسيحية التي تعتبر
الانسان آثما بطبعه ، وانه اميل الى ظلمات الشيطان منه الى نور الرحمن.
الليبرالية ليست
ايديولوجيا مغلقة ، وليست نموذجا مفردا تاخذه كله او تتركه كله. الليبرالية ليست
منتجا ينسب الى شخص او هيئة او دولة على وجه التحديد. انها تعبير شبه معياري عن
تطلع انساني يتناغم مع طبيعة الانسان الاصلية التواقة الى التحرر والانعتاق.
ربما يستعمل بعض الناس مسمى
الليبرالية ضد الدين او ضد المجتمع ، مثلما يستعمل اخرون مسمى الدين ضد الحرية او
ضد المجتمع. ومثلما استعمل الماركسيون مبدأ العدالة الاجتماعية في اقامة دولة اشبه
بمعسكر. لكن هذه لا تعيب الفكرة . يبقى الدين في الجوهر منهجا للخلاص الانساني ،
كما تبقى الليبرالية عنوانا لتطلع الانسان نحو الحرية.
مقالات ذات علاقة
ان تكون عبدا لغيرك
جدل الدولة المدنية ،
ام جدل الحرية
حدود الحرية .. حدود
القانون
الحريات العامة كوسيلة
لتفكيك ايديولوجيا الارهاب
الحرية التي يحميها
القانون والحرية التي يحددها الق...
الحرية المنضبطة
والشرعية: مفهوم الحرية في مجتمع تقليدي...
الحرية بين مفهومين
الحرية والنظام العام
الحرية وحدودها
القانونية
الحرية وحق الاختلاف في
منظور الاسلاميين: عرض كتاب
حقوق الانسان : قراءة
معاصرة لتراث قديم
دعاة الحرية وأعداء
الحرية
السعادة الجبرية: البس
ثوبنا أو انتظر رصاصنا
الطريق الليبرالي
عن الحرية والاغـتراب
عن الليبرالية وتوق
الانسان للتحرر: اجابات
كيف يضمن القانون حرية
المواطن ؟
الليبرات والليبرون
المكبوتون المخدوعون
الليبرالية ليست
خيارا
مجتمع الاحرار
مجتمع الأحرار.. ومفهوم
الحرية
مجتمع العبيد
معنى ان تكون حرا ،
اراء قديمة وجديدة
من يتحدث حول الحرية..
وماذا يقول ؟
الهجوم على الليبرالية
ليس سيئا