‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجنرال ضياء الحق. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الجنرال ضياء الحق. إظهار كافة الرسائل

03/11/2021

في معنى "الدروشة" وتطبيقاتها


قرأت قبل مدة دعوة لامام مسجد في قرية من قرى السودان ، فحواها ان هذه القرية التي يسكنها بضع مئات ، تشكو من العطش ، لافتقارها الى مضخة لاستخراج الماء من البئر. وان الرجل يدعو كل من وصله الخبر ، لمساعدة اهالي القرية في شراء المضخة العتيدة.

في وقت مقارب قرأت قصة ويليام كامكوامبا ، وهو فتى من قرية صغيرة غرب جمهورية مالاوي الافريقية. يقال ان هذا الفتى قلب المشهد في قريته رأسا على عقب ، حين صنع مولدا للكهرباء من طاقة الرياح ، فوفر لهم الاضاءة ومضخة الماء التي مكنت الأهالي من العودة للزراعة ، بعدما كاد الجفاف الشديد ان يودي بمصدر عيشهم الوحيد.

لم يكن الأمر سهلا. فحين اخبرهم ويليام عن فكرة مولد الكهرباء ، ضحكوا عليه ، وحين بدأ في جمع الاخشاب ولحاء الشجر وقطع السكراب والعجلات المكسورة ، غضبوا منه. لكنهم في نهاية المطاف رأوا المصابيح تضيء والماء يتدفق من فم المضخة.

هذا الحادث جعل كل شخص في تلك القرية ، يعيد النظر في طريقة حياته ونظرته الى نفسه ومن حوله. وعندئذ تحولت القرية الى محج للباحثين عن فكرة مبدعة أو إلهام.

كيف نفهم الفرق بين المثالين ، وأي معيار نعتمد في المقارنة بينهما؟.

دعني أذكر القاريء بقصة "الدروشة" التي نقلتها عن المرحوم مالك بن نبي في مقال سابق. وكان الاستاذ مالك يحذر من الانزلاق الاعمى الى ما اسماه الدروشة ، التي احد تمثيلاتها هو ربط التحولات المادية في العالم ، بالممارسات التي تحمل طابعا روحيا. من ذلك مثلا الاعتقاد السائد بأن التزام الناس بالشعائر الدينية ، أو حتى اعلان تطبيق الشريعة في بلد ما ، أو وصول أشخاص معروفين بالتدين الى سدة الحكم ، سوف يؤدي بصورة شبه اوتوماتيكية ، الى تحول في الحياة والاقتصاد ، بحيث تتنزل النعم والبركات على الناس من دون سعي ولا حساب. وذكرت يومذاك الآية المباركة "ولو ان اهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض" التي راج الاستشهاد بها بعد اعلان الجنرال ضياء الحق تطبيق الشريعة الاسلامية في باكستان سنة 1979 ، ومثله انقلاب السودان سنة 1989 وانتصار الثورة الايرانية في 1979 وانتصار حركة طالبان في 1996. ونظير هذا ما قرأناه قبل حوالي شهر ، من ان معدلات الجريمة في كابل ، عاصمة افغانستان ، وصلت الى الصفر منذ ان سيطرت عليها حركة "طالبان".

والذي نعلم طبقا لما يتوفر من احصاءات وأرقام ، فضلا عما نراه عيانا ، ان جميع البلدان المذكورة ، لم يتحسن حالها بعد اعلان الشريعة او صعود الاسلاميين الى السلطة ، بل الذي حدث هو العكس تماما ، فقد تدهورت معايش الناس وتعثر الاقتصاد الوطني ، فبات أشد ارتباطا بالخارج ، كما بات الناس اقل رضى بحالهم ، وأشد رغبة في تغيير سياسي واجتماعي واسع النطاق.

دعنا ننظر في مثال القرية السودانية التي طلب امامها العون من الآخرين ، مقارنة بالقرية الملاوية التي شهدت تجربة في استنباط حلول محلية للمشكلات ، اعتمادا على المعرفة وعمل الذهن ، و – بطبيعة الحال – الارادة القوية. اي المثالين أقرب الى حقيقة الايمان ، ايهما أقرب من مراد الخالق في الخلق ، الامام الذي طلب العون من الناس ، ام الفتى الذي ابتكر الحل معتمدا على عقله أولا وعلى ما يتوفر من مواد في البيئة المحلية؟. اي المثالين اقرب الى معنى الدروشة وايهما اقرب الى معنى بركات السماء؟.

الشرق الاوسط الأربعاء - 28 شهر ربيع الأول 1443 هـ - 03 نوفمبر 2021 مـ رقم العدد [15681]

https://aawsat.com/node/3281901/

مقالات ذات صلة 

 اختيار التقدم

الأمل الآن وليس في آخر الطريق

بقية من ظلال الماضين

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تفكيك التداخلات

التقدم اختيار.. ولكن

 تلميذ يتعلم وزبون يشتري

 التمكين من خلال التعليم

الحداثة تجديد الحياة

خطباء وعلماء وحدادون

دعوة التجديد بغيضة.... ولكن

رأي الفقيه ليس حكم الله

 شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

فكرة التقدم باختصار

الفكرة القائدة ، مثال الواتس اب

كيف نتقدم.. سؤال المليون

المكنسة وما بعدها

نسبية المعرفة الدينية

نقد التجربة الدينية

هيروهيتو ام عصا موسى؟

16/03/1997

اقامة الشريعة بالاختيار


في كل الاحوال فانه ليس لاحد من الاطراف السياسية ، حزبا طليعيا كان ، او فقيها مجتهدا ، او زعيما تاريخيا ، تعيين نفسه بديلا عن الجمهور في اختيار مستقبله ، أو وكيلا مطلق الصلاحية يرسم ما يشاء دون رجوع الى الراي العام الصريح والمنظم.

 لقد عانى المجتمع العربي ولايزال يعاني الامرين ، من سياسات الاشخاص او الجماعات التي تعتبر نفسها ضرورة للشعب والوطن ، ونبتا فريدا في صحراء عجزت ارضها عن انبات غيره ، وظهر لنا ان هذا النبت الفريد لم يكن غير اثل وشوك ، لا هو بالمطعوم حتى يسمن من جوع ، ولا هو بالصلب العود حتى يدفيء من برد ، بل ربما يمكن القول ـ من واقع تجارب عربية عديدة ـ
  ان الجماعات او الزعماء الاكثر تبجحا وادعاء ، هم الاقل نجاحا في بلوغ ما يدعون من اهداف ، فكانه ثمة تناسب عكسي بين التبجح والنجاح ، وما تجربة صدام حسين عنا ببعيدة ، ولاتجربة الزعيم الليبي  بمجهولة .
يقول يونس بحري ، الاعلامي العراقي القديم (1900-1979) ان الشعار الفارغ كان منقذا له من السجن ، فقد كان سجينا في عهد اللواءعبد الكريم قاسم ، وقد زار قاسم السجن مرة ، فاراد الرجل انتهاز الفرصة ، فهتف وهتف معه بقية السجناء (يعيش الزعيم الاوحد) وصدق قاسم انه زعيم اوحد فامر باطلاق اولئك السجناء ، ثم اشار بضم الشعار الجديد الى قائمة الشعارات الرسمية ، لكن الزعيم الاوحد لم يلبث غير اسابيع حتى اصبح وحيدا تحت التراب .

 لقد ولى الان زمن (القائد الضرورة) و (الزعيم الاوحد) و (حزب الرسالة الخالدة) وكشف توالي الاحداث والتجارب هزال هذه الاوصاف بل زيفها ، وقد حان الوقت ، بل لقد حان منذ زمن طويل ، لكي يستعيد الجمهور دوره في اختيار مستقبله بنفسه ، دون وصاية عليه او نيابة عنه ، لقد بلغنا سن الرشد ، ولانحتاج الى اوصياء علينا او وكلاء يبيعوننا الاحلام .

اذا كان الجمهور يريد اقامة الشريعة ، فلا يمكن لاحد - اخلاقيا - منعه من مراده ، واذا كان قلقا منها فهو غير مكلف  شرعا بقتال الناس حتى ينصاعوا للنموذج الذي اختاره. كل فرد من الناس مكلف ومسؤول امام الله ، بقدر ما نحن مكلفون ومسؤولون ، وفي داخل كل مسلم عقل كامل ، كما في رؤوسنا عقول ، ثم اننا موقوفون يوم القيامة للحساب افرادا ، ليواجه كل نتائج خياراته في الحياة الدنيا فـ (كل امريء  بما كسب رهين) ،  وعليه فليس لنا ، وليس لاحد مهما كانت صفته ، الحق في ان يسوق الناس  ـ سوق الانعام ـ من حظيرة الغير الى حظيرته ، ولو كانت ـ في عينه ـ اوسع واجمل ، ان اقوى المبررات لا يكفي للبرهنة على جواز اجبار الناس على اتخاذ خيار محدد ، ولو كان الجبر متاحا ، لاتيح لرسول الله (ص) الذي يخاطبه القرآن قائلا (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)  لقد اثبتت التجربة الباكستانية ، كم كان الثمن غاليا حينما فرضت القوانين الشرعية بقوة الجيش ، حيث تظهر الاحداث ان التأييد الشعبي للاسلاميين ، في الانتخابات التي اعقبت نهاية الحكم العسكري ، بوفاة الجنرال ضياء الحق عام 1988، قد انكمش الى مستويات مقلقة ، بالمقارنة مع الاوضاع السابقة على قيام الحكومة العسكرية في يوليو 1977.

الناس ومصالحهم

نؤمن بان اقامة الشريعة ستوجد اليات مثلى لضمان مصالح الجمهور ، لكن لا يمكن ـ من الناحية العملية ـ ضمان مصالح الجمهور دون موافقته المسبقة على المنهج الذي تقوم في اطاره هذه الاليات ، ان الادعاء بامكانية التحديد المسبق والالزامي لطبيعة المصالح العامة ، هو ادعاء يعوزه المنطق ، اذ لا يوجد في العالم كله ، شخص او حزب هو اعرف بمصالح الناس من الناس انفسهم ، ولايوجد في العالم كله ، احد اقدر على ضمان مصالح الناس من الناس انفسهم ، وتدلنا تجربة التنمية في البلاد العربية وكثير من اقطار العالم الثالث ، على النتائج المريرة التي انتهت اليها محاولات الانماء المعزول عن المشاركة الشعبية ، بما يكفي للتدليل على ان أي برنامج تطوير لايرضى به الشعب ولا يشارك فيه ، لن يصل الى غاياته ولو دفع في سبيله الكثير من المال وبذل لانجاحه الغالي من الجهد والوقت ، ربما نفعل المستحيل لانماء البلاد وتطويرها ، لكن كل انجازاتنا ستكون بلا قيمة ، اذا لم يكون الجمهور شريكا فيها ومساهما وحاميا ، ولا يختلف الامر بين ان يكون هذا التطوير قد جرى وفقا لاحكام الشريعة او وفقا لغيرها .
 واذا اتخذ الجمهور جانب المتفرج ، فلن نحصد من وراء جهدنا غير التعب ، وسوف ينسانا الناس ، على ان ما نخشاه حقا هو ان نكون من (الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا) ، فلعلنا نسعى الى فرض اجتهاداتنا على الناس فنظلمهم تحت هذا المبرر او ذاك ، فنخسر ما نأمله من عون الله ومحبته ورضاه .

في كل الاحوال فانه لا ينبغي للمؤمن الحق ، ان يستبدل دور الداعية بدور الجلاد ، اذا قبل الناس دعوتنا واستطعنا ان نقيم الشريعة بالتعاون معهم فقد كسبنا صفقة العمر ، واذا لم يقتنع الناس بما ندعوهم اليه ، فليس لنا ان نضع السيوف في اعناقهم حتى يأخذوا بمذهبنا او يروا رأينا ، لن تقوم الشريعة بالاكراه ، ولسنا مسؤولين ـ شرعا ـ عمن ابى او جفى (ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا افانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) واذا ثبت هذا فاننا بحاجة الى وسائل في العمل تتجه نحو اقناع الناس ، دون وضعهم في الحرج ، نحن بحاجة  الى جدل يرتفع بمستوى الساحة ، جدل يعزز قدرة الناس على الاختيار ، ولئن فشلنا اليوم فان في مستقبل الايام متسع لكل طالب حق عادل .

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...