‏إظهار الرسائل ذات التسميات عايض القرني. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات عايض القرني. إظهار كافة الرسائل

11/04/2024

هل تذكرون قصة المغامسي؟

 

لماذا ننتقد الخلط بين الدين/الايمان وبين الهوية.. اليس يقال دائما ان الاسلام دين وهوية ، او دين ووطن أو دين فوق الوطن؟.

 حسنا. هذه اقوال شائعة ، يظنها أكثر الناس بديهية. ولذا لا يتوقفون عندها مسائلين او مجادلين. في حقيقة الامر فان موقع الهوية في التكوين الذهني لأي فرد ، وانعكاسها على سلوكه ، مسألة قابلة للنقاش وليست مسلمة مغلقة. وأنا من القائلين بتعالي الدين على الانتماءات الاجتماعية والقومية ، فلا يصنف كهوية اجتماعية ، ولا يزاحم الهويات الأخرى التي يتبناها الانسان في مسار حياته.

الشيخ صالح المغامسي

في أوقات سابقة ، كنت اتأمل في قول شائع أيضا فحواه انه اذا كان ثمة عيب ، فهو في المسلمين وليس في الاسلام. ويقال عادة حين يجري الجدل في سلوكيات بعض المسلمين ، فتنسب للدين الحنيف ، نظير الاعمال التي تشير لميول عنيفة او تمييزية ، وكذا الدعاوى التي تبرر الابتعاد عن سبل التقدم العلمي والتقني. كما يستذكر بعضنا قول الشيخ محمد عبده  بعد عودته من باريس في 1881م ، وخلاصته انه رأى هناك اسلاما بلا مسلمين ، ورأى عكسه في مصر. وقال مثل هذا الشيخ عايض القرني ، الواعظ السعودي المعروف ، بعد رحلته الباريسية سنة 2008 ونشره في هذه الصحيفة.

هذه الأقوال وأمثالها ، تشير لمسألة يقبلها غالبية الناس فيما أظن ، وهي ان هناك فاصلة بين الصورة المثالية للدين وبين الممارسات اليومية لاتباعه ، فاصلة تضيق حينا وتتسع أحيانا.

وأميل للاعتقاد بأن هذا أمر طبيعي في العلاقة بين أي جماعة بشرية والمنهاج الايديولوجي الذي تتبناه ، سواء كان ربانيا او بشريا. وفيما يخص الاسلام ، فان قولنا بصلاحيته لمختلف الأزمان والأمكنة ، يعني على وجه الدقة ان تطبيقه في أي مجتمع او زمان ، سيكون – بالضرورة - ناقصا او مختلفا عن التصور المثالي ، او مفارقا لواقع الحياة. ولولا هذا ماظهرت حاجة للاجتهاد والتجديد. كل فكرة جديدة ، او لنقل - على سبيل التحفظ – غالبية الافكار الجديدة ، هي في الاصل سؤال لم يجد جوابه في المنظومات الفكرية والسلوكية السائدة ، مما دفع بعض الاشخاص لاعمال فكرهم بحثا عن جواب. وهكذا كل جديد ، في كل حقل ، من الدين الى العلم والتكنولوجيا والأدب ، وغيره.

هذه أمور احسبها محل اتفاق بين جميع المسلمين. مع ذلك فان دعاة الاصلاح والتنوير ، بل كل صاحب رأي جديد ، يواجه عنتا إذا أعلن رأيه. ولعلنا نذكر رد الفعل الخشن الذي قوبلت به دعوة الشيخ صالح المغامسي ، الفقيه السعودي المعروف ، حين تحدث في رمضان من العام الماضي ، عن فتح باب الاجتهاد ولو أدى لقيام مذاهب جديدة.

قصة المغامسي وقصص كثيرة مثلها ، تكشف ان رد الفعل الخشن على دعوات التجديد ، لم تنبعث من خوف على الاسلام كدين قائم بذاته ، بل هي في الغالب نوع من الدفاع عن الذات ، اي عن الهوية الاجتماعية التي تلبس رداء الدين. نعرف هذا لأن الذين يعارضون الدعوات الجديدة ، لا يقولون ان الدين يمنع الاجتهاد ، بل يقولون: ماذا ترك السابقون للاحقين ، وكيف نتخلى عما ورثناه وألفناه.

لا يدعي معارضو الراي الجديد ان الكلام في الدين ممنوع ، لأن الاسلاف قد فعلوا. لكنهم ينكرون على القادمين الجدد مخالفة الأسلاف ، لأنهم جزء من نظام اجتماعي- ثقافي مستقر.

للمناسبة ، فان هذا الموقف الخشن تجاه الآراء الجديدة ، ليس حكرا على مذهب بعينه ، بل هو المسلك السائد في جميع المذاهب الاسلامية بلا استثناء ، وقد تبعتها في هذا الطريق الاحزاب والجماعات التي تدعي انها قامت على اساس ديني.

ويهمني هنا التأكيد على ان نقد الهوية والنظام الاجتماعي الذي يتصف بالاسلام ، لا يساوي نقد الدين. كما ان نقده او نقد الدين ليس مضرا بأي منهما ، بل هو ضروري لتجديد الفكرة الدينية.

 الشرق الاوسط الخميس - 02 شوّال 1445 هـ - 11 أبريل 2024 م   https://aawsat.com/node/4959621

مقالات ذات علاقة

 تأملات في حدود الديني والعرفي

تجديد الخطاب الديني: رؤية مختلفة

التجديد القديم واخوه العصراني

ثوب فقهي لمعركة سياسية

الحداثة باعتبارها حاجة دينيّة وواجباً أخلاقياً "عرض لكتاب "الحداثة كحاجة دينية"

الحداثة تجديد الحياة

الحداثة كحاجة دينية

 الحداثة كحاجة دينية (النص الكامل للكتاب)

حول الحاجة الى فقه سياسي جديد

حول تطوير الفهم الديني للعالم

دعوة لمقاربة فقهية جديدة

دور الفقيه ، وجدلية العلم والحكم

طريق التجديد: الحوار النقدي مع النص

طريق الشوك

عن الحاجة إلى تجديد الفقه الإسلامي

فتاوى متغيرة : جدل المعاصرة في التيار الديني

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

فقه جــديد لعصر جـديد

قراءة أهـل الشك

مرة اخرى : جدل الدين والحداثة

نظرة على علم اصول الفقه

نفوسنا المنقسمة بين عصرين

نقد التجربة الدينية

هيمنة الاتجاه الاخباري على الفقه

هيمنة النهج الفقهي على التفكير الديني

20/12/2010

فتوى الجمهور لا فتوى الفقيه

؛؛ المدخلي: مهما تشدد السلفيون لا يبلغون عشر ما كان عليه السلف من شدة على أهل البدع لدرجة أنهم يأمرون بقتلهم ويطاردونهم ويذلونهم،،


اتاح لي رمضان المنصرم (1431ه) فرصة لقراءة الجدالات الداخلية المزمنة بين اجنحة التيار الديني في المملكة.من اقصى اليمين التقليدي الى اقصى اليسار الاصلاحي مرورا بالصحويين والمتشددين والمعتدلين والعصرانيين .. الى اخر الاوصاف التي يطلقها كل فريق على بقية الفرقاء ، او يطلقها الاخرون من خارج التيار على شخوصه وجماعاته.
الشيخ عبيد الله الجابري
وهذه بالطبع ليست اوصافا موضوعية ولا خالية من الغرض. لكنها على اي حال تقال من اجل التعريف ، لان تلك الاجنحة تابى تعريف نفسها باسم خاص، وتصر على انها هي الجماعة المقصودة في رواية "الفرقة الناجية" او "الفرقة المنصورة " ، وهذا المسمى الاخير تعريف جديد طرحه احد الدعاة ولم يقبله جميعهم.
تحفل تلك الجدالات بقضايا ومواضيع وتوصيفات وتفسيرات واستدلالات تصلح بذاتها موضوعا للدراسة والتدليل على البيئة الثقافية وانساق المعرفة التي يعبر عنها كل جناح. ولاحظت في هذه الايام رواجا لوصف جديد هو "التمييع". وأظن ان الشيخين سلمان العودة وعايض القرني هما اكثر من يرمى به الان. 

واظن ان هذا الوصف قد ظهر في ادبيات الجدل الديني للمرة الاولى في العام 2004 على يد حركيين جزائريين من اتباع التيار المسمى بسلفية المدينة (او الجامية كما يسميهم اعداؤهم) ، ثم تداوله نظراء لهم من ليبيا ، قبل ان ينتقل الى التداول بين الحركيين في المملكة. وكتب احدهم رسالة اسماها "المجموع البديع في الرد على شنشنة التمييع" وافتتح اخر مجموعة انترنتية عنوانها "الجمع البديع في بيان معنى التمييع". وتحدث عنه الشيخان ربيع المدخلي وعبيد الجابري وهما من ابرز رموز ذلك التيار. ورفض المدخلي اعتبار الوصف مصطلحا معياريا ، لكنه يصح ان يطلق على اولئك الدعاة الذين قال انهم "يميعون اصول الاسلام ويرققونها ويهونون من شأنها، بل يحاربونها". 

تمييع اصول الاسلام ومحاربتها يكمن – حسب راي الشيخ - في ميل بعض الدعاة الى اللين ورفضهم للتشدد والغلو. وهو يعيب على السلفيين المعاصرين تركهم لما كان عليه نظراؤهم السابقون من شدة بالغة على مخالفيهم. ويقسم بالله ان سلفيي هذا اليوم مساكين: "والله الذي لا إله إلا هو أنه لا يوجد شدة الآن في السلفيين المساكين . و إنه مهما تشدد السلفيون في مواجهة الباطل و البدع لا يبلغون عشر معشار ما كان عليه السلف من الشدة على أهل البدع لدرجة أنهم يأمرون بقتلهم ، ويطاردونهم ، ويهجرونهم ، و يضربونهم ، ويذلونهم".
لست مهتما بتحديد موارد الحق والباطل في تلك الجدالات ، بل بدلالاتها السوسيولوجية ثم السياسية. فيما يتعلق بالجانب السوسيولوجي ، فقد وجدت فيها تطبيقات عديدة لواحدة من النظريات التي اثارت كثيرا من الجدل ، اعني بها تلك التي تقول بان عامة الناس يشتركون في صياغة نموذج التدين السائد في عصرهم الخاص. التصور الغالب ينحو الى اعتبار "الفكرة الدينية" منتجا معياريا للنخبة العليا من علماء الدين ، الذين يجتهدون في فهم النص وقراءة قضايا الواقع المعاش ، ثم يصدرون اراءهم التي تعامل باعتبارها فتوى او رايا دينيا ، او "توقيعا عن رب العالمين" ، حسب تعبير الشيخ ابن القيم. بالنسبة للملتزمين بتلك الاراء والفتاوى ، فان تطبيقاتها تعتبر "ممارسة دينية" تنطوي ، مثل "الفكرة الدينية" ، على قدر من القداسة المستمدة من ارتباطها المباشر بالمصدر الاعلى للتشريع اي النص المقدس.
اذا تابعت تلك الجدالات وما ترتب عليها من فتاوى واراء ومواقف ، فسوف تجد ان كثيرا من الحالات شهدت مسارا معكوسا ، فالفكرة الدينية او الفتوى لم تنتج ممارسة دينية ، بل  العكس هو الصحيح: الممارسة الدينية ، اي هموم وانشغالات عامة المؤمنين او بعضهم ، ولا سيما الناشطين منهم ، هي التي حددت لعالم الدين او صاحب الفتوى نطاق الرأي الذي سيصدر لاحقا. 

بعبارة اخرى فان الفتوى او الراي الذي يلبس رداء التشريع او التوقيع عن رب العالمين لم يكن اجتهادا مستقلا في النص ، بل هو موقف مسبق تجاه موضوع صيغ على شكل مسألة. واذا وضعت السؤال والجواب في اطار الصراع بين الاجنحة المختلفة ، فسوف تجد ان الراي الذي يرتدي عباءة الدين ليس سوى صياغة لنفس الموقف السياسي او الاجتماعي الذي يتخذه صاحب الفتوى تجاه الطرف الذي هو موضوع للفتوى ، تاييدا له او تنديدا به. اما بقية الكلام فليس سوى تفاصيل جانبية.
عكاظ 20 ديسمبر 2010  https://www.okaz.com.sa/article/370121/


مقالات ذات علاقة



اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...