‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة العامة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الثقافة العامة. إظهار كافة الرسائل

09/05/2024

حاضنات الابداع

 الأسبوع الماضي عادت جارتنا مريم من "مخيم الفضاء" الذي أقامته جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية ، ضمن مساعيها لاكتشاف المواهب المبكرة في مجالات التقنية العالية. حصلت  مريم وفريقها – وجميعهم طلاب في المرحلة الثانوية – على المركز الأول ، نظير تصميمهم نموذجا لقمر صناعي خاص بالاتصالات. شارك في "المخيم" - حسبما علمت - نحو 300 طالب من مدارس مختلفة في المملكة.

توالي هذا النوع من الاخبار المفرحة خلال العامين الاخيرين ،  يكشف عن زيادة ملحوظة في مسابقات البحث العلمي بين طلاب التعليم العام. واحتمل ان عددها في الشهور الاربعة الماضية ، قد تجاوز العشرين. عناوين الأوراق والأبحاث التي قدمها طلابنا في الفترة المذكورة ، تكشف عن رغبة عميقة في استيعاب تحديات التقنية الحديثة ، ومواجهتها من خلال تجربة فعلية ، قابلة للمقارنة والتقييم.

هذه فرصة غالية أمام المجتمع السعودي ، ينبغي الاهتمام بها ، واستثمارها على نحو يلائم ندرتها واهميتها. تتألف هذه الفرصة من 3 عناصر أساسية: 1- الرغبة الواضحة عند قطاع عريض من الشباب في تفكيك اسرار التقنية ، والانضمام الى قطار المبدعين. 2- رغبة شريحة معتبرة من الكادر الاداري والتعليمي ، في تجاوز المفاهيم القديمة في التعليم العام ، والتي تحصر اغراضه في الاختبار والشهادة. 3- توفر اكثر من جهة رسمية راغبة في دعم هذا النوع من النشاطات ، وأخص بالذكر كلا من مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع "موهبة" ، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا ، اضافة لشركة ارامكو.

هذه عناصر ما كانت مبسوطة في الماضي ، على النحو الذي نراه اليوم. لكني مع ذلك اود التأكيد على نقطة أراها ضرورية جدا:  

يصل عدد طلبة التعليم العام في المملكة  الى 6 ملايين ، وتضم الكليات الجامعية والمعاهد التقنية نحو 1.3 مليون طالب. هذه أرقام كبيرة جدا بالقياس الى عدد المشاركين في المنافسات العلمية.  بحسب الارقام المنشورة ، فان اكبر رقم اطلعت عليه هو 3,000 متنافس. واحتمل ان هناك ارقاما اكبر ، لكنها لا تتجاوز 10,000 متنافس. وافهم ان اولوية مطلقة قد منحت للمتفوقين في مختلف الصفوف. لكني أخشى ان هذا النوع من الاختيار قد ينقلب لامتياز سلبي. الامتياز السلبي عبارة عن توجه ضمني ، يحصر الاهتمام في هذه الفئة القليلة التي فازت في المسابقات او رشحت لها. ونعلم ان هذا يجعل مهمة انتاج المبدعين محصورة في دائرة لا يزيد عدد افرادها عن واحد في الالف ، أو حتى نصف هذا العدد.

نحتاج لبرنامج وطني يوسع دائرة المستهدفين بالنشاطات سابقة الذكر ، كي تشمل ما لا يقل عن 10% من اجمالي الطلبة ، اي نحو 750 الف طالب في مختلف مستويات التعليم. هذا رقم كبير ، لكنه ممكن أولا وضروري ثانيا. ضرورته تكمن في أنه يوفر البحر الذي يسبح فيه المبدعون. قد يبرز مبدع او مبتكر ، وسط مجتمع خال تماما من محفزات الابداع. لكن هذا من الصدف النادرة التي لا يعول عليها. فاذا أردنا مبدعين بالمئات والالوف ، فعلينا إقامة محيط اجتماعي منتج للعلم ، متفاعل مع الحياة العلمية وتيارات التقنية. عندها سيجد الشخص الموهوب والشخص الذكي والشخص الطموح بيئة تبرز تطلعاتهم وتعززها ، وتحولها من أمنية الى عمل ، ومن علم الى مال.

انضمام 10% من اجمالي الطلبة ، يحتاج بذاته الى جهد رسمي وأهلي واسع جدا ، ويتضمن خصوصا:

 1- تغيير مفهوم الأداء في مراحل التعليم الابتدائي والمتوسط ، كي يكون معيار النجاح هو نضج التفكير والابتكار ، وليس الحفظ والاختبار النهائي.

2- تدريب الأبوين على تحفيز المواهب عند ابنائهم ، ولا سيما من خلال القراءة والنقاش.

3- تزويد المدارس الابتدائية والمتوسطة بحاضنات الابداع ، اي المكتبة المتجددة ومختبر العلوم واللغات ورحلات البحث وجلسات المناقشة.

هذه في ظني اضافات ضرورية لجعل الابداع والابتكار محورا نشطا في حياة الشباب وعمل النظام التعليمي.

الخميس - 02 ذو القِعدة 1445 هـ - 9 مايو 2024 م  https://aawsat.com/node/5007776

مقالات ذات علاقة

أسس بنكا او ضع عقلك في الدرج
اول العلم قصة خرافية
بين النهوض العلمي والتخصص العلمي

تدريس العلوم بالعربية.. هل هذا واقعي؟

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع

تطوير التعليم من الشعار إلى المشروع
التعليم كما لم نعرفه في الماضي
التمكين من خلال التعليم
التخلي عن التلقين ليس سهلا

تعريب العلم ، ضرورة اقتصادية ايضا

تعزيز التسامح من خلال التربية المدرسية

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

التعليم والسوق.. من يصنع الآخر؟

التمكين من خلال التعليم

حقوق الانسان في المدرسة

حول البيئة المحفزة للابتكار

دعـــــوة الى التعــــليم الخــــــيري

سلطة المدير
فتاة فضولية
المدرسة وصناعة العقل
معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

شكوك في العلاقة بين الثقافة والتقدم

صناعة الشخصية الملتبسة

ما هي الأغراض الكبرى للتعليم الوطني

المدرسة وصناعة العقل

المدرسة ومكارم الاخلاق

هل نسعى لتعليم يملأ المكاتب بالموظفين؟

25/01/2024

عقل العرب ، عقل العجم

"تكوين العقل العربي" هو الكتاب الاول في مشروع د. محمد عابد الجابري الخاص بنقد العقل العربي. وقد حظي بشهرة قل نظيرها ، فطبع 16 مرة ، أولها في 1984.

في تقديمه للكتاب ، تساءل الجابري: هل ثمة فرق جوهري بين العقل العربي ونظيره الاوروبي والافريقي وغيره.

سؤال الجابري هذا يعيدنا لسؤال اسبق ، حول ماهية العقل وجوهره. الجواب على سؤال: ما هو العقل ، مقدمة لازمة لفهم سبب الاختلاف بين ما زعمنا انه عقل عربي وغير عربي ، على فرض ان هذا الاختلاف حقيقي وقابل للملاحظة.

د. محمد عابد الجابري

حسنا.. هل فكرت في حقيقة عقلك ، ما هو ولماذا يختلف بين شخص وآخر ، وبماذا يتمايز بين جماعة/امة واخرى؟.

الواضح ان اختلاف العقول منشؤه اختلاف محتواها ، اختلاف الذاكرة ، وطريقة التفكير والفهم. العقل الذي نتحدث عنه هو مجموعة الأدوات الذهنية التي نستعملها في معرفة الأشياء وتحديد قيمتها. فهل لهذا أهمية في تعريف العقل؟.

في ماضي الزمان اعتقد بعضهم بوجود صلة بين العقل والجغرافيا او العرق. فقالوا ان عقول الساميين تنبذ التعقيد ، بينما يعمل العقل الآري بطريقة مركبة او رياضية ، ولهذا فهو اعمق استيعابا لعناصر الطبيعة وما يربط بينها من خيوط.

نعلم الآن ان تلك الأوصاف لا تتصل بالتكوين البيولوجي للانسان.  كما نعلم أن العقل ليس شيئا ماديا ، بل وصف لعمليات لا مادية معقدة ، تجري في مختلف اعضاء الجسد الانساني بصورة متزامنة ، ولذا لا يمكن القبض على جزء منها وايقاف العمليات العقلية برمتها ، الا اذا توفي الانسان تماما وتوقفت جميع اعضائه عن الحياة.

وقد ذكرت في كتابات سابقة بعض من زعم وجود صلة بيولوجية لعمل العقل ، مثل البروفسور ادوارد ويلسون ، الذي عرض نظريته في كتاب "البيولوجيا الاجتماعية ، التوليفة الجديدة"  وأثار جدلا واسعا جدا ، مع انه قصر مدعياته على جانب ضيق من السلوك الحيواني ، وهو وجود امكانية لوراثة عوامل جينية ، وظيفتها مقاومة فناء الجنس. وهذا من الامور التي سبق طرحها ونقاشها ، لكن التيار العام في علم الاحياء لم يتقبلها.

اقول ان الفوارق بين العقول المختلفة ، ناتج عن اختلاف محتواها ، اي المواد التي يختزنها عقلك وعقلي وعقول الآخرين ، وليس الفارق في حجمه او شبكته الدموية والعصبية وجيناته ، كما زعم مدعو الصلة البيولوجية. ومن هنا فان الفارق بين ما نسميه عقلا عربيا وبين غيره ، هو فارق في محتواه ومخزونه.

اذا صدق هذا الوصف ، فسنذهب للخطوة التالية ، اي: من أين جاء هذا المخزون ، وكيف تكون على هذا النحو الخاص الذي اعطاني هذه الصفات الثقافية والسلوكية ، اي ما نسميه "الشخصية" ، بينما اعطى الآخر القادم من اليابان او أوربا مثلا  "شخصية" مختلفة ، أي صفات ثقافية وسلوكية مغايرة.

يعمل العقل كمرسل ومستقبل بصورة متوازية. يستقبل المعلومات والمؤثرات والمشاعر ويختزنها ثم يعيد انتاجها في صورة افكار ومواقف وسلوكيات. ومن هنا فانه لا يوجد عقل مستقل عن محيطه. ان الجانب الاعظم من تكوين العقل يأتي على شكل انفعال بالاشياء ، اي شعور بالرغبة او الخوف او السعادة او الالم او الحب او البغض او الدهشة او الاستغراب ، وكل من هذه الانفعالات يحمل معلومة عن العالم المحيط ، قد لا تكون منظمة ، لكنها تتحول حين يستقبلها عقل الانسان الى مخزون منظم ، يستعمله حين يتأمل في عالمه. كل شيء تلقيته بالامس يخدم تفكيري في الشيء الذي اتلقاه اليوم ، وهذا يخدم تفكيري غدا وهكذا.

من هنا فان البيئة المحيطة وما فيها من بشر واشياء وجغرافيا وتجارب ، تتدخل بصورة عميقة في صناعة عقل الانسان ، الذي يعيش فيها ويتفاعل معها. قد يشعر بهذا او لا يشعر ، لكنه على اي حال جزء من هذه الثقافة العامة التي نسميها "العقل الجمعي".

الشرق الاوسط الخميس - 14 رَجب 1445 هـ - 25 يناير 2024م  https://aawsat.com/node/4811716

مقالات ذات صلة

05/08/2014

المدرسة كأداة لمقاومة العنف


بعد ايام يعود شبابنا الى مدارسهم ، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق – فيما يبدو – بين شرائح واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم  في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء الافراط في التوقعات ، ينبغي التاكيد على ان هذا جهد وقائي ، يحجم دعوات العنف ، لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات اخرى بوسائل مختلفة. 
لا أملك تصورا عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سانطلق من فرضية الحاجة الى تغيير الباراديم او فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي ، وأضع بعض الافكار التي اظنها مفيدة في هذا السياق.
 اولى واخطر المهمات في رايي هي تعزيز قابلية الشباب لمقاومة الافكار الهدامة ، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام او التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف للنقاش في المنهج او خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم واهليتهم لنقد الافكار ومجادلتها.
الثانية: هي نشر احترام الحياة والانسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وابداعاتهم ، وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم تاريخ انتقائي لشبابنا ، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض لكلفتها المادية والمعنوية والانسانية ، ودون الاشارة الى الجانب الاخر المظلم ، فتحول التاريخ عند كثير منهم الى كائن مقدس يريدون احياءه بأي ثمن. اللباس والمظهر الذي نراه في جماعات العنف مثل "داعش" وأخواتها توضح تماما هذا النزوع الشديد لفرض الماضي على الحاضر.
التأكيد على احترام الحاضر وأهله واحترام تجربة البشرية يساعد ايضا على تحرير المجتمع من "قلق الهوية" اي الشعور العميق باننا ضعفاء مهمشون قليلو الحيلة في عالم يتفق ضدنا ، ويتآمر للقضاء علينا. قلق الهوية واحد من اهم الثغرات التي تستثمرها جماعات العنف لكسب الانصار والدعم المادي والسياسي.
الثالثة: التاكيد على شراكة الشباب في امور بلدهم وفي ملكية ترابه ، وقابلية مجتمعهم وحكومتهم للاصلاح والتطور وتحسين الاداء ، وكونهم شركاء في اي مسعى تطويري او اصلاحي ، بما فيها اصلاح القانون والسياسات وتوسيع الاطارات والمسارات الضرورية للاصلاح والتقدم. هذا التفكير يجب ان يبدأ بفتح الباب للنقاش في امور المدرسة والمجتمع القريب ، وتقبل المعلمين والاداريين لاراء الشباب المختلفة ، وتمكينهم من عرضها بحرية. اما الغرض النهائي فهو التأكيد على قابلية الاصلاح من خلال القانون وليس بالانقضاض على النظام الاجتماعي.
اخيرا فان شبابنا بحاجة الى فهم الدين كتجربة يشارك فيها كل مسلم ، وليس كصندوق مغلق يحمل اعباءه مرغما. ولهذا حديث آخر نعود اليه في قادم الايام.
الاقتصادية 5 اغسطس 2014
 http://www.aleqt.com/2014/08/05/article_873535.html

07/08/2012

سوريا ليست معركتنا



اشعر احيانا اننا نمارس السياسة مثل متفرجين في ملعب كرة. ثلاثون لاعبا يصنعون الحدث ، والاف الناس على المدرجات يهتفون لهذا الفريق او ذاك. في نهاية اللعبة يفوز طرف فيحصد المال والشهرة ، أما الاف المشجعين فيخرجون من المولد بلا حمص كما يقول المصريون. لا يكسبون شيئا من الغنيمة ، ولا أحد يسأل عنهم. خلاصة مكسبهم "شعور" مؤقت بانهم كانوا الى صف المنتصر او المهزوم.
الاغلبية الساحقة منا متفرج على لعبة السياسة. ثمة عشرون او ثلاثون لاعبا يتصارعون في ميادينها ، فيكسبون المال والسلطة والقوة. اما نحن ، ملايين الناس ، فتتقطع اعصابنا وحناجرنا تاييدا لهذا الفريق او ذاك. ندفع المال ، ونصارع اخوتنا واصدقاءنا. لكن حصتنا في نهاية اللعبة تتلخص في "شعور" باننا وقفنا الى جانب الاقوياء ، مثل طفل يقاتل كي يحصل على صورة مع ممثل مشهور.
خلال الايام الماضية امتلأت صحافتنا بالتحذير من تصاعد المشاعر الطائفية بين الشباب. تحذيرات جاءت كرد على التجييش المتصاعد للمشاعر في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من دوائر اللقاء بين الناس.
نشعر جميعا بالالم للتدهور المريع في اخلاقيات العلاقة بين ابناء الوطن. لكن ما نشهده اليوم ليس حدثا جديدا. مجتمعنا مدمن على خوض معارك الاخرين من مقاعد المتفرجين. كنا دائما الطرف الذي يمول الاخرين ويشجع الاخرين ويختلق التبريرات للاخرين. فعلنا ذلك في افغانستان ، وفي البلقان واسيا الوسطى ، وفعلناه في العراق ، ونفعله اليوم في سوريا ، وسنفعله غدا في بلدان اخرى.
ستنتهي الازمة في سوريا وتهدأ النفوس ، مثلما حصل في سابقاتها. لكن ما يستحق التوقف هو سلوك بعض النخبة، من كتاب ودعاة وناشطين، اتخذوا التجييش الطائفي مصعدا للنفوذ الاجتماعي. هذا سلوك ينطوي على مخاطرة شديدة قد تطيح بوحدة البلد وسلامه الاجتماعي واستقراره.
تستطيع استعمال فنون البلاغة كلها في تجييش مشاعرالمتفرجين. لكن هل ستتحمل المسؤولية عن عواقب هذا المسار .. انقسام المجتمع واندلاع الصراع بين شبابه؟.
ما يحدث في سوريا ليس معركتنا ، وما حدث في العراق وافغانستان والبوسنة واسيا الوسطى لم تكن حروبنا. غيرنا قرر الحرب وغيرنا سيكسب المعركة او يخسرها. لسنا سوى متفرجين في ملعب لكرة القدم. فلماذا ننقل هذه المعارك الى مجتمعنا ؟ لماذا نحارب بعضنا في معركة قررها الاخرون؟. اليس بلدنا يكفينا ، اليست مشاكلنا تكفينا؟. اي واحدة من اولوياتنا تمثل سوريا او غيرها ؟. اهي مقدمة على تحدي البناء والتنمية والوحدة الوطنية والاستقرار في بلدنا؟.
ايها المغامرون بوحدة الوطن ومستقبله وسلامه.. تأملوا في عواقب افعالكم .. وخافوا الله في وطنكم ومستقبل شبابكم.
الاقتصادية 7 اغسطس 2012






26/12/2010

الوطن هو الناس وليس الجغرافيا


 نحن بحاجة الى معالجة مفهوم "الوطن" في المناهج الدراسية حتى يصبح جليا وواضحا مثل الشمس . هذا المفهوم ليس راسخا في ثقافتنا العامة لانه جديد وقد استوردناه مع الكثير من المفاهيم الاخرى التي صاحبت قيام الدولة الحديثة (التي تسمى أيضا الدولة القومية او دولة الامة). 
وقد تكرر مصطلح "الوطن" في التراث العربي القديم. لكن مضمونه اصغر كثيرا من الوطن الذي نتحدث عنه اليوم. فهو يرمز الى مرابع الصبا واهلها ، اي بعبارة اخرى : القرية او القبيلة ، كما يقول ابن الرومي :
وحبب أوطان الرجال إليهم
 مآرب قضاها الشباب هنالكا
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم
عهود الصبا فيها فحنوا لذلكا
اما مفهوم الوطن المعاصر فيشير الى ما يعرف في علم السياسة بالدولة القومية ، اي مجموع السكان الذين يعيشون في بلد له سيادة ضمن حدود اقليمية معترف بها دوليا . ضمن هذا التعريف فان سكان هذا البلد يعتبرون امة بذاتها . وهم يتمايزون عن كل احد سواهم بانتمائهم الى هذا البلد المحدد وبالجنسية التي يحملونها. كل حامل للجنسية يعتبر عضوا في هذه الامة ومواطنا ، بغض النظر عن دينه او مذهبه او جنسه او اصوله الاثنية او ميوله الثقافية والسياسية . مفهوم المواطنة ضمن هذا التعريف يشير الى منظومة من الحقوق والواجبات المتبادلة بين المواطن ووطنه . منظومة يتساوى فيها الكبير والصغير ، الغني والفقير ، الابيض والاسود ، الرجل والمرأة . كل فرد يحمل جنسية البلد يسمى مواطنا ، يتمتع بنفس الحقوق التي يتمتع بها المواطن الاخر ، ويتحمل نفس الواجبات والمسؤوليات ، بلا زيادة ولا نقصان.
في كل بلد توجد تقسيمات اجتماعية طبيعية ، فهذا ينتمي الى قبيلة وذاك الى طائفة وثالث الى طبقة ، ورابع الى مجموعة اثنية خاصة الخ ..ولكل من هذه الانتماءات حصة في تشكيل هوية الشخص. ولذلك قد نجد فروقا بين ابناء القبائل او الطوائف او المناطق او المجموعات الاثنية . لكن جميع هذه الانتماءات تعتبر ثانوية بالقياس الى الهوية الوطنية الاعلى . الهوية الوطنية هي دائرة واسعة تسمح بالتنوع في داخلها ، مع بقائها جامعا لكل ابناء الوطن مهما اختلفت انتماءاتهم واصولهم وهوياتهم الثقافية.
نحن بحاجة الى تنسيج هذا المفهوم في ثقافتنا العامة وترسيخه كارضية للعلاقة بين ابناء وطننا . خلال السنوات القليلة الماضية اكتشفنا مدى التجاهل والتباعد القائم بين ابناء وطننا . وظهر ذلك في التجاذبات الطائفية والمناطقية والمذهبية والقبلية ، وفي الاسئلة الخاطئة التي تنتشر في المنتديات مثل سؤال : "هل انت مسلم اولا ام سعودي اولا؟". كما ظهر في القبول الواسع لفكرة التمايز بين المواطنين بناء على انتمائهم المذهبي او اصولهم القبلية . بل ورأينا مثل هذا التمايز مقبولا حتى في اجهزة مهمتها اقرار العدل ، مثل الحكم المشهور لاحد القضاة بالتفريق بين زوجين لان قبيلة الزوج ادنى كعبا من قبيلة الزوجة . ومثل فتوى احد المشايخ لموظف استفتاه بنبذ زملائه الذين ينتمون الى مذهب اخر ومقاطعتهم واحتقارهم والدعاء عليهم.
هذه الامثلة وغيرها دليل على ان المواطنة المتساوية لم تترسخ بالقدر الكافي في نفوسنا وفي ثقافتنا ، وان الهويات دون الوطنية ما زالت اكثر فاعلية في تشكيل مواقفنا وتصوراتنا حول وطننا وابناء وطننا. نحن بحاجة اذن ان نبدأ من الاساس ، من مرحلة الطفولة والصبا ، حيث يكون المواطن ثقافته الاولية ويصوغ شخصيته . اي من المدرسة التي تمثل المصدر الرئيس للثقافة ومعرفة العالم في مرحلة الطفولة والصبا.
ترسيخ فكرة المواطنة المتساوية يبدأ بالتعرف على الوطن الحقيقي ، الوطن الذي يتشكل من ابنائه جميعا ولا يقتصر على التضاريس الجغرافية . المملكة لا تتكون من جبال وصحارى ووديان وواحات ، بل تتكون اولا وقبل كل شيء من بشر يسكنون هذه التضاريس . يجب ان نعرف ابناءنا على هؤلاء البشر ، نظرائه في وطنه ، كيف يعيشون ، كيف يفكرون ، ما هي اسماؤهم وقبائلهم ، ثقافتهم المحلية ، همومهم واهتماماتهم .. الخ .

المعرفة هي الطريق الطبيعي للالفة والتآلف ، والمرء عدو ما جهل . ولذلك فان استئصال العداوة يبدأ بالمعرفة والتعارف. يمكن للتعليم العام ان يساهم بفاعلية في ترسيخ فكرة المواطنة اذا جرى توجيه الاهتمام الى المواطن ، واول خطوة هي تعريف كل مواطن الى نظيره ، وكشف حجاب الجهل الذي طالما ادى الى الاستغراب واحيانا الخوف او العداوة . 

 

مقالات ذات صلة

الاقتصاد كأداة لتعزيز الهوية الوطنية

حقوق الانسان في المدرسة

حول نظام حماية الوحدة الوطنية

دولة الاكثرية وهوية الاقلية

شراكة التراب وجدل المذاهب

شراكة التراب" كتطبيق لمبدأ العدالة الاجتماعية

الشراكة في الوطن كارضية لحقوق المواطن

طريق الاقلية في دولة الاكثرية

القبيلة والطائفة كجماعات متخيلة

 من التوحيد القسري الى التنوع في اطار الوحدة

من دولة الغلبة الى مجتمع المواطنة: مقاربة دينية لمبدأ العقد الاجتماعي

مناظرة تلفزيونية حول الدين والمواطنة

مواطنون فقط. لا ذميون ولا مستأمنون

الهوية المتأزمة

الوطن الرومانسي والوطن الواقعي

الوطن ، الهوية الوطنية ، والمواطنة: تفصيح للاشكاليات

وطن الكتب القديمة

الوطن شراكة في المغانم والمغارم

05/06/2008

في مبررات العودة الى التاريخ

انتماء الفرد الى تاريخه ليس خيارا ، بل هو منطق الامور. هذا التاريخ ليس سيرة حياة شخصية ، بل مجموع ما استخلصه المجتمع من تجارب حياتية ، تواصلت لزمن طويل . وتتمظهر تلك المستخلصات في الحياة الاجتماعية ، على شكل قيم واعراف ومسلمات وطرق في ادارة الحياة ، اي ثقافة عامة او خلفية للتفكير في الذات والاشياء ، تحكم السلوك العفوي لافراد الجماعة .

يبدأ المجتمع في نقل ثقافته الى اعضائه الجدد منذ ولادتهم ، من خلال المعايشة واللغة والترميز وتعريف الاشياء والثواب والعقاب ، وتتواصل تلك العملية حتى يشب الفرد ويصبح عنصرا متفاعلا ، اي مستهلكا ومنتجا للعرف والثقافة الاجتماعية.

تختلف المجتمعات في المساحة التي تتركها للفرد ، كي يعيد تشكيل ثقافته – وبالتالي هويته الخاصة – بعد ان يشب عن الطوق. فالمجتمعات الاشد ترابطا هي الاقل تسامحا في هذا الجانب ، وهي تتوقع من الفرد ان يقبل بالثقافة الموروثة ، ويعيد انتاجها من دون تعديل جوهري. وفي المقابل فان المجتمعات المفككة ، تفتقر الى وسائل فعالة لالزام الافراد بموروثها الثقافي.

لكن لا ينبغي الظن بان هذه المجتمعات متحررة ، او قليلة الاهتمام بأدلجة ابنائها. فهي تقوم بذلك من خلال قنوات كثيرة ، مثل التربية العائلية والمدرسة والعمل ووسائل الاعلام ، اضافة الى نظام العلاقات الاجتماعية ، القائم اساسا على منظومة قيم واعراف مثبتة سلفا. وتلعب اللغة دورا محوريا في هذا السياق. فاللغة ليست مجرد اداة للتواصل ، بل هي ايضا اداة لتعريف الاشياء وتحديد قيمتها. وهي اضافة الى ذلك اداة لحفظ واعادة انتاج مصفوفات الرموز والقيم الاساسية ، التي يرجع اليها العقل عندما يفكر في الاشياء وعندما يتخد موقفا. وهي اخيرا اداة لتعريف الاولويات والمسلمات والمشكوكات والاشياء المألوفة والمستغربة. ولهذه الاسباب جميعا يختلف الشاب الذي ولد لعائلة امريكية ، عن ذلك الذي تعلم اللغة الانكليزية كلغة ثانية ، والامر نفسه بالنسبة للفرد المولود لعائلة عربية ، حتى لو تحدث اللغة الاجنبية مثل اهلها.

ثقافة الفرد – وتبعا لها هويته – هي تكثيف لتاريخ مجتمعه ، وما تشكل في طياته من ثقافة.  ومن هذه الزاوية لا تختلف المجتمعات الناهضة ، عن نظيرتها الساكنة او المتخلفة. انما تختلف هذه عن تلك في وعيها بهذه الحقيقة او غفلتها عنها. من يعي تاثير التاريخ على ثقافته وتفكيره ، يستطيع التخلص من قيوده او الموازنة  بين ضرورات الثقافة وضرورات العصر. ومن يجهل ذلك يعيش بجسده في الحاضر ، وعقله سجين في تاريخ مضى ومات اهله.

المجتمعات الناهضة قليلة الاهتمام بالماضي واحداثه ، لانها منشغلة باستثمار الحاضر وامكاناته. وهي اكثر واقعية واعتدالا في التعامل مع الغير ، اذ ان محورية الحاضر تكرس قيمة العناصر التي يشملها ، بما فيها الشراكة مع الاخرين. وفي المقابل ترى المجتمعات الهامشية والضعيفة مأخوذة بالماضي . فهي تهرب اليه من صعوبات الحاضر ، وتلجأ اليه كي تتقي مشقة الاعتراف بالعجز عن تغيير احوالها. وفي مثل هذا الحال تتحول حوادث التاريخ الى اقاصيص منتقاة ، يجري تعديلها بين حين واخر ، كي تخدم غرضا محددا مثل تبرير الفشل او تسويغ التفلت من المسؤوليات. ونجد بين المتحدثين من يغرق في اضفاء صور اسطورية على شخصيات تاريخية معينة  ، والباسها رداء القوة الخارقة ، كي تنتج رسالة محددة فحواها ان الوضع البائس غير ممكن التغيير ، الا اذا وجدت معجزة او ظهر رجل خارق .

المجتمعات المقهورة ، تطور ميلا اشد الى الاحتماء بتاريخها ، وتكرسه على صورة حد يميز بينها وبين الغير ، وفي هذه الحالة فان أهل الحاضر يعيدون تصوير التاريخ ، باهمال بعض جوانبه ، والتركيز على جوانب أخرى ، بما يخدم فكرة تميز هذا المجتمع بثقافته وهويته ، بكلمة أخرى فان التاريخ هنا لا يعامل باعتباره ميدانا لتجربة سابقة ، ينبغي دراستها والاعتبار بنتائجها ، بل باعتباره مصدرا لتبرير الحاجات الراهنة ، واهمها حاجة الحفاظ على الهوية .

وثمة في الحاضر امثلة عديدة على اتجاه المجتمعات الى التاريخ ، كوسيلة لتجذير شخصيتها الخاصة ، كرد على محاولات الغاء الهوية من جانب المحيط الاقوى. في المجادلات التي نشهدها اليوم حول التطرف الديني والمذهبي وتفاقم النزعات القبلية والقومية امثلة  كثيرة على هذا التوجه.  التاكيد على الاصل ، حتى لو كان اقل شأنا من الحاضر ، يعتبر وسيلة فعالة في استعادة الثقة بالذات ، ومقاومة اشكال الاغتراب النفسي والاجتماعي ، التي يعانيها الانسان المقهور ، وسط مجتمع يعامله باستعلاء وتفاخر.

الايام 5-6-2008

http://www.alayam.com/Category.asp?CategoryId=5   

مقالات ذات علاقة 

اعادة بناء القرية .. وسط المدينة

الاموات الذين يعيشون في بيوتنا

الخروج من قفص التاريخ

سجناء التاريخ

سياسة الامس وتاريخ اليوم

 عـلم الوقـوف على الاطـلال

العودة إلى ثقافة الزمن المنقضي

 فضائل القـرية وحقائق المدينة

 في مبررات العودة الى التاريخ

 الكراهية

كيف تكون رجعيا.. دليل مختصر

المحافظة على التقاليد .. اي تقاليد

الهجوم على الثوابت .. اين هي الثوابت ؟


اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...