18/04/2006

طريق الاقلية في دولة الاكثرية


تصريحات الرئيس حسني مبارك والضجة التي اثارتها هي مثال آخر على المشكلات المتأصلة في الثقافة العربية المعاصرة وفي النظام السياسي العربي بشكل اخص .

تتحدث معظم دساتير الدول العربية والاسلامية عن حقوق متساوية لجميع مواطنيها بغض النظر عن اديانهم او مذاهبهم او اعراقهم القومية. لكن الوضع على الارض هو ابعد ما يكون عن هذه الصورة المثالية . فالاقليات في معظم البلدان العربية لا تتمتع بتمثيل مناسب في الدولة ، كما ان حقها في التعبير عن هوياتها وثقافاتها مقيد او مغفل .
 ويرجع هذا الى افتقار الثقافة السياسية وتركيبة النظام الاجتماعي في عموم المنطقة الى مفهوم التعدد الثقافي والقومي في المجتمع الواحد . فالثقافة السائدة لا  تنظر الى الدولة باعتبارها ملكا لجميع المواطنين . وهي تعامل الاقليات باعتبارها "آخر" يناظر الاكثرية . ومن جانبها فان الاكثرية تتعامل مع وجود الاقليات باعتباره عبئا على النظام الاجتماعي او مشكلة ، وفي بعض الحالات تهديدا للوحدة ومصدرا للمشكلات ، وليس فرصة لاغناء الثقافة والحياة المشتركة في وطن واحد يتسع للجميع. وفي هذا الاطار يتساوى وضع البلوش في ايران مع وضع الاقباط في مصر ويتساوى اكراد سوريا مع سكان جنوب السودان . ففي جميع هذه الاقطار تنتسب الحكومة الوطنية حصرا الى الاكثرية ، بينما ينظر الى بقية المواطنين باعتبارهم "خلقا آخر" ليس لهم من الحقوق غير ما تتكرم به الاكثرية او من يمثلها في السلطة .
الى ذلك ، تتميز الدولة الشرق اوسطية بمركزية شديدة ، فالشؤون الوطنية وتوزيع الموارد المشتركة تدار كليا من العاصمة وتخضع تماما لهيمنة النخبة المقيمة فيها. هذه النخبة مهمومة بالامن والسيطرة ، ولهذا فهي تنظر الى كل "مختلف" باعتباره غريبا او مصدرا محتملا للتهديد . وفي هذا الاطار تنظر تلك النخبة الى الاقليات كمسارب محتملة للمشكلات الواردة من وراء الحدود ، وخصوصا حين تقع توترات على الجانب الاخر ، واخص من ذلك حين تقع التوترات في مجتمعات تربطها مع هذه الاقلية روابط اثنية او ثقافية او غيرها .
كانت نهاية الحرب الباردة ، وتراجع قيمة الايديولوجيات الشمولية في اواخر القرن العشرين بارقة امل للمجموعات الاثنية التي اعتقدت ان رياح الاصلاح ستهب على الشرق الاوسط لتنهي سياسات التمييز التي سادت فيما مضى . ولحسن الحظ فان بعض التقدم قد تحقق خلال السنوات القليلة الماضية في بعض الاقطار على الاقل . لكن ما يزال امامنا الكثير قبل الوصول الى علاج شامل وجذري . نحن بحاجة الى مواجهة جدية مع العوائق البنيوية المتاصلة في النظام الاجتماعي والدولة بشكل عام ، والتي يتطلب رفعها ما هو اكثر من الاقرار اللفظي ، بل وحتى الدستوري بحقوق الاقليات. تحتاج كل دولة الى اعادة صياغة مفهومها للعلاقة بين المجتمع والدولة على نحو يختلف عن المفهوم القديم الذي يبرر او يسمح بهيمنة الاكثرية وتهميش الاقلية . وهذا الاجراء ليس ضروريا فقط لتسريع التحول الديمقراطي ، بل وبالدرجة الاولى لصيانة وتعزيز مصداقية النظام الاجتماعي والاستقرار على المدى البعيد. وهذا لا يتحقق بتصويرات بلاغية مجردة عن حقوق الانسان والمساواة ، او حتى الاقرار بالتقصير في حق الاقليات او التاكيد عليها في الدستور والبرامج السياسية ، وان كانت بطبيعة الحال ضرورية . مشكلة الاقليات عميقة جدا ومتأصلة في التركيب الاجتماعي – السياسي للبلاد ، وهي نتاج لعوامل عديدة ومتشابكة ، بعضها سياسي وبعضها اقتصادي ، وبعضها ثقافي ، تفاعلت لزمن طويل جدا حتى انتجت الوضع الراهن . ولهذا فان امكانية العلاج محصورة في استراتيجية شاملة ، متعددة الابعاد وشجاعة ، تستهدف على المدى القصير تمكين الاقليات من الخروج من حالة العزلة والانكماش على الذات. لا بد من الاقرار كخطوة اولى بالهوية الخاصة لكل من هذه الاقليات ، وما يترتب عليها من حقوق تتعلق بالتعبير عن ثقافتها الخاصة ، مهما كانت مختلفة مع ثقافة الاكثرية . كما ان من الضروري تمكينها من الحصول على تمثيل في الجهاز السياسي والاداري للدولة يتناسب مع حجمها البشري . وقد يقتضي الامر هنا تجاوز المعايير الاعتيادية المتعلقة بمنح المناصب العامة ، وتطبيق ما يوصف احيانا بسياسة تمييز ايجابي لفرض هذا التمثيل على البيروقراطية التي تابى في العادة التخلي عن امتيازاتها الاحتكارية لاي وافد جديد الى النظام .

من ناحية اخرى فان الاقليات الاثنية في العالم العربي بحاجة الى فهم جوهر مشكلتها التي لا علاقة لها بالدين او المذهب او اللغة ، رغم ان كلا من هذه العناصر يستخدم سياسيا من جانب جميع الاطراف . جوهر المشكلة يكمن في فلسفة الحكم وتركيب الاجتماع السياسي . ويجب على كل اقلية تركيز كفاحها على الحصول على تمثيل يتناسب وحجمها الحقيقي في جميع منظومات الدولة السياسية والادارية . عدا عن القيمة الرمزية لهذا التمثيل ، فانه الوسيلة الاكثر فاعلية لادماج الاقلية في النظام السياسي ، وهو الخطوة الحاسمة لالغاء التمييز واصلاح الثقافة السياسية .

http://www.alayam.com/ArticleDetail.asp?CategoryId=5&ArticleId=205050

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...