‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الاجماع. إظهار كافة الرسائل

12/06/2019

اجماع العلماء ... الا ينشيء علما؟




||لا نأخذ براي الفيلسوف في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ الراي الفلسفي من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي تاكيد ما هو مستقر||
لطالما لفتت نظري الأفكار القيمة التي قدمها علماء الطبيعة ، حينما كتبوا في الفلسفة ، أو قدموا آراء تندرج بطبيعتها في اطار الفلسفة. ان اطلاعي في هذا الحقل محدود. لكن عددا ملحوظا من الفلاسفة الذين قرأت لهم ، جاؤوا الى الفلسفة من الفيزياء على سبيل المثال. هكذا كان اينشتاين وكارل بوبر وتوماس كون. وكثير غيرهم. يشغل ذهني سؤال العلاقة بين الفلسفة وعلم الطبيعة ، ويؤلمني انني فقير في هذا الجانب وعاجز عن تفصيح الاسئلة ، فضلا عن تقديم اجوبة.
ستيفن هيل
ستيفن هيل
ما دعاني لاستذكار هذا الموضوع اليوم ، مقال لعالمة الكيمياء السعودية د. غادة المطيري ، عنوانه "إجماع الآراء لا يصنع علما". استعرض المقال بعضا من معاناة ستيفان هيل ، وهو عالم روماني – الماني ، برهن بما يقطع الشك ، على ان اتفاق مئات العلماء على رأي بعينه ، لا يحول هذا الرأي الى حقيقة.
كان هيل اول من أثبت امكانية تجاوز الحدود التي رسمتها "معادلة آبي" اي مجموعة الحسابات التي وضعها المخترع الالماني ارنست كارل آبي في 1873 حول الحدود النهائية لقدرة الميكروسكوب. واعتبرت منذئذ ، حقيقة موضوعية لا يمكن مخالفتها.
قضى هيل سنوات طويلة ، يواجه السخرية والتهميش في المجتمع العلمي ، لأن ادعاءاته "تخالف المنطق السائد ، أي الرأي الذي اجمع عليه العلماء طيلة قرن ونصف". لكنه في نهاية المطاف نال التقدير الذي يستحقه ، ، ومنح جائزة نوبل للكيمياء في 2014.
حسنا.. ما الذي يدعونا لهذا الحديث اليوم؟ يواجهني دائما سؤال: هل يصح الأخذ برأي لباحث أو مفكر معاصر ، وترك آراء اجمع عليها المئات من مفسري القرآن والفقهاء طيلة قرون؟ 
تنطوي في هذا السؤال ثلاثة موضوعات مختلفة تماما. لذا سنحتاج الى استيضاح ما الذي يشغل بال السائل قبل مواصلة النقاش. أ) فلعل السؤال متعلق بالمنهج ، يمكننا قوله بصيغة اخرى: اتفاق العلماء على رأي بعينه ، الا يعطيه صفة العلم القطعي أو الموضوعي؟. ب) وقد يكون السؤال متعلقا بالحكم (التكليف الشرعي) ، اي: اذا احتجت لاستبيان تكليفي الشرعي ، فهل آخذ برأي يتبناه شخص واحد او عدد قليل ، ام أختار الرأي الذي  يتفق عليه اكثر العلماء؟.
ت) اما الموضوع الثالث فيتعلق بالاطمئنان او الانعكاس النفسي للعلم. وهو يتضح في سؤال: لو قبلنا بتعدد الاراء في امور الدين وتغيرها بين حين وآخر ، الا يؤدي هذا الى اضعاف حالة الاطمئنان الضروري للتدين؟. 
اعتقد ان كل من يريد التفكير في أمور الدين ، يحتاج لفهم الفارق بين الموضوعين الأول والثاني: العلم والحكم. فالحكم لا تأخذه من عشرات العلماء ، بل من عالم واحد تطمئن إليه. وقد يكون أقل تمرسا وخبرة من سواه.  مثلما تختار الذهاب الى طبيب أقل شهرة أو خبرة من غيره ، لأنك ترتاح الى طريقته في العمل او مقاربته للمشكلات.
الاجماع على رأي يزيد قيمته العلمية ، ويجعله مطمئنا اكثر. لكنه لا يلغي احتمالات وجود رأي أصوب منه أو أكثر تقدما. ان تثبيت الاطمئنان هو دور الداعية والقائد. اما العالم فدوره تفكيك الاطمئنان وإثارة الاسئلة ، أي توسيع دوائر الشك. نحن لا نتبع العالم في أمور الدين. لكننا نستمع اليه لتوسيع معارفنا الدينية وغير الدينية. كما اننا لا نأخذ العلم من الداعية او القائد ، فدوره هو تعزيز التقليد ، اي اتباع ما هو مستقر ، وليس الابداع او الابتداع. العالم دليل الى المستقبل بقدر ما الداعية او القائد تاكيد لحضور التاريخ.
مقالات ذات علاقة


الشرق الاوسط الأربعاء - 8 شوال 1440 هـ - 12 يونيو 2019 مـ رقم العدد [14806]


23/01/2007

كي نخرج من علاقة الارتياب


 انعقاد المجلس النيابي هو الخطوة الاولى الضرورية لمأسسة وترسيخ العملية الديمقراطية. لكنه بكل تأكيد ليس خلاصة التحول الديمقراطي، لا سيما في الديمقراطيات الجديدة والناشئة. وكما في تجربة البحرين والكثير من التجارب المماثلة في دول عربية ونامية أخرى، فان انجاز هذه الخطوة يتحقق بعد الكثير من الصعوبات والمماحكات، هي وسيلة كل طرف من اطراف المجتمع السياسي لتحقيق مراداته وتطلعاته من دون تقديم ما يقابلها من تنازلات

من هذه الزاوية فهي تشبه الى حد كبير صفقة ضخمة يجريها تجار في السوق، يحاول كل منهم الحصول على اكبر قدر من المكاسب مقابل اقل قدر من الالتزامات. ونعلم ان افضل الصفقات هي تلك التي يحصل التاجر من ورائها على الغنيمة كلها من دون غرم.

لكننا نعلم ايضا ان هذه الصفقة مستحيلة، بل انها لا تجري في الواقع ابدا. يمكن بطبيعة الحال لرجل قوي ان يستعمل قوته في فرض ما يريد فيحصل عليه لأن الاخرين يهابون قهره او يخشون سطوته. لكن هذا لا يسمى توافقا، نحن لا نتحدث عن حالات مثل هذه، لان الديمقراطية هي في الجوهر عملية مساومة وغرضها التوصل الى عمل يقوم على التفاهم والتوافق، وهذا يتطلب تنازلا من كل طرف عن بعض ما يريد كي يحصل على غيره. واذا لم يقبل اي طرف بالتنازل عن شيء فلن تحصل صفقة. واذا لم تحصل صفقة فلن تكون ديمقراطية بل حكم جبري يقوم على الاستبداد والاستعباد، او فشل كلي يقود الى الاعتزال والتباعد والانقسام.

قبل قرن ونصف تقريبا وضع الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو قاعدة بسيطة توضح اهمية التوافق في الحياة السياسية. هذه القاعدة نسميها اليوم »الشرعية السياسية«. كل عمل انساني ينبغي ان يستند الى مبرر صحيح او مقبول عند العقلاء والا عد عبثا. في هذا السياق فان العمل السياسي ينبغي ان يستند الى قاعدة »الشرعية السياسية« والا عد باطلا او غير عقلائي.

التوافق ضروري للسياسة لانه يوفر شرعية العمل السياسي، وحسب تعبير روسو فان »الاقوى ليس قويا تماما حتى يتقبل الاخرون سلطته باعتبارها حقا وطاعتهم اياه كواجب«. من المفهوم ان هذا الزمان لم يترك فرصة لأحد كي يملي على الناس قناعاتهم او يفرض عليهم الطريقة التي يفكرون بها ويصنعون اراءهم. الطريقة الوحيدة للحصول على تأييد الغير هو الاقناع او التوافق. وكلا الامرين مستحيل من دون مساومة تنطوي على تنازلات.

يجب ان لا ننكر حقيقة ان تأخير الديمقراطية في بلادنا قد تسبب في تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، واثمر عن تحويل التنوع الطبيعي في الثقافات والمصالح والهموم الى مطبخ يغذي التنافر والارتياب. والارتياب هو مكمن المرض في التجربة الديمقراطية، ولا سيما في بداياتها.

ينبغي ان لا نتوهم بان جلسة او اثنتين او اكثر سوف تنهي حالة الارتياب، مهما بالغنا في كشف الاوراق والتصارح. فالريبة من الجينات الوراثية الاساسية في السياسة، كل سياسة بلا استثناء، ولهذا قال علماء السياسة بان العلاقة بين الحكومة والمعارضة، محكومة اساسا بالشك وليس بالثقة، بل ان العلاقة بين اطراف الحكومة نفسها، سواء بين السلطات الثلاث، او بين مراتب البيروقراطية المختلفة لا تخلو من قدر من الشك، يزيد او ينقص بحسب درجة التفاهم واختلاف الظروف والاحوال.
ما ينبغي السعي اليه اذن ليس التناغم القلبي والانسجام الكامل، فهو ليس من الامور الضرورية في السياسة.

ما نحتاجه على وجه التحديد هو درجة متقدمة من التفاهم والتوافق على الخطوط الاساسية للسياسة، اي قبول كل من اطراف اللعبة الديمقراطية ببعض مرادات الآخرين كي نتوصل الى صفقة تحقق حدا وسطا بين توازنات القوى الواقعية وحاجات المجتمع السياسي. هذا التوافق يتطلب انفتاحا متبادلا كما يتطلب وضع اوراق اللعبة جميعها فوق الطاولة وليس تحتها، اي جعل السياسة المشتركة شفافة ومكشوفة لجميع اطرافها.

نفهم ان كشف اوراق السياسة ليس من التقاليد الراسخة في مجتمعنا العربي، ونفهم ان التكتم هو صفة ملازمة للعمل السياسي في المجتمعات التقليدية، ولهذا فان دعوتنا هذه لا ترمي الى القفز على الواقع القائم او انكاره، بل التأكيد على الحاجة الى علاج تدريجي يقوم على تفهم كل طرف من اطراف العملية الديمقراطية لحاجات الآخر، كمقدمة لا بد منها للتوصل الى توافقات على السياسة المشتركة التي تحظى بالمشروعية ودعم الجميع.

ليس من الصحيح مطالبة طرف واحد بتقديم تنازلات كاملة دون مقابل، وليس من الصحيح دعوته للانقلاع الفوري من تقاليد مترسخة، بل ان مثل هذه المطالبات قد تعزز الارتياب الذي نطمح الى الخلاص منه. الصحيح في اعتقادنا هو الاقرار بالمشكلة والعمل على تفكيكها تدريجيا، خطوة مقابل خطوة، وتنازلا مقابل تنازل. من نافل القول ان الوصول الى حياة ديمقراطية كاملة ليس قرارا ينفذ بين يوم وليلة، بل عملية طويلة يحتاج اولها الى قرار، لكنها في جميع المراحل تحتاج الى عزم كما تحتاج الى صبر.
صحيفة الأيام البحرينية      23 / 1 / 2007م

14/02/2004

انهيار الاجماع القديم


يمكن تلخيص مضمون التغيير التي طرا على المجتمع تحت عنوان "ظهور الفرد" . لو تاملنا في المنظومة الثقافية التي سادت مجتمعنا في الماضي ، لوجدنا انها تدور في المجمل حول تكريس مكانة الجماعة وسلطتها ، وتلغي تماما دور الفرد ، وفي المقابل فان الثقافة التي جاءتنا مع الانفتاح على العالم تنظر للامر من الزاوية المعاكسة تماما ، الفرد فيها هو الاساس ، وهو عندها مستقل ومسيطر على مصيره وحر في اختيار انتمائه ومصالحه واسلوب عيشه وعلاقاته.
 شكا الاستاذ عبد العزيز الخضر مما يصفه باختلاط الرؤية تجاه مسألة التجديد ، وهو يرجع جانبا من المشكلة الى الانفصام بين الثقافة والواقع ، والى تزاحم الفقهي والفلسفي في الخطاب الديني . هذه القضية – رغم قلة المنشغلين بها بين الناس – هي لب المشكلة التي يعاني منها مجتمعنا ، بل والمجتمعات العربية  عامة . ومنذ ستينات القرن الماضي كانت موضوعا للكثير من النظريات و الابحاث التي اهتمت بقضية النمو في العالم الثالث. يمكن اختصار المسألة كلها في ثلاث كلمات : التغيير، الاجماع ، والاستقرار.
الفرضية الاساسية هي ان النشاط الاقتصادي وانتشار التعليم والاعلام والانفتاح على العالم يؤدي الى تغييرات عميقة في النظام الاجتماعي، في القيم الناظمة لسلوك الافراد وفي هيكل العلاقات الاجتماعية وفي المفاهيم المعيارية التي تتحكم في رؤية الفرد لنفسه ومحيطه. ومن بين ابرز ما يتغير هو تصور الفرد لمنظومة السلطة ، سواء سلطة العائلة او سلطة الدين او سلطة الدولة او سلطة المدرسة ، او غيرها من السلطات التي ينظر اليها عادة باعتبارها ذات حق في فرض ارادتها على الجميع.
يؤدي التغيير الى  نوع من توحيد الافكار بين الداخل والخارج ، ونجد ابسط تمثلات هذا الامر في انتشار اللغات الاجنبية - الانكليزية مثلا - في البلاد ، وتماثل اساليب المعيشة والاستهلاك ، والرغبة في السفر والاهتمام بقضايا العالم البعيد .. الخ . هذا التوحيد – وهو ابسط اشكال العولمة – يؤدي في احد وجوهه الى انحسار منظومات القيم ومعايير السلوك المحلية لصالح تلك التي سادت في العالم واصبحت معيارية على المستوى الكوني.

فلنأخذ مثلا فكرة الحرية ، حرية التعبير وحرية السلوك الاجتماعي وحرية الانتماء ..الخ . مفهوم الحرية لم يكن على  الاطلاق جزءا من ثقافتنا القديمة ، ولعل كثيرا من الاباء شعر بالقلق حين تكاثر الكلام حولها ، وقفزت الى اذهانهم مظاهر العجز عن ضبط الاجيال الجديدة التي تريد العيش بحرية غير معتادة . ومثل ذلك يقال عن فكرة المشاركة وتقرير المصير الخ .

بعد اربعين عاما من الانفتاح الواسع على العالم ، فان الفرد المذكور لم يعد واحدا او عشرة او مئة الف خريج جامعي ، بل جيلا باكمله يسيطر اليوم على مفاتيح الحياة على  امتداد المجتمع . سيادة الجيل الجديد ، تعني بالضرورة ان المنظومة الثقافية التي كانت سائدة في المجتمع لم تعد كذلك اليوم . لكن المشكلة ان هذا التغيير لم يجر على وفق نظام محدد ومخطط سلفا ، لاننا في الاساس لم نعتبره قضية كبرى . والعادة في العالم العربي انهم يخططون لخمس سنوات او عشرا ، لكنهم لا يفكرون في صورة البلاد بعد ثلاثين عاما ولا يدرسون انعكاسات التغيير المقصود وما يتبعه من هزات ارتدادية على المدى الطويل ، ولهذا فان ما نحن بصدده اليوم يبدو للكثير من الناس مفاجأة غير سارة .
اذا اردنا وضع التغيير المذكور تحت عنوان اوسع ، فان افضل وصف له هو "انتهاء الاجماع القديم" . الاجماع الوطني هو الاساس في التوافق بين اطراف المجتمع وهو الوسيلة الوحيدة لضمان الاستقرار . على المستوى السياسي ، فان اعادة تكوين الاجماع الوطني هو المهمة الاكثر الحاحا ، ذلك ان الاجماع هو القاعدة التي تقوم عليها مشروعية النظام . اعادة تكوين الاجماع لا تتحقق بالدعوة الى الوحدة والحث على ترك الاختلاف كما يفعل بعض الدعاة والكتاب ، بل بالنظر في الهموم التي ينشغل بها الجيل الجديد من المواطنين والتطلعات التي يسعون الى تحقيقها .
 في ظرف مجتمعنا الحاضر ، فان اعادة انتاج الاجماع القديم في اي صورة ، لن يولد اجماعا جديدا ، بل مزيدا من الانقطاع بين الشرائح الاجتماعية . ويبدو لي ان الخطوة الاولى لتكوين اجماع جديد ، هي الاعتراف بالمجتمع كما هو ، اي بما يتمثل فيه من تيارات ومصالح وتوجهات ، سواء رضينا عنها او أساءتنا . هذه الخطوة ستمهد لاجماع لا يتناقض مع التعدد والتنوع ، اجماع يتيح الفرصة للجميع كي يشعروا بمعنى المواطنة الحقة والشراكة المتساوية في تراب الوطن.


Okaz ( Saturday 14 Feb 2004 ) - ISSUE NO 972

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...