‏إظهار الرسائل ذات التسميات دي تريسي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات دي تريسي. إظهار كافة الرسائل

06/02/2025

الدين والايديولوجيا: من يزاحم الاخر؟

 الواضح ان مفهوم الأيديولوجيا وتطبيقاته ، يثير حساسية ملحوظة عند الجمهور ، فضلا عن السياسيين والمفكرين. سيبقى هذا الراي انطباعيا ، نظرا لشكنا في كون المفهوم واحدا عند جميع الناس ، فوق اننا لا نعرف المسافة بين ما يريده الناس من هذا المفهوم وما يرفضونه فيه.

على أي حال ، قد يكون مفيدا المرور سريعا على اصل المفهوم وسبب الخلاف حوله ، ولا سيما الموقف المتشكك فيه او الرافض له.

تقول المصادر ان الذي صاغ مصطلح الأيديولوجيا ، هو المفكر الفرنسي ديستوت دي تريسي سنة 1796. كان دي تريسي يحاول وضع قواعد تفسيرية توضح كيفية انتقال البيانات من الحواس الخمس التي تتفاعل مع البيئة المحيطة بالإنسان ، الى عقله ، حيث تستعمل في تشكيل منظومات الأفكار. ويقال ان تريسي تأثر بالفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون ، الذي رأى ان تفكير الانسان في الأشياء ، محكوم بذاكرته التاريخية من جهة ، وبمكونات الظرف المحيط به ، وهي النظرية التي يشار اليها عادة باسم "اصنام العقل الأربعة". أراد دي تريسي وضع قاعدة عامة ، تفسر حركة الأفكار منذ ولادتها حتى تتموضع في سلسلة ، فتشكل منظومة متكاملة ، واطلق على هذا المشروع اسم "علم الافكار ideology ".

كان تريسي مقتنعا تماما بأن أي فكرة تولد داخل عقل الانسان ، يجب ان تولد ضمن منظومة او تنظم لاحقا الى منظومة ، لأنه لا توجد في العقل أفكار منفردة غير متصلة باي فكرة أخرى.

 حصل المصطلح على رواج اكبر بعدما ظهر في كتابات كارل ماركس ، منتصف القرن التاسع عشر. وكانت المفارقة ان ماركس بدأ ناقدا للأيديولوجيا ، التي قال انها تخلق وعيا زائفا بالواقع ، لكنه اتجه لاحقا الى تشكيل منظومة فكرية متكاملة ، تمثل نموذجا لما نسميه أيديولوجيا. والواضح ان ماركس لم يتخذ هذا المنحى في غفلة ، بل يبدو انه أراد عامدا انشاء العقيدة الشيوعية كأيديولوجيا شاملة ومغلقة الى حد كبير. وخلال القرن العشرين أنشأ معظم الأحزاب الشيوعية الكبرى قسما خاصا للتعليم والتدريب الأيديولوجي ، وبعضها يحمل هذا الاسم دون مواربة.

ثمة اعتراضات كثيرة على الأيديولوجيا ، بما هي ومن حيث المبدأ ، وقد ذكرت في المقال السابق قول من قال انها "حجاب الحقيقة" او الشجرة التي تحجب الغابة. لكني أود التركيز على ما أظنه ابرز الاعتراضات ، وهو تلبسها بما يشبه عباءة الدين.

توصف الأيديولوجيا بانها نظام كلي ، ينظم في نسق واحد المعرفة والسلوك الشخصي وعلاقة الانسان مع الاخرين والطبيعة. وهذه على وجه التحديد وظيفة الدين ، ولذا قيل ان الأيديولوجيا تقوم – عمليا – بالاستيلاء على مكانة الدين من خلال مزاحمته على الوظائف التي يفترض انه مختص بها.

نعلم ان المسافة واسعة جدا بين الدين والايديولوجيا: فالاول من عند الله بينما الثانية من صنع البشر. يركز الدين على داخل النفس وليس الخارج. الواجب المحدد للإنسان هو الحفاظ على نظافة قلبه ، ومواصلة تطهيره من خلال اتهام النفس بالقصور او التقصير والاعتذار الى الله عنه. الدين حالة انجذاب من الانسان الى الخالق ، وليس اندفاعا من الانسان الى بقية البشر. أما الأيديولوجيا فتركز على  المحيط الحيوي للإنسان ، بناء على فرضية مسبقة بأن الأيديولوجيا التي يحملها كاملة ، وان القصور في المحيط وليس فيها ولا في حاملها. بعبارة أخرى فان حركة الأيديولوجي تتجه من داخله الى خارجه ، وتسعى لتغيير المحيط باعتبارها في مرتبة أعلى من هذا المحيط ، ولا تحتمل الخطأ.

السؤال الآن: ماذا يحصل لو ان مجموعة اشخاص شكلوا تيارا يحمل اسم الدين ويتحدث بلغته ويرفع شعاراته ورسومه ، ويعتبر نفسه ممثلا للدين وحاميا لحماه ، لكن المضمون الجوهري لهذا التيار وتعاليمه كلها ، من صنع البشر ، فهل نصنف هذا الخطاب في جانب الدين ام في جانب الأيديولوجيا ، أي هل نركز على الصورة الإلهية للخطاب ام على مضمونه البشري؟.

الخميس - 07 شَعبان 1446 هـ - 6 فبراير 2025 م

https://aawsat.com/node/5109202-

مقالات ذات صلة

الصعود السياسي للاسلاميين وعودة الدولة الشمولية

الايديولوجيا والسياسة

حول القراءة الايديولوجية للدين

كتاب اخر يستحق القراءة : كارل بوبر "منطق البحث العلمي

نافذة على فلسفة كارل بوبر

حول القراءة الايديولوجية للدين

نافذة على مفهوم "البراغماتية"

مدينة الفضائل

ايديولوجيا الدولة كعامل انقسام: كيف يحدث التفارق الآيديولوجي والثقافي؟

 

الدين والايديولوجيا: من يزاحم الاخر؟

  الواضح ان مفهوم الأيديولوجيا وتطبيقاته ، يثير حساسية ملحوظة عند الجمهور ، فضلا عن السياسيين والمفكرين. سيبقى هذا الراي انطباعيا ، نظرا لشك...