‏إظهار الرسائل ذات التسميات ليبيا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات ليبيا. إظهار كافة الرسائل

03/04/2025

من الفوضى الى الدولة المطلقة

 

سوريا ، السودان ، ليبيا ، واليمن ، اربع دول عربية تعيش مخاض الدولة المطلقة.

بيان ذلك: ان أي بلد لا يستطيع العيش في أمان واستقرار ، من دون حكومة قوية ، سواء كانت عادلة او جائرة. صحيح ان العدل هو مطلب الناس وغايتهم ، لكنه لا يتحقق الا بوجود حكومة قوية مستقرة. من هنا قال علماء السياسة بأن الخطوة الأولى لاستقرار السياسة العادلة ، هو وجود دولة قوية مطاعة. فاذا وجدت ، حان وقت الانتقال للمرحلة الثانية ، أي تنظيم إدارة الدولة على أساس المشاركة العامة للمجتمع في الحقوق والتكاليف.

يبدو لي ان معظم الدول النامية ، وقعت أسيرة الخلط بين المرحلتين ، فبعضها تجمد عند الأولى ، وبعضها انخرط في جدل مبكر حول المرحلة الثانية ، بحيث بدا للمواطنين واطراف المشهد السياسي ، ان الاتفاق على الخطوة الأولى ، مشروط باتفاق مسبق على تفاصيل الثانية. دعنا نأخذ مثلا من ليبيا ، حيث اتفقت القوى السياسية مرات عديدة ، على عقد انتخابات عامة لاختيار رئيس الدولة ، مع انهم لم يقيموا الحكومة الواحدة التي تبسط سلطانها على أرض البلاد أقصاها وأدناها.

ربما ظن الوسطاء الذين سعوا لحل الازمة الليبية ، ان انتخاب الرئيس سيوفر فرصة للاجماع على التمثيل السياسي للبلد. وهو ظن في غير محله. ولو حصل فسوف يكون الرئيس مجرد وسيط وطني ، يضاف الى الوسطاء الدوليين ، ولن يكون حاكما بالمعنى الذي نعرفه عن رئيس الدولة. السبب ببساطة هو ان مصادر قوة الدولة ، ولا سيما الأموال والقوات المسلحة ، في يد اطراف سياسية متنازعة ، لان الدولة المركزية غير موجودة في الأصل. على أي حال فحتى هذه الخطوة الرمزية لم يكتب لها النجاح ، فلم تعقد الانتخابات ولا انتخب الرئيس. وبقيت البلاد ، كما كانت منذ 2014 ، مقسومة بين حكومتين ، تسيطر احداهما على بعض الشرق ، والأخرى على بعض الغرب.

قيام الدولة الواحدة القوية ضروري للتطور السياسي. ومن دونه ستعود البلاد الى فوضى ما قبل الدولة ، كالذي نشهده اليوم في البلدان المذكورة.

حسنا. لماذا لا تبادر الأطراف السياسية للاتفاق على معالم المرحلة الثانية ، وتضعها كمسودة اعلان دستوري ،  ثم تتفق على إقامة السلطة الواحدة القوية؟.

الجواب معلوم: كل طرف لا يطمئن للآخر ، بل يخاف ان يقع في قبضته فيخسر حقوقه ، او يخسر فرصته في أن يكون حاكما او شريكا في الحكم.

لعلكم الان تقولون: ان هذه هي أيضا مشكلة السودان واليمن وسوريا. لماذا انفصل جنوب السودان عن شماله في 2011؟. لأن الرئيس السابق عمر البشير أبى ان ينتقل بالنظام السياسي من حكم الفرد الى المشاركة السياسية الفاعلة ، فضحى بوحدة البلد ، كي لا يخسر سلطانه. وحدث الامر نفسه في اليمن عام 1994 ، وحدث شيء قريب من هذا في سوريا خلال السنوات العشر الماضية ، حين ابى الرئيس السابق ان يشرك معارضيه في السلطة ، فقاد البلد الى ازمتها الحالية ، وكان في وسعه ان يبرز كمصلح تاريخي ، كما تأمل كثير من الناس.

في ظني أن جذر المشكلة ، في كل هذه البلدان ، هو ان الذين بيدهم مصادر القوة ، وخاصة أصحاب السلطة والسلاح ، لا يؤمنون بأن كافة المواطنين شركاء في سياسة بلدهم ، شراكة جذرها امتلاكهم لتراب الوطن ، وان هذه الشراكة مصدر لحق المواطنين في شراكة مماثلة في الشأن العام. بعبارة أخرى فهم لا يؤمنون بتساوي كافة أهل البلد في الحقوق والواجبات ، بناء على كونهم ملاكا لوطنهم ، وانهم – لهذا السبب أيضا – مكلفون بحمايته وتنميته وتطوير إنجازاته. وفي السياق نفسه فان الغالبية الساحقة من المواطنين ، لا يرون أنفسهم معنيين بالشأن العام ، أو ما يسمى في الثقافة العربية الدارجة "التدخل في السياسة".

الشراكة المتساوية بين المواطنين ، هي القاعدة الأولى لما يعرف في علم السياسة بالاجماع الوطني. والايمان بها هو الأساس لكل مجتمع سياسي حديث. ولنا عودة الى الموضوع في قادم الأيام.

الخميس - 05 شوّال 1446 هـ - 3 أبريل 2025 م  https://aawsat.news/vbvnp

مقالات ذات علاقة

 

31/08/2016

تبعات الدولة الايديولوجية




ذكرت في مقال الاسبوع الماضي المعايير الثلاثة المقترحة لتطبيق وصف الدولة الفاشلة او المتردية. وابرزها عجز الدولة عن فرض سلطانها على كل اراضيها ، ثم انهيار نظام الخدمات العامة ، واخيرا تردد المجتمع الدولي في الاعتراف بالحكومة كممثل قانوني وحيد لبلدها. وقد رجحت المعيار الاول مع بعض التحفظ.
المعيار الاول ، وهو موضوع هذا المقال ، ينصرف عادة الى معنى محدد ، هو امتلاك الدولة لقوة عسكرية تمنع ظهور اي قوة مماثلة خارج نطاق القانون ، سواء كانت هذه جماعة سياسية مسلحة أو منظمات اجرامية كبيرة.
سبب التحفظ على هذا المعيار هو مسار الاحداث في ثلاث دول عربية هي العراق وسوريا وليبيا. قبل انفجار العنف كانت هذه الدول تخضع لحكومات قوية ، تملك منظومات أمنية شديدة الفعالية ، واسعة الانتشار ، متغلغلة في تفاصيل حياة المجتمع. لكنها فشلت جميعا في منع انزلاق المجتمع الى الانقسام وانفجار العنف الأهلي. بل ان القوات المسلحة نفسها ، فشلت في صون وحدتها ، فانقسمت وتصارعت.
هذا يستدعي اسئلة ضرورية ، مثل: هل تسبب انقسام المجتمع في انقسام القوات المسلحة ام العكس؟. وهل كانت بذور الانقسام كامنة في المجتمع او في القوات المسلحة ، حتى في ظل الدولة القوية؟.
لعل قارئا يجادل بان الانقسام ولد بعد انكسار النظام. بمعنى ان انكساره هو سبب الانقسام. وهذا الاستدلال غير صحيح. فهو قد يدل أيضا على ان الانقسام كان نشطا تحت السطح ، فلما انكسر السقف الامني ، ظهر الواقع المحتجب تحته. ولو كان انكسار الحكومة علة رئيسية ، لاستعاد المجتمع الليبي مثلا وحدته ، بعد خمس سنوات من سقوط النظام السابق.
فكرة احتكار الدولة للقوة المسلحة كدليل على نجاحها ، تنسب الى تراث ماكس فيبر ، عالم الاجتماع الالماني المعروف. لكن فيبر يشير ضمنا الى ان دور القوى المسلحة الحكومية يجب ان يفهم كقابلية لاستعمال السلاح وليس استعماله فعليا ، الا في مواجهة الجريمة او التمرد المسلح. وهو يستعمل في هذا السياق عبارة "التلويح بالقوة المسلحة".
اميل الى الاعتقاد بان تبني الدولة لخطاب ايديولوجي خاص ، هو العامل الرئيس للانقسام الاجتماعي. وهذا ما حصل في الدول الثلاث. تبنت النخبة الحاكمة في سوريا والعراق ايديولوجيا حزب البعث. وتبنى الليبيون ايديولوجيا الثورة الجماهيرية. وهي ايديولوجيات ما كانت تمثل – في احسن الاحوال - غير شريحة من المواطنين ، كبيرة او صغيرة. مالم يكن جميع الشعب مؤمنا بالايديولوجيا الرسمية ، فسوف تتحول بالضرورة الى عامل تقسيم للمجتمع ، بين اولياء الحكومة ،  المؤمنين بخطابها الايديولوجي ، واعداء الحكومة ، الرافضين لذلك الخطاب. وفي مثل العالم العربي ، فان رفض الخطاب الرسمي يتحول سريعا الى تصنيف سياسي ، يستدعي استعمال القوة العارية ضد الفريق الرافض. وبالتالي تحويل الانقسام من اختلاف في الرأي ، الى صراع نشط بين دائرة المحبين ودائرة الكارهين.
اتسمت علاقة المواطنين بالحكومة في الدول الثلاث بالارتياب المتبادل. وكان الخوف والحذر هو الطابع العام لموقف المواطنين من الدولة ، التي لم تتحفظ في استعمال قواها الامنية ضد من يختلف معها في راي او موقف سياسي او ايديولوجي.
هذا يحملنا على الظن بان مجرد احتكار الدولة للقوى المسلحة ، ليس معيارا لنجاحها كما رأى فيبر ، لانه لا يحول دون الانقسام الاجتماعي ، الذي قد يقود في لحظة ما ، الى انقسام تلك القوى المسلحة ، وعجزها عن ممارسة دورها كحارس للنظام الاجتماعي.
الشرق الاوسط 31 اغسطس 2016
http://aawsat.com/node/727171

15/06/2016

أزمة ثقة.. ليبيا حيث لا احد يصدق احدا





خلال الاسبوعين الماضيين استمعت باهتمام الى تصريحات الزعماء السياسيين في ليبيا ، المبتلاة بالحرب الاهلية منذ سقوط العقيدالقذافي اواخر 2011. تابعت المسألة الليبية طوال السنوات الخمس الماضية. لكني شعرت لوهلة بأني غير قادر على الربط بين حلقات الصراع المحتدم. لهذا أردت التحقق مما يقوله أطراف الصراع في توصيف المرحلة التي يمر بها هذا البلد.

الأخذ بظاهر كلام السياسيين المتنازعين يثير العجب. فهم جميعا متفقون على ضرورة حقن دماء مواطنيهم وعلى مضاعفة الجهود الرامية لاعادة بناء النظام السياسي وترميم الوحدة الوطنية ، الخ..

كلامهم يكشف عن توافق في معظم المستهدفات على المديين القريب والمتوسط. وهذا مكمن العجب وسبب الدهشة. فهم رغم هذا التوافق الظاهري ، عاجزون عن الاجتماع ووضع النقاط المتفق عليها موضع التطبيق. فكأن كل زعيم يتحدث لنفسه. صوته لا يصل الى عقول الاخرين ، كما أن أصواتهم لا تصل اليه.

بدا لي ان عجزهم عن الانتقال الى النقاش حول الحلول ، ليس راجعا الى اختلاف الافكار والاهداف. بل سببه ببساطة قلق كل طرف على حصته في السياسة الجديدة.

هذا ليس اكتشافا جديدا ، وما يجري في ليبيا شبيه بما يجري في كل بلد آخر. النزاعات الأهلية تلبس رداء الايديولوجيا والفكرة. لكنها تدور في حقيقة الامر حول الحصص السياسية التي يعتقد كل طرف انه يستحقها في هذا الوقت أو في اي ترتيب للمستقبل.

العراقيون اختصروا الطريق ، فسموا الاشياء باسمها ، وقالوا صراحة ان نظامهم قائم على المحاصصة السياسية. اما السوريون والليبيون وغيرهم فلا زالوا خجلين من التعبير الصريح عما يريدونه ، أي حصة كل طرف في اللعبة السياسية.

العلاج النظري لهذه المشكلة هو الاحتكام الى صناديق الاقتراع. هذا على الأقل ما يقوله الوسطاء الدوليون والاقليميون. وهو أيضا ما يقوله العقل البسيط. لكن الواضح ان هذا العلاج الذي يبدو طيبا وبسيطا ، غير واقعي على الاطلاق. بمعنى انه لا يعالج المشكلة الكامنة في النفوس وتجسيداتها على أرض الواقع ، أعني بها انعدام الثقة المتبادلة بين الأطراف.

الأمر ببساطة على النحو التالي: هناك أطراف لا يملكون وزنا مؤثرا في المجتمع ، لكنهم يملكون وزنا ماديا مثل عدد المقاتلين وكمية الاسلحة والتحالفات الدولية ،  كما يملكون أسماء مثل الاحزاب والقبائل والطوائف الخ..

سنجد مثلا جماعة تسيطر عسكريا على مدينة رئيسية او على إقليم بأكمله. لكنها لو دخلت في منافسة انتخابية ، فسوف يصوت سكان هذه المدينة او الاقليم لصالح طرف آخر. ثمة أيضا أحزاب مشهورة ، لكنها لا تستطيع ترجمة هذه الشهرة الى أصوات مكافئة في الصناديق. لهذا فان هذا الحزب وتلك الجماعة وأمثالهم لن يغامروا بخوض معركة انتخابية ، ليسوا واثقين بانهم سيكسبونها. انهم يفكرون في المسألة كما يفكر التجار: استثمروا مالا وجهدا في الحرب وهم يريدون ربحا في السياسة يتناسب مع رأس المال الذي استثمروه.

هناك اضافة الى هذا المجموعات التي لم تشارك بفاعلية في الصراع السياسي ، لكنها تشعر بالقلق من عواقب القبول بخطط السياسيين والوسطاء. بين هؤلاء ستجد زعماء قبائل ورجال دين وشخصيات معروفة ، يتساءلون عن موقعهم ومكانتهم ، اي حصتهم في النظام الجديد.

زبدة القول ان انعدام الثقة يشكل ربما ابرز العوامل التي عطلت الحلول السياسية في البلدان المبتلاة بالحرب الاهلية. وأظن انها تستحق ان تكون محور محاولات الحل.
الشرق الاوسط 15 يونيو 2016
http://aawsat.com/node/665531

مقالات ذات صلة

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

  اطلعت هذه الأيام على مقالة للاديبة العراقية المعروفة لطفية الدليمي ، تقترح خطا مختلفا للنقاش الدائر حول الذكاء الصناعي ، وما ينطوي عليه ...