‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع الشبكي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات المجتمع الشبكي. إظهار كافة الرسائل

05/06/2025

إعادة تشكيل الحياة في عصر الانترنت ‏

 لا أجازف لو قلت ان مانويل كاستلز ، عالم الاجتماع الاسباني ، هو ابرز من درس التأثير العميق للانترنت على حياة المجتمعات ومصادر عيشها ، فضلا عن تحول علاقة الافراد بالسلطة السياسية. في 1989 اصدر كتاب "المدينة المعلوماتية" ، وتلاه بكتاب "عصر المعلومات" من ثلاثة أجزاء ، صدر أولها في 1996 وتمحور –كسابقه - حول صيرورة شبكة الانترنت محورا للحياة اليومية ، ذاتي التوسع ، وعابرا للحدود والحواجز الثقافية.

في 1996 كانت شبكة الانترنت متوفرة في بلدان قليلة ، ولم تكن قد اتصلت بالهواتف النقالة ، كحالها اليوم. ولذا فان الحديث عن تحولات عميقة في المجتمع والثقافة والاقتصاد ، وتحول الهوية الفردية والجمعية ، لم يخل من مجازفة ، لولا ان المتحدث ، البروفسور كاستلز ، كان قادرا على كشف مسارات التحول ومستوياته. واعتقد انه ادرك مبكرا ، منطق التحول الاجتماعي ، ولا سيما تراجع راس المال لصالح البيانات الضخمة السريعة. ولعل ميوله الماركسية سهلت عليه التحرر من هيمنة الفكرة القائلة بمحورية راس المال في أي نشاط حيوي.

أهم المحاور التي عالجها كاستلز هي:

1-     في هذه الأيام ، تمثل المعلومات قطب الرحى الذي تدور حوله الحياة الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية. في الماضي كان المال والأشخاص ، خاصة المدراء والقادة والمستثمرون ، قادة النشاط الحياتي في المجتمع. أما بعد ثورة المعلومات ، فقد بات المال والنفوذ في يد المسيطرين على مصادر المعلومات او المؤثرين على نشاط الشبكة. ضخامة المعلومات وسرعة الوصول اليها ، والقدرة على فرزها وتحويلها الى أرضية للقرار ، سهلت تحويل الفكرة الى ثروة ، كما يسرت انتقاء المعلومات وتحديد الاتجاه الذي تسير فيه ، حتى لحظة وصولها الى المتلقي. ان اختيار وتوجيه المعلومات ، هو العامل الأهم في تحديد وجهة القرار. وقد بات هذا العامل في يد صناع المعلوماتية وشبكاتها.

2-     رغم وجود أشخاص وهيئات يتحكمون – فعليا – في شبكات المعلومات ، وما ينتج عنها ، الا ان الشبكة بذاتها  قابلة للتوالد والتوسع خارج أي سيطرة مركزية. بعبارة أخرى ، فان جوهر مفهوم الشبكة يكمن في الاتصال اللحظي لكل عنصر ، بكافة العناصر الأخرى ، من خلال قنوات قد تختفي او تتلاشى ، لكن سرعان ما يبرز بديلها. طبيعة الحياة الشبكية توفر الفرصة للمحافظة على كل مادة في تلافيفها المعقدة ، حتى تتاح الفرصة لظهورها من جديد. من هنا فان من يتوهم انه يتحكم في الشبكة ، انما يتحكم في جزئه الخاص. لأن الامتدادات اللانهائية ، تواصل التمدد كل لحظة ، بحيث يستحيل – ماديا – ان يتحكم فيها شخص واحد او اشخاص محددون.

3-     فضاء التدفق: تخيل شابا في مقتبل العمر ، يقطن قرية في الصين او البرازيل او مصر ، يطلق من هاتفه المحمول او حاسبه الشخصي ، مادة على الانترنت ، تسترعي اهتمام عشرات الآلاف على امتداد المعمورة ، فيتحول هذا الشاب الى بائع او مؤثر أو صانع تيار ، يزاحم – بالضرورة – القوى النشطة في الساحة. اثمرت هذه الظاهرة الجديدة عن تفكك المئات من الشركات الضخمة المعمرة ، والصحف ومحطات التلفزيون وحتى الجماعات الدينية والسياسية ، فضلا عن تقلص التأثير المشهود للمدرسة والعائلة على تشكيل هوية الأبناء وذهنيتهم.

لفكرة "التدفق" موقع محوري في رؤية كاستلز ، وهو ينظر دائما في المنطقة التي يسميها "فضاء التدفق" ، أي المساحة التي تشهد حراك الأفكار والصور والمعاني بين مصدر الفكرة ومتلقيها. في هذه المساحة يختفي الزمن ، ويتحول التواصل بين الفاعلين الاقتصاديين والثقافيين وبين جمهورهم ، الى تفاعل فوري متعدد الأطراف. التفاعل المباشر يمكن المتلقي من المجادلة العلنية للفكرة ، ومن ثم تعديل خطاب المصدر. لهذا نقول بأن عصر المعلومات يميل بشدة للتشارك في صناعة الفكرة ، وليس تلقينها ، كما كان الحال في الماضي.

هذه إضاءة على جانب من رؤية مانويل كاستلز ، حول الانعكاس العميق للمعلوماتية والانترنت ، على ثقافة المجتمع وهويته ومصادر انتاجه ومعيشته.

الشرق الأوسط الخميس - 09 ذو الحِجّة 1446 هـ - 5 يونيو 2025 م   https://aawsat.com/node/5151059

مقالات ذات صلة

هل يمكن للذكاء الصناعي ان يكون بديلا عن عقل البشر؟

إعادة تشكيل الحياة في عصر الانترنت ‏

 لا أجازف لو قلت ان مانويل كاستلز ، عالم الاجتماع الاسباني ، هو ابرز من درس التأثير العميق للانترنت على حياة المجتمعات ومصادر عيشها ، فضلا ...