29/05/2025

هل يمكن للذكاء الصناعي ان يكون بديلا عن عقل البشر؟

النقاش حول الذكاء الاصطناعي يدور غالبا حول التحديات التي يمثلها هذا الوافد الجديد ، لنا ولمفاهيمنا ونظم معيشتنا. هذا النقاش يتسم بتعبيرات مكررة الى حد كبير. مما يوهم بأننا نتحدث حول موضوع واحد. واقع الامر اننا نناقش موضوعات تنتمي لحقول معرفية متباينة ، حتى لو عبرنا عنها بكلمات متماثلة. لدي أسئلة ثلاثة ، تتناول الانعكاسات الحياتية لانتشار الذكاء الصناعي ، وتأثيره على التنظيم الاجتماعي والأعراف الناظمة له. لكني سوف أترك هذين لمناسبة أخرى ، واخصص هذه الكتابة للسؤال الثالث الأكثر إثارة للجدل ، أي: هل يمكن للذكاء الاصطناعي ان يحتل مكانة الذكاء البشري فيكون بديلا عنه ، جزئيا او كليا؟.

الان تورينغ (1012-1954)

يهتم غالبية الناس بهذا السؤال ، لأنه ينطوي على اتهام بأن عقولنا ناقصة. ومحور الجدل هو: هل يمكن للمصنوع أن يتجاوز صانعه ، ليس في الامكانية العامة ، بل في الخاصية التي تميز الصانع ، أي الخلق والابداع؟.

مناقشة هذا السؤال تبدأ بتعريف العمليات الذهنية مثل التفكير (التفكيك والربط) والتعلم (التقليد ، المقارنة وإعادة الإنتاج) والذاكرة (الحفظ والتصنيف والتقعيد والتنميط) وحل المشكلات ، ولاسيما اختبار الاحتمالات والنتائج. هذه المناقشة محلها علم النفس المعرفي.

بعد التوصل الى نتائج شبه رقمية ، سنحتاج للتعرف على المسارات المتبعة فعليا في تطوير أنظمة الذكاء الصناعي ، وأبرزها:

أ- اختبار تورينغ ، نسبة الى عالم الرياضيات والحوسبة البريطاني آلان تورينغ. وهو يركز على اختبار قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري ، ولا سيما في المحادثة والاستذكار ، ثم قياس سرعة المحاكاة ومدى مطابقتها. لعل اشهر تطبيقات هذا الاختبار ، هي روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الصناعي.

ب- تعلم الآلة: وتركز على إعادة انتاج الحلول ، من خلال المقارنة والتعرف على الأنماط الرئيسية والفرعية والمفاضلة بينها ، إضافة الى القدرة على البرمجة الذاتية والتكيف مع البيانات الجديدة من دون تدخل بشري مباشر. وبين أشهر الأمثلة على هذا المسار نظام الفا-زيرو Alpha-Zero الذي طورته شركة تابعة لغوغل ، ونجح في اتقان لعبة الشطرنج خلال اربع ساعات من التعلم الذاتي. ويقال انه طور أساليب جديدة في اللعب ، لم يسبق ان استعملها أبطال اللعبة.

ت- الابتكار وابداع معلومات جديدة لم تكن معروفة أو مؤكدة سابقا. وهو يشمل انتاج محتوى ابداعي ، مثل رواية او شعر او لوحة فنية او حل هندسي أو رياضي. وتوجد الآن تطبيقات تنشيء لوحات فنية او مقاطع فيديو ، اعتمادا على نصوص مكتوبة أو محكية. كما ان البروفسور جيوفاني ساجيو ، وهو عالم إيطالي ، طور تطبيقا يكشف عن الامراض ، بتحليل صوت المريض ، ويقال ان هذا البرنامج نجح في تقديم نتائج مطابقة لنتائج الفحوص السريرية بنسبة عالية جدا ، رغم ان توصله للنتائج يستغرق دقائق معدودة.

توضح مسارات التطوير السابقة الذكر ، الإطارات الواقعية للنقاش. الخبراء لا يتحدثون عن امكان مطلق او استحالة مطلقة ، بل عن درجات الإمكان. حين يقولون ان الذكاء الصناعي يستطيع تجاوز نظيره البشري ، فهم لا يقصدون الامكانية المطلقة لاستبدال احدهما بالآخر ، بل درجة متقدمة في جانب بعينه. هذا يشبه مثلا السيارة التي يصنعها الانسان فتسير اسرع منه. هذا لا يعني ان السيارة بديل عن الانسان ، بل هي قادرة على تجاوز حدوده في مجال بعينه. كذلك الذكاء الصناعي الذي برهن فعليا على إمكانية تجاوز حدود البشر ، لكن ليس الى حد الغاء دور الانسان.

يمتاز العقل البشري بالقدرة على اكتشاف مسارات وضروب حياة ، لازالت بعيدة عن حدود الخيال. ولأن الذكاء الصناعي ليس – من حيث المبدأ – مجهزا للتخيل ولا يعتقد انه قادر على التخيل ، فان الوصول الى تلك المسارات ، سيبقى – على الأرجح - حكرا على الانسان ، الى ان يكشفها ويقدمها للآلة التي نسميها الذكاء الصناعي.

الخميس - 02 ذو الحِجّة 1446 هـ - 29 مايو 2025 م   https://aawsat.com/node/5148493

 

مقالات ذات صلة

استمعوا لصوت التغيير

تجربة تستحق التكرار

الذكاء الصناعي وعالمه المجهول

عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي

على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة

العولمة فرصة ام فخ ؟

غدا نتحرر من الخوف

لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟

ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب ؟

معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

هل يمثل الذكاء الصناعي تهديدا للهوية؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

هل يمكن للذكاء الصناعي ان يكون بديلا عن عقل البشر؟

النقاش حول الذكاء الاصطناعي يدور غالبا حول التحديات التي يمثلها هذا الوافد الجديد ، لنا ولمفاهيمنا ونظم معيشتنا. هذا النقاش يتسم بتعبيرات مك...