‏إظهار الرسائل ذات التسميات التلوث. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات التلوث. إظهار كافة الرسائل

17/04/1995

البيئــة .. حاجــة اقتصــادية ايضــا



اينما ذكر الخليج العربي تواردت الى الاذهان صورة  البترول ، البترول وهو مكائن تنبش الارض بحثا عنه ، والبترول وقد تحول من زيت اسود كريه الرائحة كما وصفه المكتشفون الى ثروة تصنع جمال الحياة وناعم العيش ، فالبترول هو سر الخليج الاعظم ، وهو صانع حاضره.

لكن هذا الزيت الاسود الثمين ، هو ـ من الناحية الاخرى ـ المصدر الرئيسي للتحدي البيئي في المنطقة ، ثمة اسباب كثيرة يحتمل ان تؤدي الى افساد البيئة النظيفة ، التي نمني النفس ببقائها والتمتع بنعيمها ، لكن البترول يبقى هو التحدي الكبير .

شهدت حرب الخليج الثانية تبلور المخاطر التي يمثلها البترول على البيئة المحلية في الخليج ، فقد ادى القصف المتبادل الى اصابة عدد من منشآت البترول اصابات مباشرة او غير مباشرة ، وشعر الناس لاول مرة بحقيقة مايتهدد حياتهم من وراء هذا العملاق ، الذي كان في زمن السلم مصدرا للرفاهية ونعيم العيش .


البيئة كسلاح
ويعتبر التخريب المتعمد الذي قام به الجيش العراقي خلال المراحل الاخيرة للحرب ، السبب الرئيسي للمخاطر البيئية التي شهدتها هذه الحرب ، فقد قام الجنود قبيل انسحابهم من جنوب الكويت ، بتدمير الصمامات وخطوط النقل المتصلة بالابار ، وجعل الزيت الخام يتدفق باتجاه شاطيء الخليج ، في الوقت الذي كانت المنطقة تتعرض للقصف المدفعي والصاروخي ، الامر الذي ادى الى اشتعال الزيت المتدفق وحول المنطقة المحيطة بالحقول الى بركان ، يقذف بالادخنة السوداء ، والغازات الضارة الى أجواز الفضاء .

وقيل في تفسير هذا العمل التخريبي ، ان العراقيين كانوا يريدون تغطية انسحابهم السريع من المنطقة ، باشغال المقاتلين على الجبهة الاخرى ، او لمنع انزال محتمل للمشاة والمعدات على الشواطيء ، لكن كثيرا من المحللين اعتبروا غرض القيادة العراقية أوضح من هذه التفسيرات ، وهو يتلخص في اشعار الطرف الآخر ، بقدرتها على جعل الحرب مكلفة وفادحة الاضرار ، فالتخريب المتعمد لمنشآت مدنية ، لايؤدي في حقيقة الامرالى اضعاف الجهد العسكري ، قدر مايؤدي الى بلبلة الراي العام .

لبضعة اشهر بعد التحرير بقيت اراضي الكويت مغطاة بسحب من الدخان الاسود ، كانت ـ لكثافتها ـ تحجب الشمس في الاسابيع الاولى ، ثم تلاشت حتى انتهت بمرور الزمن ، وقد ادت كما قالت الصحف الكويتية الى مضاعفة معدلات الاصابة بامراض الجهاز التنفسي ، فضلا عن الامراض الناتجة عن القلق والتوتر النفسي ، وكنت اظن ان من المهم للمنطقة ، ايلاء الموضوع القدر الكافي من الاهتمام على المستوى العلمي ، لكن لم يتسن لي الاطلاع على دراسات متكاملة ، حول مخاطر التلوث البترولى في المنطقة ككل ، ولعلها لاتكون موجودة او متداولة ، ماخلا الدراسات التي وضعتها الهيئة الاقليمية لحماية البيئة البحرية ، التي كانت نشطة قبل الحرب ، وركزت على مشكلات التلوث البترولي في السواحل .
نماذج وطنية
وبالنظر لهذا النقص الملحوظ ، فقد قامت وزارة الدفاع بتاسيس المشروع السعودي للتوعية البيئية ، الذي يأخذ بعين الاعتبار موضوع نظافة البيئة كتحد راهن ومستقبلي ، وحسب علمي فان هذا المشروع هو الاول على المستوى الخليجي ، الذي ينظر للقضية من وجوهها المختلفة ، ولاسيما المحافظة على التنوع البيئي ، وهو الجانب غير المثير للاهتمام كثيرا ، على رغم جوهريته واهميته .وعلى المستوى الرسمي ايضا فان الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس ، بذلت جهدا طيبا في وضع ضوابط ملزمة ، على المعدات والاجهزة التي تنتج غازات او نواتج ملوثة ، وبين ابرزها السيارات ومعدات النقل ، اضافة الى المكائن المستخدمة في الصناعة ، فضلا عن الموصفات الخاصة بالاغذية المستوردة .

 لكن لايزال جهد الهيئة مركزا على السلع المستوردة ، وهذا امر قابل للتفهم اذ انها ليست هيئة بيئية بالمعنى الفني ، بل هيئة رقابة على المواصفات ، تنشط اساسا في نقاط الاتصال بين المملكة والاسواق الدولية . لذا فالذي نتطلع اليه هو تطوير مشروع التوعية البيئية ، ليأخذ على عاتقه مجموع العناصر التي تتعلق بالبيئة ، وذلك يقتضي ان تتحول الى هيئة وطنية ، قادرة على وضع المواصفات او اقتراح الانظمة .

نشير ايضا الى جهد تقوم به هيئة اخرى غير بيئية ، لكنها تقدم خدمة جليلة على هذا الصعيد ، وهو مشروع هيئة الاغاثة الاسلامية للاستفادة من علب الالمونيوم المستعملة ، اننا نستهلك كل يوم عشرات الالاف من هذه العلب ، التي تباع فيها المرطبات ، وقد وزعت الهيئة حاويات في بعض المدن لتلقى فيها العلب الفارغة ، حيث يجري صهرها واعادة انتاجها ، فتوفر الهيئة من بيع الالمونيوم الخام تمويلا لبعض مشروعاتها الخيرية .

البيئة .. اقتصاد ايضا
 ان المخلفات المعدنية هي واحدة من مسببات التلوث الرئيسية ، لكنها من الناحية الاخرى تمثل مصدرا للثروة لو اعيد تدويرها واستخدامها كخامات صناعية ، وفي بعض الدول الاوربية تضع البلديات حاويات لكل شيئ قابل للتدوير، من الصحف المستهلكة الى القناني الزجاجية الى علب الالمونيوم والاخشاب ، ويلعب الاعلام والتعليم دوره ، في اقناع الناس وتعويدهم علىان يحملوا مخلفاتهم من هذه المواد الى تلك الحاويات ، التي تتحول من عبء يكلف التخلص منه اموالا كثيرة الى مصدر للمال .

وعلى اي حال فان اعادة تدوير المواد المستهلكة هو بحد ذاته باب واسع ، نحتاج للدخول فيه لاعتبارات عديدة ...
اولها التخلص من المواد المستهلكة التي تسبب اضرارا للبيئة ، اوعلى اقل التقادير خفض كميتها الى الحد الادنى .

 وثانيها المحافظة على مواردنا الطبيعية غيرالقابلة للتجدد ، او البطيئة التجدد .
 وثالثها اضافة نشاط جديد الى الحياة الاقتصادية يوفر مزيدا من الدخل ومزيدا من فرص العمل ، فضلا عن انه يوفر بعض المال العام ، الذي ينفق على نقل النفايات والتخلص منها .

لقد ادى التحسن السريع في مستوى المعيشة ، الى ايجاد نمط حياتي طابعه العام الاستهلاك المفرط ، وليس من المقدر ان ينخفض هذا المستوى من العيش ، خلال السنوات القليلة القادمة ، الى حدود مقلقة ، لكن الشيء الذي يبدو مؤكدا  ،  هو انه لن يتطور الى مراحل اعلى خلال الفترة نفسها ، بالنظر الى الاوضاع الاقتصادية العامة ، التي تمر بها المنطقة والعالم ، ولهذا فمن الضروري ان نفكر جديا في الحفاظ على الحد الاقصى الممكن من الموارد المحلية ، التي سيكون استبدالها مكلفا لو فرطنا فيها بلا حكمة ، ويبدو لي ان سياسة شاملة تعتمد على دراسة موسعة لكل مايمكن اعادة تدويره والاستفادة منه تكرارا ، اصبحت اليوم شديدة الاهمية ، وستزداد اهمية مع مرور الزمن .
اليوم   17 ابريل 1995

03/04/1995

الارض وهموم التلوث

تصنف منطقة الخليج والجزيرة العربية ضمن المناطق النظيفة البيئة نسبيا ، ويرجع هذا الى اتساع الرقعة الجغرافية ، وقلة عدد السكان والمصانع التي تعزى اليها الاسباب الرئيسية لتلوث البيئة .

 ومن المفترض ان يبقى هذا الوضع الايجابي لفترة طويلة في المستقبل ، اذا مابقي معدل النمو في النشاط الصناعي على مستواه الحالي ، وتم الالتزام بالاجراءات الوقائية ، التي بدأت حكومات المنطقة في اتخاذها ، لتقييد حجم ونوعية النواتج الصناعية الملوثة ، باشتراط مقاييس معينة في عمليات الانتاج ، او معالجة ذلك النوع من النواتج لابقائها عند الحد الادنى ، ثم التحكم في ظروف تخزينها ، وفي ظل هذا الاهتمام فمن الممكن الاطمئنان ، الى اننا سنتمتع ببيئة نظيفة خلال المستقبل المنظور .

البيئة والحياة

والحقيقة ان (الهم البيئي) بمعناه الشامل لم يصل الينا بعد ، لاننا لانعاني مشكلات بيئية واسعة النطاق او موجعة ، خلافا للدول الصناعية او المزدحمة السكان ، او تلك التي تحتوي اراضيها على تضاريس جغرافية غير مناسبة .

 وثمة مدن في العالم الثالث ، ترتفع معدلات تلوث الهواء فيها الى اضعاف المعدل المسموح به للصحة العامة ، مثل القاهرة وطهران ومومباي ، حيث يقال ان نسبة الغازات الضارة المتواجدة في هواء المدينة ، تزيد عن اربعة اضعاف المعدل ، الذي يتحمله الجهاز التنفسي للانسان دون مشاكل صحية ، ولهذا السبب فان نسبة عالية من سكان هذه المدن او العاملين فيها ، يعانون من امراض الجهاز التنفسي والصداع المتكرر ، فضلا عن الامراض الاخرى ، التي لاتعتبر نتيجة مباشرة لتلوث الهواء ، على الرغم من ان التلوث يعتبر عاملا مهما في ظهورها.

موضوع جديد

ويعتبر الاهتمام بالبيئة موضوعا حديثا في العالم ، اذ لايبدو ان اهتماما جديا كان يبذل في هذا السبيل ، قبل منتصف الستينات الميلادية ، وهو لايزال على اي حال موضوعا ثانويا عند عامة الناس ، بالقياس الى معظم المشكلات التي يعاني منها المجتمع البشري ، لكن من الواضح ان سلامة البيئة تحظى باهتمام متعاظم عند جميع الامم .

 وفي معظم الاقطار الاوربية تشكل السياسات البيئية للحكومات ، احد عناصر النشاط اليومي للجماعات السياسية ، التي يخصص كل منها مفوضين ولجانا خاصة ، لمراقبة وضع البيئة المحلية ، وتاثير السياسات الحكومية عليها ، بل ثمة احزاب سياسية مختصة بقضايا البيئة ، يطلق عليها حركات الخضر ، او (السلام الاخضر) وهو اسم الحركة البيئية الرئيسية في اوربا الغربية .

قمة الارض

وقد شهد العام 1992 بلوغ الاهتمام الدولي بالبيئة الكونية مداه الاعلى ، حيث عقدت هيئة الامم المتحدة ، أول اجتماع على مستوى القمة ، يستهدف اثارة اهتمام الدول الاعضاء فيها ، بالتحديات التي تتعرض لها حياة البشر بسبب تلوث البيئة ، او اختلال التوازن بين عناصرها .

وشارك في (قمة الارض) التي عقدت في ريو دي جانيرو بالبرازيل 35 ألف مندوب من بينهم 117 رئيس حكومة ، وقعوا خلالها او بعدها ، مجموعة من الاتفاقيات الدولية الرئيسية ، من اهمها اتفاقية تحديد الغازات التي تعتبر مضرة بالغلاف الجوي ، والزام الدول الاعضاء بالعمل على معالجة اسباب التلوث البيئي ، والحفاظ على المصادر الطبيعية والتنوع الحيوي ، في اي جزء من الارض باعتبارها حاجة انسانية عامة .

ومع ان الولايات المتحدة تحت ادرة الرئيس السابق جورج بوش ، كانت شديدة التحفظ في الالتزام بمعظم الاتفاقيات ، التي وجد فيها الجمهوريون سببا اخر للضغط على فرصهم الانتحابية القريبة ، بالنظر لما تتحمله الدول الموقعة من نفقات اضافية ، او من اجراءات تزيد من الاعباء الاقتصادية التي تتحملها الحكومات ، الا ان الزخم السياسي القوي جدا ، الذي شكله اجتماع هذا العدد الكبير من رؤساء الدول والحكومات ، دفع المتحفظين الى مواقف اكثر اعتدالا ، لاسيما في مواجهة مطالب الدول الفقيرة بمساعدات مادية وتقنية ، لمواكبة التطور العالمي في مجال الحفاظ على البيئة .

تكاليف الوقاية

 ويبدو ان المجموعات الاقتصادية الرئيسية في الدول الصناعية ، ليست شديدة الحماس لمطالبات البيئيين المكلفة ، ويقول محللون بريطانيون في القطاع الصناعي ، ان الاجراءات المقترحة لتقليل التلوث الناتج عن الصناعة ، تحتاج الى استثمارات جديدة مرتفعة لتجديد المنشآت ووسائل الانتاج ، أو ابتكار اساليب  جديدة في تدوير المنتجات القابلة لاعادة التصنيع ، بما يقلل من استهلاك المواد الطبيعية الآخذة في النفاذ .

ومع الاخذ بعين الاعتبار اشتداد المنافسة وارتفاع تكاليف الانتاج ، فان من الصعب على المجموعات الصناعية الوفاء بتلك المتطلبات .

وبالنسبة لدول مثل ايطاليا واليابان فقد حاولت التخلص من مشكلات البيئة ، بتصدير اسبابها الى خارج الحدود ، اما ببيع المصانع القديمة الى الدول الفقيرة كما تفعل اليابان ، او بتصدير النواتج الصناعية الخطيرة كما تفعل ايطاليا .

ولازالت الطريقة اليابانية مقبولة ، لاسيما وان معظم الاقطار النامية تعاني صعوبات في نقل التكنولوجيا الضرورية للنمو ، فهي تقبل بما تستطيع الحصول عليه ولو كان متخلفا ، بالقياس الى ماهو موجود في الدول الصناعية الرئيسية ، اما الطريقة الايطالية فهي تثير استنكارا في العالم اجمع ، مع ان الحكومة الايطالية قد دابت على التبرؤ منها وشجبها .

 وينسب الى ايطاليا والمانيا معظم الحوادث ، التي كشفت عن تصدير براميل نفايات سامة او ملوثات صناعية ، في دول العالم الثالث سيما تلك التي تعاني من حروب ، او انحسار في قدرة السلطة الرسمية ، كما هو الحال في لبنان خلال العقدين الماضيين ، او الصومال خلال السنوات الخمس الماضية .

- هل تواجه منطقة الخليج تحديات جدية على المستوى البيئي ؟

-  يبدو انه من الصعب تجاهل التحولات المستقبلية المحتملة ، واذا كان الهم البيئي في الدول الاخرى يتمحور حول التلوث بصورة اساسية ، فان مايواجهنا هو اختلال التوازن البيئي وانكماش المصادر الطبيعية ، ولهذا الموضوع حديث آخر نعود اليه الاسبوع القادم .

اليوم  3 ابريل 1995

 

مقالات ذات صلة

البيئة وحاجات الحياة

الارض وهموم التلوث

البيئــة .. حاجــة اقتصــادية ايضــا

هكذا انتهى زمن الفضائل

الإرادة العامة كخلفية للقانون

ذكرت في المقال السابق ان " الدين المدني " يستهدف وفقا لشروحات جان جاك روسو ، توفير مبرر أخلاقي يسند القانون العام. وقد جادل بعض ...