‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الهرفي. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات محمد الهرفي. إظهار كافة الرسائل

18/10/2010

الجهاز القضائي وخدمة المواطن


رأى أستاذنا الدكتور محمد الهرفي أن تطوير الجهاز القضائي يحتاج لما هو أكثر من إدخال التعاملات الالكترونية «عكاظ 16 أكتوبر». يشكل التعامل الالكتروني جزءا حيويا من عملية التطوير. لكن يبدو أن معظمنا يفكر فيه كوسيلة لتوفير الوقت والجهد البشري. في بلدان العالم الأخرى يهتمون بالتعامل الالكتروني لاختصار التدخل الشخصي، وتوحيد نسق المعاملات، بحيث يحصل جميع المتعاملين على فرص متساوية ويتحملون أعباء متماثلة. هذه النقطة بالذات تقوم على فلسفة مختلفة عن تلك التي تتعلق بالسرعة وتوفير المال، ويمكن تلخيصها في نقطتين:

1- سيادة القانون.
2- الانتقال من مفهوم السلطة الرسمية إلى مفهوم الخدمة العامة.

نظريا يعمل جميع موظفي الدولة وفقا للوائح قانونية صدرت حسب الأصول، وهم ــ نظريا أيضا ــ يملكون سلطة محددة في نطاق عملهم، غير قابلة للتمديد إلى خارجه. لكن من الناحية الواقعية فإن كثيرا من الموظفين يعملون طبقا لتقديراتهم الخاصة أو طبقا لتوجيهات شفهية أو تحريرية تصلهم من رؤسائهم. ولعل جميع الذين راجعوا دوائر حكومية قد سمعوا أو قرؤوا عبارة «طلبنا التوجيه» أو «ننتظر التوجيه» أو «ما هو التوجيه» وأمثالها.

 والمقصود بالتوجيه هو الرأي الشخصي للمسؤول الأعلى مرتبة. إذا أخذنا بمبدأ «سيادة القانون» فإن الموظف الأدنى مرتبة مثل الأعلى مرتبة مكلف بتطبيق نص القانون أو فحواه، وليس له حق الاجتهاد أو التفسير أو التمييز بين معاملة وأخرى. ليس عليه أكثر من مطالبة المراجع بإثبات التوافق بين مطالبه وبين مادة قانونية معينة، كي ينهي المعاملة دون رجوع إلى رئيسه.

ويقال الأمر نفسه في القضايا التي ترتبط بأكثر من جهة رسمية. لو أخذنا نموذجا من أعمال المحاكم مثل إثبات الملك «في الأراضي التي ليس لها سجلات سابقة على سبيل المثال» سوف نجد أن المحكمة تضع اشتراطات على المراجعين هي جميعا خارج نطاق سلطاتها، مثل تعطيل المعاملة بانتظار موافقة البلدية ووزارة الزراعة والمالية وأحيانا الدفاع، ويضاف إليها شركة أرامكو في المنطقة الشرقية.

 إرسال المعاملات إلى هذه الجهات وانتظار جوابها يتطلب في حده الأدنى أربعة أشهر وقد يأخذ عاما أو أكثر إذا لم يكن لديها اعتراض. أما إذا كان لدى أي منها اعتراض، فعلى المراجع أن يطارد وراء معاملته سنتين أو ثلاثا أو أكثر. وأعرف معاملات تعطلت لدى البلدية أكثر من خمسة أعوام.

الأصل في الموضوع أن ترسل المحكمة خبرا إلى أي جهة تريد، فمن يريد الاعتراض فعليه أن يقوم بذلك بالطريقة الأصولية، أي تقديم الأدلة على صحة اعتراضه. لكن ما يحصل الآن هو أن دعاوى تلك الجهات تعامل كما لو أنها أحكام قطعية. بعبارة أخرى تعمل المحكمة كمحام لبقية الدوائر الحكومية، والأصل أنها محام للمواطن «وهو الطرف الضعيف في القصة كلها». وحتى لو قلنا بأن دور المحكمة هو إعطاء كل ذي حق حقه، فإن اشتراط موافقة الجهات الحكومية يعني ضمنا منحها أفضلية على المواطن..

تطوير مرفق القضاء وغيره من الأجهزة الحكومية لا يتوقف على تسريع عملها من خلال التعاملات الإلكترونية، بل يتطلب تغييرا جوهريا في فلسفة العمل باتجاهين، أولهما: اختصار التدخلات الشخصية وما يسمى بالتوجيهات وتطبيق نصوص القانون دون تفسيراته. وثانيهما: أن يعمل القضاء وسائر الدوائر باعتبارها أجهزة لخدمة المواطن. فخدمة المواطن يعني أن تقف في صفه دائما، وأن تجعل هدفك إيصاله إلى حقه، فإذا اعترض الآخرون فليسلكوا نفس السبيل، أي المطالبة بما يرونه حقا لهم بالطرق القانونية، لا أن تعتبر ادعاءاتهم وآراءهم حقا ثابتا.

صحيفة عكاظ    18 / 10 / 2010م

21/03/2007

في الفتوى والتخصص



طبقا لرأي استاذنا الدكتور محمد الهرفي ، فان ظهور التنظيم الرسمي للافتاء يرتبط بقيام الدولة الحديثة التي عرفها العالم الاسلامي خلال القرن العشرين. مورد اهتمام الهرفي ليس تاريخ الافتاء على أي حال، فقد كان يناقش في المقام الاول موضوع عمل المفتي والعوامل المؤثرة في الفتوى وانعكاساتها على العلاقة بين المفتي والجمهور. وهو يخلص من مناقشته الى الدعوة لاستقلال مؤسسة الافتاء، شأنها في ذلك شأن القضاء مثلا.
المرحوم د. محمد الهرفي (1948-2015)

وقد ندد الهرفي في سياق مناقشته بتصدي غير الاكفاء للفتوى ، وفتوى بعضهم في موضوعات بعيدة عن مجال اختصاصه، الامر الذي اثمر عن فوضى مشهودة في المجال الديني يعرفها كل متابع. وقد سبق لكثير من المفكرين والعلماء ان تناولوا الموضوع وقدموا طروحات جديرة بالاهتمام، لكنها لم تحظ بما تستحقه من مناقشة علمية واجتماعية. معظم الناس في ما يبدو يفضل ايكال الفتوى الى هيئة تضم مجموعة فقهاء، كما هو الحال في مجمع الفقه الاسلامي وهيئة كبار العلماء. بينما يميل غيرهم الى ربط الفتوى بموضوعها، بالتركيز على جانب التخصص.

بعبارة اخرى، فهم يدعون الى صياغة جديدة للعلوم الشرعية ، تنتهي الى تخريج فقهاء متخصصين في موضوعات محددة، واختصاص كل منهم بالفتوى في موضوع تخصصه دون غيره من الموضوعات ، بحيث نرجع الى فقيه متخصص في أمور العبادات ، ونرجع الى آخر حين نحتاج الى راي شرعي في مسألة تتعلق بالسوق، والى ثالث في امور العائلة والاحوال الشخصية.. الخ. 
دور الدين في الحياة العامة في بلادنا يشبه الى حد ما دور القانون في المجتمعات الاخرى. في تلك البلاد ثمة قضاة متخصصون في الاحوال الشخصية مثل الزواج والطلاق والارث والنفقة والنسب.. الخ. وثمة قضاة متخصصون في قضايا الاملاك، وآخرون في النزاعات التجارية، وتخصص غيرهم في الخلاف حول تفسير القوانين او قضايا الحقوق المدنية.. الخ.

 وعلى نفس السياق فقد تحولت مهنة المحاماة الى مهنة تخصصية، فكل محام يترافع في موضوع اختصاصه ولا يجاوزه الى غيره. اظن ان فكرة التخصص سوف تساعد على تنظيم حقل الفتوى كما ستساعد على استقلاله. ذلك ان الناس بطبعهم اميل الى قبول راي المتخصص حين يتوفر. يساعد التخصص في تعزيز الثقة بقيمة الفتوى ويشجع على الاخذ بها. ان عدم اطمئنان الناس لعدد من الفتاوى راجع الى شكهم في الاساس العلمي الذي تقوم عليه، او مناسبتها لواقع الحال. وكلا الامرين يرجع الى تبحر صاحب الفتوى في موضوعها وعلمه به علما تخصصيا تفصيليا.

حين يتحدث فقيه في المعاملات البنكية مثلا، فنحن نتوقع منه معرفة دقيقة بموضوع عمل البنك وموقعه في النظام الاقتصادي ومعيشة الناس. مثل هذا الموضوع لا يدرس في المدارس الشرعية لانه ليس موضوع اختصاص لها. وكذلك الامر في بقية الموضوعات. لا يصعب التوصل الى صيغة مناسبة للجمع بين دراسة العلوم الشرعية والتخصصية. كأن يشترط للتخرج من الكليات الشرعية دراسة اختصاص ثان، في الاقتصاد او القانون او البيولوجيا او علم الاجتماع.. الخ.

 وهذا من الأمور المتعارف عليها في المجال الاكاديمي، وهو مطبق في بعض دول العالم، مثل الولايات المتحدة التي تشترط على دارس القانون ان يحصل مسبقا على شهادة جامعية في حقل ثان. او تشترط على طالب الطب ان يحصل على شهادة في الاحياء او الكيمياء الحيوية.. الخ. في ما مضى من الزمن كان يمكن للفقيه ان يكون طبيبا ورياضيا وفلكيا وفيلسوفا، وربما عالم ميكانيكا ايضا. 

وقد عرفنا في تاريخ العلوم بعض من جمع اطراف هذه العلوم وزاد. لكن هذا اصبح مستحيلا في عالم اليوم. ليس لان عقول الناس اصبحت اقل استيعابا، بل لان العلوم تشعبت وتوسعت، كما تشعبت الحياة وتعقدت، واكتشف الانسان دقائق في العلم والطبيعة ما كانت لتخطر في خيال الماضين فضلا عن ان يعرفوها. ان التقدم العلمي والحضاري في العالم الغربي هو ثمرة الاعتراف بالتخصص واعتباره اساسيا في التعامل مع وقائع الحياة وتحدياتها وما تأتي به من جديد ومختلف في كل صباح. لكن هذه ليست الفائدة الوحيدة للاتجاه الى التخصص في الفتوى، فالاستقلال سيكون هو الاخر ثمرة للتخصص. فبقدر ما يكون الاساس العلمي والموضوعي للفتوى متينا ومتقنا، بقدر ما تكون مؤثرة.

الاستقلال - من هذه الزاوية - لا يتحقق بقرار يتخذه المفتي او غيره، بل هو ناتج طبيعي عن القوة العلمية او الموضوعية التي تنطوي عليها الفتوى. تماما مثل رأي الطبيب الحاذق الذي يفرض نفسه بنفسه، ومرافعة المحامي المتمرس الذي يكسب الدعوى مهما قويت حجج الخصوم، وابيات الشاعر المبدع التي يتداولها الناس ولو عارضت رايهم، ونتاج العالم الذي يطبقه اعداؤه فضلا عن اصدقائه، وهكذا. الاستقلال اذن يكمن في القوة الداخلية، أي التاسيس العلمي، والتاسيس العلمي يتوقف على التخصص والالتزام بحدوده.

 الأربعاء 02/03/1428هـ ) 21/ مارس/2007  العدد : 2103

مقالات ذات علاقة

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...