+الفصل الخامس من كتاب "رجل السياسة ، دليل في الحكم الرشيد" صص 117-150
يمثل العقد الاجتماعي اساسا نظريا لفكرة السلطة المنبثقة من المجتمع والخاضعة
لارادته. تناقش هذه المقالة احتمالات التوافق بين مكونات العقد الاجتماعي والقيم
الاسلامية، وبالتالي امكانية تاسيس فكرة العقد على ارضية فلسفية لا تتعارض مع القيم الدينية، ثم وعلى نحو خاص حق المجتمع واهليته لانشاء عقد من ذلك النوع.
وسوف
نعرض هنا المصادر التي تستمد منها الجماعة حقها في التعاقد والمشاركة في القرار،
ونركز على ملكيتها للموارد العامة وكون الفرد مالكا لنفسه ونتاج عمله. كما سوف
نناقش اهلية الافراد والمجتمع لادراك وتقرير تلك المصالح، ونركز على نظرية التحسين
والتقبيح العقليين المتداولة عند الاصوليين المسلمين.
***
طرح
هذا الموضوع خلال السنوات القليلة الماضية من جانب مفكرين وسياسيين مسلمين، في
سياق الدعوة المتصاعدة الى مراجعة شاملة للتفكير الاسلامي في مسألة الدولة
والتنظيم السياسي[1] . وهي دعوة عززها تصاعد الاتجاه الى الديمقراطية
والحريات المدنية والتداول السلمي للسلطة، وانخراط معظم دول العالم في هذا التيار،
وبقاء الاقطار الاسلامية، بعضها على الاقل، اسيرة لتنظيمات سياسية قديمة قائمة على
الجبر والتغلب وحرمان الاكثرية الساحقة من المواطنين من المشاركة الفاعلة في تقرير
السياسات التي تؤثر على حاضرهم ومستقبل ابنائهم. لا بد من التذكير هنا بالفقر
الشديد في العالم العربي لبحوث الفلسفة السياسية، والى القيود المتنوعة المفروضة
على البحث والنشر في هذا الجانب، الامر الذي صرف النقاشات حول الطروحات السياسية
للتنظيمات واهل الفكر والسياسيين الى الجوانب السطحية والآنية. ومن انعكاسات هذا
الفقر ما نراه من تجنب المفكرين الاسلاميين لمناقشة الاشكاليات الاصلية، مثل
اشكالية المجتمع التعاقدي ونظام الحكم الذي يقوم على اساسه.
ان
تطور مفهوم العقد الاجتماعي وفروعه ضمن الاطار المعرفي الاوربي لا يجعله اوربيا في
المبتدأ والاخير، فهو – مثل كل الافكار الشبيهة – منتج انساني، يستطيع كل مجتمع
الاستفادة منه او من بعض عناصره بحسب حاجاته وظرفة التاريخي. من المتوقع بطبيعة
الحال ان اي معالجة نقدية لنظرية العقد الاجتماعي سوف تؤدي الى تعديل في صيغتها
المعروفة في الفكر الاوربي من اجل انتاج صيغة تتناسب والشروط الثقافية/الاجتماعية
لمجتمع المسلمين المعاصر.
ان
امكانية الاستفادة من نظرية العقد الاجتماعي (في صيغتها الاصلية او مع تعديلها)
كاساس للتنظيم السياسي في بلاد المسلمين، مرهون بتنسيج عناصرها ضمن الثقافة
السائدة، الثقافة التي ورثها المسلمون من اسلافهم او تلك التي طوروها كتعبير عن
ظرفهم الاجتماعي الحاضر.
اغراض العقد الاجتماعي
السؤال
الاول بداهة : كل عقد له غرض معلوم، فما هو الغرض الذي يراد تحقيقه من وراء العقد
الاجتماعي ؟.
العقد
الاجتماعي هو القاعدة الفلسفية والقانونية التي يقوم عليها النظام السياسي. تمثل
الدولة احد ابرز اركان هذا النظام، ووظيفتها الرئيسية هي ادارة الشأن العام، اي
الأمور المشتركة بين اعضاء الجماعة. وطبقا لسلفادور دي مادارياجا فان غرض
الدولة هو ادارة المصالح الجمعية التي كونتها مجموعة من البشر، تولدت بينها خلال
مسار تاريخي من العيش المشترك على ارض محددة، مشاعر تضامن مشترك[2] فتحولوا
تبعا لذلك من احتشاد غير منظم الى مجتمع ذي هوية خاصة تعكس الرابطة التي تجمع
افراده الى بعضهم. الفارق الرئيس بين الدولة وغيرها من المنظمات الاجتماعية يكمن
في تمتع الدولة بحق احتكار وسائل الردع والقوة الضرورية لفرض سياساتها على الجميع،
وكون هذا الاحتكار مشروعا[3]. اذن فالعقد الاجتماعي - من هذه الزاوية على الاقل –
ينطوي على تنازل المتعاقدين، اي مجموع افراد المجتمع، الى الحكومة التي
تمثلهم، عن حقهم في استعمال العنف لحماية انفسهم او فرض مراداتهم. هذا التنازل
يولد ما يوصف في علم السياسة بشرعية السلطة اي حقها في الامر والنهي واستعمال
الوسائل الجابرة في ادارتها للشأن العام. من الضروري اذن تحديد المقصود
بمصطلح "الشأن العام" كي نرى ان كان اطراف العقد، اي اعضاء
الجماعة يملكون الحق والاهلية في التصرف في الشان العام، بما فيه الدخول في
تعاقدات او اتفاقات او تفويض هذا الحق الى جهة محددة – الحكومة مثلا – كي يكون
تصرفها فيه مشروعا.
يمكن
تلخيص الوظائف المندرجة تحت عنوان الشأن العام في خمسة رئيسية :
1- صيانة
السلام الداخلي : الضمان القانوني لحياة واملاك الافراد وحقوقهم الاخرى بحيث
تغنيهم عن استعمال قوتهم الشخصية في حمايتها.
2- فض
النزاعات التي تنشب بين اعضاء الجماعة على نحو يحفظ حقوق الجميع.
3- صيانة
الامن الوطني : حماية الجماعة ضد العدوان الخارجي.
4- التقسيم
العادل للموارد المادية المشتركة مثل المعادن، المياه، ومصادر العيش الاخرى، وكذلك
الفرص والخيرات غير المادية، بين اعضاء الجماعة.
5- تحسين
حياة الجماعة من خلال ادارة النشاطات التي لا يستطيع كل فرد لوحده القيام بها على
وجه الكمال، مثل تعليم الاطفال والخدمات الصحية والمواصلات.
هذه
الوظائف هي اعمال عقلائية تستهدف ضمان مصالح او دفع اضرار، وعللها واضحة،
وحكمها جلية. وليس فيها شيء غائب او خفي، وبالتالي فهي قابلة للادارك والفهم
والتعديل والتطوير من جانب اعضاء الجماعة. واذا كان للشارع من نظر فيها، فمحوره الفلسفة
العامة والمعايير الاساسية التي يركز الشارع المقدس على رعايتها ودعوة الناس
للالتزام بها مثل رعاية العدل والانصاف وما اشبه. اما اصل اقامة الوظيفة فهو امر
عقلي ضروري، امضاه الشارع واكد عليه في سياق امر للجماعة بها، او توجيه اليها، او
بيان الحكمة من ورائها، مثل قوله تعالى "لقد أَرسلنا رسلنا بالبيناتِ
وأَنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناسُ بالقسط وأَنزلنا الحديد فيه باْس شديد
ومنافع للناس"[4] وقوله "ولكم في القصاص حياة يا اولي
الالباب"[5] وقوله "واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل
ترهبون به عدو الله وعدوكم"[6]. وقوله "وامرهم شورى بينهم"[7]
وقوله "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان"[8]..
الخ. وقد لاحظ مفسرون ان الايات الواردة في هذا السياق موجهة جميعها الى المجتمع
كوحدة واحدة لا الى الافراد او طبقة خاصة منهم[9].
موضوع
العقد الاجتماعي هو اقامة نظام عام للعلاقة بين افراد الجماعة يحقق الاغراض
المذكورة آنفا. ابرز اجزاء هذا النظام هو الحكومة التي تنوب عن المجتمع في تنفيذ
مقتضياته. وقد اشرنا سابقا الى ان ما يميز الحكومة عن سائر الهيئات الاجتماعية هو
توسلها بالجبر في انفاذ سياساتها. ويتضمن عملها بالضرورة تصرفا في انفس الناس وفي
اموالهم الخاصة او المشتركة. ومعنى التصرف هو تحديد كيفية استعماله او فرض ضرائب
او اقتطاع بعضه لاغراض معلومة. وهذا هو الموضوع الرئيس للتعاقد. ان دخول الافراد
في عقد اجتماعي يتضمن - بالضرورة – قبولا بذلك التصرف. نعرف بداهة ان الانسان
يتعاقد حول شيء يملكه، فيتنازل عنه او عن بعضه اذا شاء. لكنه لا يستطيع التصرف في
ملك الغير. فهل يملك الانسان نفسه حتى يمنح المجتمع او الحكومة حق التصرف فيها.
وهل يملك او تملك الجماعة حق التصرف في الموارد المشاعة والمشتركة في الارض التي
تقيم عليها كي تتنازل عن هذا الحق للحكومة ؟.
يدور
النقاش اذن حول عنصرين :
الاول :
ملكية الانسان لنفسه، وكونه منفردا بالولاية عليها وان احدا غيره لا سلطة له عليه
الا برضاه.
الثاني :
ملكية المجتمع كمجموع للارض التي يقيم عليها، بما فيها من موارد طبيعية ومستجدة،
مما لم يختص به واحد على وجه التعيين.
كنت
قد ناقشت بعض اطراف المسالة بالتفصيل في الباب الثالث من كتابي "نظرية السلطة
في الفقه الشيعي" وعرضت هناك تعريفات للمسألة واراء الفقهاء فيها. ولذا
اعرضها هنا مختصرة جدا. سوف اناقش لاحقا اهلية الفرد والجماعة لتحديد المصالح
والمفاسد والدخول في تعاقدات عامة. وامل ان يساعدنا هذا في تحديد مرجعية اسلامية
للنقاش حول العقد الاجتماعي.
قد
يرى القاريء هذا السؤال سخيفا. ربما لانه يجد ملكية الانسان لنفسه مسألة
بديهية، فاذا لم يكن مالكا لها فلا بد ان يكون مملوكا لفرد آخر، اي عبدا. او لانه
ينظر الى المسألة من زاوية اخرى، فهو ينطلق من حقيقة ان الانسان مملوك لله
سبحانه، وبهذا المعنى فان الفرد لا يمكن ان يكون مالكا لنفسه.
اما
الغرض من السؤال فهو تحديد الارضية المفهومية التي يقوم عليها مبدا الاختيار
والارادة الفردية وحق التصرف في الذات وما تملك. فاذا كان الانسان مالكا لنفسه،
فانه حر في التصرف في نفسه وفي املاكه، لان الملك يقيم للمالك حقا حصريا في جميع
انواع التصرفات، ويوجب على الاخرين احترام هذا الحق وعدم الاقدام على اي تصرف يطال
الفرد واملاكه من دون رضاه. واذا قلنا بان الانسان لا يملك نفسه، فانه بنفس القدر
ليس حر التصرف في نفسه واملاكه، فالتصرف عائد للمالك.
لا
جدال في كون الانسان مملوكا لخالقه جل وعلا. وهي ملكية اصلية بالتكوين يترتب عليها
خضوع وطاعة على المستوى التشريعي. لكن هذا ليس موضوع النقاش في السياسة ولا في
الفلسفة. النقاش في العلوم جميعا يتعلق بالمستوى الارضي الدنيوي وليس بالخلق
والتكوين. وهو يركز خصوصا على خيارات الانسان وارادته. وبالتالي فان ملكية الله
للانسان ليست منظورة في السؤال اعلاه. الكلام اذن في ملكية الانسان لنفسه في مقابل
ملكية غيره من البشر له. مع هذا التوضيح فالجواب الاولي الممكن على السؤال هو :
نعم، الانسان هو المالك الوحيد لنفسه.
لكن
هذا الجواب قد لا يكون قطعيا او نهائيا عند بعض الناس، لواحد من سببين: اولهما ان
ملكية الله للانسان يتفرع عنها وجوب الالتزام باوامره ونواهيه في الحياة اليومية،
وخضوعه بالتالي لمن يوصل اليه هذه التعاليم او من هو مكلف بالاشراف على تنفيذها
مثل الرسول والامام والحاكم.. الخ. هذه التعاليم تؤدي بالضرورة الى تحديد حرية
الانسان على المستوى السلوكي والواقعي. السبب الثاني : حتى لو قبلنا بملكية
الانسان لنفسه، فان هذه الملكية ليست مطلقة، لأنه لا يملك حق التصرف في نفسه تصرفا
مهلكا مثل الانتحار او ايقاع اذى جسيم، او اهمالها كليا، وهذه من المسلمات العقلية
التي لا جدال فيها.
لو
قبلنا بهذين الاعتراضين، فان المبدأ السابق، اي ملكية الانسان لنفسه، سيبقى قائما
لكنه لن يكون مطلقا. بعبارة اخرى سوف نحتاج الى صياغة جديدة للفكرة على الوجه
التالي : ان الانسان مالك لنفسه واملاكه ملكية تامة الا في حالتين : الاولى : اذا
تعارضت هذه الملكية مع الحقوق الثابتة للخالق سبحانه، والقائمة بدورها على قاعدة
اعلى من ملكية الانسان لنفسه، وهي الخلق والايجاد والسيطرة على المصير النهائي
(الموت او البقاء حيا). الثانية : اذا كان تصرف الانسان في نفسه مؤديا الى زوالها
او ايقاع ضرر جسيم عليها، لما في ذلك من تعارض مع مبدأ الوجود. نستطيع القول اذن
ان ملكية الانسان لنفسه قائمة ضمن دائرة الوجود وليس فوقه.
اما
الاعتراض القائل بان التعاليم الالهية تؤدي بالضرورة الى تحديد لمالكية الانسان
لنفسه فهو غير وارد، لاننا نتحدث عن الدين والتدين في معنيين متمايزين:
اولهما:
الايمان وهو علاقة روحية خالصة بين الانسان وخالقه سبحانه، لا تحتمل الجبر المادي
ولا النفسي، وهي المشار اليها في الاية المباركة "لا اكراه في الدين"[10].
والمظهر العملي لهذا المعنى يتجلى في العبادة التي غرضها التقرب الى الله ونيل
رضاه. والعقوبات المترتبة على عدم الايمان عقوبات اخروية خارج اطار الوجود
الدنيوي.
الثاني:
التشريعات التي تنظم العلاقة بين الافراد والجماعات، والتي يجري الجبر عليها اذا
وضعت في اطار القانون الوطني وصدرت عن حكومة شرعية. فهي لا تختلف حينئذ عن
القوانين العادية التي تفرض طاعتها تحت مبررات دنيوية. اما العقوبات الدنيوية التي
قد تفرضها سلطات دينية فهي من انواع القانون المدني الذي يعتبر ايضا من اشكال
تحديد الحرية التي لا تتنافى مع مالكية الانسان لنفسه، وهي مرتبطة بالنظام
الاجتماعي او السياسي وتخضع لنفس المعايير التي تحكم جميع قوانين المجتمع. وسوف
نعود لمناقشة هذه النقطة في موضع اخر من هذا الكتاب.
يتضح
اذن ان ملكية الانسان لنفسه ثابتة. وانه – بموجب هذه الملكية – حر التصرف في
نفسه وفي املاكه، حرية لا ينازعه فيها احد والا عد باغيا ظالما. يترتب
على القول بملكية الانسان لنفسه اثر سياسي واجتماعي بارز، وهو اعتبار الانسان ذا
سلطة تامة على نفسه وهو ما عبر عنه فقهاء المسلمين بالولاية[11]. واود الاشارة قبل
ترك هذه الفقرة الى نقطتين لا يخلو ذكرهما من فائدة:
الفائدة
الاولى : لم اجد في بحوث الفقهاء التي اطلعت
عليها ذكر لعبارة "ملكية الانسان لنفسه". بل استعملوا في الغالب عبارات
مشابهة مثل ولاية الانسان على نفسه وسلطنة الانسان على نفسه. استعملوا هذه
العبارات في موارد تحتمل ترتيب نفس اثر الملك . وكلا الامرين ، اي الولاية
والسلطنة ، مستفادة من ادلة عديدة ، لكن ابرز ادلة السلطنة هي الرواية المنسوبة
للرسول عليه الصلاة والسلام "الناس مسلطون على اموالهم". وقد استفيد
منها السلطنة على النفس لانها اولى. لكن هذه الاستفادة قائمة في المعنى السلبي لا
الايجابي. المعنى الايجابي يساوي قدرة صاحب المال على التصرف فيه كيف شاء. اما
المعنى السلبي فيساوي ان سلطة الانسان على ماله تعني حصانة تلزم الاخرين بالامتناع
عن التصرف في هذا المال . فهذه الحصانة تتعلق بالنفس بوجه اولى. فاذا اخذنا بهذا
الاستدلال فان الاستدلال بالرواية لا ينفع في اثبات الدعوى التي نحن بصددها. هذا
الاشكال قائم اذا تمسكنا بمنطوق الرواية ، لكننا نتمسك بمفهومها ، ومفهوم الرواية
من القواعد العقلائية المشهورة التي لا يختلف عليها العقلاء وفحواها ان الانسان
مخول بالتصرف العقلائي في الامور التي بيده. ولا شك ان نفس الانسان اما ان تكون
بيده او بيد غيره ، والثاني ممتنع بالاصل ، فثبت الاول ، اي كون الانسان مالكا
لزمام نفسه. كما اننا نستدل على دعوانا بادلة الولاية وهي تفيد نفس المعنى ، اي
سلطة التصرف فيما يقع ضمن موضوع الولاية ، ولا شك ان الاصل هو كون الانسان وليا
منفردا على نفسه. وقد استدل بالاثنين ، اي الولاية والسلطنة ، الفقيه
الايراني المعاصر محمد مؤمن ، وهو من ابرز اساتذة الشريعة في حوزة قم ، استدل بها
على جواز نقل الاعضاء البشرية وبيعها من جانب صاحبها . وقدم اضافة الى ما سبق ادلة
اخرى[12]. وخلاصة دعوانا هنا : ان الملك والولاية والسلطنة كلها تشير (فيما يخص
موضوعنا) الى مضمون واحد هو جواز التصرف من قبل المالك او الولي او صاحب السلطة في
موضوع الملك او الولاية او السلطة ، وهو هنا نفس الانسان او ماله. ولا شك في صحة
هذا المدعى وقابليته للاثبات بالادلة العقلية وبالنص.
الفائدة
الثانية: ورد على لسان الشيخ الانصاري معنى
خاص للولاية، لاحظت ان معظم الفقهاء الاخرين قد غفل عنه او اغفله. يتفق الفقهاء
على ان ولاية الامام والحاكم الشرعي هي بمثابة التكميل لنقص المولى عليه[13]. وهم
يمثلون لذلك بولايته على القاصر والعاجز والمجنون والسفيه الخ.. وخلفية استدلالهم
هو الاية المباركة "ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التي جعل الله لكم قياما
وارزقوهم فيها واكسوهم"[14] حيث تشير الاية الى الوجه الاجتماعي للمال
والملك الفردي. يجادل الانصاري بان موضوع ولاية الحاكم هو مال المولى عليه لا
نفسه، فالحاكم ولي على مال القاصر وليس وليا على شخصه، وغرض الولاية هو ضمان
الاحسان في الانفاق والحفظ[15]. ومنه نستنتج ان ولاية الانسان على نفسه غير مزاحمة
او مجروحة حتى على القول بالولاية العامة للحاكم الشرعي.
نعود
الان الى الوظائف المندرجة في عنوان "الشان العام". فهي جميعا قابلة
للاتصاف بوصف "المصلحة العامة" وهي جميعا مما اتفق العقلاء في كل
الازمان والاماكن على وجوده في كل مجتمع انساني متحضر، بل ان غيابها عن مجتمع يلقي
عليه وصف "مجتمع الغاب". اقامة هذه الوظائف تحتاج بطبيعة الحال الى
مصادر مالية، تتاتى من احد طريقين : اولها : استثمار الموارد الطبيعية او الجديدة
المتوفرة او القابلة للتوفير في البلاد، ومنها مثلا المعادن والمياه. وثانيها
تقسيم الكلفة على المواطنين، ضمن ما يعرف اليوم بنظام الضرائب على الدخل او الرسوم
على الخدمات العامة. في كلا الحالين فان معيشة الناس وما يتوفر لديهم من فائض مال
وما يدفعونه ازاء استفادتهم من الموارد او الخدمات العامة، انما ياتي من كد ايديهم
وعقولهم او استثمارهم لموارد طبيعية او مستحدثة في ارض البلاد.
وقد
نظر الفقهاء الى هذه المسألة عند بحثهم في باب الخراج الذي كان يشكل في العصور
القديمة المصدر الرئيس لميزانية الدولة، ويشمل الاستثمار المباشر للموارد الطبيعية
والرسوم التي تفرض على استثمار الافراد لتلك الموارد. والسؤال الذي يهمنا الاجابة
عليه هنا هو: من يملك الموارد العامة والثروات الطبيعية.. هل هو المجتمع او الدولة
التي تمثله او الحاكم بصفته الشخصية ام تملكها الحكومة بصورة مستقلة عن تمثيلها
للمجتمع، ام انها من غير مالك على الاطلاق؟.
اهمية
هذا السؤال تكمن في انه اذا ثبت ان تلك الموارد مملوكة للمجتمع ككل، فان تصرف
الحكومة فيها سواء لاقامة الخدمات العامة او اي شأن آخر هو تصرف في ملك الغير
(افراد المجتمع)، فهو اذن غير مشروع الا برضاهم، ولا بد عندئذ من وضع صيغة تضمن
رضا المالكين. اما المورد الثاني المذكور اعلاه، اي تقسيم الكلفة على
المواطنين من خلال نظام الضرائب فأمره اوضح من كل بيان، وسيتضح مغزاه خلال البحث.
الموارد
العامة أو الاموال العامة هي كل مال أو مصدر للمال لا يملكه شخص معين، ضمن اراضي
الدولة الاسلامية أو امتداداتها، أو يملكه مجموع المسلمين لنوعهم، أو لخصوص منطقة
يسكنونها. ويستفيد الافراد من تلك الموارد بطريقتين : الاولى :
الانتفاع بما ينتج منه من خلال العمل مثل الصيد في البحار والانهار والرعي في
الغابات والصحارى فهذا متاح ومفتوح لكل فرد من دون اذن الحاكم. الثانية: حيازة
جزء منه حيازة دائمة تمنع تصرف الغير، مثل ملكية الارض او تحويل ماء النهر او تملك
المناجم او ابار البترول، وما اشبه. فهذه تتوقف على اذن الحاكم الذي قد يأذن بها
مجانا او يفرض عليها رسما معلوما من المال. وقد بحثت المسألة من جانب الفقهاء تحت
عنوان الخراج والزكاة والخمس والمشتركات واحياء الموات والانفال وكل منها كما هو
واضح من المسمى، يشير إلى نوع من هذه الاموال، ويرجع تركيز الفقهاء على الاراضي
الى طبيعة الاقتصاد القديم في العالم الاسلامي، الذي كان في الغالب زراعيا أو
مرتبطا بالارض[16]. وصنف الفقهاء الارضين المتعلق بها الخراج الى نوعين، وسوف نلحق
بها صنفا ثالثا يعرف بالمشتركات، لتوضيح كيفية تقريرهم لكونها مالا عاما مملوكا
لمجموع المسلمين:
الاول
: الاراضي المفتوحة عنوة. فالعامر منها ملك مشاع للمسلمين قاطبة إلى يوم القيامة
من غير تفاضل بينهم باتفاق العلماء[17]. وقال بحر العلوم ان رقبتها للمسلمين
ملكا مشاعا، يرجع عائدها لكل مسلم، وحيث يتعذر التوزيع والقسمة بين الكل، تعين
الصرف في المصلحة الراجعة إلى الكل، كحفظ الثغور والامن، ورواتب الولاة والقضاة،
وبناء المساجد والطرق، فهذه منافع معلومة لكل واحد منهم، بل هي من ضرورات
الاجتماع. وقال الاردبيلي بان ملكية المسلمين لهذا النوع من الارض ليست ملكيـة
حقيـقية، بل هي من نـوع الوقف على ما هو مصلحة عامـة لهم [18].
الثاني
: الانفال. وتشمل الاراضي التي فتحت سلما، والاراضي الموات، وتركة من لا وارث له،
والآجام والمفاوز، وبطون الاودية ورؤوس الجبال وقطائع الملوك [19]. وترجع
ادارتها والتصرف فيها الى حكومة المسلمين[20]، كما يجوز تمليك بعضها للاشخاص بوسائل
التمليك المختلفة[21].
الثالث:
المشتركات. وتشمل ما هو ضروري للمصالح العامة والعمران، مثل الطرق ومصادر المياه
ومطارح القمامة وقنوات الـري ومراعي الماشية، والغابات، ويدخل فيها المباحات
الاصلية، التي لا تملك بالشراء ولا بالاحياء ولا باي طريقة اخرى لضرورته للعمران
ومنافع المجموع[22]. وهي ملك لمجموع المسلمين، ويدل عليها الحديث النبوي
"المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء والكلأ و النار وثمنه حرام"[23]..
ويستدل
على ملكية الناس لتلك الموارد، بايات التسخير مثل قوله تعالى "ألم تر ان الله
سخر لكم ما في السماوات وما في الارض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة.."[24] وايات
الخلافة، مثل "وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" [25] والتي
يفهم منها جميعا ان الله سبحانه، قد وضع هذه العناصر تحت تصرف الانسان بما هو
مخلوق لله، وخليفة له في ارضه [26].
وقد
ذكر المال العام في القرآن الكريم، منسوبا إلى المخاطبين، أي مجموع المسلمين،
وخصوصا في الامر بصيانة هذا المال، مثل قوله تعالى "ولا تأكلـوا أمـوالكم
بينكم بالباطل وتدلـوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من اموال الناس بالاثم وانتم
تعلمون" [27] وقال الطباطبائي في تفسيره للآية الاولى ان تقييد
الحكم الوارد في قوله تعالى "ولا تأكلوا اموالكم" بقوله
"بينكم" فيه دلالة على ان جميع الاموال لجميع الناس، فهي كالشارحة لقوله
تعالى "خلق لكم ما في الارض جميعا" فالاصل ان ما خلقه الله على هذه الارض
ملك للناس، وقد تكرر ذكر هذا الاصل في الايات القرانية في أكثر من 100 مورد بالفاظ
مختلفة، مثل الملك والمال والاستخلاف ولام الملك[28]. ويستنتج من مجموع هذه الايات
ان مالكية مجموع الناس لمجموع المال " حقيقة قرآنية هي أصل لاحكام وقوانين
هامة" من قوانين الحياة والعمل في مجتمع المسلمين[29].
وحسب
التاريخ المعروف فان المجتمعات في كل الازمنة اوكلت المهمات المشتركة، مثل دفع
الاعداء وحفظ الامن وعمارة البلد بشق الطرق وبناء السدود وتنظيف الانهار، إلى هيئة
السلطة، وسمحت لها بالانفاق على هذه المهمات من الموارد المشتركة، فان لم تكف، فمن
الضرائب التي تفرض على عامة الناس، وعلى هذا سار الفقهاء، حيثما احتيج إلى المال
لدفع ملمات تهم المجتمع كله[30].
يتضح
اذن ان المال العام ملك لعامة الشعب، وانما وضع في عهدة الحكومة لانها – نظريا على
الاقل – ممثل ووكيل عن الشعب. فحيازتها لتلك الاموال هو نوع من الامانة التي تسمح
لها بالتصرف لمصلحة المالك الاصلي. ولهذا لا يجوز للحاكم او موظفي الحكومة امتلاك
شيء من المال العام. كما ان سلطتهم في التصرف تنتهي فور تنحيهم عن الوظيفة بالموت
أو التقـاعد أو العزل، ولا تبقى تحت ايديهم كما لا تنـتـقل إلى ورثتهم[31]. ومن
بين الادلة على عدم كون الحكومة مالكا حقيقيا، هو اتفاق الجميع على ضرورة او على
الاقل جواز محاسبة اصحاب السلطة على تصرفهم فيما تحت ايديهم من مال، بينما لم يقل
احد بجواز محاسبة المالكين الشخصيين على تصرفهم في مالهم.
ربما
يعترض على هذا القول بانه لو صحت ملكية الناس للمال العام لجاز لكل منهم التصرف
فيه دون استئذان احد، بينما الثابت ان تصرفه متوقف على اجازة الحاكم. وهذا قول
مردود بان الملك مشترك على وجه الشياع، فكل تصرف من فرد يقع على ملك غيره، فيحتاج
إلى اذنه، ولان استئذان الجميع مستحيل فقد جاز استئذان وكيل الجميع وهو الحكومة. فالاذن
هنا ليس دليلا على عدم ملكية الانسان الموجب لمنع تصرفه، بل لمنع تصرفه في ملك
غيره.
زبدة
القول اذن ان المال العام، اعيانه ومنافعه، مملوك لجميع الناس أو جميع المسلمين.
وهم يمنحون حكومتهم حق ادارته والتصرف فيه بما يحقق الاغراض المستهدفة من العقد
القائم بين افراد الجماعة. هذا العقد يقيم علاقة بين المالك (المجتمع) والمستأمن
على الملك (الحكومة) يمكن وصفها بالوكالة، فالحكومة هنا وكيل عن الشعب تتصرف في
امواله لمصلحته وبرضاه. ذلك العقد هو الاساس الذي يجعل تصرف الحكومة في الموارد
العامة وفي اموال الافراد شرعيا ومجازا. ومن دونه يعتبر تصرفها بغيا وعدوانا، لا
اذا رضي المالكون به فردا فردا.
موقف الشارع
قارن
بعض الباحثين بين العقد الاجتماعي و"البيعة" المتعارفة في التاريخ
الاسلامي. على المستوى النظري تتضمن البيعة في صورتها المثلى شكلا من التعاقد بين
المجتمع والحاكم. لكن من المهم التاكيد على ان العقد الاجتماعي يتضمن خطين
متوازيين: أ) اتفاق بين اعضاء الجماعة انفسهم، يقوم على اساسه ب) اتفاق بين
الجماعة والحاكم. بينما تقتصر البيعة في افضل صورها على موافقة احاد المسلمين على
الحاكم. كان يمكن لمفهوم البيعة ان يتطور الى عقد متكامل الاركان، لكن التجربة
التاريخية لمجتمع المسلمين، ولا سيما منذ نهاية الخلافة الراشدة حولت
"البيعة" الى ممارسة شكلية جوهرها تاييد المتغلب بغض النظر عن ارادة
المجتمع او خياراته[32]. ولهذا فقد يكون البحث في هذا الجانب مضيعة للوقت طالما
اننا لا نملك صيغة محددة تقرن شرعية السلطة بتعاقد متكامل الاركان بين المجتمع ككل
وبين المرشحين لتولي السلطة، تعاقد سابق على توليهم مقاليد الامور وسيطرتهم على
مصادر القوة.
عودا
على موضوعنا نقول انه بموجب العقد تتصرف الحكومة في الموارد والمصالح العامة
بصفتها وكيلا عن المجتمع ومنفذا لارادته. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن : هل يملك
اطراف العقد، اي اعضاء الجماعة، الحق والاهلية في القيام بالوظائف الخمس التي
تنطوي تحت عنوان المصالح العامة، باشخاصهم او بايكالها الى اخرين؟. ام ان الشارع
حدد اشخاصا او هيئات خاصة لانجاز تلك الوظائف بدلا عن الجماعة او لمصلحتها او
نيابة عنها؟.
نحن
الان بين ثلاثة احتمالات: أ) اما ان الشارع سكت عن هذه الوظائف باعتبارها ضرورات
حياتية يستطيع العقلاء اكتشاف ضرورتها ويقدرون على ترتيبها. ب) او ان الشارع عرفها
كواجبات لكنه لم يحدد كيفية خاصة للقيام بها وفوض المكلفين اختيار الكيفية الاصلح
لانجاز التكليف. ج) او انه حدد كيفيات معينة واشخاصا او هيئات محددة وكلفها القيام
بهذه المهمة من دون تدخل عامة المكلفين. واذا كان قد ترك للجماعة اختيار الطريقة،
فهل يعتبر موقف الشارع هذا دليلا على مشروعية ما اختارته الجماعة، اي كونه عملا
صحيحا (او - على الاقل - غير باطل).
الواضح
ان الشارع المقدس قد تحدث عن تلك الوظائف اجمالا او تفصيلا. وانه حدد لبعضها
كيفيات او شروطا، مثل كلامه في العقوبات والحدود التي غرضها ضمان النظام العام.
لكنه سكت عن بعضها او سكت عن كيفياتها، مثل قيام الدولة بالخدمات العامة او مقدار
الضرائب والرسوم التي يجوز فرضها ازاء الاستفادة من الاملاك او الخدمات العامة.
والواضح ان ما يقصده الشارع ليس الوظيفة بذاتها بل ما تؤدي اليه. وهذا احد الفوارق
الهامة بين العبادات التي اتفق الفقهاء على كونها محددة شكلا وموضوعا (او توقيفية
حسب اصطلاحهم)، والمعاملات التي ينظر فيها الى الغاية والغرض وليس الشكل والكيفية.
بعبارة اخرى فان كل تكليف ديني يمثل مركبا من عدة اجزاء: الامر الالهي به وهو يحدد
منزلته بين واجب، محرم، مستحب او مكروه، ثم المكلف به: الافراد او الجماعة او
اشخاصا محددين بصفاتهم، ثم كيفية التكليف، واخيرا الغرض المقصود من التكليف
والذي يمثل فلسفته وحكمته.
واتفق
المسلمون جميعا على ان الاحكام الشرعية وليدة مصالح و مفاسد في المتعلقات، ولو ان
العقول استشرفتها و اطلعت على واقعها لاقرتها دون تردد[33]. وهذا اوضح ما يكون في
الاحكام الناظمة للمعاملات بين الناس. بل ان ارتباط الاحكام بالمصالح الواقعية هو
احد اصول العقيدة – كما رأى معرفت -. علم الخالق بالمصالح والمفاسد ورحمته الواسعة
بعباده تقودنا الى "اليقين بمصالح كامنة وراء التكاليف وأن الأحكام الشرعية
إنما هي حدود مضروبة دون سيادة الفوضى وشيوع الفساد في الأرض"[34].
وفي
نفس السياق يرى فخر ان المصالح العامة القابلة للادراك من جانب العقلاء هي
ارضية الأحكام الخاصة بالسياسة العامة، وان "تقييمنا لأحكام الفقه
يتقرر على ضوء ما تحققه من أهداف"، فلو أصدر فقيه حكماً ثم تبين أنه لا يحقق
الغاية المنشودة، فعليه أن يشكك في استنباطه[35]. يمكن التمثيل على ذلك بالاحكام
المقررة في موارد القصور الشخصي التي صنفها الفقهاء ضمن "الامور
الحسبية" مثل حفظ مال القاصر والعاجز ورعاية حقوق من لا يستطيع القيام بحقه
ولا يجد من اهله من يقوم بشأنه مثل المتوفى في بلد غريب ونحو ذلك. وهذي من الموارد
التي اكثر الفقهاء من الكلام فيها واتفقوا جميعا على احالة المسؤولية عنها الى
الحاكم الشرعي (القاضي او المجتهد) او من ينيبه، او من يقوم بها باذنه، فان لم
يوجد الحاكم او تعذر الوصول اليه انتقلت مسؤوليتها الى عدول المؤمنين ثم
عامتهم [36]، لان المقصود بالحكم هو حفظ مصلحة القاصر او العاجز. والامر
نفسه يقال في تصرف الوالي في الموارد العامة. طبقا للشيخ الاصفهاني، فان الامام
العادل هو المفوض بالتصرف فيها، لكن لو تعذر الرجوع اليه، قام بها الحاكم الفعلي
وان كان متغلبا "لان فوات مصلحة قيامه – الامام العادل - بالامر لا يسوغ
تفويت مصالح المسلمين"[37].
وقد
ذكر كثيرون – وهذا راينا ايضا – بان احكام الشارع المتعلقة بالمصالح العامة ليست
في معظمها انشاءات غير معروفة للعقلاء، بل هي امضاءات لما سبق ان اقره العقلاء او
انها تأكيد على الغايات والمقاصد المستهدفة من وراء التصرفات العقلائية. ومن هنا
نستنتج ان المعيار الرئيس لما نعتبره صحيحا او فاسدا من التصرفات هو :
1- عدم
مخالفته لنص ثابت واضح الدلالة.
2- تامينه
لمصلحة عقلائية بينة.
ولا
يشمل هذا العنوان الاحكام الخاصة بموضوعات موقوتة مما يصنف كاحكام ولائية، كما لا
يشترط في صحة العمل كونه مطابقا لاراء الفقهاء لانها اجتهادات وليست احكاما ملزمة.
واعتمدنا النص السلبي "عدم المخالفة" تحرزا من الطريقة الاخبارية التي
تقصر المشروعية على ما سبق تعريفه في نصوص الشارع. فموضوع بحثنا يتناول في معظمه
قضايا جديدة لم يرد فيها نص تفصيلي وان امكن ارجاعها في المقصد والفلسفة العامة
الى النصوص او روح التشريع.
سلامة التعويل على العقل الفردي او الجمعي في تعريف المصالح
بعض
من انكر حق المجتمع في صياغة نظامه السياسي احتج لرايه بان عامة الناس غير قادرين
على ادراك المصالح، التي منها ماهو ظاهر ومنها ما هو خفي لا يعرفه الا واضع
الشريعة او اهل العلم فيها [38]. وقد اوضحنا في السطور السابقة ان المصالح
العامة التي هو موضوع عمل النظام السياسي ليست من الغيبيات، بل هي قضايا عقلائية،
وانها في الاعم الاغلب ليست من انشاءات الشريعة الاسلامية، بل من انشاءات العرف
التي امضاها المشرع، وان المعيار في وضعها او رفعها هو تحقيقها للمصلحة المرجوة
منها. ستجد بطبيعة الحال فقهاء يذكرون ما يسمونه بمصالح خفية وراء بعض التكاليف،
اي عللا او غايات لا يستطيع الناس ادراكها. لكن هذا القول لا يجري في المصالح
العامة، لانها في الاغلب من انشاءات العقلاء التي اقرها الشارع، كما ان القول
بخفاء العلل والمصالح لا طائل وراءه، فتكليف الناس به في معاملاتهم يعتبر تعسيرا
يتعارض مع اصالة التيسير الثابتة في الشرع.
نأتي
بعد ذلك الى الحجة الثانية وهي قابلية الفرد او الجماعة لادراك حقيقة المصلحة،
واهليتهم – بالتالي – لتقرير ما هو صحيح وما هو خطأ. السؤال المطروح هنا هو: هل
يتمتع الانسان العادي بالاهلية العقلية والروحية التي تسمح له بتشخيص المصالح
والمفاسد وادارة حياته بصورة سليمة. ويترتب عليه سؤال اوسع خلاصته: هل تستطيع
الجماعة، اي مجموع الافراد، تشخيص المصالح والمفاسد، واكتشاف الحقائق، واختيار
الطريق السليم لادارة ما هو مشترك بينها؟. ام ان قدرات الفرد العقلية دون هذا كله،
وانه بحاجة – على الدوام – الى ولي ومرشد ينير له الطريق، ويكشف له الحقيقة، او
يعينه على كشفها ؟.
وينحل
هذا السؤال الى سؤالين اخرين :
1- معايير
الحسن والقبح والصلاح والفساد، هل هي حقائق موضوعية، ام هي مفاهيم صنعها البشر
وتوافقوا عليها فتحولت الى مسلمات بمرور الزمن وتكرار التجارب، ام هي احكام شخصية
مشروطة بظرفها الخاص؟.
2- على
اي من القولين، هل للفرد دور في تقرير ما هو حسن وصالح له، ام انه مطالب بالتسليم،
في كل الاحوال او بعضها، للمعايير الموضوعة فطريا او بتوافق المجتمع؟.
من
المفيد ابتداء عرض رؤية الفيلسوف المعاصر كارل بوبر الذي يقسم المعرفة الى ثلاثة
عوالم[39] :
العالم
الاول : هو الكون المادي الذي يتالف من حقائق واقعية. يعيش الناس في هذا العالم
ويسعون الى فهمه وتصويره على شكل نظريات واوصاف، فيفلحون احيانا ويفشلون احيانا اخرى.
العالم
الثاني : هو تصوراتنا الشخصية وتجاربنا وتاملاتنا في ذواتنا او في الكون المادي
المحيط. وهي تشكل في مجموعها رؤيتنا للعالم وعلاقتنا به وموقفنا من عناصره
ومكوناته. هذا العالم هو الذي تعمل فيه عقولنا حين نفكر في وجودنا وما يطرأ عليه
من متغيرات. المعارف الشخصية والتاملات والذاكرة الشخصية هي بعض تمثيلات هذا
العالم. وهي جميعا قائمة على ارضية الوعي الشخصي والرغبات والميول والهموم
ومتفاعلة معها.
العالم
الثالث : هو مجموع منتجات العقل الانساني المجردة، اي القائمة بذاتها كموضوع منفصل
عن شخص المنتج او الاشخاص الاخرين. ونراها عادة في اطار اعمال علمية او
تطبيقات تقنية مثل الكتب، الالات، النظريات، النماذج، الحاسبات، الشبكات.. الخ.
يمكن
للمعرفة ان تتولد في العالم الثاني، لكن تمثلاتها المادية (او مصنوعاتها) تحفظ في
العالم الثالث. هذه العوالم الثلاثة متمايزة لكنها مترابطة ومتفاعلة. فالعالم
الاول يوفر امكانات الوجود والحركة للعالم الثاني، بينما يسعى العالم الثاني
لادارة العالم الاول والسيطرة على حركته وتوظيفه. من جهة ثانية فان العالم الثاني
ينتج العالم الثالث، بينما يسهم العالم الثالث في حفظ منتجات العالم الثاني وتطوير
قدراته. يفسر العالم الثالث العالم الاول ويتنبأ بما يحتمل ان يجري فيه لاحقا.
بينما يقدم العالم الاول المنطق والدليل الذي يقوم عليه العالم الثالث.
من
المفهوم طبعا ان العالم الثاني يتكون من بشر، ونحن نستطيع طبعا استعمال احاسيسنا
في اختراق الحدود وملاحظة واختبار العلاقات والتبادل القائم بين العالم الاول
والثاني. من هنا فان المعرفة التي تحيط بنا (العالم الاول) تصبح جزء منا (العالم
2) ثم نخزنها نحن في محتويات وظروف تاريخية (مصنوعات العالم 3).
نحن
اذن ازاء نوعين من المعرفة او الافكار :
**
المعرفة بالمعنى الشخصي subjective، التي تتالف من حالات ذهنية او ادراكات cognitionتشكل
خلفية للتصرف او رد الفعل. في هذا النوع يشكل شخص العارف جزء من المعرفة. العارف
قد يتبنى فكرة او رايا بناء على قناعة علمية او بناء على تأمل او ميل خاص لا يستند
بالضرورة على دليل علمي قابل للقياس. من ذلك مثلا الاعتقادات الدينية
والايديولوجية، والمواقف الشخصية ازاء قضايا المجتمع، واراء الناس في الجماليات
والفنون، ونظرتهم الى الاشخاص وعلاقاتهم معهم. صحة هذا النوع من المعرفة يقاس
بادوات شخصية، او بالنظر الى تماسك الفكرة وتكاملها، او بنيتها المنطقية، او
جدتها.
**
المعرفة بالمعنى الموضوعي objective، تتالف من تعبيرات نظامية وغير شخصية عن المشكلات والنظريات
والاحتجاجات. وهي مستمدة من فحص ومراقبة واختبار عناصر الكون المادي او القضايا
القابلة للحساب والنقد على اساس معايير موضوعية ومقبولة من مختلف العارفين.
المعرفة في هذا المعنى مستقلة كليا عن اي شخص، انها معرفة من دون عارف.
قبل
ان ننتقل الى الفقرة التالية اود الاشارة الى موقع "القيم" والاعراف
والمثل النبيلة والاخلاقيات. وهو من القضايا التي كانت موضوعا للجدل الفلسفي، ولا
سيما لجهة اعتبار تلك القيم شخصية او اجماعية او موضوعية. ان كثيرا مما يصنف ضمن
النوع الاول (الشخصي) يرجع الى قيم او اعراف او مثل اخلاقية يتبناها الشخص ويرجع
اليها كمعيار في مواقفه وارائه. ومن هنا فقد جرى الاصطلاح على اعتبار شريحة
واسعة من القيم معارف اجماعية intersubjective ، وهي تضم المعارف التي تنتمي في الاصل الى النوع الاول
(الشخصي)، لكنها وقعت موقع القبول عند عدد كبير جدا من الناس حتى اصبحت مسلمات في
زمن معين او في ازمان متوالية. وتقاس بالرجوع الى تكاملها مع بقية المعارف
المماثلة، قابليتها للاقناع، وضوحها، ومستوى تاثيرها الظاهر.
الى
جانب ذلك يميل اكثر الفلاسفة والاخلاقيون الى اعتبار العديد من القيم السامية،
قيما موضوعية، اي انها ترتقي الى مرتبة الحقيقة الكاملة، حتى لو اختلفنا في
تطبيقاتها او المفاهيم المتفرعة عنها. من ذلك مثلا قيمة العدل والانصاف والحرية
والتعاطف والنظام الخ. فهذه ليست مجرد قناعات شخصية وليست مفاهيم توافقية بين
اعضاء مجتمع محدد او امة معينة في زمن او ازمان خاصة، بل هي بديهيات ذات طبيعة
كونية يسلم بها جميع العقلاء في جميع الازمان. وهي ضرورة لمعايرة حياة الانسان
والجماعات، ومن دونها لا يمكن التوصل الى اي حكم سليم. ويميل الاتجاه العام في
الفلسفة الى اعتبار هذه القيم السامية من نوع المعارف المتسامية على الدليل
والتجربة، التي ياخذ بها الانسان على نحو الاعتقاد والايمان بغض النظر عن اي دليل
او تجربة، او يعتبرها الدليل الاخير الذي يقاس عليه كل شيء، فهو يدل على غيره كما
يدل على ذاته ولا يحتاج الى دلالة غيره عليه.
لا
بد من التنبيه هنا على الفارق الدقيق بين المعرفة والقيمة، ولعلها واضحة لكثير من
القراء. فالمعرفة هي مجرد وصف او تفسير لشيء اما القيمة فهي حكم على ذلك الشيء.
انت قد تصف بيتا بانه متين البنيان او ربما تعلل متانته بتصميمه الهندسي او
استعمال مواد خاصة في بنائه، فهذا من تطبيقات المعرفة التي يمكن اثباتها بدليل
يتفق عليه جميع الناس. لكنك ايضا قد تصف هذا البناء نفسه بانه جميل او قبيح او
مزعج او مريح، فهذا حكم على البناء وليس وصفا او تفسيرا. وفي هذا يختلف الناس بحسب
اذواقهم وثقافاتهم، بل قد يختلف راي الشخص الواحد اذا راى البناء في مكان او رآه
في مكان آخر بحسب موضعه بين بقية الابنية. القيمة اذن ليست وصفا للموضوع بل هي حكم
عليه او اساس لحكم عليه.
التقييم والحكم:
بناء
على التقسيم السابق يتضح ان الحقائق النظرية او المادية قد توجد مستقلة بذاتها وقد
توجد منسوبة الى شخص او فريق من الناس. بالنسبة للحقائق المستقلة فانها قد تكون
بديهية يستحيل الخلاف فيها وهي قائمة بغض النظر عن اتفاق العقلاء حولها، مثل قولنا
ان الكل اكبر من الجزء او قولنا باستحالة اجتماع النقيضين. وقد تكون اجماعية يتفق
عليها جميع العقلاء مثل قولنا ان العدل حسن والظلم قبيح. الفارق بين تلك وهذه يكمن
في ان اتفاق العقلاء هو مصدر قيمتها بينما الاولى قائمة بذاتها. وهذا مذهب ابن
سينا ومعظم الاصوليين الشيعة[40].
يتعلق
نقاشنا في معظمه بقضايا تنتمي الى شريحة القيم الاجماعية، او الاحكام المشهورة
التي تبانى عليها العقلاء في مختلف الامكنة والدهور فاصبح القبول بها سمة من سمات
العاقل وانكارها مما يستغرب صدوره عنه. مثل قولهم بحسن العدل وقبح الظلم.
واصل
المسألة هو قولهم بوجود حسن وقبح ذاتي في الافعال وقابلية العقل لاكتشافهما والحكم
على الفعل بناء عليهما. وهذا يطابق ما وصفناه انفا بموضوعية الحقيقة، اي كونها
قائمة بذاتها وبغض النظر عن راي الناظرين اليها، وان هذه الحقيقة قابلة للكشف
بالعقل حتى لو لم يات فيها بيان شرعي. وقد بحث المتكلمون والاصوليون المسلمون هذه
المسألة تحت عنوان "التحسين والتقبيح العقليين". ويبدأ البحث بسؤال : هل
لأفعال الانسان قيمة في ذاتها، ام ان قيمتها مستمدة من الفاعل او الاطار الذي يجري
فيه الفعل؟. القول بالقيمة الذاتية للفعل يعني ان بعض الافعال حسن في ذاته وبعضها
قبيح في ذاته بغض النظر عن تحسين الشارع وتقبيحه لها، وبغض النظر عن فاعلها.
ويترتب عليه : اذا كان الحسن والقبح منطويين في ذات الفعل، فهل يستطيع العقل –
بمفرده - كشف هذه القيمة والحكم على الفعل بناء على ذلك الكشف؟.
مال
معظم الاخباريين وقبلهم الاشاعرة الى عدم احتواء الفعل على قيمة ذاتية،
وقالوا ان القبح والحسن ليسا عائدين الى امر حقيقي حاصل فعلا قبل ورود بيان
الشرع، انما اصبح الفعل قبيحا او حسنا لان الشارع وصفه على هذا النحو. ومال
معظم الاصوليين الى ان الفعل ينطوي على قيمة ذاتية سابقة لبيان الشارع. وانما جاء
الشارع لتصديق ما حكم به العقل.
لكن
النقاش قاد الى تفريعات في معنى الحسن والقبح، تشبه ما ذكرناه انفا، وخلاصتها
ثلاثة معان : الاول : الحسن والقبح بمعنى الكمال والنقص ويراد بهما وصف الاعمال
الاختيارية التي يقوم بها الانسان ويتفق الجميع على انها كمال للنفس او نقص
لقيمتها مثل العلم (والتعلم) والجهل (وترك التعلم)، والانصاف والحيف وتطبيقاتهما.
والظاهر ان لا احد يخالف في هذا المعنى لانه اقرب الى اليقينيات التي يصدقها
الواقع الخارجي. وهي تطابق ما اسميناه سابقا بالموضوعي. المعنى الثاني هو الملاءمة
للنفس، مثل القول بان الشراب لذيذ والبرد قارس، او بالنظر الى عواقبها مثل القول
بان كثرة العتاب تجلب العداوة، فهذه جميعا ترجع الى ملاءمة الشيء او الفعل لنفس
معينة، ويختلف الناس فيها بحسب اذواقهم ومشاربهم واوضاعهم. وهذا يطابق ما وصفناه
سابقا بالشخصي او الذاتي. اما المعنى الثالث، وهو اكثر المعاني التي دار حولها
الجدل فهو التحسين والتقبيح بناء على رد فعل العقلاء عليه، فما حسنه عموم العقلاء
فهو حسن وما قبحوه فهو قبيح.
وينقسم
المعنى الثالث بدوره الى ثلاثة اقسام نذكر اثنين منها: فالقسم الاول هو الحسن
والقبح الذاتي، وهو يتعلق عادة بالقيم المطلقة مثل قيمة العدل والظلم والانصاف
والحيف والعلم والجهل الخ.. ففعل العدل والعلم والانصاف – من دون تقييد – لا يكون
الا حسنا وفعل الظلم والحيف والجهل– من دون تقييد – لا يكون الا قبيحا. هذه
الافعال تاخذ قيمتها مباشرة ومن دون واسطة. القسم الثاني هو الحسن والقبح العرضي،
ويتعلق بالافعال التي تؤدي – عادة – الى تحقيق القيمة السابقة الذكر. فالفعل الذي
يؤدي بطبعه الى العدل يعتبر حسنا، حتى لو كان يؤدي احيانا الى الظلم القبيح، مثل
مساعدة الاخ الذي يعتبر من انواع التعاطف الحسن، مع انه يؤدي احيانا الى ظلم الغير
وهو في هذه الحالة قبيح. لكن المعول على الوصف العام لا الاستثناءات. فهذه الافعال
تاخذ قيمتها اذا تركت على طبعها الاولي[41]. ويشبه هذا التقسيم تقسيم ارسطو
للافعال الى فعل هو في ذاته غاية praxis وفعل هو وسيلة لنيل غاية منفصلة عنه poiesis ، فالاول قيمته فيه،
والثاني قيمته في ما يؤدي اليه[42]. ويميل معظم الاصوليين الى
القول بان "الحسن و القبح صفتان واقعيتان يدركهما العقل، كما يدرك سائر
الصفات والامور الواقعية"[43]، لكنهم ربما اختلفوا في امكانية تاسيس حكم شرعي
على اساس الكشف العقلي.
اهلية الفرد لادراك الحقيقة:
منذ
قديم الزمان دار نقاش لازال محتدما حول قدرة الفرد على اكتشاف الحقيقة بحواسه
ومداركه الخاصة اضافة الى تجاربه الحياتية. موضع الاشكال هنا هو قدرة العقل البشري
على التحرر من مسبقاته الذهنية والنظر بحياد في الحقائق الخارجية. ويميل جميع
الفلاسفة المعاصرين تقريبا الى قبول الفرضية التي جرى تطويرها على يد الفيلسوف
الفرنسي ديكارت (1596-1650) ثم من
بعده على يد فلاسفة بارزين مثل جون لوك (1632-1704) وتوماس ريد (1710-1796). تتلخص تلك الفرضية
في ان البحث عن الحقيقة مسألة فردية بحتة. ذلك ان الفرد قادر – منطقيا - على ان
يفكر بصورة مستقلة عن تراثه الماضي وعن تفكير الجماعة التي ينتمي اليها. صحيح ان
تجربة الانسان الثقافية، تربيته وبيئته الاجتماعية ودائرة المصالح التي يعيش ضمنها
تضع حدودا لما يفكر فيه وتؤثر في رؤيته الى الاشياء من حوله، لكنه مع ذلك قادر على
الانفصال عن ذلك التراث والتفكير في الاشياء بصورة منطقية وموضوعية.
تستند
هذه الرؤية على فرضية سابقة فحواها ان للحقيقة وجود موضوعي مستقل، بغض النظر عن
قبول الناس او رفضهم لها، وانها قابلة للكشف من جانب اي انسان يستعمل عقله[44].
يمكن لجميع الناس ان يتفقوا على مفهوم واحد للحقيقة، لكن هذا الاتفاق ليس قيدا على
الحقيقة ذاتها، فهناك دائما فرصة لفرد ما كي يصل الى مفهوم آخر او يكشف وجها آخر
للحقيقة مختلفا عما اتفق عليه الجميع من قبل. يتمتع الافراد بقابليات ذهنية
متفاوتة ويعيشون تجارب حياتية متمايزة. كل تجربة تمثل مصدرا محتملا للمعرفة وقد
تقود الى كشف حقيقة جديدة او وجها جديدا لحقيقة معروفة. القبول بفردية التجربة
يعني بالضرورة القبول بان كشف الحقيقة هو عمل فردي، وان ما يتوصل اليه الفرد يتمتع
بنفس الدرجة من الثقة والاعتمادية التي يتوصل اليها الاخرون، كافراد او كمجموع.
صحيح ان استنتاجات الفرد وخلاصة تجاربه ليست ملزمة للغير، لكنها - بالنسبة اليه
على الاقل – تعتبر موثوقة وصالحة كاساس للمعرفة. بعبارة اخرى فان للفرد الحق في
اتخاذ جهده العقلي الخاص وتجربته الشخصية اساسا للمعرفة والالتزام، وله الحق في
وضع استنتاجاته في مصاف الحقائق. مثل هذه الرؤية تتوقف بطبيعة الحال على الاقرار
بقيمة الانسان في ذاته، وقيمة جهده الذهني، وقدرته على ان يكون مستقلا، متمايزا عن
غيره.
بعبارة
اخرى فان الحقائق موجودة في الواقع الخارجي وان عقل الانسان قادر على كشفها. لكن
هذا الكشف قد لا يكون كاملا بالضرورة. فثمة وجوه عديدة او اوضاع مختلفة للحقيقة
الواحدة. فقد يكون الكشف الذي انجزه شخص ما كاملا، وقد يكون جزئيا، وقد يكون
نسبيا. ومن هنا فان ما يكشفه عقل واحد لا يصح ان يعتبر نهاية العلم. ثمة على
الدوام فرص لكشف جوانب اخرى من ذات الحقيقة التي كانت موضوعا للكشف الاول.
يتمايز
الاسلاميون عن نظرائهم الغربيين في اعتبار الوحي مصدرا للمعرفة. لكن الطرفين
يتفقان على اعتبار العقل مصدرا صحيحا ومقبولا للمعرفة وانه قادر على كشف الحقيقة.
وذهب مكارم الشيرازي الى ان التكيلف الالهي للانسان بالطاعة والعبادة
ليس ممكنا من دون هذا الاعتبار[45]. لقد منح الخالق سبحانه للانسان قدرة التشخيص والعقل
والضمير اليقظ كي يميز بين الفجور والتقوى، ونقل عن بعض المفسرين اتخاذهم الاية
المباركة "ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها" دليلا على
موضوعية الحقيقة، او ما يطلقون عليه ذاتية الحسن والقبح في الافعال، وقدرة العقل
على كشفهما[46].
يرد
على هذه الرؤية انها تقود الى المساواة بين الصحيح والخطأ، فاذا توصل شخصان الى
نتيجتين مختلفتين في مسألة واحدة، فلا بد ان احدهما خاطيء، والقول بان هذه النتيجة
تحمل نفس قيمة الاولى معناه ان الصواب والخطأ في منزلة واحدة. والجواب عليه ان
القبول بموضوعية الحقيقة ووجودها الخارجي المنفصل عن فهم الناس لها او تصورهم عنها
يقتضي بالضرورة اعتبار الفهم الفردي نسبيا او مشروطا او مؤقتا او جزئيا. ولهذا
السبب نجد العلماء في كل فن يتوصلون الى اراء ومواقف تخالف غيرهم الذين بحثوا ذات
المسألة. وهذه طبيعة المعرفة، فكل عقل ينظر للموضوع الواحد من زاوية مختلفة او
بتاثير عوامل مختلفة فيصل الى تصور مخالف لسابقه. هذا لا يعيب الحقيقة ولا يعيب
الفهم المتحصل عنها. ما ينبغي الاشارة اليه هنا هو ان كل فهم شخصي لا يصح الزام
الغير به الا بدليل ثانوي، مثل موافقة ذلك الغير على اتباع الراي المطروح او تبنيه
من جانب جهات لها صلاحية الالزام مثل الدين او القانون او توافق المجتمع او ما
اشبه. بعبارة موجزة فان الحقيقة لها وجود موضوعي خارجي لكن فهمها وتصورها يكون في
الغالب شخصيا او نسبيا.
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع
حسنا..
اذا كان الفرد قادرا – بعقله - على كشف الحقيقة، اي كشف المصالح والمفاسد الكامنة
في الافعال، فهل لهذا الكشف قيمة دينية؟. وهل يصح اعتباره اساسا لالزامات شرعية؟.
بحثت هذه المسألة عند الاصوليين تحت عنوان الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
وذهب اكثرهم الى ان حكم الشرع تابع لحكم العقل. فكل فعل اتفق العقلاء على حسنه فلا
بد ان يكون رايهم هذا مطابقا لحكم الشارع لان الخالق سبحانه وتعالى هو العقل الكلي
وخالق العقل وهو لا يحكم الا بما اتفقت عليه العقول. وحسب المظفر فان امر الشارع
في الموارد التي تصنف كمستقلات عقلية (اي بديهيات عند العقلاء وابرزها التحسين
والتقبيح العقليين) هو في مقام تاكيد حكم العقل لا تاسيس قيمة جديدة[47]. ويستدلون
على الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل بان من يفترض ضرورة حكم العقلاء بحسن الاحسان
وقبح الظلم مثلا، فلا بد ان يتوصل الى مدح المحسن وذم الظالم. ولا معنى للمدح
والذم الشرعي غير الثواب والعقاب وهذا هو حكم الشارع.
ونقل
السبحاني رايا متحفظا لكنه جدير بالتامل للسيد صدر الدين الرضوي القمي (ت 1747م)
الذي يرى الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل، لكنه يقول بأن
المكشوف
عن طريق الملازمة لا يسمى حكماً شرعياً، ولا يترتب عليه الثواب والعقاب. ... إذا
أدركنا العلة التامة لحكم العقل بوجوب شيء أو حرمته مثلاً، يصح أن يحكم عليه بأن
الشارع حكم أيضا مثل حكم العقل عليه. ولكن لما فرضنا عدم بلوغ التكليف إلينا، لا
يترتب عليه الثواب، وإن كان يترتب على نفس الفعل شيء من قرب وبعد، فلا يكون واجباً
أو حراماً شرعياً[48].
ويبدو
ان هذا هو ايضا راي الحكيم الذي يميز بين المدح والذم العقلي وبين الثواب والعقاب
الشرعي، ويميل الى ربط الثاني بوصول البيان الشرعي[49].اقول ان هذا الراي جدير
بالتامل لانه يشير الى مبدا منهجي هام لكنه مغفل للاسف في البحوث الفقهية، اعني به
عدم التكلف في استنباط الاحكام على خلفية انه لا بد لكل عمل او سلوك من حكم شرعي
ينظمه. وثمة جدل في هذا الباب حول ما يسمونه اصالة البراءة او اصالة اشتغال الذمة،
او في كون الاباحة حكما او غير حكم. واعتقادي الشخصي ان هذه البحوث كلها لا ثمرة
فيها غير التعسير على المؤمنين وتضييق ما وسعه الله على عباده. فما دام القيام
بالمصالح الدنيوية مقدور للعقلاء ، فما الداعي الى التكلف في استنباط احكام تلغي
دور العقلاء في تنظيم حياتهم؟.
قبل
الانتقال عن هذا المبحث اود الاشارة الى ان الفقهاء لا يرون تطبيق المعادلة
السابقة في الحالة المعكوسة. بعبارة اخرى فان ما حكم به العقل حكم به الشرع، لكن
قد يحكم الشرع بشيء لم يحكم به العقل بالنظر الى حكمة او مصلحة لم يدركها العقلاء
في وقت معين او في سائر الاوقات. والمفهوم ان هذا لا يبطل دعوى التلازم الذي
ذكرناه انفا.
احد
الاشكالات التي قد ترد على التفسير السابق هو القول بان المساواة بين حكم العقل
وحكم الشرع، مع احتمال وقوع الخطأ او النقص من العقل هو بمثابة تجويز الخطا والعيب
في الالزامات الشرعية، والاجدر بالشارع ان يعصم شرعه من اسباب النقص والعيب.
والجواب عليه ان افتراض الخطا والعيب لا يتعلق بالشرع بل بفهم الناس واداركهم
لحقيقة خطاب الشارع. وطلب الكمال من الناس تكليف بما لا يطاق فالكمال لله سبحانه
دون الخلق. ثم ان غاية ما يتوقعه المكلف عند ادائه للتكليف الشرعي هو العذر عند
الله سبحانه وليس انجاز التكليف بالمعنى الدقيق، ويتحقق العذر عند التزام المكلف
باداء التكليف بحسب استطاعته المادية والذهنية وعقده النية على التقرب بالعمل الى
الله سبحانه. فان كان التكليف على الوجه المراد من قبل الشارع فبها وان لم يكن فهو
معذور امام ربه لانه بذل المستطاع لاداء التكليف ونيل الرضا. وهذا بالمناسبة هو
احد الاحتجاجات التي يوردها الاصوليون لتجويز اتباع المجتهد مع احتمال خطئه في
استنباط الحكم، وفيه يقول الحكيم ان العقل يحكم "بلزوم قبول اعتذار الانسان
اذا عمل على وفق الحجة الملزمة وأخطأ الواقع، وليس للآمر معاقبته على ذلك" ما
دام قد اتبع الطريق الذي ألزمه بالسير فيه، أو كان ملزماً بحكم العقل بالسير عليه[50].
يتضح
اذن ان الراي السائد بين الاصوليين هو اعتبار المصالح والمفاسد امورا موضوعية
قابلة للكشف بالعقل، وان هذا الكشف يعتبر تمهيدا صحيحا لمنح الفعل المتناسب معه
قيمة دينية او دنيوية. ونحن مع هذا المذهب في مبرراته، لكنا نرى ان الحكم المستنبط
من هذا الطريق ذو قيمة اخلاقية دنيوية، لا يترتب على خلافه عقاب رباني اخروي. لكن
ربما يترتب عليها ثواب تحت عنوان آخر مثل التعاون على الخير وحفظ الجماعة
والنظام.. الخ.
وعلى
ضوء ذلك نستطيع القول بان موضوعات المصالح العامة، من حيث هي افعال او تصرفات،
تحمل في داخلها احدى القيمتين: الحسن او القبح. وان هذا الوصف قابل للكشف والادراك
من جانب العقلاء. وان كشفهم للمصلحة والمفسدة ، وتبنيهم للافعال او اعراضهم عنها
بناء على ما تحتويه من مصالح ومفاسد ، له قيمة اخلاقية دنيوية محترمة عند الشارع،
حتى لو لم ترق الى مرتبة الحكم الشرعي. بعبارة اخرى فان جمهور المسلمين له حق لا
يعارضه شرع في تعريف ما يراه مصلحة عامة له ، والقيام بها مباشرة او تكليف من يقوم
بها نيابة عنه.
خلاصة :
يمثل
العقد الاجتماعي اساسا فلسفيا للرابطة الاجتماعية والنظام السياسي في الدولة
الحديثة. وهي نظرية مطروحة على المفكرين المسلمين كاحد الخيارات الممكنة لتطوير
نظرية في السلطة والنظام السياسي تلائم القيم الدينية من جهة وتلبي حاجات المسلمين
في عصرهم الحاضر من جهة اخرى. وقد اتبعنا في النقاش طريقة تقوم على تفكيك الفكرة
وتفصيل مكوناتها، ثم مقارنتها مع التعاليم الاسلامية الواردة في نفس السياق
الموضوعي. العقد الاجتماعي هو الارضية الفلسفية للرابطة الاجتماعية والولاية
السياسية التي تقوم في اطارها ، وهو مصدر سلطة الحكومة التي تدير الشان العام
نيابة عن الجماعة. وقد بدا البحث بشرح لمفهوم "الشان العام" ثم ناقش
السؤال الافتراضي عن حق افراد المجتمع في انشاء توافق او الدخول في توافق حول
ادارة الامور المشتركة في مجتمعهم. وارجع هذا الحق الى ملكية الانسان لنفسه وكونه وليا
منفردا عليها وعلى املاكه. كما ناقش حق المجتمع كوحدة واحدة وارجعه الى ملكية
الجماعة للموارد والاموال العامة التي تشكل الموضوع الاساس لعمل الحكومة وعلاقة
المجتمع معها. وعرضنا في هذا السياق عددا من النظريات الفقهية لفقهاء بارزين.
ثم
ناقشنا اهلية المجتمع لكشف المصالح والمفاسد وسلامة التعويل على العقل الفردي
والجمعي في الحكم على الافعال رجوعا الى ذلك الكشف، والقيمة الدينية لهذا الحكم،
وقد عرضنا في هذا الصدد نقاشا عن موضوعية الحقيقة وكونها قابلة للادراك العقلي، ثم
لخصنا النقاش الدائر بين الاصوليين المسلمين في مسألة الحسن والقبح العقليين، التي
تقود الى القول بصحة التعويل على الحكم العقلي في انشاء الاحكام، لا سيما تلك
الخاصة بالامور التي لم يرد فيها نص محدد، والتي بحثها الاصوليون تحت عنوان
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
ويظهر
مما سبق ان فكرة العقد الاجتماعي وان كانت قد ظهرت وتطورت في الاطار المعرفي
الغربي، بل وجاءت في سياق التباعد بين الفلسفة السياسية وبين الديانة المسيحية في
القرن السابع عشر وما بعده، الا انها قدمت - كمفهوم وكفلسفة عمل – اداة مناسبة
لتصحيح العلاقة بين المجتمع والدولة واعادة بناء النظام السياسي على اسس يجعل
الحكومة خادما للمجتمع لا سيدا له او قاهرا فوقه. ويتضح من البحث انه يمكن تجريد
المفهوم من الشروط التاريخية التي ظهر فيها والتعامل معه كنظرية قائمة بذاتها. كما
يتضح ان هناك فرصة لتفكيك النظرية واعادة تركيبها ضمن الشروط الثقافية الخاصة
بمجتمع المسلمين. وانه يمكن مقارنتها بالعديد من المقولات الراسخة في التراث
الفقهي والفلسفي الاسلامي.
ي
تدير الشان العام نيابة عن الجماعة. وقد بدا البحث بشرح لمفهوم "الشان
العام" ثم ناقش السؤال الافتراضي عن حق افراد المجتمع في انشاء توافق او
الدخول في توافق حول ادارة الامور المشتركة في مجتمعهم. وارجع هذا الحق الى ملكية
الانسان لنفسه وكونه وليا منفردا عليها وعلى املاكه. كما ناقش حق المجتمع كوحدة
واحدة وارجعه الى ملكية الجماعة للموارد والاموال العامة التي تشكل الموضوع الاساس
لعمل الحكومة وعلاقة المجتمع معها. وعرضنا في هذا السياق عددا من النظريات الفقهية
لفقهاء بارزين.
ثم
ناقشنا اهلية المجتمع لكشف المصالح والمفاسد وسلامة التعويل على العقل الفردي
والجمعي في الحكم على الافعال رجوعا الى ذلك الكشف، والقيمة الدينية لهذا الحكم،
وقد عرضنا في هذا الصدد نقاشا عن موضوعية الحقيقة وكونها قابلة للادراك العقلي، ثم
لخصنا النقاش الدائر بين الاصوليين المسلمين في مسألة الحسن والقبح العقليين، التي
تقود الى القول بصحة التعويل على الحكم العقلي في انشاء الاحكام، لا سيما تلك
الخاصة بالامور التي لم يرد فيها نص محدد، والتي بحثها الاصوليون تحت عنوان
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع.
ويظهر
مما سبق ان فكرة العقد الاجتماعي وان كانت قد ظهرت وتطورت في الاطار المعرفي
الغربي، بل وجاءت في سياق التباعد بين الفلسفة السياسية وبين الديانة المسيحية في
القرن السابع عشر وما بعده، الا انها قدمت - كمفهوم وكفلسفة عمل – اداة مناسبة
لتصحيح العلاقة بين المجتمع والدولة واعادة بناء النظام السياسي على اسس يجعل الحكومة
خادما للمجتمع لا سيدا له او قاهرا فوقه. ويتضح من البحث انه يمكن تجريد المفهوم
من الشروط التاريخية التي ظهر فيها والتعامل معه كنظرية قائمة بذاتها. كما يتضح ان
هناك فرصة لتفكيك النظرية واعادة تركيبها ضمن الشروط الثقافية الخاصة بمجتمع
المسلمين. وانه يمكن مقارنتها بالعديد من المقولات الراسخة
في التراث الفقهي والفلسفي الاسلامي.
مقالات ذات علاقة
[1] انظر مثلا مقالات محمد عابد الجابري في مجلة فكر ونقد، الاعداد 27، 28، 29. http://www.aljabriabed.net/indexl.htm
[2] Salvador de Madariaga, “The Heresy of State Finality”, in Waldo R. Browne, Leviathan in Crisis, Viking Press, New York, 1946. pp 135-140, p. 138.
[3] Max Weber, The Vocation Lectures, trans: D. Owen, T. Strong, R. Livingstone; Hackett, 2004. P. 33
[9] انظر مثلا محمد حسين الطباطبائي : الميزان في تفسير القران، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت 1997)، 4/176
[12] محمد مؤمن قمي : "بيوند اعضاء"، مجله فقه اهل بيت، شماره 34 تابستان 1382 (صيف 2003) ن. أ. www.islamicfeqh.com/magazines/Feqh34f/HP34f.h
[13] انظر مثلا محمد بحر العلوم: بلغة الفقيه ، تحقيق حسين آل بحر العلوم ، ط 4 مكتبة الصادق ، (طهران 1984)، 3/215
[15] مرتضى الانصاري : المكاسب، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم 1999)، 1/412. لتفاصيل اوفى انظر توفيق السيف : نظرية السلطة في الفقه الشيعي، المركز الثقافي العربي، (بيروت 2002)، ص 288
[16] انظر مقدمة د. محمود البستاني في المحقق الكركي واخرون: الخراجيات، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم 1992)، ص 24
[17] يوسف البحراني : الحدائق الناضرة، تحقيق محمد تقي الايرواني، ط3 دار الاضواء (بيروت 1993)، 18 /256
[18] احمد الاردبيلي : مجمع الفائدة والبرهان، صححه اقا مجتبى العراقي واخرون، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم 1403)، 7/471
[19] علي الكركي : "قاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج"، في الكركي واخرون : الخراجيات، ص 55
[20] ناصر مكارم الشيرازي : الامثل في تفسير الكتاب المنزل، ط1 مؤسسة البعثة، (بيروت 1413)، 5/325
[21] محمد حسن النجفي: جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام، دارالكتب الاسلامية، (طهران 1988)، 38/15
[22] النجفي : المصدر السابق 38/34
[23] علاء الدين المتقي الهندي : كنز العمال، تحقيق صفوة السقا وبكري حياني، مؤسسة الرسالة، (بيروت 1989)، 4/82 ح 9635
ونقله النوري بلفظ (الناس شركاء..) وهو يفيد ما هو اعم من المسلمين. الميرزا حسين النوري: مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ط2 مؤسسة اهل البيت لاحياء التراث ( بيروت 1988) 17/114 ح 20914 والحديث ضعيف لوجود عبد الله بن خراش في السند. ابن ماجة محمد بن يزيد القزويني : سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار احياء التراث العربي. (بيروت 1975)، 2/826 ح 2472. ورأى الشوكاني ان احاديث الباب تنهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقاً، ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخصص به عمومها. محمد العظيم ابادي: عون المعبود شرح سنن أبي داوود، ضمن برنامج المحدث8.63، ج 18 حديث 3547. أيضا الشهيد الاول محمد بن مكي العاملي: الدروس الشرعية في فقه الامامية، مؤسسة النشر الاسلامي (قم 1414) ، كتاب المشتركات، ص 294
[24] لقمان 20
[27] البقرة 188
[29] الطباطبائي : المصدر السابق 4/177
[30] جعفر كاشف الغطاء : كشف الغطاء، نشر مهدوي، (اصفهان د.ت) ص. 394
[31] ابو الصلاح الحلبي : الكافي في الفقه، تحقيق محمد رضا استادي، مكتبة امير المؤمنين العامة، (اصفهان 1403)، ص261
[32] حول مفهوم البيعة والعقد عند بعض الفقهاء السابقين، انظر عبد الجواد ياسين: السلطة في الاسلام ، ص 128
حول التطبيقات التاريخية للبيعة ، انظر محمد احمد خلف الله: مفاهيم قرانية ، عالم المعرفة (الكويت 1984)، ص 40
[34] محمد هادي معرفت: ولاية الفقيه ابعادها وحدودها، الفصل الثالث : طريقة انتخاب الرئيس. ن. إ. http://www.alseraj.net/maktaba/kotob/feqh/wolaya/maktabah/book/Alfikeralislami/013/7.htm
[35] علي سادات فخر : "العوامل المؤثرة في تطور الفقه"، في كتاب الاجتهاد وإشكاليات التطوير والمعاصرة، مجموعة مؤلفين، معهد الرسول الأكرم،(قم 2003) ، ص 201
[36] النجفي: المصدر السابق 22/273
[40] للمزيد انظر محمد رضا المظفر: اصول الفقه، مكتب الاعلام الاسلامي ، (قم 1370 هـ.ش) 1/207.
ايضا : جعفرالسبحاني : رسالة في التحسين والتقبيح العقليين، ص 38. ن.أ. http://tohid.ir
[42] حول مفهوم الفعل عند ارسطو، انظر : S. Freeland, ‘Aristotelian Actions’, Noûs, vol.19, no. 3. (Sep., 1985), 397-414, p. 397. لمطالعة نقدية في ذلك المفهوم، انظر: J. Ackrill, ‘Aristotle on Action’, Mind, vol. 87, issue 348, (Oct., 1987) pp. 595-601.
[44] Daniel Shanahan, Toward a Genealogy of Individualism, p. 18
[48] السبحاني، المصدر السابق ص 129، عن الرضوي القمي : مطارح الانظار، ص 263
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق