‏إظهار الرسائل ذات التسميات كورونا. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كورونا. إظهار كافة الرسائل

09/11/2023

لا تقتلوا أفكاركم الجديدة

 

يقال ان الأزمات الكبرى هي ام الافكار الكبرى. ويخبرنا تاريخ العالم ان كثيرا من الاختراقات المؤثرة في حياة الانسان ، ولدت في رحم الأزمة. خذ مثلا الطيران التجاري ، الذي أثمرت عنه ابحاث خصصت في الأصل لتعزيز القوات المسلحة ، في خضم الحرب العالمية الثانية وسنوات الحرب الباردة. ومثلها انظمة الاتصالات اللاسلكية ، وشبكة الانترنت التي غيرت حياة العالم كله. وثمة قائمة طويلة من الاغذية والادوية ومواد البناء والنظافة والالكترونيات والمصنوعات الهندسية ، تطورت كلها في ظروف التأزم. ولعلنا نذكر تجربة التعليم والعمل عن بعد ، اعتمادا على تقنيات الاتصال الحديثة ، في ظروف الحصار التي فرضها وباء كورونا على العالم كله. هذا التحول ليس بسيطا ، فقد انتج اقتصادا جديدا وانماط حياة جديدة. وسيبقى مؤثرا لزمن طويل في المستقبل.

حسنا ، ماذا عن الافكار التي لا تتعلق مباشرة بالتقنية وادوات العيش؟. اعني الافكار الجديدة في الفلسفة والسياسة والأدب وعلوم الدين والاجتماع.. الخ. هل تخضع لنفس القاعدة ، اعني: هل تشكل الأزمات بيئة خصبة لولادة الأفكار الجديدة في تلك المجالات؟.

أظن ان الازمة المقصودة باتت قريبة من ذهن القاريء ، اعني بها الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة وسكانه. خلال الاسابيع الاربعة الأخيرة ، حاولت التعرف على رأي عدد من البارعين في التحليل السياسي ، فوجدت آراء قيمة ، قد تعارضها او توافقها ، لكنها – بشكل عام – جديرة بالمناقشة والتفكير ، لأنها تحاول الاجابة على أسئلة هامة ، مثل سؤال: ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة التي كشفت عنها هذه الحرب ، في الموقف السياسي والشعبي.

وجدت أيضا قراءات جادة في التأثير المتوقع للحرب على نظام الامن الاقليمي ، ومواقف الاطراف الاسرائيلية والفلسطينية من المشروع المسمى "حل الدولتين" ، وامكانية نيله الدعم الاقليمي والدولي في الاشهر القادمة.

ثمة مسائل حظيت باهتمام أقل رغم اهميتها ، مثل التحولات المتوقعة داخل حركة حماس ، واحتمالات الانشقاق في حركة فتح ، نتيجة التناقض الشديد بين القناعات المؤسسة والموقف الرسمي الحالي. ومنها ايضا انعكاس الحرب على ميول الاقليات المسلمة في الغرب ، للاندماج في المجتمعات المضيفة او البقاء على الهامش. وكذا تاثير الحرب على الاقتصاد المحلي في مصر ، وعلى مشروعات الطاقة المخططة شرق البحر المتوسط الخ. وجدت أيضا كتابات مفيدة عن اقتصاديات الحصار ، وطب الطواريء ، تحاول الاجابة عن سؤال: ماذا يمكن لشعب محاصر ان يفعل في ظل الحرب ، وما يترتب عليها من انقطاع للاتصالات واغلاق الحدود.

وذكرني هذا بالنقاشات الواسعة التي شهدناها سنة 2020-2021 حول سلاسل الامداد والتموين وما واجهته من تقطع بسبب القيود المرتبطة بوباء كورونا ، ومثلها النقاشات الخاصة بالعمل والتعليم عن بعد ، وانعكاساتهما الاجتماعية والاقتصادية ، وحتى تأثيرها على الهوية الفردية والوطنية.

لقد أتاحت الحرب فرصة ثمينة لطرح آراء غير تقليدية في قضايا عظيمة الأهمية. لكن معظم تلك الكتابات ضاعت فعلا او ستضيع ، وسط الركام الهائل من الردود والمجادلات السطحية ، التي تتنوع بين مدائح فارغة وشتائم قبيحة ، لشخص الكاتب وبلده والتيار الاجتماعي او السياسي الذي يعتقد المجادلون انه ينتمي اليه.

يغريني التشاؤم بالقول ان المجتمع العربي عاجز عن النقاش العقلاني. ثم يردني عقلي للقول ان التشاؤم طبيعي في ظل الأزمة ، وان التراجع المتوقع للازمة سيسمح بنقاش مستأنف. على اي حال يهمني ان أدعو القاري وكل من يتصل به ، الى تجنب الردود الخشنة على الآخرين حتى لو كانوا على الطرف النقيض. النقاش المنفتح قد يقود الى اختراق في جانب ما من حياتنا. أما الردح والشتيمة والسخرية ، فليس وراءها سوى ايذاء الذات واثارة الكراهية. دعونا نسمح بمختلف الآراء ، وخصوصا الآن ، فلطالما كانت الأزمات اما للأفكار العظيمة.

الشرق الاوسط الخميس - 25 ربيع الثاني 1445 هـ - 9 نوفمبر 2023 م

https://aawsat.com/node/4657046

مقالات ذات صلة

التعليم كما لم نعرفه في الماضي

العولمة فرصة ام فخ ؟

النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت

استمعوا لصوت التغيير

 

12/08/2020

التعليم كما لم نعرفه في الماضي


مع اقتراب العام الدراسي الجديد ، يتكرر التاكيد على ان مستقبل البلد ومصيرها ، يتقرر في هذه المباني التي يرتادها ابناؤنا صباح كل يوم.
ولمناسبة استمرار الاحتياطات الخاصة بمواجهة وباء كورونا ، قالت الصحف المحلية ان مسؤولي التعليم يناقشون فكرة التعليم عن بعد ، لتلافي مخاطر اجتماع الطلاب في مكان واحد.
واجد في هذا مناسبة لعرض فكرة تلح على ذهني ، منذ أن ظهرت الى السطح فكرة "الثورة الصناعية الرابعة". سوف أبدأ بسؤال قرائي الاعزاء ، واعلم ان فيهم طلاب وآباء لطلاب وعاملون في قطاع التعليم. سؤالي هو: هل هناك علاقة جوهرية بين التعليم والمباني المدرسية؟.
الواضح انه حين نذكر المدرسة ، فان صورة "مبنى" المدرسة هي اول ما يقفز الى الذهن. فهل نتحدث – حقيقة – عن المدرسة ام عن مبناها. بعبارة اخرى: هل نعتقد في اعماقنا ، ان المبنى اساس العملية التعليمية ، فان لم يجتمع الطلاب فيه ، فان العملية التعليمية ناقصة او حتى منتفية؟
لعل بعض القراء سيقول في نفسه: هذا جدل لاجدوى منه ، فليس في العالم من يفكر في الاستغناء عن المباني. البعض الاخر سيقول ان ترك المبنى يشبه ترك الشركة لمكاتبها واعتمادها العمل من المنزل بشكل كامل. قاريء ثالث ربما يهمس ساخرا: لماذا لا نلغي الشوارع ايضا ، كي تسير السيارات حيثما شاءت؟!.
حسنا. انا اتفهم الاشكالات المحيطة بالموضوع. لكن دعني أطرح خلفية السؤال: من المفهوم ان انشاء المباني المدرسية ، كان على الدوام ضروريا لقيام عملية تعليمية منتظمة وموحدة. لكن هذا المفهوم يرجع الى عصر سابق ، يوم كان العالم جزرا متباعدة جدا. اما عالم اليوم فهو اقرب الى قرية متواصلة. من ناحية اخرى فان حضور المعلم مع الطلبة في غرفة واحدة ضروري ، يوم كان توصيل المادة والفكرة رهن بالنقل المباشر من شخص الى شخص ، وكانت متابعة المعلم للطلبة تقتضي التأكد من مذاكرتهم ، وادائهم للامتحان ورؤية اوراقهم وتصحيحها. وكان انضباط الطالب والتزامه ، يتجلى في سجل الحضور والغياب.
لكن العالم اليوم لم يعد كعالم الامس. ان العملية التعليمية آخذة في التحول بشكل جوهري ، فلم يعد دور المعلم كما كان في الماضي ، ولا الكتاب المدرسي ولا الادوات المساعدة ولا فكرة الانضباط. ومن هنا فاننا بحاجة الى مناقشة موضوع جديد ، دعني اسميه "التعليم الموازي للثورة الصناعية الرابعة" اي التعليم المتوائم مع احتياجات مستقبل العالم.
يهمني جدا التمييز بين هذا المفهوم وبين المفهوم الذي يناقش في الصحف ، اي الذي يركز على التعليم عن بعد ، تلافيا لمخاطر وباء كورونا. ما اقترحه لا يرتبط بموضوع كورونا ، رغم ان هذا الوباء الكريه قد وفر الارضية اللازمة لطرح الفكرة وتنفيذها. انني ادعو للبحث عن منهجية تعليم تعتمد فلسفة جديدة ، مختلفة عما اعتدناه حتى الآن. في إطار هذه المنهجية ، يمكن ان يلعب "المبنى" دورا ، لكن: أ) لا ينبغي ان يكون هو المحور ، بحيث تتعطل الدراسة اذا تعطل المبنى. ب) وان لايكون للمدرسة مبنى واحد قسري. المدرسة هي اي مكان يجتمع فيه الطلاب: ربما في شارع ندرس فيه التخطيط العمراني ، أو مسجد ندرس فيه الثقافة الاسلامية ، او متحف للتاريخ ، او جبل ندرس فيه طبقات الارض او مصنع او معسكر او مستشفى ..الخ.
احسب ان المفهوم قد اتضح الان. ولعلي اعود لتفصيل بعض النقاط في وقت لاحق.
الشرق الاوسط الأربعاء - 22 ذو الحجة 1441 هـ - 12 أغسطس 2020 مـ رقم [15233]  
 https://aawsat.com/node/2443051/

17/06/2020

هل تعرف "تصفير العداد"؟


اشقاؤنا في اليمن هم اكثر العرب استعمالا لعبارة "تصفير العداد". ذلك ان رئيسهم السابق ، المرحوم علي عبد الله صالح (1942-2017) اعتاد تعديل البند الخاص بالفترات الرئاسية في الدستور  ، كلما انهى فترة رئاسية ، كي يترشح من جديد للانتخابات. وبلغت شهرة المصطلح ان الرئيس نفسه وعدهم يوما بانه "لن يصفر العداد" مرة أخرى. اما انا فتعلمت معنى "التصفير" من ابني الاكبر ، وهو مهندس كمبيوتر. في كل مرة اواجه مشكلة في جهازي ، كان ينصح بالتصفير = Reset.
مانويل كاستلز
موضوعنا اليوم ليس العداد الرئاسي ولا الكمبيوتري. انما اردت لفت انتباه القراء الاعزاء الى فكرة "التصفير العظيم = Great Reset" التي اظنها سترافقنا في قادم الايام ، بل اتمنى ان يكون العالم العربي ، لا سيما المثقفين والطبقات الجديدة ، جزءا من الحراك الذي يحمل هذا العنوان ، والذي اظنه أهم التحولات في تاريخ البشر.
صديقي الصحفي اللامع حسن المصطفى يقول ان التجارب الجديدة هي محور التاريخ البشري. وهي لم تتوقف أبدا. ولذا فالتحولات المنتظرة احتمال طبيعي. وبدا لي هذا القول صحيحا في الجملة ، لكن لعله يقلل من أهمية التحولات التي أدعي انها ستحدث بعد تلاشي جائحة كورونا.
لا اقول ان الجائحة أوجبت التحول او صنعته. فقبلها كان العالم يتهيأ لقفزة واسعة في حقل الاتصالات والمعلوماتية ، تؤذن بالانتقال الى عالم رقمي مخالف لما ألفناه حتى الآن.
حين تتبلور "الثورة الصناعية الرابعة" حسب وصف البروفسور كلاوس شواب ، فان جانبا اساسيا من الحياة سوف يتغير على نحو يصعب تخيله ، في الاقتصاد والتعليم والصحة والمواصلات على سبيل المثال. اقول هذا لان معظمنا لم يتخيل ، قبل 20 عاما فحسب ، انه سيعيش حياة ينظمها جهاز صغير في الجيب اسمه "الهاتف الذكي". 
قلة من الناس يرون المستقبل.  هذا مضمون اشارة الرئيس السابق باراك اوباما في رثاء "ستيف جوبز" مبدع فكرة الهاتف الذكي: "كان ستيف ثاقب البصيرة حين راى المستقبل يوم عجز الاخرون ، وكان شجاعا حين كافح من اجل الامساك به ، بينما تردد الاخرون".
في 2016 تبنى منتدى دافوس مفهوم "التورة الصناعية الرابعة". وقد تحدثت عنه في مقال بهذه الصحيفة منتصف نوفمبر الماضي. ونعلم ان المملكة قد وقعت اتفاقية مع المنتدى ، يجعلها جزء من هذا الحراك الانساني الجديد. نذكر ايضا الصراع الشديد بين الولايات المتحدة والصين ، حول امتلاك تقنيات الجيل الخامس ، التي ستكون عصب الشبكات والاتصالات في السنوات الآتية. هذا وذاك يشيران الى مسار تحول بدأ بالفعل.
لكن الجديد الذي اضافته "كورونا" هو تغيير  الاولويات وتسريع بعض المسارات. سيناقش منتدى دافوس فكرة "التصفير العظيم" في دورته القادمة. جوهر الفكرة ان الوباء كشف للعالم نقاط ضعف مؤثرة ، وقرب احتمالات كانت مؤجلة. وفقا لبعض الباحثين فان الاضطرابات العمالية في فرنسا نهاية 2019 ، والتظاهرات التي اجتاحت الولايات المتحدة في الشهر الجاري ، تستدعي مراجعة لفكرة "العقد الاجتماعي" و سبل تحقيق "العدالة الاجتماعية" ولاسيما التناسب بين دور الدولة والمجتمع المدني في هذا المجال.
هل لهذا علاقة بالتحول الى العالم الرقمي؟
في راي علماء مثل مانويل كاستلز  ، فان تبلور العالم الرقمي يؤدي الى:
 أ) تغيير جذري في مفهوم الهوية الشخصية وتركيبها ، اي الجواب على سؤال: من أنا؟.
ب) تغيير مؤثر في معادلات القوة وتوزيعها في المجتمع  والعالم. ستحوز الطبقات المهمشة دورا اكبر  مما عرفه العالم في اي وقت. وبسببه سوف نرى توزيعا مختلفا للسلطة وراس المال والتاثير الثقافي.
ولعلنا نعود لتفصيل الموضوع في وقت لاحق.
الشرق الاوسط  الأربعاء - 25 شوال 1441 هـ - 17 يونيو 2020 مـ رقم العدد [15177]

13/05/2020

"الفرج بعد الشدة"


||ما تحدثه الاوبئة من فتك بالبشر، ومن فوضى واضطراب في نظام العالم، تولد شعورا قويا بالحاجة للتغيير، اي ابتكار بدائل عن نظم عجزت عن احتواء تحدي الوباء او غيره ||

بعض القراء اطلع بالتأكيد على كتاب "الفرج بعد الشدة" للقاضي المحسن بن علي التنوخي الأنطاكي (939-994م). الذي أراد تعزيز الأمل والتفاؤل ، من خلال تهوين مصائب الدنيا ، وبيان ما يحصل من يسر وسعة بعد الشدائد. وللكتاب شعبية واسعة بين الخطباء والمتحدثين ، لكثرة ما فيه من قصص طريفة. وقد أصاب التنوخي ما قصده ، فتاريخ البشرية يشهد ان كل شدة لابد ان تفضي الى فرج.
بعد هذا التمهيد اقول: ان حديث اليوم لايجاوز هذا الاطار. لكني لا أقصد تهوين الأمور وان بدت في السياق على هذا النحو. وموضوعنا كما هو واضح ، عن حال العالم بعد انقشاع جائحة كورونا.
من ضروب المبالغة الادعاء ، بان أحدا يعرف تماما كيف سيكون العالم بعد سنة او اقل أو اكثر. بديهي ان الخبراء في كل مجال ، سيواصلون التأمل في البيانات المتوفرة ، وسوف يضعون توقعات لما قد يحدث. لكن أحدا منهم لن يغامر بالقول ان تلك التوقعات علم قطعي.
لعل قارئا يسأل مستنكرا: طالما ان الامر لايتعدى توقعات غير حاسمة ، وقد لايعتمد عليها في اتخاذ قرارات أو تحريك موارد ، فما الداعي للاحتفاء بها ، ولماذا نصرف الجهود والاموال على التحليل ووضع الاحتمالات؟.
في الجواب على هذا التساؤل ، يكمن سر المعرفة والتقدم. فلو راجعت ابرز التحولات التي مر بها العالم على صعيد الاقتصاد والصحة والعلوم ، لوجدت ان معظمها جاء بعد كوارث مخيفة. كمثال على هذا فان النصف الاول من القرن العشرين ، شهد ظهور النماذج الاولية والمعادلات الأساسية ، لمعظم الاجهزة التي نستعملها اليوم ، وكذلك الادوية التي نتعالج بها ، والقواعد العلمية التي نعتمدها في شتى ابعاد حياتنا. في العموم فان ما أنجزه العالم في هذه الحقبة ، تجاوزت ما حققه خلال القرون الاربعة السابقة جميعا.
لكنا نعلم ايضا ان هذه الحقبة نفسها ، أي النصف الاول من القرن العشرين ، هي الفترة التي شهدت اضخم الكوارث ، التي سجلها تاريخ البشرية في القرون الخمسة الأخيرة. ومن بينها مثلا الاوبئة التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن 150 مليونا ، والحروب الكونية التي قتل فيها نحو 60 مليونا ، اضافة الى موجات الكساد التي ضربت اقتصاديات العالم شرقا وغربا ، ولاسيما كساد العشرينات الذي أدى الى هجرات واسعة ، وموت عشرات الآلاف جوعا.
ثمة محركات عديدة تقف وراء البحث العلمي والاختراع. لعل اقواها شعور الانسان بحاجته الماسة للسيطرة على اقداره ، اي التحرر من اسر الطبيعة وتجاوز قيودها ، وادارة حياته وفق ما يريد ، لا وفق ما هو مضطر اليه بسبب قلة حيلته او قصور امكانياته.
ما تحدثه الاوبئة من فتك بالبشر ، وما تؤدي اليه من فوضى واضطراب في نظام العالم ، تولد شعورا قويا بالحاجة الى التغيير والتطوير ، اي ابتكار بدائل عن نظم سائدة ، كشف الوباء عن ضعف استجابتها لحاجات البشر، او صنع تجهيزات ظهرت حاجتنا اليها ، او طرق عمل ومناهج كانت مستبعدة في الماضي وظهر انها ممكنة ، بل ربما ظهر انها اكثر فائدة مما ظنناه.
هذي ببساطة هي الحلقة التي تربط بين الشدة التي يعبر عنها الوباء ، وبين الفرج الذي يلوح وراء جدران الزمن والغيب ، ويدعو الانسان للبحث والمحاولة كي يشق حجابه ويقبض عليه. دعنا نؤمل خيرا ، فوراء العسر يسر وفرج وربما عوض عن كل ما فات.
الشرق الاوسط الأربعاء - 20 شهر رمضان 1441 هـ - 13 مايو 2020 مـ رقم العدد [15142]

مقالات ذات صلة


06/05/2020

مسارات للتفكير في تحولات العالم بعد الوباء




معظم الخبراء في مختلف التخصصات ، واثقون من ان العالم مقبل على تحولات عميقة وواسعة بعدما يتلاشى وباء كورونا وتزول آثاره. السؤال عن صورة العالم في الاعوام القادمة ، بات الشغل الشاغل للعلماء والمحللين في العالم كله. وتنشر الصحافة الدولية ،  كل يوم تقريبا ، تصورات أولية حول مسارات التحول المنتظر. مما يكشف عن حيوية النقاش الجاري في هذا السياق. 

سوف اقترح اليوم اربعة مسارات للتفكير في التحولات المتوقعة:
المسار الاول: يتناول طبيعة التحولات ، التي قد تكون تراكمية تدريجية ، او تكون باراديمية/نسقية.  في النوع الاول يقوم المجتمع بتجديد وتطوير بنياته القائمة. ومن هنا فان الجديد محكوم بمنطق البنيات القائمة فعلا. اما النوع الثاني فهو عبارة عن عملية احلال ، تتضمن الغاء البنيات القديمة ، واقامة بنيات جديدة ، متباينة غالبا مع نظيرتها القديمة.
المسار الثاني: يتناول انعكاسات التحول. فحين يبدأ ، سواء كان نسقيا او تراكميا ، فان أولى علاماته تظهر على العناصر الضعيفة ، العاجزة عن مقاومة رياح التغيير. وهذه قد تطال السوق والثقافة والقيم المعيارية والعائلة والقوى الاجتماعية ومراكز النفوذ.
ومع انهيار هذه ، ينطلق "الدومينو" أي سلسلة الانهيارات المتوالية. نستطيع القول ان هذا المسار  قد بدأ فعلا. شركة الطيران البريطانية "فلاي بي" اعلنت افلاسها. ولحقتها فيرجين استراليا للطيران. وثمة خوف على مصير مماثل ينتظر شقيقتها فيرجين اتلانتيك. وفي بريطانيا اعلنت بريمارك ، شركة الملابس الاقتصادية ، اغلاق 189 من متاجرها من دون توقيت محدد للعودة. وهناك ما يشبه الاجماع بين منظمات التجارة واتحادات العمل الدولية ، على ان خسائر قطاع العمل ستزيد عن 100 مليون وظيفة. أما التقديرات المتشائمة فتحذر من أن 195 مليون عامل سيخسرون وظائفهم على امتداد العالم ، هذه السنة. تخيل عدد الشركات التي كانت توظف هذا الجيش الهائل من العمال ، وكم منها سيغلق أبوابه الى الأبد.
المسار الثالث: يركز على محرك التغيير. منذ بداية العقد الحالي ، بات واضحا ان البيانات والمعلومات تشكل مضمون التحول القادم ، وهي جوهر النسق الحياتي والاقتصادي في عالم ما بعد كورونا. ومن هنا فان التحول سيكون أوسع وأعمق في القطاعات التي تتعامل مباشرة مع البيانات/المعلومات والتقنيات الخاصة بها. هذا يعني في المقام الاول قطاعات التعليم والاتصالات والصحة والادارة. لكن تأثيره لا يتوقف عند هذا الحد ، فهو سيطال ايضا حياتنا الاجتماعية وعلاقاتنا ومنظومات القيم التي نستند اليها في فهمنا للعالم وحكمنا عليه. وسيكون لنا في هذا المسار حديث لاحق اكثر تفصيلا.
المسار الرابع: ان التحولات الكبرى في تاريخ البشر لم تقف عند تفكيك البنيات القديمة ،  بل أقامت بنيات بديلة.دعنا نضرب مثلا بدخول الروبوت الى المصانع والمستودعات ، حيث قيل يومها انه سيقضي على الوظائف. وهذا ما حصل فعلا. لكن على الوجه الثاني ، فان هذا  التطور ولد وظائف جديدة اكثر من تلك التي الغاها ، واكثر تنوعا واعلى عائدا.  هذا الشيء حدث ايضا حين دخول الانترنت وقبلها الكهرباء وقبلها البخار.
لقد جرت سيرة الثورات الصناعية الكبرى على تدمير العديد من القطاعات والغاء الوظائف المرتبطة بها. لكنها في الوقت ذاته فتحت الباب امام قطاعات جديدة ووظائف جديدة اكثر وأفضل. وهذا من ابرز اسرار التقدم.
هذه اذن مسارات اربعة ، اقترح ان تكون اطارا للتفكير في التحولات القادمة ، لا سيما  في بلادنا ومحيطها الاقليمي. وآمل ان تكون مفيدة في توجيه الاذهان واثارتها.
الشرق الاوسط الأربعاء - 13 شهر رمضان 1441 هـ - 06 مايو 2020 مـ رقم العدد [15135]
مقالات ذات صلة


ثقافة المجتمع.. كيف تحفز النمو الاقتصادي او تعيقه

  ورقة نقاش في الاجتماع السنوي 42 لمنتدى التنمية الخليجي ، الرياض 2 فبراير 2024 توفيق السيف يدور النقاش في هذه الورقة حول سؤال : هل ساهمت ...