‏إظهار الرسائل ذات التسميات وزارة العمل. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات وزارة العمل. إظهار كافة الرسائل

09/07/2013

يسروا القانون كي تكسبوا طاعة الناس

تقول وزارة العمل إنها استطاعت تصحيح 40 في المائة من المخالفات الخاصة بالعمالة الأجنبية. ويحق للوزارة أن تفخر بهذا الإنجاز الذي تحقق خلال 90 يوما. لكن ما يهمنا فعلا هو قراءة هذه التجربة ودروسها. وأهم تلك الدروس في ظني هو ''أثر اللين والملاينة في التزام المجتمع بالقانون''.
يعرف الذين أقاموا في الدول الصناعية أن الناس لا يضطرون إلى مراجعة الدوائر الحكومية والمصارف، وحتى الشركات الخاصة، إلا في أضيق الحدود، لأن جميع المعاملات تتم بالبريد والهاتف.
أما في بلدنا فيستحيل إنجاز معاملة دون مراجعة عديد من الدوائر. الأسبوع الماضي أمضيت أربعة أيام لاستخراج شهادة زكاة. قلت لأحد الإداريين هناك إننا نضيع هذا الوقت الطويل كي ''ندفع'' المال للحكومة، فكم من الوقت سنصرفه لو احتجنا لقبض مال منها؟

الفارق بيننا وبين الدول المتقدمة يكمن في الأساس الفلسفي للقانون. تبنت تلك الدول فلسفة متفائلة إزاء الطبيعة الإنسانية، فحواها أن أكثرية الناس خيرون يريدون العيش في إطار القانون، ولذا يوضع القانون بهدف مساعدتهم وتسهيل أمورهم.
أما في المجتمعات التقليدية مثل مجتمعنا فتسود فلسفة متشائمة إزاء الطبيعة الإنسانية، فحواها أن الناس لو تركوا من دون ضابط أو رقيب، فسيعبثون ويفسدون. ولهذا يميل واضع القانون إلى التشدد في نصوصه، كي يجبر الجميع على الانضباط ويضيق الخناق على العابثين.
بعبارة أخرى فإن القانون في الحالة الأولى يوضع لمساعدة الأكثرية الطيبة، ولو أدى إلى تمكين الأقلية العابثة من الإساءة. أما في حالتنا فيوضع لردع الأقلية العابثة، ولو أدى إلى تعسير الحياة على الأكثرية المطيعة للقانون.
تجربة التسعين يوما التي أمر بها الملك لتصحيح أوضاع الوافدين أثبتت أن الأكثرية الساحقة من الناس تريد العيش في ظل القانون، وإنها ستسعى لذلك حين تجد القانون يسيرا ومساعدا.
ينبغي للحكومة أن تسأل نفسها: لماذا عجزنا عن حل هذا المشكل طيلة ثلاثة عقود، بينما نجحنا في حل 40 في المائة منه خلال ثلاثة أشهر؟
الفارق الوحيد هو أن الحكومة يسرت الإجراءات، وخففت من القيود القانونية الثقيلة التي كانت مفروضة في الماضي. ألا يكفي هذا للتدليل على أن عسر القانون هو أبرز أسباب التهرب منه، وأن يسر القانون هو الطريق الوحيد لتشجيع الناس على طاعته وتكييف حياتهم ضمن إطاره؟
زبدة القول أن القانون الضيق الشديد يدفع الناس قسرا للقفز فوقه، بينما القانون اليسير السهل يدفع الناس تطوعا لطاعته والانسجام معه. نحن في حاجة إلى تغيير الفلسفة التي يوضع النظام على أرضيتها. دعونا نثق بالإنسان، بطبيعته الخيرة، وأن نضع القانون على هذا الأساس، حتى لو أدى إلى منح 100 مخالف فرصة للعبث. لا ينبغي أن نعسر حياة ملايين الناس من أجل عشرة أو 100 أو حتى ألف عابث.

مقالات ذات علاقة

10/07/2012

الحكومة ضد الحكومة


قصة كاشيرات مكة قصة صغيرة جرت فصولها في زحمة احداث كبيرة . في مايو الماضي وظف مركز تجاري في مكة المكرمة ست فتيات بالتعاون مع وزارة العمل. بعد حوالي شهر ، استدعي مدير المركز الى مكتب هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وطلب منه تسريح الفتيات. طالبهم بخطاب رسمي كي يقدمه لمكتب العمل حين يتعرض للشكوى ، فرفض موظف الهيئة. لم يتوصلوا الى اتفاق فلم يتوسل مكتب الهيئة بالقانون كما يفترض من دائرة حكومية ، بل هدده - طبقا لتصريحات مدير المركز - بتشويه سمعة الشركة ، والتشهير بها في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبدعوة المؤمنين لمقاطعة المراكز التجارية التابعة لها. "الحياة 16 يونيو 2012".
يستوقفني في هذه القصة ثلاث نقاط :

1- الطرف الوحيد المتضرر هنا هو الشريحة الاضعف في المجتمع: فتيات فقيرات ، سعين ، مثل كل انسان شريف ، لكسب لقمة العيش بالعمل ولو براتب ضئيل. بينما الطرف المتسبب في الضرر دائرة حكومية هدفها المعلن هو حماية الناس ولا سيما ضعفاءهم.
2- الفتيات تقدمن للعمل في اطار القانون. والشركة وظفتهن في اطار القانون. وبدعم وتشجيع وزارة العمل التي تسعى لمكافحة البطالة المتفاقمة بين النساء (فوق 80% حسب التقديرات المنشورة). نحن اذن ازاء دائرة حكومية تصارع دائرة حكومية اخرى وتسعى لافشال خططها.
3- هيئة الامر بالمعروف لم تتبع الطرق القانونية في التعامل مع المواطن . بل توسلت باسلوب الجماعات السياسية الاهلية ، اي التهديد بالتشهير والمقاطعة ، ثم الضغط الشخصي المباشر على العاملات واصحاب المركز التجاري بالمضايقة والتهديد واعاقة العمل. في الماضي كانت الهيئة تتبرأ من هذا النوع من التصرفات ، وتنسبه الى "محتسبين متطوعين". لكن الواضح الان ان موظفين رسميين في الهيئة هم الذين يمارسونه. هذا يثير سؤالا جديا حول وجود لوائح سلوك وظيفي في الهيئة ، ومدى التزام موظفيها بانظمة العمل السارية.
الغائب الاكبر في هذه القضية هو مبدأ "سيادة القانون". سيادة القانون تعني ان اي نظام او لائحة تصدر من جهة رسمية ذات صفة ، وتعلن للناس ، فانها تصبح ملزمة للجميع ، الراضين بها والرافضين لها. لو قبلنا بامكانية تطبيق القانون بصورة تفاضلية ، فسوف يطبق الاقوياء ما يناسبهم من الانظمة ويتركون ما لا يناسبهم. وفي وقت لاحق سيتحول هذا الى سلوك عام يمارسه القوي والضعيف على حد سواء. وفي هذه النقطة تضيع هيبة النظام العام وقانون البلد.
هل نريد الوصول الى هذه النقطة؟.
اذا كنا نؤمن بسيادة القانون وانه فوق الجميع ، فعلى الجهات الرسمية ايقاف موظفي فرع هيئة مكة فورا واعلان ذلك . وعليها اعادة الفتيات الست الى عملهن بشكل علني ، كي تصل الرسالة للجميع بان القانون يعلن كي يطبق ، وانه قانون فعلي يطبق على الجميع ، وليس مجرد سالفة قيلت في مجلس.

 الاقتصادية 10 يوليو 2012  

07/12/2005

كي نتخلص من البطالة

مشكلة البطالة التي تواجهها دول الخليج واحدة من مشكلات كثيرة ترجع الى سبب واحد ، يتمثل في انعدام التاسيس النظري المناسب للنظام الاقتصادي في اقطار الخليج. لو وجدت نظرية عامة للاقتصاد فان استراتيجيات العمل الاقتصادي ، وبالتالي القرارات الحكومية ذات العلاقة سوف تاتي منسجمة، متناغمة ومتكاملة. وفي غياب هذه النظرية، فان كل قرار سوف يبنى على قاعدة منفردة ، بل وربما متعارضة في بعض الاحيان مع القواعد التي بنيت عليها قرارات سابقة، او متعارضة مع الاعراف السائدة في قطاع الاعمال مثل هذا التعارض لا بد ان يؤدي الى اشكالات غير مريحة: تعطيل القرار مرة وتعطيل النشاط الاقتصادي مرة اخرى.

هذا الاستنتاج ليس مجرد فرضية بل هو واقع محسوس ولعل اخر الامثلة عليه هو الاقتراح المقدم من بعض وزراء العمل الخليجيين ، وفحواه تحديد الفترة القصوى التي يسمح للعامل الاجنبي بالبقاء في المنطقة. وهو قرار غير منطقي وغير قابل للتطبيق، ولهذا فقد واجه معارضة فورية من جانب قطاع الاعمال كما ظهر في بيان غرفة تجارة الرياض مثلا.

الفرضية المعتادة ترجع مشكلة البطالة الى قلة فرص العمل، وهذا بدوره يرجع الى ضآلة حجم الاستثمار الحكومي او الاهلي. لكن دول الخليج لا تعاني من قلة المال. حتى في سنوات العسر الاقتصادي الماضية كان الحجم الاجمالي للاستثمار قادرا على توفير فرص عمل كافية. لكننا وجدنا ان معظم هذه الفرص ذهبت الى عمال وافدين. والسبب في ذلك كما يبدو لي هو عدم التوازن بين مستويات الفرص المتاحة. الشريحة الاعظم من الفرص تتعلق بوظائف قليلة العائد ولا تحتاج في العادة الى كفاءات كبيرة كما ان الشريحة العليا من الوظائف هي بطبيعة الحال ضيقة ولا تستوعب سوى نسبة صغيرة جدا من المؤهلين، وهي على اي حال ليست رهانا جديا للاغلبية الساحقة من طالبي العمل.

 اما النقص الحقيقي فهو في الوظائف المتوسطة التي تعادل عائداتها الاساسية ضعف المتوسط العام لكلفة المعيشة. ان الشريحة الاوسع من سكان الخليج ينتمون الى الطبقة الوسطى من حيث الكفاءة العملية ومستوى المعيشة ولهذا فان الوظائف المتوسطة هي خيارهم الطبيعي.

كانت امارة دبي هي الوحيدة في الخليج التي وضعت نظرية عامة لاقتصادياتها حين قررت ان الخدمات المالية والتجارية سوف تكون محور حياتها الاقتصادية. وبناء عليه فقد اعادت صياغة كامل منظومتها القانونية والادارية لخدمة هذا الاتجاه، ووجدنا كيف حققت نتائج مدهشة في فترة قصيرة. ولهذا فان هذه الامارة هي الوحيدة بين نظيراتها في الخليج التي لا تتحدث عن بطالة، بل عن فرص عمل متزايدة.

لو اردنا وضع نظرية كلية فلا بد ان تقوم على اعتبار البترول المحور الرئيس لاقتصاديات الخليج، ذلك ان الاحتياطي المتوفر والمتوقع سوف يكفي لما لا يقل عن نصف قرن. ويمكن لنا بالاعتماد على البترول وحده توفير فرص عمل كافية اليوم وغدا، بشرط ان يتحول الى صناعة متكاملة. رغم ان تصدير البترول يمثل في الوقت الحاضر المورد الاول والحاسم للدخل القومي، الا انه لم يتحول بعد الى عصب للحياة الاقتصادية. بكلمة اخرى فان صناعة البترول لا زالت محصورة جغرافيا في مناطق محددة وموضوعيا في قطاعات محددة، اما باقي القطاعات الاقتصادية فهي مجرد عالة على صادرات البترول وليست جزءا متفاعلا معها.

 ولهذا فان احد اغراض النظرية هو تنسيج صناعة البترول في كل اجزء الدورة الاقتصادية وتحويل هذه الدورة الى منظومة متفاعلة تدور حول الاستفادة القصوى من ذلك المورد. ويتحقق ذلك من خلال مسارين: الاول هو التحول من تصدير البترول الخام الى تصدير المشتقات البترولية والمنتجات الثانوية، والثاني هو التوجه نحو الاكتفاء الذاتي في التجهيزات والتقنيات المتعلقة بصناعة البترول. ونشير هنا الى الدعوات الملحة التي اطلقها اقتصاديون واكاديميون خلال العقود الثلاثة الماضية، لاستثمار العائدات البترولية في تنويع قاعدة الانتاج الوطني. هذه الدعوات تجاري قاعدة معروفة في علم الاقتصاد فحواها ان الاعتماد على تصدير المواد الخام يجعل المصدر اسيرا للمشتري، كما ان الاقتصار على محصول واحد يقلص مستويات الامان

فيما يتعلق بالمسار الاول فان التحول الى تصنيع البترول يتوقف على التوسع في انشاء مصانع التكرير والبتروكيمياويات وتتمتع دول الخليج بميزة استثنائية على غيرها من دول العالم هي توفر رؤوس الاموال اللازمة لهذه الصناعات التي تحتاج الى استثمارات ضخمة. التوسع في هذه القطاعات سوف يضاعف عائدات التصدير، ويوفر عددا كبيرا من الوظائف الجديدة، كما سيرفع المستوى العملي والتقني للبلاد في الحقيقة فان دول الخليج قادرة على التحول الى موفر رئيسي لمشتقات البترول والمواد الوسيطة للصناعات الكيميائية في العالم، مثل ما هي اليوم الموفر الرئيسي للبترول الخام ومع هذا التحول فان موقعها في السوق العالمي سوف يتعزز وسوف يوفر حماية اضافية لاقتصادياتها من تقلبات الاسواق الدولية.

اما بالنسبة للمسار الثاني، فان جانبا هاما من عائدات البترول الخليجي يذهب من جديد الى الدول المستهلكة ثمنا لاستيراد التجهيزات والتقنيات التي تحتاجها هذه الصناعة من المؤسف اننا لا نملك حتى الان قاعدة علمية مناسبة لتطوير التقنيات التي نحتاجها، كما لا نملك قاعدة صناعية توفر ما نحتاجه من عتاد وتجهيزات، على الرغم من وجود العديد من الكليات الجامعية المتخصصة والالاف من الشباب الذين درسوا في التخصصاات ذات العلاقة في الجامعات الاجنبية. واظن ان السبب وراء هذا النقص هو انعدام التاسيس النظري الذي اشرنا اليه.

لو ذهبنا في هذين المسارين، فان عائدات البترول سوف تقفز الى اضعاف العائدات الحالية، كما انها ستوفر فرص عمل ليس في مواقع الانتاج فقط، بل في كل مستويات الاقتصاد الوطني. ان صناعة البترول توفر اليوم اقل من عشرة بالمائة من الوظائف، اما النسبة الاعظم فهي ناتج ثانوي لعائدات التصدير. مع التحول المشار اليه فان صناعة البترول قادرة على مضاعفة الفرص الوظيفية، كما ان تضاعف العائدات سوف يلبي البقية الباقية ويزيد.

قلنا في البداية ان مشكلة البطالة تتعلق بالشريحة المتوسطة من الوظائف. ونضيف هنا ان طلاب هذه الشريحة سيكونون ابرز المستفيدين من التحول المطلوب. اذا نظرنا الى صناعة البترول والبتروكيمياويات الحالية فسوف نجد ان معظم وظائفها تنتمي الى هذه الشريحة. وبطبيعة الحال فان التوسع فيها سيقود بالضرورة الى توسع مواز في فرص العمل لهذا نعود الى القول بان مشكلة البطالة يمكن ان تختفي تماما من دول الخليج لو وضعت نظرية مناسبة للعمل الاقتصادي، نظرية تتواصل مع الامكانات القائمة فعلا وتبني عليها.

رحلة البحث عن الذات

  قلت في الاسبوع الماضي ان كتاب الاستاذ اياد مدني " حكاية سعودية " ليس سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق ، وان بدا هكذا. وسألت نفسي حينئذ...