23/02/2009

الانصاف .. لا شيء سوى الانصاف


ابسط ما نتوقعه من الوزراء والمسؤولين الذين تولوا مناصبهم اخيرا هو ارساء مبدأ الانصاف في التعامل بين اداراتهم وبين المراجعين. لا نطالب الوزير بمتابعة المعاملات ، وحتى لو اراد فلن يفعل الكثير . 99 بالمئة من المعاملات الحكومية تجري في المستويات الوسطى والدنيا من الادارة ، ولهذا فان تحسين مسار العلاقة بين الوزارة والمراجعين يتركز في هذين المستويين .
ما ندعو اليه ببساطة هو ان يصدر الوزير قائمة بحقوق المراجعين تقابل بالتحديد ما هو مطلوب منهم . لا نتحدث هنا عن قائمة بالنصائح الاخلاقية والاداب المتوقعة من الموظفين ، بل بالحقوق المستندة الى وصف قانوني واضح . حين تعترف للمراجع بالحق في شيء ، فانت تجرم كل من خرق هذا الحق وتفرض عليه عقوبة ، وتحدد جهة مرجعية تتولى تطبيقه. دعنا نأخذ مثالا : حين تتقدم الى المحكمة طالبا اثبات ملكية ارض او بناء مثلا ، فهم يفرضون عليك معايير محددة يعرفها المهندسون والمحامون ويجتهدون في الالتزام بها قبل تقديم المعاملة . لكنك تجد فيما بعد ان هناك مطالب اخرى مثل موافقة البلدية وربما وزارة الزراعة والمالية واذا كنت في المنطقة الشرقية فسوف يطلبون منك موافقة شركة ارامكو وربما غيرها ايضا .

 يتوقع المراجع ان تجرى هذه الامور كلها في ظرف شهر او شهرين خاصة اذا كان ذا همة وذهب بنفسه لمراجعة هذه الدوائر. لكنه يكتشف لاحقا ان الوقت مفتوح ، بمعنى انه قد يستغرق عاما في الحد الادنى وقد  تتضاعف حتى يخسر المراجع من الوقت والجهد ما يعادل قيمة الملك الذي يريد اثباته . الطريف في الامر ان بعض الدوائر مثل البلدية لا تكلف نفسها عناء الموافقة او الرفض رجوعا الى دفاترها الخاصة ، بل تطلب ارسال لجنة من ذوي الخبرة يعينهم عادة عمدة المحلة او القرية ، وهذا يتطلب دفع مبالغ  لهؤلاء ، غير محددة ولا يوجد لها اساس قانوني ، وتتناسب عادة مع حجم الملك وقيمته في السوق. لا تستطيع التملص من هذه الفقرة الا اذا كنت مستعدا لشكاوى ومناقشات تطول شهورا اضافية .

اذا عارضت هذه الاجراءات فسيرد عليك مسؤولو الدوائر بان هدفها هو حماية حقوق الدولة ، وهذا تبرير حسن . لكن ماذا عن حقوق المواطن صاحب المعاملة ؟. وماذا عن القيمة الاقتصادية للزمن والجهد الذي يبذله؟. نحن نجد ان الاصل عند كل دائرة هو ضمان حقوقها كاملة واجبار المواطن على الالتزام بما تقرره لضمان تلك الحقوق ، فماذا عن واجباتها ؟. اذا كنا نتحدث عن الانصاف ، فان الانصاف يقتضى الموازنة بين الطرفين ، بالغاء الاجراءات والمطالب غير الضرورية وتقديم بديل عن المطالب المكلفة . والاهم من كل ذلك هو تحديد وقت لانهاء المعاملات . يستطيع الوزير مثلا ان يقرر ان رخصة البناء يجب ان تصدر في موعد اقصاه اليوم السابع من تاريخ تقديمها . او ان اثبات الملك يجب ان لا يتاخر عن ثلاثة اشهر وان على الدوائر الاخرى ان تقدم سلفا المعايير التي تريد تطبيقها في الموافقة والرفض بحيث لا يضطر المواطن الى اللهاث وراء هذه الدائرة وتلك.

اصدار قرار من هذا النوع ربما يكون عسيرا في ظل التقاليد الادارية السائدة ، لكنه سيكون ممكنا وسهلا لو بدانا بمراجعة الاجراءات وحذف ما هو غير ضروري منها . وهناك قطعا الكثير من الاجراءات في معظم الدوائر لا داعي لها اصلا ، ومنها ما هو تكرار لاعمال يقوم بها اخرون ، ومنها ما يرجع الى ازمان قديمة ولم يعد له موضوع ولا فائدة.

اتمنى ان يبدأ الوزراء الجدد بحصر جميع التعليمات واللوائح الخاصة بمعاملات المواطنين واعطائها الى لجنة خبراء مهمتها المحورية هي حذف الزوائد والمكررات والاجراءات المعطلة ، ثم اصدار لائحة بحقوق المراجعين والجهة المكلفة بالبت فيها عند الشكوى . ستحقق هذه الخطوة قدرا من الانصاف في التعامل بين الوزارة والجمهور ، واذا نجحت فسيكون للوزير الحق في الفخر بانه كان حقا رجل التغيير 
.
عكاظ 23 فبراير 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخلاقيات السياسة

  أكثر الناس يرون السياسة عالما بلا أخلاق. ثمة اشخاص يأخذون بالرأي المعاكس. انا واحد من هؤلاء ، وكذا العديد من الفلاسفة الاخلاقيين وعلماء ...