النقاش حول الذكاء الاصطناعي
يدور غالبا حول التحديات التي يمثلها هذا الوافد الجديد ، لنا ولمفاهيمنا ونظم
معيشتنا. هذا النقاش يتسم بتعبيرات مكررة الى حد كبير. مما يوهم بأننا نتحدث حول
موضوع واحد. واقع الامر اننا نناقش موضوعات تنتمي لحقول معرفية متباينة ، حتى لو عبرنا
عنها بكلمات متماثلة. لدي أسئلة ثلاثة ، تتناول الانعكاسات الحياتية لانتشار
الذكاء الصناعي ، وتأثيره على التنظيم الاجتماعي والأعراف الناظمة له. لكني سوف أترك
هذين لمناسبة أخرى ، واخصص هذه الكتابة للسؤال الثالث الأكثر إثارة للجدل ، أي: هل
يمكن للذكاء الاصطناعي ان يحتل مكانة الذكاء البشري فيكون بديلا عنه ، جزئيا او
كليا؟.الان تورينغ (1012-1954)
يهتم غالبية الناس بهذا
السؤال ، لأنه ينطوي على اتهام بأن عقولنا ناقصة. ومحور الجدل هو: هل يمكن للمصنوع
أن يتجاوز صانعه ، ليس في الامكانية العامة ، بل في الخاصية التي تميز الصانع ، أي
الخلق والابداع؟.
مناقشة هذا السؤال تبدأ بتعريف
العمليات الذهنية مثل التفكير (التفكيك والربط) والتعلم (التقليد ، المقارنة
وإعادة الإنتاج) والذاكرة (الحفظ والتصنيف والتقعيد والتنميط) وحل المشكلات ،
ولاسيما اختبار الاحتمالات والنتائج. هذه المناقشة محلها علم النفس المعرفي.
بعد التوصل الى نتائج
شبه رقمية ، سنحتاج للتعرف على المسارات المتبعة فعليا في تطوير أنظمة الذكاء
الصناعي ، وأبرزها:
أ- اختبار
تورينغ ، نسبة الى عالم الرياضيات والحوسبة البريطاني آلان
تورينغ. وهو يركز على اختبار قدرة الآلة على محاكاة الذكاء البشري ، ولا سيما
في المحادثة والاستذكار ، ثم قياس سرعة المحاكاة ومدى مطابقتها. لعل اشهر تطبيقات
هذا الاختبار ، هي روبوتات المحادثة المدعومة بالذكاء الصناعي.
ب- تعلم
الآلة: وتركز على إعادة انتاج الحلول ، من خلال المقارنة والتعرف على الأنماط
الرئيسية والفرعية والمفاضلة بينها ، إضافة الى القدرة على البرمجة الذاتية
والتكيف مع البيانات الجديدة من دون تدخل بشري مباشر. وبين أشهر الأمثلة على هذا
المسار نظام
الفا-زيرو Alpha-Zero الذي طورته شركة تابعة لغوغل ،
ونجح في اتقان لعبة الشطرنج خلال اربع ساعات من التعلم الذاتي. ويقال انه طور
أساليب جديدة في اللعب ، لم يسبق ان استعملها أبطال اللعبة.
ت- الابتكار وابداع
معلومات جديدة لم تكن معروفة أو مؤكدة سابقا. وهو يشمل انتاج محتوى ابداعي ، مثل رواية
او شعر او لوحة فنية او حل هندسي أو رياضي. وتوجد الآن تطبيقات تنشيء لوحات فنية
او مقاطع فيديو ، اعتمادا على نصوص مكتوبة أو محكية. كما ان البروفسور جيوفاني
ساجيو ، وهو عالم إيطالي ، طور تطبيقا يكشف عن الامراض ، بتحليل صوت المريض ، ويقال ان هذا البرنامج نجح
في تقديم نتائج مطابقة لنتائج الفحوص السريرية بنسبة عالية جدا ، رغم ان توصله
للنتائج يستغرق دقائق معدودة.
توضح مسارات التطوير
السابقة الذكر ، الإطارات الواقعية للنقاش. الخبراء لا يتحدثون عن امكان مطلق او
استحالة مطلقة ، بل عن درجات الإمكان. حين يقولون ان الذكاء الصناعي يستطيع تجاوز
نظيره البشري ، فهم لا يقصدون الامكانية المطلقة لاستبدال احدهما بالآخر ، بل درجة
متقدمة في جانب بعينه. هذا يشبه مثلا السيارة التي يصنعها الانسان فتسير اسرع منه.
هذا لا يعني ان السيارة بديل عن الانسان ، بل هي قادرة على تجاوز حدوده في مجال
بعينه. كذلك الذكاء الصناعي الذي برهن فعليا على إمكانية تجاوز حدود البشر ، لكن
ليس الى حد الغاء دور الانسان.
يمتاز العقل البشري بالقدرة
على اكتشاف مسارات وضروب حياة ، لازالت بعيدة عن حدود الخيال. ولأن الذكاء الصناعي
ليس – من حيث المبدأ – مجهزا للتخيل ولا يعتقد انه قادر على التخيل ، فان الوصول
الى تلك المسارات ، سيبقى – على الأرجح - حكرا على الانسان ، الى ان يكشفها
ويقدمها للآلة التي نسميها الذكاء الصناعي.
الخميس - 02
ذو الحِجّة 1446 هـ - 29 مايو 2025 م https://aawsat.com/node/5148493
مقالات ذات صلة
عالم افتراضي يصنع العالم الواقعي
على اعتاب الثورة الصناعية الرابعة
لماذا ينبغي ان نطمئن الى تطور الذكاء الصناعي؟
ما الذي يجعل الانترنت مخيفا للزعماء التقليديين ومحبوبا للشباب
؟
معنى ان يكون التعليم العام واسع الافق
النقلة الحتمية : يوما ما ستنظر الى نفسك فتراها غير ما عرفت