‏إظهار الرسائل ذات التسميات هتلر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات هتلر. إظهار كافة الرسائل

06/11/2025

ماذا يفعل السياسيون؟

"السياسة بوصفها حرفة" رسالة صغيرة الحجم ، وهي في الأصل محاضرة مطولة القاها عالم الاجتماع المعروف ماكس فيبر ، امام اتحاد الطلبة بجامعة ميونيخ في 1919. نالت الرسالة شهرة واسعة في النصف الثاني من القرن العشرين ، مع بروز الدراسات المكرسة لتفسير الفعل السياسي واخلاقياته. ويظهر ان فيبر استهدف في تلك المحاضرة ، تعزيز الاتجاه العقلاني ، في مواجهة الميول المثالية التي تشيع عادة بين الطلبة الجامعيين. وكان هذا ضروريا عقب الهزيمة المذلة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى ، حيث شاع اتجاه قومي متطرف ، يقال انه وفر – لاحقا – أرضية ثقافية استثمرتها تيارات سياسية شعبوية ، مثل التيار النازي الذي تزعمه أدولف هتلر.

الرسالة الداخلية لتلك المحاضرة هي: من يريد احتراف العمل

ادولف هتلر
السياسي ، فعليه ان يستوعب الفوارق الجوهرية بين الوعظ والسياسة. ممارسة السياسة شيء مختلف تماما عن الكلام السياسي ، كما انه مختلف عن الحرف الأخرى. ان أردت المحافظة على اخلاقيات بسيطة ، فان السياسة ليست المكان المناسب ، فهي مكان للاخلاقيات المركبة ، حيث يجد المرء نفسه امام خيارات عسيرة بين السيء والأسوأ ، وليس بين الحسن والسيء ، وهو في كل حالة مضطر لاتخاذ قرار ، والا فقد دوره في هذا المجال.

جوهر السياسة – يقول فيبر – هو ارتباطها بأدوات الجبر والعنف. حين تكون في دار العبادة ، ستسمع تحذيرا من الاعمال التي تصنف في خانة الإساءة للغير ، او ظلم الضعيف او تخريب البيئة وأمثالها. وسيخبرك الواعظ ان هذه الأفعال تستدعي غضب الله والعقاب في الآخرة. واذا كنت في المدرسة ، فسوف يخبرك الأستاذ ان مخالفة أنظمة المرور والبناء وأمثالها قد تؤدي الى احتمال غرامات وخسائر ، وربما السجن. في كلا الحالين يركز المتحدث على ارشاد المستمعين ، واقناعهم بتجنب الأفعال التي تعرضهم للاذى. اما رجل السياسة فلا يصرف وقتا في اقناع أحد ، بل يتخذ قرارات توضح بجلاء ان من يخالفها سوف يتعرض للعقاب. الفارق اذن بين رجل السياسة وغيره ، ان هذا يهدد بالعنف المباشر وهو يملك أدواته. أما الواعظ والأستاذ فدورهم يقتصر على "لفت نظر" المستمعين الى العواقب المحتملة لأفعالهم.

بعبارة أخرى فان جوهر العمل في المجال السياسي ، هو الزام الناس بما يريده رجل السياسة ومنعهم مما لا يريده. قد تتوافق هذه الأوامر مع ارادات الناس في بعض الأحيان ، لكنهم في معظم الحالات ، يفعلون ما يأمرهم رجل السياسة خوفا من العقاب.

-         ما الذي يدعو ماكس فيبر لهذا الحديث؟

أشرت في المقدمة الى رغبته في معالجة الميول المثالية التي تلبس ثوب الاخلاق الكاملة. مع انها في حقيقة الأمر بعيدة جدا عن واقع الحياة وحاجاتها. بعبارة أخرى فاننا جميعا نتمنى الخلاص النهائي من الجبر والخشونة في كافة المعاملات: المعاملات بين الآباء والأبناء ، بين الأصدقاء والجيران ، بين التجار والمستهلكين ، بين رجال الدولة والمواطنين ، أو بين مواطني هذه الدولة وغيرهم من مواطني الدول الأخرى. هذه أمنية. لكن في واقع الحياة ، يستحيل إدارة البلاد من دون التلويح بأدوات الجبر ، في بعض الأحيان ، بل في غالب الأحيان.

هذا أمر لا أظن عاقلا ينكره. لكن العاقل سيخشى الانزلاق من "التلويح" بالعنف الى استعماله بشكل مبتذل ، أي تحويله من أداة في الخلفية الى أداة وحيدة للتعامل مع الناس. من ذلك مثلا ان تترك الحديث مع الناس ، الى تهديدهم بالسجن والتغريم وغير ذلك ، في كل صغيرة وكبيرة.

على الجانب الآخر ، فانه ليس متوقعا ان يلبس السياسي ثوب الواعظ ، أي ان يتخلى عن حل المشكلات ولو بالعنف ، لأنه ان فعل ذلك فقد فرط في دوره الرئيس ، أي إدارة البلد ، ولا أظن أحدا يريد أن يرى حاكما منصرفا الى الوعظ بدلا عن ممارسة الحكم ، حتى لو كان العنف مضمونا له.

الشرق الأوسط الخميس - 15 جمادي الأول 1447 هـ - 6 نوفمبر 2025 م https://aawsat.com/node/5205609

06/12/1998

قاعدة شيلني واشيلك

نعرف جميعا اننا نرث عن أسلافنا ، صفاتنا الجسمية ، لون بشرتنا وشكل وجوهنا وبقية الصفات البيولوجية ، حتى الامراض. لكن فكرة الوراثة كانت - حتى اواخر القرن الثامن عشر - أوسع من هذا بكثير. فقد اعتادت النخبة المتعلمة على تقبل الفكرة القائلة بان الانسان يرث عن أبويه حتى الصفات السلوكية والذهنية ، بما فيها قابلية الاستقامة والانحراف عن الطريق السوي. بل أن بعض العلماء بذل جهدا كبيرا لاثبات امكانية تمييز الشخص المستقيم أو المنحرف ، من تفاصيل وجهه وشكل جمجمته ، وان هذه الصفات تنتقل الى الأبناء من الآباء ، وبقيت فكرة تأثير الأصل سائدة في الابحاث المتعلقة بالمجتمع والانسان ، حتى منتصف القرن العشرين.

البروفسور كارل يونغ

في العام 1939 سئل كارل يونغ ، عالم النفس السويسري ، عن رأيه في ردة فعل الشبية الالمانية على صعود هتلر السياسي ، فقال ان هتلر هو ( مكبر الصوت الذي يجسم الهمسات الخفية للروح الالمانية). 

ومما يذكر هنا ان بعض المتعلمين ، وبينهم دعاة ورجال علم بارزون ، قد ابتلع الطعم ، فبالغوا في التدليل على هذا المنحى ، بالروايات التي تدعو الانسان إلى تحري الأصول الطيبة عند الزواج والجيرة ، أو تلك التي تمتدح أقواما بعينهم ، فصرفوها إلى ذلك المفهوم ، رغم ان الدعوة الاسلامية قد قامت على اعتبار الانسانية جامعا مشتركا ، يفرض التسوية بين كل انسان والآخر بما هو انسان ، وأحالت التفاضل على الفضائل الأخلاقية والعقلية ، التي يجتهد الفرد في اكتسابها والتحلي بها ، فتتحدد قيمته تبعا لها.

أما في العصور الاسلامية المتقدمة ، فقد اهتم عدد من العلماء بالعلاقة بين البيئة الطبيعية والنشاط الذهني ، وكان القاضي صاعد الاندلسي (1029-1070) من أوائل الذين طرحوا هذه الفكرة ، حين قرر ان الامم المؤهلة لاكتساب العلم ، هي التي تعيش في المناطق المعتدلة الهواء ، بينما انسان المناطق  الحارة  انفعالي غير متزن ، وانسان المناطق الباردة خامل ، وذهب إلى هذا المذهب - مع تبني استنتاج معاكس- المفكر الفرنسي  مونتسيكيو ( 1689-1755) الذي قرر ان السخونة تأتي بالاستبداد ، بينما البرودة تجعل العقل مسيطرا على الحواس .

 لكن هذا النوع من التصنيف لم يجد رواجا في المجتمع العربي ، لتزاحمه مع مفهوم آخر يقوم على نسبة الأفراد إلى بيئاتهم الاجتماعية ، أي النظر إلى الفرد من خلال انتمائه الاجتماعي ، وليس من خلال صفاته البيولوجية ، أو صورة أسلافه ، أو بيئته الطبيعية ، فضلا عن تزاحمه مع الصورة الدينية للفرد ، التي سبق الاشارة اليها ، ونعلم ان الدين الاسلامي هو المكون الرئيس لثقافة العرب ، منذ البعثة النبوية .

مع مرور الزمن وتطور علم الانسان ، أهملت نظريات الوراثة والتأثر بالبيئة الطبيعية ، لصالح تعظيم قيمة الفرد ، فيما يمكن اعتباره اكتشافا متأخرا للمفهوم الاسلامي ، الذي بدأ بالنظر إلى الفرد الواحد كمخاطب للشريعة ، ومسؤول عما كسب في دنياه ، حيث يتساوى في هذا الاعتبار والقيمة مع كل فرد آخر ، بغض النظر عن أصله ونسبه وبيئته .

لقد احتاج الانسان في الغرب إلى قرون طويلة من الكفاح ، حتى يسترد اعتباره الذاتي ، فيتحول من محمول على غيره إلى حامل لذاته ، قادر على تقرير قيمته الخاصة ، بناء على اجتهاده وانجازه ، مما حمل العالم البريطاني ادوار كار ، على القول بان (تاريخ البشرية هو بوجه من الوجوه ، تاربخ صراع الفرد من أجل استعادة قيمته) .

لكن على خلاف هذا فان المجتمع العربي ، وكثيرا من المجتمعات النامية الأخرى ، ما تزال تقاوم فكرة استقلال الفرد بقيمته ، الفرد في عالمنا ما يزال مجهولا كذات مستقلة قائمة بمفردها ودون نسبة إلى الغير ، الفرد في العالم النامي معروف بقبيلته أو طائفته أو بلده ،  أي بانتمائه الاجتماعي ، ولهذا فانك تواجه كثيرا من الحالات ، التي يعرف فيها زيد باعتباره من أهل البلد الفلاني أو القبيلة أو الطائفة الفلانية ، ويتقرر مكانه أو الموقف منه بناء على هذا الاعتبار .

وفي سنوات ماضية كتب دارسون عرب ، ان التحضر والنشاط الاقتصادي وانتشار التعليم ، سوف يقضي على هذا النوع من التصنيف ، الذي ينطوي على (احتقار غير مقصود) للانسان الفرد ، لكن ظهر لاحقا ان هذا التوقع كان متفائلا جدا ، رغم انه لا يخلو من صحة ، فلنقل على سبيل التحفظ ، ان عددا من الأفراد استطاعوا ان يفرضوا اعتبارهم الخاص ، وان يجعلوه مقدما على نسبهم أو انتمائهم ، وثمة عدد ملحوظ من الشخصيات البارزة اليوم في مجتمعنا ، ترجع إلى اصل متواضع ، لكن على الوجه الثاني ، فان الأفراد الذين لم يستطيعوا ابراز قدرات استثنائية ، ما زالوا يواجهون ذات المشكلة ، ومنهم من يعوّل كثيرا على استثمار انتمائه الاجتماعي للحصول على ما يريد ، بل وفي بعض الأحيان للاسـتـئـثار بالفوائد على حساب الغير ، فالانتماء يلعب هنا دور المرجح ، مقابل الكفاءة والصفات الفاضلة الأخرى .

وتجد أحيانا ان معظم الموظفين في إدارة من الادارات ، ينتهي اسمهم بلقب واحد ، يعكس الانتماء إلى قبيلة محددة أو منطقة محددة ، وليس ثمة تفسير لهذا الوضع ، سوى ان الانتماء الاجتماعي لعب الدور الرئيس ، بل ربما الوحيد في فوز هؤلاء بالوظيفة ، ضمن قانون (شيلني واشيلك) وهو قانون غير مكتوب ، لكنه قوي جدا وفعال على المستوى العملي . وهذا من أسباب التشاؤم الذي عبر عنه د. خلدون النقيب ، الذي توصل إلى ان انتشار التعليم في الأقطار العربية ، لم يؤد إلى تجسير الفجوة بين الكيانات الاجتماعية ، بل ربما ساعد على ابرازها وتسليط الضوء على خواصها ، التي هي نقاط افتراق لكل منها عن الغير .

مقالات ذات صلة

افكار للاستعمال الخارجي فقط

برنارد وليامز : الفيلسوف المجهول

بقية من ظلال الماضين

عودة لمبدأ المساواة

فكرة المساواة: برنارد وليامز

المساواة بين الخلق ... المساواة في ماذا ؟ : رؤية امارتيا سن

المساواة والعدالة : ديفيد ميلر

المساواة: اشكالات المفهوم واحتمالاته ايزايا برلين

 


في 6-12-1998

هل نتحدث في الفلسفة ام خدمات البلدية؟

تحدثت يوما الى رئيس بلدية ، في موضوع أظنه م عروفا لمعظم القراء الأعزاء ، وهو "تفريغ الميزانية" الذي وجدته متعارفا في العديد من دول...